Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا لو امتدت شرارة الصراع السوداني إلى خارج الحدود؟

قوى دولية وإقليمية إضافة إلى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة كلها دعت إلى تغليب لغة الحوار

ملخص

يمكن أن تمتد شرارة الصراع المسلح الحالي إلى دول الإقليم كما يمكن أن ترتد هذه الآثار إلى #السودان مرة أخرى بل قد تتطور بمرور الوقت وتؤدي إلى استجابات سياسية قد تكون لها آثار طويلة الأمد

إذا كانت للنزاعات المسلحة بمختلف مواقعها الجغرافية انعكاسات وارتدادات إقليمية من خلال تأثيراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المباشرة وغير المباشرة فإنها في حال الدول الأفريقية والسودان خصوصاً تنطوي على عواقب أكثر منها تأثيرات، والأمثلة على وجود ما يترتب على النزاع السوداني - السوداني حاضرة من التجارب القريبة، حتى أنها تخطت مسارات محددة يؤثر من خلالها النزاع في دول الجوار.

وبحكم تعرض السودان الطويل للحرب الأهلية في جنوبه وغربه، فإنه من السهل افتراض تأثيرات فعلية للنزاع الحالي حتى لو جاءت هذه المرة مبرأة من الغموض الذي اكتنف علاقات السودان مع دول الجوار خلال نزاعاته السابقة. ومن ناحية أخرى فإن السودان يتأثر هو الآخر بنمط عدم الاستقرار الإقليمي، أما التأثير في المجالات غير العسكرية فهناك قضايا اللجوء والتأثير في الاقتصاد والتجارة والأمن الغذائي والإنفاق العسكري وغيرها، مما ينعكس سلباً على تنمية البلاد المتعثرة، وكما هو معلوم فإنه كلما انخفض مستوى دخل البلد زادت الآثار السلبية للنزاع في تنميته، وامتدت إلى خارج الحدود مستندة إلى المسافة بين الدولتين والتلاقي اللغوي أو الديني أو الإثني.

 

جهود إقليمية

وقوى دولية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، وإقليمية في مقدمها السعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا وغيرها، إضافة إلى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، كلها دعت أطراف الصراع إلى تغليب لغة الحوار وضبط النفس والحكمة إعلاء للمصالح العليا للوطن.

وفي جهود الوساطة أيضاً عقد مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي اجتماعاً طارئاً بأديس أبابا يوم السبت، وقرر زيارة وفد مكون من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، ومفوض الأمن والسلم بالاتحاد الأفريقي بانكول أديوي السفر إلى الخرطوم، كما أعلنت الهيئة الحكومية للتنمية "إيقاد" أنها تنوي إيفاد رؤساء كينيا وجنوب السودان وجيبوتي، من أجل أن يقودوا وساطة بين الأطراف المتنازعة في السودان، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وإنهاء المواجهات المستمرة منذ السبت، ولكن تعرض مطار الخرطوم الدولي لأضرار جراء إطلاق النار واستمرار الصراع المسلح خصوصاً في المربع المحيط به الذي يشمل مناطق استراتيجية منها القيادة العامة للقوات المسلحة، مما منع هبوط الطائرات.

كل هذه الجهات أمنت على أن يكون الحل سودانياً، لأن أي صراع داخلي في المنطقة، سبق أن وجد صدى واسعاً وعدم استجابة لجهود الوساطة، سيترتب عليه تدخل دولي، وفي حال السودان لم تبتعد التدخلات كلياً، ولا يزال شبحها متمثلاً في حكومتي عبدالله حمدوك الانتقالية الأولى والثانية التي تجسد فيها الاستقطاب الدولي، وانشغلت بإرضاء المحاور الدولية على حساب تحسين هياكل الحكم، وأثبتت فشلها وتحولت من صراع بين العسكر والمدنيين إلى صراع كل فئة بين محاورها المختلفة، مما أدى أخيراً إلى النزاع الحالي.

وربما تتكثف الجهود الإقليمية في الأيام القليلة المقبلة لتصميم آليات فعالة لتحييد عامل التدخل الدولي، ولكن من المهم استجابة طرفي النزاع إلى هذا الصوت لأن عليه يرتكز تأثير النزاع، أو عند عدمه فستسلك مسارات أخرى أكثر قتامة قد لا تنفع أي جهود أخرى لمواجهة آثارها الارتدادية.

دائرة الصراع

أضاف الصراع السوداني بعداً جديداً للأزمة الداخلية الاقتصادية والسياسية والأمنية، وأصبحت مكملة لدائرة الصراع في منطقة القرن الأفريقي، وليست بعيدة من النزاع في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل الذي امتد بدوره من دولة مالي إلى دول الجوار، خصوصاً النيجر وبوركينا فاسو، وشهدت المنطقة حال تبادل بين القوات العسكرية الدولية تارة فرنسية، وتارة أخرى من مجموعة مقاتلي "فاغنر"، وعانت تشاد الصراع نفسه الذي أثر في منطقة الساحل إضافة إلى صراع آخر تركز في حوض بحيرة تشاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد تعذر وصول وفد مفوضية الاتحاد الأفريقي وعدم استجابة أي من طرفي النزاع لنداء دول الجوار قد يعرض ذلك التعنت التعاون الإقليمي مع السودان للخطر، خصوصاً إذا وجدت تجاذبات دولية لأي منهما تفضي إلى نتائج ضد مصالح دول المنطقة، ومن المؤكد أن الخيار الدولي يتناقض لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي سيتمثل في طلب الحماية الروسية بقوات "فاغنر"، مع خيار رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان إذا ما اضطر إلى ذلك، مما سيتجلى في دعم أميركي - بريطاني بغطاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهذا السيناريو من شأنه توزيع قاعدة الدعم الإقليمي أيضاً بين القوى الدولية.

تداعيات النزاع

هذا النزاع سيفرز صياغة عقد اجتماعي جديد تزداد فيه النزاعات الإثنية، وسيستفيد بعض الإثنيات في دول الجوار ذات التداخلات العرقية مع مناطق التماس على حدود السودان من هذا الوضع، مما يشكل تهديداً كبيراً لاستقرار الدول المجاورة، وغالباً ما يرتبط ذلك بأن دول الجوار التي تربطها صلات إثنية ترى في أي نزاع داخلي للدولة المجاورة ما يوسع احتمال تعرضها أيضاً لنزاع أهلي. فالقبائل ذات الأصول الأفريقية في غرب السودان وخصوصاً في المناطق الملتهبة مثل دارفور تجد فرصتها في الالتحام بقبائل المنطقة مستفيدة من الهشاشة الأمنية المتزايدة، وكذلك ستفعل القبائل في شرق السودان المتداخلة مع القبائل الإثيوبية مما يجعل مناطق الصراع المتجددة في منطقة الفشقة وغيرها بيئة خصبة لتولد مجتمع بإمكانه فرض واقع جديد على السودان.

هذا التأثير يعتمد على عوامل عدة، الأول مدى استمرارية النزاع السوداني وتأثير حجم الحدود الطويلة الممتدة في غرب وشرق البلاد، ويشير من جهة أخرى إلى أن الدول عادة تكون حذرة في علاقاتها مع الدولة التي تعاني نزاعاً مسلحاً.

والثاني نتيجة النزاع المسلح الحالي سواء بانتهائه أم باستمرار تداعياته، وتوسع رقعته التي ربما تمتد إلى إقليم دارفور غرباً وإثيوبيا شرقاً ودولة جنوب السودان، وفي هذه الحال تتوزع تداعيات النزاع بشقها الأمني على ثلاثة أبعاد رئيسة، الأول مدى قدرة الجيش السوداني على حسم الفوضى التي يمكن أن تنشأ في الحدود الملتهبة، والبعد الثاني يتمثل في حالات اللجوء والحركة بين الحدود وبروز تعقيدات أخرى مثل التعديات على الأراضي وانتشار الجرائم والإرهاب وتهريب البشر وتجارة المخدرات والأسلحة، أما البعد الثالث فيرتبط بمدى اعتماد المنظومة السياسية السودانية على المحاور الإقليمية في حل مشكلاتها، إذ إن كل الحلول للأزمات السابقة أثناء الحرب الأهلية في جنوب السودان، كانت بالركون إلى الحل السهل وهو إجراء استفتاء على الانفصال ثم تنفيذه في حيز زمني ضيق، ومن دون استغلال عامل الزمن في المراجعة أو التراجع. وبناء على عوامل الخطر المعنية هذه، فإن كارثية هذا الصراع تكمن في تركيبته وأسبابه وفي الثغرات التي يتمدد من خلالها.

خسائر متفاقمة

وعلى رغم تحذيرات الخارجية الأميركية من تعريض حياة المدنيين للخطر ومن توجيه الضربات إلى المستشفيات والبنى التحتية وتحميل الفريق البرهان ودقلو المسؤولية عن هذه التجاوزات، فإن هذه البيئة الدولية ذاتها يمكن أن تكون قد وفرت جهداً كبيراً للتيار الأميركي الراعي الرئيس لمصطلح "الفوضى الخلاقة" لإعادة تشكيل المنطقتين العربية والأفريقية من دون أن يلطخ يديه، وعلى رغم ظهور المصطلح في بداية القرن الـ20، إلا أنه اكتسب رواجه إبان الغزو الأميركي للعراق، عندما صرحت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس عام 2005 أن الولايات المتحدة ستلجأ إلى نشر "الفوضى الخلاقة" في منطقة الشرق الأوسط، لنشر الديمقراطية فيها. إذاً الصراع السوداني الحالي يهيئ المنطقة لحال هيمنة قوى دولية، من دون أن تكون مضطرة إلى تحمل مشقة التنافس الدولي.

وكذلك أحد آثار النزاع المسلح المهمة إعاقة النمو الاقتصادي بسبب الخسائر المتفاقمة ابتداء من الخسائر البشرية وتدمير البنية التحتية، والنشاطات الاقتصادية المتمثلة في الزراعة والصناعة والتجارة والاستثمار، وطبيعي ألا يتم حصر هذه الخسائر على السودان وحده إذ إنها ستمتد إلى التأثير في حركة الصادرات والواردات وجلب العملة الصعبة وغيرها، وبعض الاقتصاديين يرون أن الآثار غير المباشرة للنزاعات المسلحة توازي آثارها المباشرة، ولكن الأولى على رغم قوتها ربما لا تكون مرئية، وتتمثل في أن دول الجوار يكاد يكون تأثرها الاقتصادي كتأثر البلد نفسه الذي تدور فيه الحرب. وإلى جانب المعاناة والأزمة الإنسانية سيتأثر اقتصاد المنطقة بتداعيات تباطؤ النمو وتضخم أسرع نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة، وربما يشهد سكانها فقراً لا يتناسب مع مواردها وإمكانياتها الاقتصادية، كما أن الاقتصادات المجاورة ستواجه أزمات تعطل التجارة وسلاسل التوريد، إضافة إلى الارتفاع الكبير والمقلق في تدفقات اللاجئين، وإلى ما تتكبده من خسائر، فإنها ستكون جيوباً يتدفق منها اللاجئون مثلما حدث في حرب "تيغراي" في إثيوبيا واستضافة السودان اللاجئين بسبب الصراع، والتأثير في استقرار البلد المضيف وموارده، وغيرها.

استجابات سياسية

والنقطة الجوهرية هنا هي أن الصراع المسلح الحالي يمكن بشكل كبير أن تمتد شرارته إلى دول الإقليم، كما يمكن أن ترتد هذه الآثار إلى السودان مرة أخرى بل قد تتطور بمرور الوقت وتؤدي إلى استجابات سياسية قد تكون لها آثار طويلة الأمد، وليس بالضرورة أن التداعيات تتمثل بنشوب صراع مسلح في دول الجوار، وإنما يمكن أن تتجلى في العبء الاقتصادي الذي يتحمله الإقليم بأكمله بسبب اندلاع الصراع، ابتداء من التأثير في التدفقات التجارية الثنائية أو متعددة الأطراف مع منظمات اقتصادية إقليمية، وأيضاً ليس بعيداً من ذلك أنه بينما تعوق الحرب القطاع الصناعي والتجاري، فإن هناك نشاطاً اقتصادياً آخر ينشأ نتيجة لذلك مثل تصنيع وتجارة الأسلحة ونشاطات التهريب.

المزيد من تحلیل