Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحديات متقلب مغامر في بلد حائر

بريطانيا والاتحاد الأوروبي في فخ نموذجي اسمه بريكست

‏رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يلقي كلمة أمام مجلس العموم في وسط لندن (أ.ف.ب)

بريطانيا والاتحاد الأوروبي في فخ نموذجي اسمه بريكست، ولا خروج نموذجياً منه...

لا لندن، كما كشفت الوقائع، جاهزة لمواجهة "انعكاسات استراتيجية لقرار تكتيكي اتخذه فرد" على حدّ تعبير إيان كيرشو في كتاب "العصر الكوني": أوروبا 1950 – 2017". ولا بروكسل راغبة في تسهيل المخرج، خوفاً من تشجيع أعضاء آخرين على الخروج، كما من التفريغ من الداخل. رئيس الوزراء ديفيد كاميرون اتخذ قرار الاستفتاء للرد على كارهي أوروبا في حزب المحافظين، واثقاً من خسارتهم، وحين ربحوا قدّم استقالته. خيار نواب الحزب لخلافته وإدارة مفاوضات الخروج وقع على تريزا ماي التي صوّتت ضد بريكست. وهي عملت لتنفيذ قرار الناخبين، وتوصّلت بعد جهود كبيرة إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي. لكن الأكثرية في مجلس العموم صوّتت ثلاث مرات ضد الاتفاق، حيث التقى الرافضون لبريكست مع المطالبين باتفاق أشد في القطع مع أوروبا. وما كانت الحسابات الداخلية بعيدة من التصويت بالرفض، حسابات المحافظين الراغبين في خلافة ماي عبر تفشيلها واستقالتها، وحسابات زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربن، المراهن على الفشل لإجراء انتخابات نيابية يأمل في أن تقوده إلى رئاسة الوزراء.

وبعد استقالة ماي وقع الخيار على صاحب الدور الأبرز في أخذ بريطانيا إلى الفخ، بوريس جونسون. لا خيار البريطانيين بل خيار ثلاثة في المئة من الناخبين يشكلون حوالى 160 ألف عضو في حزب المحافظين ومعظمهم رجال بيض، وكبار في السن. وهذا ما أسماه السوسيولوجي والعالم السياسي في جامعة لندن وليم ديفيس "اللاتمثيل الديمقراطي".

وليس لدى جونسون سوى التلويح باللجوء إلى أحد المخرجين، واحد صعب رفضه الاتحاد الأوروبي مع ماي هو التفاوض على تعديل الاتفاق، وآخر خطر وخطير، هو الخروج من دون اتفاق يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وليس غريباً، مع أن جونسون صحافي سابق وصاحب مؤلّفات أدبية وسياسية ورئيس سابق لبلدية لندن ووزير خارجية سابق، تسميته "ترمب بريطانيا". فهو غريب الأطوار مثل الرئيس الأميركي دونالد ترمب. متقلّب في المواقف بما يخدمه، إذ انتقل من حزب "يسار الوسط الديمقراطي الاجتماعي" الذي ساعده في الفوز برئاسة اتحاد أوكسفورد، إلى حزب "المحافظين" الذي أوصله إلى ما هو عليه اليوم. "عنصري" يصف النساء المنقبات بأنهن مثل "صناديق القمامة". يستخدم الكذب وتزوير الوقائع، ويسمي ذلك حين كان صحافياً في بروكسل، "الحقيقة الضمنية"، كما يتحدث جماعة ترمب عن "الحقائق البديلة". صاحب سوابق مع النساء، فهو مطلق مرتين وله ولد غير شرعي، ودائم الشجار مع صديقته الجديدة. وأقل ما قاله ماكس جوستنغ الذي وظّفه في صحيفة "التلغراف" في العام 2000 أن جونسون "ليس الرجل الذي تؤمن به أو تثق فيه أو تحترمه"، لقبه "لورد إساءة الحكم".

لكن مشكلة بريطانيا مع أوروبا قديمة وتتجاوز الأشخاص. فلا هي كانت راغبة في دخول الاتحاد الأوروبي إلا في الفترة الأخيرة، ولا الجنرال ديغول تخلى، إلا بعد سنوات، عن الفيتو على قبول عضويتها. جونسون نشر أكاذيب كثيرة لإقناع الناخبين بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي وقيوده وبيروقراطيته هو عودة إلى ما كانت عليه بريطانيا من الغنى وحرية القرار.

لكن النتيجة أظهرت بلداً حائراً لا يعرف كيف يخرج من الاتحاد الأوروبي ولا كيف يبقى، ويريد صيغة تجمع بين الخروج والبقاء، مع أنه صاحب المثل القائل "لا تستطيع أن تأكل الكعكة وتحتفظ بها في آن". لا بل إنّ بريطانيا التي أرادت الهرب من "أوروبا المأزومة" بدت في أزمة بنيوية أعمق.

حتى في التاريخ القديم، فإن من ثوابت بريطانيا التمسك بسياسة "القارة هي العدو"، أي أوروبا. كذلك الأمر في التاريخ الحديث. ويروي المؤرّخ تشارلز بلوخ في كتاب "الرايخ الثالث والعالم" أن هتلر عرض على بريطانيا "اقتسام العالم".

وقال للبريطانيين حينها "خذوا البحر واتركوا لي القارة ولليابان الشرق الأقصى".

رفضت بريطانيا العرض، ولم يكن ممكناً أن تقبل لأن سياستها منذ "العصر الإليزابيثي" هي "عدم السماح بتوحيد القارة تحت سلطة واحدة."

رواية جونسون "72 عذراء" التي قال النقاد إنها كل شيء إلا رواية، هي عن مؤامرة إرهابية لاغتيال رئيس أميركي خلال زيارة إلى بريطانيا. وكتابه عن شكسبير "لغز العبقرية" لم يكتمل بعد. أما كتابه عن تشرشل والذي بيع منه 280 ألف نسخة، فقد قال النقاد إنه ليس بحثاً جدياً بل مجرّد دعاية سياسية للقول إنه "تشرشل آخر".

واللافت فيه تسجيل أن تشرشل أصبح رئيساً للوزراء على الرغم من أعضاء في حزب "المحافظين" يعتقدون أنه "انتهازي ومرتد ونرسيسي ومتبجّح وبغيض ومرح بلا تهذيب، وفي كلّ الأحوال سكير". وبعضها من صفات المؤلف، لكن بوريس جونسون ليس تشرشل.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء