Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نايجل لوسون هو مرشد بريكست المتطرف الذي لم يكن 

كان يؤيد فكرة مغادرة الاتحاد الأوروبي- خسارة أننا لا نجد أحداً مثله اليوم يمكنه توضيح الموضوع

"...كان لوسون الذي غالباً ما اعتبر مغروراً أو متباهياً بعض الشيء، سياسياً فعالاً على نحو يثير الإعجاب" (رويترز)

ملخص

أيد فكرة مغادرة #بريطانيا #الاتحاد الأوروبي- خسارة أننا لا نجد أحداً مثل #نايجل لوسون اليوم يمكنه توضيح المعضلة 

قضيت مرة، منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، نحو ست ساعات برفقة نايجل لوسون، وكان وقتاً ممتعاً.

التقينا في إطار برنامج ينفذ لأرشيف إذاعة "بي بي سي"، يستضيف كبار سياسيي العصر من حديثي التقاعد، الذين يستعرضون حياتهم المهنية ويشرحون ماذا فعلوا ولماذا فعلوا ذلك. قلة من بينهم كانت بأهمية نايجل. طرح ديفيد ديمبلبي الأسئلة، فيما توليت أنا البحث وتولى لوسون الكلام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا أملك أدنى فكرة عن مصير جلسات الذكريات المطولة تلك- لم يكن الهدف منها أبداً النشر الفوري، طبعاً- لكن سيسعدني أن أشاهدها وأعيشها من جديد. كان لوسون رجلاً متقد الذكاء، عميق التأمل (يختلف الأمران أحياناً)، وخلاقاً وجدياً، في فكره ثقل وعمق نادراً ما ترى له شبيهاً في ويستمنستر. كان في مشاهدة طريقة تفكيره المعقدة وحدها متعة كبيرة.

عادةً ما ينحو المرء في أي زمن من الأزمان إلى ذلك التفكير الذي يدفعه الحنين، بأن الجيل السابق من السياسيين أرقى وأهم بكثير من الزمرة الحالية من السياسيين ذوي العيار الخفيف، لكن عندما تقارن أي شخص من إدارات ثاتشر بأفراد إدارات بوريس جونسون وليز تراس وريشي سوناك، ترى انحداراً واضحاً ومؤسفاً في النوعية. يبدو بأن أمثال لوسون لا يبلغون القمة هذه الأيام.

يمكننا تذكر لوسون من هذه الزاوية إذاً، لكن إضافة إلى ذلك، ولأنني عشت تلك المرحلة، يستحق ما فعله الرجل من أجل البلاد أن يذكر. كان "المحافظ المتطرف" حسب تعبيره، يتشارك مع مارغريت ثاتشر رؤية لبريطانيا تختلف كلياً عن التوافق الذي ساد سابقاً في فترة ما بعد الحرب. وكان مشروعهما، القاضي بإعادة تشكيل الاقتصاد البريطاني وحالته "المتورمة" كلياً، مشروعاً مثيراً للخلافات بلا أي شك، وقاسياً حتى، وكما هي الحال مع أي حكومة، فيه عيوب.  

لكن الجميع فهم ما تمثله حكومة ثاتشر وتريده وأسباب ذلك. كانت الفكرة ببسيط العبارة أنه على البلاد أن تمر بآلام كبيرة لكي تصبح تنافسية من جديد، وتتغلب على التضخم، وتستحدث الوظائف والمشاريع الاقتصادية، وتعيد الرخاء والثقة بالنفس إلى الأمة. وهو ما كان يعني هلاك الأعمال غير الاقتصادية، وتدمير الاتحادات النقابية، والقسوة على العاملين في القطاع العام، وتقليص المعونات الحكومية وتشريد الشباب ومضاعفة ثروات الأثرياء. 

وقد نجحت في ذلك إلى درجة لا بأس بها، لكن يعود الفضل في حجم النجاح إلى حفاظها على دعم الناخبين. فقد أقنعت ثاتشر ولوسون، وزملاؤهما، عموم بريطانيا بأنه "لا بديل عن هذا" وأن الحكومات السابقة من الحزبين قد فشلت بكل بساطة ولا يمكننا العودة إلى تلك الحال.

جاء ذلك الجهد السياسي استكمالاً للإصلاحات الاقتصادية والمالية، وكما اعتاد توني بين أن يقول، فقد نجحوا لأن ثاتشر كانت معلمةً عظيمة. من الضروري أن يضيف المرء أن لوسون، وغيره من أمثال كيث جوزيف وبعض المستشارين غريبي الأطوار، هم من قدموا لها الأساس الفكري لما عُرف لاحقاً بالنهج الثاتشري.

أما في موضوع بريكست، وهو فكرة أيدها لوسون باعتبارها الفصل التالي المؤجل في قصة المحافظين، فالتباين مع حالنا اليوم غير مريح أيضاً. لا أحد مثل ثاتشر أو لوسون، لا عندها ولا اليوم، يتكبد عناء أن يشرح للشعب البريطاني الهدف الفعلي من بريسكت، والرؤية من وراء هذه العملية، وطريقة تنفيذها وكيف ومتى ستجعل بلادنا تزدهر. 

تفتقد عملية بريسكت إلى "معلمتها" ومرشدها، ثاتشر ولوسون الخاصين بها، إن جاز التعبير. قبل كل شيء، كان لوسون مهتماً بالأفكار ويثمن الفوز بنقاش. وحده مايكل غوف، من بين كل وزراء الدولة اليوم، يمكن أن يُقارن به بأي شكل من الأشكال. وليس من المفاجئ أن يكون كتاب مذكرات لوسون وحده بين كل وزراء ماغي، الذي حمل اسم "المشهد من مقر وزير المالية" (The View from Number 11)، مليئاً بالأشكال والرسوم البيانية، ويخوض غير آسف في الإيجابيات النسبية للأهداف المالية الداخلية مقارنة مع الخارجية. لم يخاطب لوسون أبداً أي جمهور باستعلاء.

وفي الحقيقة، كان لوسون الذي غالباً ما اعتبر مغروراً أو متباهياً بعض الشيء، سياسياً فعالاً على نحو يثير الإعجاب. بعد أن قضى مدة طويلة في مهنة الصحافة، تضمنت بعض الوقت في تحرير مجلة سبيكتاتور، قرر حسب تعبيره، التوقف عن التعليق من الهامش والدخول إلى معترك السياسة بنفسه.   

أصبح نائباً عن دائرة بلابي في ليشسترشير في عام 1974، وهو لما يزل في بداية الأربعينيات من عمره. كانت فترة ملائمة لكي يقوم بهذه الخطوة لأن الاقتصاد المتهالك والمجتمع غير القابل للحكم على ما يبدو احتلا مرة جديدة مركز النقاش الوطني عندها، ولوسون الشخص المناسب للتحديات من هذا النوع.

استفاد كثيراً من عمله في الصحافة، لأنه راكم معرفة كبيرة بطريقة عمل الاقتصاد وكان مفوهاً وبليغاً في طريقة تحدثه المفصلة عنه. في غضون عشر سنوات، أصبح وزيراً للخزانة. عندما عينته ثاتشر في هذا المنصب، طلبت منه أن يقص شعره، وهو ما فعله، لكنه كان دائماً رجلاً مستقلاً بقراراته. لاحقاً، عندما اختلف مع رئيسة الوزراء، قال لمحاوره إن احتمال استقالته يعود "بعضه إلى رئيسة الوزراء وبعضه لي"، في إجابة ساخرة وذكية تشبهه تماماً لم تحببه لها.  

إذ كان جريئاً هكذا ولم يمنعه شيء من السخرية من المحررين الاقتصاديين في شارع الصحف فليت ستريت، من الذين تجرأوا على التشكيك بقراراته في شأن الميزانية واعتبارها "خربشات مراهقة". لكن الأهم أنه كان يتحلى بكبرياء لامست الغرور. كان من المفترض ألا يكون في الأمر أي شك، بأنه لن يقبل بتوظيف ثاتشر مستشاراً اقتصادياً، هو آلان والترز، دعا إلى فرض سياسة بديلة لأسعار الصرف بينما كان هو، لوسون، المسؤول المفترض.        

وكان من المفترض ألا يصدم الأمر أحداً عندما قرر في يوم من الأيام أن يقدم استقالته، وغادر من دون أن يظهر عليه أي ندم. وصفته ثاتشر بـ"العصي على الهزيمة"، لكن هذا النوع من الإطراء لم يعنِ له شيئاً في حال شعر أنه ينتقص من قيمته، إن لم نقل يذل، وما عاد تسيير السياسات مرضياً.

بشكل ما، هو من أخرجها من منصبها، لأسباب ليس أقلها بأن بيان استقالته في عام 1989 كان جارحاً جداً. بعد سنة من ذلك تقريباً، أنهى جيفري هوي ومايكل هستلين المهمة. لا شك في أن لوسون كان جارحاً وصريحاً "لكي يعمل نظامنا الحكومي الوزاري بفعالية، على من يحتل منصب رئاسة الوزراء أن يعين وزراء يثق أو تثق بهم، ثم يتركهم لكي يطبقوا سياساتهم. عند ظهور اختلافات في الآراء، وهذا أمر لا يمكن تفاديه من وقت إلى آخر، يجب حلها على انفراد أو بشكل جماعي، حين يكون ذلك ملائماً". والانطباع الذي يعطيه نصه بشكل سلس غير مباشر هو أن ثاتشر أصبحت استبدادية وحتى أنها فقدت صوابها بعض الشيء. وهو رأي تشاركه عدد متزايد من زملائها. 

أدت تخفيضاته الضريبية وسياساته الخاصة بأسعار الصرف إلى فترة من التضخم السيئ تبعها ركود (ولو أنه كان أقل حدة وأسهل للتصحيح من مصابنا الحالي). 

طبعاً، ارتكب لوسون الأخطاء. فثقته بذاته وبفكره تحولت إلى ثقة مبالغ بها بحلول عام 1988، وبدأ بتصديق الدعاية التي أطلقها بنفسه عن "المعجزة الاقتصادية البريطانية". أما آراؤه في تغير المناخ- ذلك المزيج من التشكيك والتسليم بالقدر- فكانت غير موفقة، وأساء تقدير استعداد البريطانيين لإنجاح رؤيته عن بريكست. لكن حالنا ستكون أفضل بكثير لو وجد مزيد من أمثال نايجل في الحياة العامة اليوم. 

© The Independent

المزيد من تحلیل