Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تجددت المواجهات بين إسرائيل و"حماس"؟

يمكن التأكيد أن تلّ أبيب سعت إلى مواجهة حقيقية ولو لبعض الوقت

حذر مدير الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز من احتمالات الذهاب إلى مواجهة في الضفة الغربية (أ ف ب)

ملخص

من المؤكد أن البحث عن مواجهات للخارج كان التركيز على جبهة #غزة مع عدم التصعيد في إطار جبهة "#حزب_الله"

كان طبيعياً أن تبدأ إسرائيل وحركة "حماس" مواجهة جديدة بخاصة أن كل طرف من طرفي المعادلة له مكاسبه الكبرى في استئناف المواجهة على الجانبين لتحقيق أهدافه ولا سيما الجانب الإسرائيلي الذي كان يسعى لمواجهة من نوع آخر، وبحثاً عن الاستمرار في المشهد بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، فإن الأمر يختلف بخاصة مع ما تواجهه من أزمات، وحركة "حماس" التي تبحث عن مقاربة التواجد على الأرض والتأكيد على حضورها السياسي والأمني في إطار مواجهة ما يجري من تطورات حقيقية.

أهداف تكتيكية

يمكن التأكيد على أن الحكومة الإسرائيلية سعت إلى مواجهة حقيقية ولو لبعض الوقت من دون أن تصل إلى المواجهة الشاملة، بخاصة أن الوضع الداخلي المتشرذم يدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبحث عن طوق نجاة عبر استئناف سياسة المواجهة وضرب قطاع غزة، والرجل يدرك أنه يصطاد ألف عصفور بحجر واحد بخاصة أنه نجح في الوصول لأهدافه من خلال تأجيل النظر في التعديلات الدستورية لمدة 30 يوماً أي بعد عطلة الكنيست وانتهاء الأعياد.

ويعمل على الاستفادة من الوقت بشراء المعطيات على الأرض ونجح في إتمام ذلك وهدفه الوصول إلى المواطن الإسرائيلي في المقام الأول واقتناعه أنه لم يقصر في أمنه وأنه يريد إنهاء الأحداث والتظاهرات في الشوارع والمدن الإسرائيلية والانتقال إلى حالة التهدئة وإقناع الجمهور الإسرائيلي بأن الأمر يتطلب استعادة الأمن أولاً قبل المطالب التي تعلن في التظاهرات وتمس القضاء وهيبة الدولة العليا وتظهر إسرائيل بأنها دولة مفككة، وأن اليسار الذي يريد المواجهة واستمرار حالة عدم الاستقرار هو من يدفع للتحرك تجاه الخارج والدخول في مواجهة مع "حماس" أولاً مع الإدراك أن هذا الأمر سيرفع من أسهم الحكومة الراهنة وينهي حالة الانقسام الداخلي .

تحفظات مطروحة

وبصرف النظر عن الوضع الراهن لا سيما أن الانقسام لم يقتصر على إبداء مواقف أو توجهات من قبل وزير الدفاع أو رئيس الأركان فقط بل امتد إلى وزراء المستوطنين الذين باشروا عملية التصعيد في القدس واقتحام المسجد الأقصى، وهو ما أدى بالفعل للتصعيد واستئناف إطلاق الصواريخ على منطقة غلاف غزة وهو الأمر الذي وضعته الحكومة في انتباهها، والواقع أن مبررات الموقف الإسرائيلي استندت إلى جملة من الوقائع والمعطيات، وأن الهدف من ضرب القطاع ليس الرد على ضربات القطاع وهو أمر متوقع بل ارتبط بالأساس بتحذيرات ساقها الشركاء الإقليميون الذين حذروا من مغبة الموقف الراهن بما في ذلك اقتحام المسجد  الأقصى والذهاب إلى مواجهة حقيقية ربما تستمر أو تتوقف تكتيكاً.

وحذر مدير الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز من مغبة ما يجري، بل حذر الرجل من احتمالات الذهاب إلى مواجهة في الضفة الغربية، وهو ما سيجري ما لم يتمكن الشركاء الإقليميون من التدخل وإنهاء المواجهة الراهنة خلال الساعات المقبلة بخاصة أن توقف المواجهة سيحقق لإسرائيل ما تريد، التفاف الجمهور الإسرائيلي خلف حكومته وانتهاء المواجهات والتظاهرات أو على الأقل تهدئتها في مسارها.

ومن المؤكد أن البحث عن مواجهات للخارج كان التركيز على جبهة غزة مع عدم التصعيد في إطار جبهة "حزب الله" وهي الأخطر على رغم التوقع الاستخباراتي أن الحزب يتأهب لمواجهة في مسار جديد، وارتكاناً لما يجري في إطار مخطط تسخين الجبهات التي تعمل عليه الأطراف المختلفة التي تحاول إثبات حضورها بصرف النظر عما سيجري من توقعات، وفي ظل رهانات حقيقية يمكن التأكيد عليها، والتي تدور في فلك المواجهة المركزية التي ترتب لها كل الأطراف والتي تعمل في اتجاهات عامة.

مكاسب كبرى

ومن الواضح أن إسرائيل ستجني مكاسب كبرى ليس على مستوى الحكومة وإنما أيضاً من إثبات قدرة نتنياهو على أنه ملك إسرائيل القوي القادر على توفير الأمن لكل مواطن، وأنه لن يلجأ إلى التهدئة على رغم ما يبذل من مجهودات حقيقية من الشركاء الكبار الذين  يتحركون انطلاقاً من دور متجدد، وفي ظل مخاوف من تحركات إسرائيلية على مستوى آخر، وفي ظل رسائل موجهة إلى إيران بالأساس والتي تعمل في اتجاهات مختلفة ومنها استئناف العلاقات مع السعودية، ومحاولة التهدئة التي تعمل عليها بعض الأطراف في المنطقة، وفي ظل  تحديات حقيقية تواجه بعض الأطراف.

وتتجه الحكومة الإسرائيلية إلى بناء شراكات جديدة في المنطقة، وتسعى للتواصل مع دول جوارها ولكنها، وبالمنطق نفسه، تتجه إلى نقل رسالة للبعض الآخر أن إسرائيل دولة قوية، ولن تتنازل عن ثوابتها وتعمل لمصلحة الجمهور الإسرائيلي ولن تقبل بأنصاف الحلول وأشباه الخيارات، وأن ما كان يعرض للتهدئة قابل للتغيير والتعامل على أرضية جديدة مختلفة، وهو ما قد يدفع للتعامل من أعلى ورفض التهدئة وفق المعايير السابقة، والتي كانت تتم في ظل مناخ مختلف.

مقاربة أمنية

ويريد رئيس الوزراء الإسرائيلي العمل وفق  معادلة أمنية جديدة وعدم تقديم تنازلات كي لا يعطي الفرصة لمكونات الائتلاف الراهن برموزه الحالية للمزايدة أو كسب الجولة، لا سيما وأنه في طريقه للاستجابة بإنشاء الحرس القومي بعد تمرير الكنيست أخيراً، وهو ما سيكون محل جدال في إطار توزيع المهام والأولويات لأجهزة الأمن الإسرائيلية لتأتي الفرصة في الدخول بمواجهة جديدة أياً كان تأثيرها الراهن أو المنتظر، وهدفه تحقيق نصر آني ومهم لجمع الصف الإسرائيلي بصرف النظر عن تحذيرات بعض جنرالات الجيش الإسرائيلي وبعض الضباط المتقاعدين الذين حذروا من مغبة ما يجري، وأنه قد يكون مدخلاً لمواجهة كبرى على جبهات أخرى بصرف النظر عن محاولات التهدئة، والعودة للتفاهمات الأمنية السابقة مع التركيز على الأولويات في الفترة المقبلة .

أهداف مقابلة

في المقابل، فإن حركة "حماس" تراقب المشهد جيداً في إسرائيل وتعمل في إطار مواجه لتحقيق أهدافها الرئيسة من العودة مجدداً إلى الواجهة الفلسطينية بعد فترة كمون وبعد الاتهامات التي طاولتها في المواجهة الأخيرة، والتي لم تشارك فيها، وتركت حركة "الجهاد الفلسطيني" في الواجهة أياماً عدة.

ويفترض الواقع أن "حماس" و"الجهاد" وبعض الفصائل المصنفة ستمضي في إطارها الاستراتيجي لتحقيق مكاسب العودة ومحاولة تحقيق الحضور على حساب السلطة الفلسطينية الأمر الذي سيؤدي لمزيد من التباعد بين الطرفين بخاصة أن الإدارة الأميركية وكبار المسؤولين من نوعية مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومن قبل مدير الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، ومن ثم، فإن الاستمرار في المواجهة أو التهدئة سيؤدي إلى إيجاد دور لحركة "حماس" و"الجهاد" مجدداً، وقد يفعّل دور "حماس" التي تريد أن تؤكد على رسالة محددة ومنها ربط الجبهات  ما بين القطاع والضفة، وهو ما وعد به القيادي الميداني محمد ضيف في آخر مواجهة، ومن ثم، فإن القدس ستظل في المقدمة والأقصى ستكون له الأهمية والصدارة  لحركة "حماس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبصرف النظر عن توقف المواجهات وهو أمر متوقع، فإن الشركاء سيعودون إلى التفاعل مع "حماس" في إطار البحث عن تهدئة والتوصل إلى حالة الهدنة الجديدة، لا سيما وأن الجمهور الفلسطيني متابع لما يجري في الجانب الإسرائيلي، ويدرك أن النسخة الجديدة من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تختلف عن سابقتها تماماً، فالرجل دخل في مواجهات سابقة ونجح وخسر الكثير من معطيات حضوره في المشهد السياسي، وأنه على سبيل المثال لم يكن متواجداً في مواجهة الأيام الأخيرة التي كان عنوانها حركة "الجهاد الفلسطيني"، أما اليوم فقد انفتح المشهد ودخلت الجبهة اللبنانية على الخط إلى جوار جبهة غزة، وفي إطار ترابط الجبهات الفلسطينية واللبنانية، وهو ما يمكن أن يتكرر، وكان محور نقاش استخباراتي وفي الحكومة المصغرة من عدم وجود جدوى من الدخول في مواجهة إقليمية وعدم استهداف "حزب الله" أصلاً والتركيز على قطاع غزة، وقد يستمر الجدال الاستخباراتي والأمني في الفترة المقبلة حول الأولويات المطروحة للعمل العسكري تجاه غزة أو الضفة أو لبنان   .

ولهذا فإن الهدف الرئيس لحركة "حماس" العمل على أرضية مصلحية ونفعية وواقعية ما سينقل إلى الشركاء الإقليميين الذين عادوا لهندسة المشهد مجدداً على رغم أن بعض الأطراف الرئيسة، وعلى رأسها الولايات المتحدة لا تثق في شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي أصلاً بدليل عدم دعوته إلى البيت الأبيض، وأنه ما زال في حالة مناكفة كاملة مع الإدارة الأميركية بسبب جملة الموضوعات الرئيسة محل الخلاف والتجاذب الحقيقي بسبب ملف التعديلات القضائية، والموقف من إيران، والتصعيد  في ملفات الاستيطان والأقصى والمقدسات الإسلامية وغيرها، وهو ما سيدفع إلى استمرار المواجهات بين الجانبين من دون الصدام النهائي حيث سيحاول نتنياهو الهروب للأمام وشراء الوقت قبل الوصول إلى واشنطن في وقت لاحق ولديه كل المقومات لدفع كبرى المنظمات اليهودية وبخاصة "أيباك" لتبني مواقف داعمة في مواجهة ما سيجري في الكونغرس من مشاحنات تجاه شخص نتنياهو .

الخلاصات الأخيرة

بصرف النظر عما سيجري من تطورات معتادة أو مكررة في سيناريو المواجهة المفتوحة بين "حماس" وإسرائيل، فإن ثمة وقائع تعلن عن نفسها، وترتبط بما هو قادم من العمل على التوصل لحالة تهدئة جديدة والعودة للتفاهمات الأمنية بين الطرفين، وأهمها أن الحكومة الإسرائيلية تريد بناء مقاربة جديدة في ظل حكومة غير تقليدية في إسرائيل وأنها تعمل على حسم الصراع، وليس إدارته.

ومكمن الخطورة التي يجب تفهمها، بخاصة أن الحكومة الإسرائيلية وإزاء حالة الجدال والصراع في الداخل من تطورات تتعلق بقضايا خلافية، ستتجاوز بالفعل موضوع القضاء إلى مواجهة تحديات إقليمية أخرى، وعلى رأسها الملف الإيراني في ظل ما يجري من حالة تجاذب حقيقية مع واشنطن التي لا تريد خياراً عسكرياً على الأقل في الوقت الراهن، وبما قد يغير من مواقف ما يجري على الأرض بالنسبة لإسرائيل، وفي ظل معادلات كبرى في الإقليم قد تشكل سريعاً، وتهدد في مجملها الأمن القومي الإسرائيلي في ركائزه ومنطلقاته الحالية والمنتظرة.

المزيد من تقارير