Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يشكل الخرف تهديدا لأمن العالم؟

دراسة أميركية تطالب بإجراءات وقائية للحفاظ على أسرار الحكومة

تواجه مجتمعات الأمن القومي والاستخبارات في الولايات المتحدة تحديات لا تقتصر على الأيديولوجيا (رويترز) 

على مدار العقود الماضية مثلت الأيديولوجيا تهديداً خطراً للأمن القومي الأميركي لما لها من دور في دفع مسؤولي الأمن والاستخبارات إلى إفشاء أسرار حكومية حساسة، كما حصل في حادثة تسريب "أوراق البنتاغون" في عهد ريتشارد نيكسون، التي كان بطلها دانيل إلسبيرغ، وهو موظف في وزارة الدفاع كان معارضاً لحرب فيتنام، ونشر وثائق سرية صادمة كشفت عن حقيقة الحرب. وكذلك الأمر بالنسبة لإدوارد سنودن الذي فضح برنامجاً تجسسياً للاستخبارات الأميركية، لإدانة انتهاك خصوصية الأفراد. وأصبح أخيراً جاك تيشيرا الشاب العشريني الذي سرب وثائق استخباراتية سرية هذا العام، ويقال إنه مناهض للحرب الأوكرانية، أحدث مثال على خطر الأيديولوجيا على أسرار الحكومة.

لكن الأيديولوجيا ليست وحدها ما يهدد سرية الوثائق الحكومية، إذ نشرت مؤسسة "راند"، في مستهل الشهر الجاري، دراسة حذرت من التهديد المتزايد الذي بات يمثله الخرف للأمن القومي الأميركي والعالم، ودعت إلى اتخاذ إجراءات وقائية لمنع إفشاء المعلومات الحكومية الحساسة، موضحة أن الأفراد الذين يحملون تصريحاً أمنياً للاطلاع على الوثائق السرية يمكن أن يصبحوا تهديداً أمنياً إذا أصيبوا بالخرف وشاركوا أسرار الحكومة من غير قصد.

وسلط البحث الاستكشافي الضوء على العوامل التي تزيد من تهديد الخرف على الأمن محلياً وعالمياً، واقترح تكثيف العمل على تقييم المخاطر وتعزيز الأبحاث في هذا المجال، لافتاً إلى أن مجتمعي الأمن القومي والاستخبارات في الولايات المتحدة معرضان لهذا الخطر بشكل خاص لأنهما يوظفان أعداداً كبيرة من قدامى المحاربين العسكريين، الذين يعدون من الشرائح الأكثر عرضة للإصابة بالخرف.

وتعتمد مسألة أن يصبح الفرد تهديداً للأمن القومي بسبب الخرف على عوامل عدة، منها طبيعة المعلومات السرية التي يحتفظ بها، وما إذا كان الكشف غير المصرح عن هذه المعلومات قد يتسبب في حدوث ضرر، وما إذا كان الفرد مستهدفاً من قبل العدو للحصول على تلك المعلومات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الشيخوخة والخرف

غالباً ما يكون الخرف نتيجة للتقدم في العمر، ولذلك فإن خطر الخرف على الأمن القومي الأميركي، بحسب الدراسة، سيتزايد مع وصول عدد سكان الولايات المتحدة البالغ أعمارهم 65 سنة فما فوق إلى الضعف ما بين 2000 و2040. ومن المتوقع أن يصاحب هذا التغيير الديموغرافي زيادة في عدد الأفراد المصابين بمرض ألزهايمر والخرف المرتبط به.

وفيما تؤدي زيادة معدل عمر الفرد إلى ارتفاع عدد المصابين بالخرف، فإنها ستؤدي أيضاً إلى زيادة عدد كبار السن العاملين في الحكومة، وتأخير سن التقاعد. وبحسب الإحصاءات الحكومية، يشكل الأفراد فوق سن الخمسين 45 في المئة من القوة العاملة في الحكومة الفيدرالية. ووصل متوسط عمر موظفي الخدمة التنفيذية العليا في الحكومة الفيدرالية 55 سنة.

لكن الوضع أسوأ بالنسبة لموظفي وكالات الاستخبارات والأمن القومي التي تعج بأفراد تركوا الخدمة العسكرية وميادين القتال بندوب غير ظاهرة، على رغم تأثيرها البالغ في قدراتهم الإدراكية. ويعد الخرف من آثار هذه الندوب، إذ تشير الدراسة إلى أنه منذ عام 2000 بلغ عدد أفراد الخدمة العسكرية الذين شخصوا بإصابة خفيفة في الدماغ أكثر من 360 ألفاً، مما يجعلهم أكثر عرضة إلى خطر الإصابة بالخرف من غيرهم.

ويرتبط الخرف بـ"مشكلات الذاكرة وصعوبة تذكر المعلومات الجديدة وسوء الحكم والتهور والارتباك وعدد من التغيرات السلوكية"، بحسب جمعية ألزهايمر، ويكمن خطره على الأمن القومي في صعوبة كشف هذا الأعراض، بينما يكون الفرد مسؤولاً عن حماية معلومات أمنية سرية.

ومن أبعاد تهديد الخرف لمجتمعات الأمن القومي والاستخبارات صعوبة التنبؤ بمن سيصاب به، للحد من آثاره. ومع ذلك، فهناك عوامل تزيد من خطر الإصابة به يمكن مراقبتها، ومنها إصابات الرأس وداء السكري ومستويات الهرمونات والتدخين وتدني التفاعل الاجتماعي. وإضافة إلى العوامل الجينية هناك أيضاً العوامل البيئة التي تترافق مع زيادة خطر الإصابة بالخرف، ومنها تلوث الهواء والمعادن الثقيلة والمبيدات وموجات الطاقة الكهربائية والمغناطيسية، إضافة إلى انخفاض مستويات فيتامين "د".

قدامى العسكريين

وأشارت الدراسة إلى أنه بين عامي 2000 و2020، شخص أكثر من 400 ألف من أفراد الجيش بإصابة دماغية رضحية، والتي تزيد من احتمال التدهور الإدراكي لدى الفرد. وتزيد إصابات الرأس الخفيفة واضطراب ما بعد الصدمة لدى قدامى المحاربين من خطر الإصابة بالخرف. ويعد العسكريون أكثر عرضة إلى اضطراب ما بعد الصدمة من أقرانهم المدنيين بسبب ارتفاع معدلات التعرض لأحداث صادمة في أرض القتال.

وفي حين ينتظر قريباً تقاعد عدد كبير من أفراد الجيش بعد 20 عاماً من الخدمة العسكرية شهدوا خلالها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فمن المتوقع أن ينضم كثيرون منهم إلى الحكومة، وسيحصلون على تصريح أمني في وظائفهم الجديدة في الحكومة أو الشركات الأمنية.

توصيات

وتعرض الدراسة سيناريوهات مفترضة لحالات يتراوح فيها خطر الخرف، منها حالة موظف مؤهل للتقاعد في وكالة استخبارات وطنية حصل على معلومات ستزول حساسيتها خلال فترة قصيرة، إلا أنه يعاني تدهور قدراته الإدراكية ونسياناً متكرراً أجبره على تدوين كل شيء في دفتر ملاحظات، ولكنه لا ينسى أبداً أن يغلق دفتره معتمداً على التذكير الذي يعلقه على مكتب. وتصف الدراسة هذه الحالة بأنها أقل خطورة مقارنة بوضع مسؤول كبير متقاعد من الاستخبارات وكان جزءاً من عمليات سرية كثيرة، إلا أنه اليوم، وبعد بلوغه عمر الـ79 سنة يعاني أعراضاً معتدلة من الخرف، ويتحدث بشكل أكبر من أي وقت مضى عن ماضيه لعائلته وزملائه في دار المسنين التي يسكن فيها. وتشير الدراسة إلى أن كل حالة تستدعي استراتيجيات استجابة مختلفة.

ولفت البحث إلى أن الفحص ومراقبة الأعراض أساس لأي استراتيجية لتقليل المخاطر، وأوصى بتدريب الموظفين الحائزين تصاريح أمنية وتعزيز وعيهم بهذا المخاطر، وإجراء تقييم لأولئك الذين تزيد أعمارهم على 70 سنة في وكالات الأمن القومي يكون اجتيازه شرطاً للاستمرار في مناصبهم، والنظر في ممارسات عدد قليل من الأفراد المتقاعدين ممن كانوا على وصول إلى معلومات متعلقة بالأمن القومي تدوم سريتها لعقود، مشيراً إلى أن هناك برامج تتطلب مستوى أعلى من الفحص الفردي، مثل برنامج موثوقية الشخصية (PRP) الذي يقيم أهلية الأفراد المسؤولين عن تأمين الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية.

المزيد من تقارير