Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ولادات في عيادات القابلات القانونيات... أي خطر تواجهه الأم اللبنانية وطفلها؟

تنتشر هذه الظاهرة في الأرياف ومخيمات النازحين واللاجئين بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية

زادت معدلات الولادات في عيادات القابلات القانونيات في الأرياف خلال الأزمة (رويترز)

ملخص

#ولادات في عيادات #القابلات_القانونيات... أي خطر تواجهه #الأم_اللبنانية وطفلها؟

في العامين الأخيرين، تراجعت في لبنان نسبة المعاينات الطبية في العيادات الخاصة بشكل ملحوظ بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين من جهة وارتفاع تكاليف الاستشارات الطبية من جهة أخرى. في المقابل، زاد إقبال المواطنين على مراكز الرعاية الصحية الأولية، حيث تنخفض كلفة الخدمات الطبية، بما يتناسب مع الإمكانات المادية للمواطن. وبشكل خاص، سُجّل تراجع ملحوظ في معدل الاستشارات الطبية النسائية والفحوص الدورية للمرأة كالمعاينة السنوية والصورة الشعاعية للثدي وفحص "الزجاجة" (فحص عنق الرحم)، كما يؤكد الأطباء، وفق ما يظهره الواقع في عياداتهم. وبدأنا نشهد ارتفاعاً في معدلات الولادة في عيادات القابلات القانونيات، خصوصاً في الأرياف. كما تعود إلى الواجهة الولادة مع "الداية"، بشكل خاص في مخيمات النازحين واللاجئين. ففي ظل الأوضاع المعيشية الخانقة، وبعد أن تخطت تكاليف الولادة في المستشفى الخاص الألف دولار أميركي، وبعد أن أصبح الطبيب يطلب سلفاً مبلغاً لا يقل عن 300 دولار قبل الولادة، حتى بوجود تغطية التأمين الصحي، لم تجد كثيرات حلاً إلا باللجوء إلى القابلة القانونية للولادة بكلفة زهيدة في مقابل تلك التي تفرضها المستشفيات الخاصة والأطباء.  فهل ينذر هذا الوضع بالخطر على حياة الأمهات والأطفال ويهدد بزيادة معدلات الوفيات بينهم؟

بين الصورة المشوهة والحق بالتوليد

لا تتوافر حالياً أرقام أو إحصاءات تؤكد على معدلات الولادات خارج المستشفيات في الفترة الأخيرة أو تدل على تلك التي تجريها القابلات القانونيات المجازات في عياداتهن أو في المنازل. حتى أن وزارة الصحة تنكر أصلاً وجود مثل هذه الحالات معتبرةً أن التوليد خارج المستشفى مرفوض ومناف للقانون ويُلاحق كل من يقدم على فعل مماثل بمجرد التبليغ عنه. إنما، يؤكد الواقع تراجع معدلات المعاينات في العيادات الخاصة ومتابعة الأطباء للحوامل، بحسب ما يؤكده الأطباء. وتشير رئيسة قسم القابلات القانونيات في مستشفى "أوتيل ديو" نورما عواد، إلى تسجيل زيادة في معدلات الولادات والمعاينات في عيادات القابلات القانونيات المجازات في الأطراف وفي المناطق الريفية، بسبب الوضع المعيشي الصعب للمواطنين وارتفاع تكاليف الاستشارات الطبية. "مشكلتنا الأساسية في صورة القابلة القانونية المشوّهة بسبب الأفكار الشائعة الخاطئة حولها بوجود من عرُفت بـ "الداية" قديماً. ولا يزال وجودها يسيء إلى صورة القابلة القانونية الحائزة شهادة جامعية والمنتسبة إلى النقابة.

في فرنسا وبريطانيا وغيرهما من الدول، يحق للقابلة القانونية المجازة القيام بعملية التوليد كونها متخصصة في المجال. وفي لبنان أيضاً، يحق للقابلة القانونية المسجّلة في النقابة والحائزة على تصريح للتوليد أن تقوم بذلك في عيادتها، على أن تكون الولادة طبيعية وليست قيصرية. ويعتبر امتلاك القابلة القانونية عيادة بمعايير معينة، شرطاً لا بد منه لتحصل على تصريح للتوليد. ففي حال حصول مضاعفات أثناء الولادة وتطلبت الحالة اللجوء إلى الولادة القيصرية، يجب أن يتدخل الطبيب سريعاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الخطر موجود

لا تنكر عواد أن الوضع في لبنان قد يختلف عما هو عليه في الدول المتقدمة التي تجيز للقابلة القانونية أن تكون مسؤولة عن الولادة. إذ تتوافر في هذه الدول التجهيزات والإسعاف وإمكانية التدخل الطارئ في الحالات التي تستدعي نقل الحامل سريعاً ليتولى الطبيب عملية الولادة في حال حصول مضاعفات، سواء كانت تلد في المنزل أو في عيادة القابلة القانونية. قد لا تتوافر هذه الشروط دوماً في لبنان، ما يمكن أن يزيد من المخاطر أحياناً إذا لم تكن الإحاطة كاملة من النواحي كافة، وإذا لم يحصل تدخل طبي فوري في الحالات الطارئة. علماً أن التدخل الطبي يجب أن يحصل عندها خلال دقائق معدودة. لذلك، قد تكون الولادة في المستشفى آمنة أكثر ليحصل تدخل طبي سريع.

القابلة القانونية في تاريخ لبنان

تشير نقيبة القابلات القانونيات في لبنان الدكتورة ريما شعيتو، إلى أن القابلة القانونية المجازة لعبت دوراً مهماً في تاريخ لبنان في إنقاذ حياة آلاف السيدات. ففي عام 1924 تأسس أول قسم ولادة في مستشفى "أوتيل ديو" للحد من المضاعفات المرتبطة بالولادة والوفيات بين حديثي الولادة. ولعبت القابلات القانونيات دوراً أساسياً آنذاك في إنقاذ حياة كثيرات حتى الثمانينيات. وقد تعزز دور القابلة القانونية بوجود خريجات جامعة "القديس يوسف" من القابلات القانونيات، وتأسس بعدها قسم خاص بالقابلات القانونيات في "الجامعة اللبنانية"، وأصبح هناك قابلات قانونيات مجازات في مختلف المحافظات. كان لبنان أول الدول العربية في تخريج دفعات من قابلات قانونيات في الجامعات، بما يشبه المثال الفرنسي.

عام 1979، نظّم القانون المهنة محدداً الشروط المطلوبة لتتولى القابلة القانونية عملية التوليد في مستشفى أو في عيادتها الخاصة. إنما في الثمانينيات، زاد عدد المستشفيات بشكل ملحوظ، واتجه الناس أكثر فأكثر إلى الولادات في المستشفيات، كما ارتفعت معدلات الولادات القيصرية بشكل لافت. أما الولادة خارج المستشفى فبقيت محصورة في الأرياف، حيث وجدت عيادات القابلات القانونيات المجازات. كانت معدلات الولادات فيها قليلة نسبياً، إلا أنها بقيت موجودة ولعبت دوراً مهماً في إنقاذ حياة كثيرات، خصوصاً بين من عجزن عن تحمل تكاليف الولادة في المستشفى الخاص والمعاينات الطبية في العيادات الخاصة، خصوصاً في الأعوام الأخيرة. فكانت عيادة القابلة القانونية المجازة حلاً أمثل بسبب انخفاض تكاليف الولادة فيها بالمقارنة مع هذه التكاليف في المستشفى الخاص. وتشير شعيتو إلى أنها لا تتعدى حالياً الألف دولار أميركي، وغالباً ما تجرى بكلفة أقل لأهداف إنسانية. فلا تتردد كثيرات من القابلات القانونيات المجازات في إنقاذ حياة من دون مقابل مادي أو بكلفة بسيطة لا تغطي نفقات العيادة حتى. أما الولادات في المنازل، فهي نادرة. قد تحصل حالياً بسبب الوضع المعيشي الصعب، خصوصاً في المخيمات، وعندها قد لا تتولى الولادة القابلة القانونية المجازة عملية التوليد، بل "الداية"، فلا تتوافر طبعاً شروط الأمان المطلوبة حفاظاً على حياة الأم والطفل.

في الوقت الحالي، تتركز عيادات القابلات القانونيات المجازات في البقاع والشمال وفي الأرياف وحتى في بعض المناطق في العاصمة. وزاد في السنوات الأخيرة عدد الولادات في عيادات القابلات القانونية فعلاً، لكن ليس بمعدلات كبرى كما يُحكى. فالزيادة محدودة، وكانت قد بدأت مع الأزمة السورية عام 2011. وتشير الأرقام إلى ارتفاع ملحوظ بين عامي 2019 و2021، فيما لم تُسجّل زيادة بعدها في أعداد الولادات في عيادات القابلات القانونيات. إلا أن القابلة القانونية المجازة أسهمت في التخفيف من الأعباء على المواطنين عبر المتابعة بعد الحمل. كما تلعب دوراً في تنظيم الأسرة.

أما النقابة فأسهمت في تنظيم العمل في عيادات القابلات القانونيات ووضعت معايير جودة وأمان يجب التقيد بها. وأقفلت عيادات لم تستوف الشروط ولم تتقيد بالمعايير المطلوبة. فمن الشروط المطلوبة في عيادة القابلة القانونية للحصول على تصريح للقيام بعملية التوليد وجود غرفة إضافية لاستقبال الأم والطفل بعد الولادة وكافة التجهيزات والمعدات من أوكسيجين وغيره كشروط أمان. يضاف إليها شرط التعاقد مع طبيب ليتدخل سريعاً في حال حصول مضاعفات.

تدخل طبي في دقائق

ليس هناك خطر على الأم أو الطفل في حال تولت عملية الولادة قابلة قانونية مجازة، شرط توافر كل الشروط المطلوبة لولادة طبيعية، كوضعية الجنين وعدم وجود مشكلات صحية لدى الأم كالسكري وارتفاع ضغط الدم، يقول طبيب الجراحة النسائية والتوليد الدكتور جورج أبي طايع. هذا، إضافة إلى ضرورة التواصل مع مستشفى قريب للتدخل الطبي المباشر في حال حصول مضاعفات أثناء الولادة. يجب أن يحصل التدخل الطبي عندها خلال 10 دقائق لا أكثر لإجراء عملية قيصرية عند الضرورة، والوضع لا يحتمل التأخير حفاظاً على حياة الأم والطفل. فإذا كانت المراقبة الطبية وتقويم حالة الحامل يسمحان بولادة طبيعية آمنة تجريها القابلة القانونية في عيادتها، لا يجد أبي طايع مانعاً في ذلك. علماً أن التدخل الطبي السريع ضروري في حال هبوط نبض الجنين والنزف ونقص الأوكسيجين لديه أو التفاف الحبل السري حول عنق الجنين. أما الأم فقد تتعرض إلى نزف أو التهابات. لذلك، تبرز أهمية توافر كافة الشروط والتجهيزات في الولادة عندما تقوم بها القابلة القانونية.

تعتبر الولادة في عيادة القابلة القانونية المجازة ممكنة ويسمح بها القانون في لبنان كما دول عديدة أخرى. وقد تسهم في إنقاذ حياة كثيرات ممن يعجزن عن تحمل تكاليف الولادة في المستشفى. لكن حتى بالنسبة إلى الاختصاصيين، يُخشى ألا تتوافر كافة الشروط دائماً لولادة آمنة ولتدخل طبي سريع في حال حصول مضاعفات. لذلك، يمكن التركيز على الدور الذي تلعبه القابلة القانونية في متابعة المرأة خلال الحمل أو بعد الولادة، خصوصاً أن هذا يدخل في صلب اختصاصها، ما يخفف من تكاليف الاستشارات الطبية على المواطنين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير