Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حتى النخب في تونس تلجأ إلى قوارب الموت

هجرة 32 لاعب كرة قدم وباحثون في الاجتماع يشيرون إلى "الخلاص الفردي" كاستراتيجية للهرب من غلاء المعيشة

الأزمة الاقتصادية دفعت آلاف التونسيين للهجرة إلى أوروبا (أ ب)

ملخص

لجأ المئات من #التونسيين منذ العام الماضي إلى السفر نحو #تركيا ومنها إلى #صربيا مما دفع الأخيرة إلى الإعلان عن فرض تأشيرات على التونسيين لدخولها

سلط قرار تجميد النشاط الرياضي لنادي كرة قدم في تونس بسبب هجرة 32 لاعباً في صفوفه بشكل غير نظامي نحو السواحل الأوروبية، الضوء على ظاهرة جديدة تشهدها البلاد وهي لجوء النخب أيضاً سواء الرياضية أو الأكاديمية إلى الهجرة غير الشرعية هرباً من الوضع الاقتصادي المتأزم.

وأعلن رئيس نادي "غار الدماء" لكرة القدم تجميد نشاط الفريق حتى إشعار آخر بسبب هجرة 32 لاعباً تتراوح أعمارهم بين 17 و22 سنة إلى دول أوروبية، مستغلين بروز طرق أخرى يمكن سلكها للوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط مثل "خط صربيا".

ولجأ المئات من التونسيين منذ العام الماضي إلى السفر نحو تركيا ومنها إلى صربيا، مما دفع الأخيرة إلى الإعلان عن فرض تأشيرات على التونسيين لدخولها.

هجرة النخب

وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها نادي كرة قدم في تونس عن هجرة لاعبيه، إذ سبق أن أعلن نادي "مستقبل الرجيش" عن مغادرة حارسه بشكل غير قانوني نحو إيطاليا، وقبلها تم تسجيل مغادرة مؤثرين وصانعي محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي وأساتذة جامعيين ومعلمين نحو السواحل الأوروبية في قوارب الموت.

وتوصف قوارب الهجرة غير النظامية في تونس بقوارب الموت، إذ حصدت أرواح المئات في عرض البحر، لكنها لا تزال تستقطب الآلاف سواء من التونسيين أو الأجانب القادمين من دول أفريقية عدة وهو أمر يمثل هاجساً لدى إيطاليا التي تشكل وجهتهم الأولى.

أستاذ علم الاجتماع معاذ بن نصير قال إن "الهجرة من تونس باتت تثير جدلاً بعد أن شملت نخباً وأساتذة جامعيين وأكاديميين وخريجي جامعات، ولا يخفى على أحد أن وراءها الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد مع ارتفاع نسب البطالة"، مشيراً إلى أن هناك 20 في المئة نسبة بطالة منهم 12.6 في المئة من أصحاب الشهادات العليا وهي نسبة كبيرة جداً.

وأضاف بن نصير في حديثه لنا أن "الهجرة غير النظامية كانت حكراً على الأشخاص ذوي التعليم المتدني أو ممن ليس لديهم ثقافة واسعة، لكن اليوم أصبحنا نلحظ أولاً أنها امتدت للنخب وثانياً أن هذه الظاهرة أصبحت تشمل فئات عمرية أخرى، إذ لم تعد حكراً على الشباب، بل أصبح هناك كهول وكبار سن وشيوخ وكذلك موظفون ولديهم مداخيل مالية مستقرة، يغادرون".

وحول أسباب لجوء النخب للهجرة قال بن نصير إنه "يمكن تفسير هذه التحولات بتدني الأجور، إذ إن نحو 81 في المئة من موظفي الدولة على مستوى خط الفقر، بمعدل أجور ضعيف للغاية لا يوفر عيشاً كريماً حتى للتونسي الذي ليس لديه ارتباطات مؤسساتية مثل الزواج أو غير ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح أنه "مع تدهور المقدرة الشرائية وغلاء المعيشة أصبح التونسيون يعتمدون استراتيجية خاصة لما يمكن أن نسميه الخلاص الفردي لفتح الآفاق أمامهم والهرب من الواقع المأزوم"، لافتاً إلى أن "الدول الغربية صارت تسوي وضعية الكفاءات من خريجي الجامعات وتدمجهم في سوق الشغل بشكل سريع لأنها بحاجة إلى اليد العاملة المتخصصة".

وتئن تونس بالفعل تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة، وسط تعثر محادثات تجريها مع صندوق النقد الدولي بسبب حزمة إصلاحات يطالب بها الأخير، لكن السلطات تسعى إلى تجنبها لآثارها المحتملة على الوضع الاجتماعي.

وقال بن نصير إن "أوروبا تستقطب اليد العاملة المتخصصة بصرف النظر عن أن أصحابها وصلوا إليها بطريقة نظامية أو غير نظامية، المهم استقطاب يد عاملة متخصصة وهو ما لا يخفى على الأطباء والأساتذة الجامعيين والمهندسين التونسيين".

تداعيات صعبة

ولا يوجد إحصاءات دقيقة حول أعداد التونسيين الذين يملكون تعليماً جيداً أو ينتمون إلى النخب الرياضية أو غيرها ممن غادروا بشكل غير نظامي إلى أوروبا، لكن تزايد وتيرة لجوء هؤلاء إلى هذا الشكل من الهجرة بات يثير مخاوف متنامية، لا سيما أن البلد شهد في السنوات الأخيرة مغادرة جماعية لكفاءاتها في قطاعات حساسة مثل الطب والتعليم.

وأعلنت إيطاليا في وقت سابق أنها استقبلت في العام الماضي 32 ألف مهاجر غير نظامي من السواحل التونسية، من بينهم 18 ألف تونسي.

واعتبر الناشط السياسي التونسي حاتم المليكي أن "الظاهرة الجديدة في تونس هي تزايد المهاجرين سواء النظامية أو غير النظامية من فئة الأطباء والمهندسين والمتخصصين في الشأن المالي، مما يؤكد أنها اتسعت لتشمل أشخاصاً لم يكونوا يفكرون في الهجرة أو في الأقل في الهجرة غير النظامية".

وأضاف المليكي في تصريح خاص "اليوم هناك شرائح اجتماعية جديدة من متعلمين وغيرهم يتوجهون للهجرة ولو بشكل غير نظامي، على رغم أن مسألة الرياضيين والبعثات التي لا تعود أو تغادر بشكل مفاجئ موجودة من السابق".

وشدد على أن "اليوم هناك مجازفة من شرائح لم تكن في السابق على استعداد للهجرة وهو أمر يعود إلى نظرة الناس إلى المستقبل، إذ إن هناك تشاؤماً كبيراً، ونعيش حالة من عدم اليقين تجاه مستقبل تونس، لذلك يفضلون الهجرة".

ورأى المليكي أنه "سيكون هناك تداعيات صعبة لهذه الموجات من الهجرة، بخاصة في القطاعات الحساسة والمطلوبة في العالم بأسره، وهي اختصاصات تنفق عليها الدولة التونسية أموالاً طائلة مثل الطب والمهندسين والماليين والمعلمين والأساتذة والقضاة والعاملين في الطاقة، فهي خبرات تسجل تونس نقصاً كبيراً فيها، وهو ما سيجعل أي عملية إصلاح في مثل هذه القطاعات تواجه صعوبات نظراً إلى نقص الخبرات والكفاءات".

تفاوض بين روما وتونس

وتأتي هذه المستجدات في وقت تسرع فيه إيطاليا التي تبعد سواحلها أقل من 150 كيلومتراً من تونس من تحركاتها الدبلوماسية، لحث الأوروبيين على تقديم الدعم المالي المطلوب والإمكانات للحكومة التونسية، حتى تكون قادرة على كبح جماح الهجرة غير النظامية.

لكن روما لا تراهن فقط على الأوروبيين، إذ دفعت بمساع لإبرام اتفاق مع تونس يتعلق بانتداب الآلاف من العاملين التونسيين.

وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعد محادثات أجراها مع نظيره التونسي نبيل بن عمار، وفقاً لما ذكره تلفزيون "راي نيوز" إن "إيطاليا تعمل على اتفاق لوصول أربعة آلاف عامل تونسي إليها سيتم تدريبهم في تونس التي تعد أول دولة ننفذ معها هذا المشروع".

وحول خيارات تونس في هذا الشأن قال المليكي إن "الأفضل أن يحدث نقاش أوسع بين تونس والاتحاد الأوروبي عموماً، ويكون ذلك بتريث وتروٍّ، خصوصاً ونحن اليوم نعيش ظروفاً استثنائية تحتم إقرار مقاربة شاملة يكون فيها فرز بين القطاعات والأشخاص المعنيين بالهجرة، حتى يكون بالإمكان تقييم آثار العملية ولا تكون ارتجالية تتسبب في نقص بقطاعات عدة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير