Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

4 عوامل تدعم قرار "أوبك+" خفض إنتاج النفط

إجراء تقني احترازي لمنع تخمة المعروض ولا علاقة له بالسياسة

جانب من أحد اجتماعات “أوبك+” في مقر المنظمة (اندبندنت عربية)

ملخص

بعد أن كان سعر #النفط في نطاق 80 و85 دولاراً مع بداية هذا العام هبطت الأسعار نهاية الشهر الماضي حتى وصل سعر خام #برنت القياسي إلى ما يقارب 70 دولاراً للبرميل

مع ارتفاع أسعار النفط في التعاملات الآسيوية أول أيام الأسبوع لأكثر من خمسة في المئة، نتيجة قرار دول عدة في تحالف "أوبك+" خفضاً طوعياً للإنتاج بنحو 1.6 مليون برميل يومياً، تدفقت التعليقات والتحليلات في الصحافة الغربية متحاملة على تحالف "أوبك+" الذي يضم منظمة الدول المصدرة للتبرول "أوبك" بقيادة السعودية ومنتجين من خارجها بقيادة روسيا.

وتركز التعليقات والتحليلات الغربية في الصحافة والإعلام على اعتبارات سياسية من قبيل خلافات بين السعودية والولايات المتحدة، أو أن مثل هذه القرارات تساعد روسيا على ضمان موارد من صادراتها النفطية تغذي حربها في أوكرانيا. وتجاهلت تلك التغطية الأسباب التقنية المنطقية التي استند إليها قرار بعض الدول الأعضاء في تحالف "أوبك+" لخفض الإنتاج. وكما جاء في بيان قرار الخفض من السعودية والدول الأخرى أن سبب القرار هو التحوط من انخفاض الطلب العالمي أكثر، بالتالي الإخلال بتوازن السوق.

وسبق وخفض تحالف "أوبك+" الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، وظلت الأسعار متوازنة في نطاق واسع ما بين 70 و95 دولاراً للبرميل، وذلك في ظل تفاؤل نهاية العام الماضي بتفادي الاقتصاد العالمي الركود، بالتالي استمرار قوة الطلب، إلا أن عوامل عدة مع بداية هذا العام منها بدء تنفيذ الحظر الأوروبي على النفط الروسي وفرض سقف السعر من قبل دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي أدت إلى شبه تخمة في معروض السوق، وزادت احتمالاتها مع أزمة انهيار البنوك وتأثيرها المتوقع في الاقتصاد العالمي والطلب على الطاقة.

عامل النمو الاقتصادي

وبعد أن كان سعر النفط في نطاق 80 و85 دولاراً مع بداية هذا العام، منخفضاً عن متوسط العام الماضي إجمالاً، هبطت الأسعار نهاية الشهر الماضي حتى وصل سعر خام برنت القياسي إلى ما يقارب 70 دولاراً للبرميل، على رغم أن روسيا بدأت في شهر مارس (آذار) الماضي تنفيذ قرارها بالخفض الطوعي لإنتاجها النفطي بمعدل أكثر من نصف مليون (550 ألف برميل) يومياً.

ومع أزمة انهيار ثلاثة مصارف أميركية في عدة أيام الشهر الماضي، ثم شبه انهيار بنك "كريدي سويس" في سويسرا ودمجه مع بنك "يو بي أس" لإنقاذه، طغت على الأسواق حالة من الذعر والتخوف من انتشار العدوى في النظام المالي العالمي. وأضر ذلك بتوازن سوق النفط العالمية، من حيث معادلة العرض والطلب، إذ إن المتعاملين في العقود الآجلة للنفط اتجهوا نحو تقليل الشراء وزيادة البيع تحسباً للتأثير المتوقع لأزمة المصارف في الاقتصاد، بالتالي تراجع الطلب على الطاقة عموماً، والنفط بخاصة، ذلك فضلاً عن أنه على رغم التفاؤل بإمكانية تفادي الاقتصادات الرئيسة الدخول في ركود هذا العام، فإن المؤشرات الأولية إلى معدلات النمو الاقتصادي تبدو ضعيفة جداً، وهو ما يعني أيضاً ضغطاً إضافياً على الطلب على الطاقة نزولاً.

وهكذا، أصبح المعروض النفطي في السوق يفوق الطلب المتوقع لبقية العام الحالي 2023. وكان استمرار الدول المنتجة في الضخ بالمعدلات ذاتها أن يزيد من تخمة المعروض ويخل بشدة بتوازن السوق، وذلك هو العامل الرئيس وراء قرار خفض الإنتاج.

الحفاظ على توازن السوق

كانت تقديرات "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية في الخريف الماضي لنمو الطلب العالمي على النفط متفائلة إلى حد كبير، لذا كان القرار بخفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً، بحسب تقديرات ذلك الوقت، كافياً لتفادي تخمة معروض تضر بتوازن السوق. ووقتها أكدت الدول المنتجة في تحالف "أوبك+" أنها جاهزة لزيادة الإنتاج على الفور في حال زاد الطلب بما يبرر ذلك، لكن الذي حدث منذ ذلك الوقت لم يؤد إلى توازن العرض والطلب في سوق النفط العالمية، بخاصة بعد أن بدأ تنفيذ العقوبات على النفط الروسي، مما جعل مياه البحار والمحيطات مكتظة بالناقلات المحملة بالخام التي تنتظر الشراء. وإذا كان تقدير "أوبك+" قبل شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2022 أن خفض مليوني برميل سيزيل تخمة المعروض من السوق، فقد أصبح المعروض أكثر من ذلك التقدير مقابل الطلب المتوقع في ظل اضطرابات الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي 2023.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المهم الإشارة إلى أنه إذا كانت بعض الحكومات في الدول المستهلكة ترغب في ذلك الاختلال لأسباب سياسية متعلقة بأهداف انتخابية محلية، فإن شركات الطاقة في تلك الدول تتضرر أيضاً بشدة من زيادة تخمة المعروض في السوق نتيجة تراجع الطلب.

ولا يمكن إغفال أن البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة ما زالت تواصل رفع أسعار الفائدة وسحب السيولة من السوق بهدف أساسي هو خفض الطلب في الاقتصاد بشكل عام لكبح جماح التضخم، ويعني ذلك بالتالي تباطؤ النشاط الاقتصادي وانخفاض الطلب على الطاقة، مما يزيد من تخمة المعروض النفطي في السوق.

التعويل على نمو اقتصاد الصين

لطالما اعتبر الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأميركي، قاطرة النمو الاقتصادي العالمي، لكن ذلك كان حتى عام 2019 قبل أزمة وباء كورونا حين كان ذلك الاقتصاد ينمو بمعدلات فوق نسبة 10 في المئة سنوياً.

وكان التفاؤل الذي حكم تقديرات النمو الاقتصادي المتفائلة هذا العام نتيجة إعادة الصين فتح اقتصادها تماماً مطلع العام بعد سنوات من الإغلاقات المتكررة ضمن سياسة بكين المعروفة بوصف "صفر كوفيد". وتوقع الاقتصاديون والمحللون والمؤسسات الدولية أن تؤدي عودة نشاط الاقتصاد الصيني كاملاً إلى قفزة في النمو، بالتالي زيادة الطلب العالمي عامة، والطلب على الطاقة بشكل خاص.

لكن المؤشرات الأولية لا تدل على قفزة نمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم كما كان مقدراً. ووضعت الحكومة الصينية تقديراتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام 2023 عند نسبة 5 في المئة. وهي نسبة وإن كانت أعلى قليلاً من متوسط تقديرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لنمو الاقتصاد العالمي (بما بين 3 و3.5 في المئة)، إلا أنها تظل أقل من نصف متوسط النمو قبل ثلاث سنوات.

وهكذا، مهما كانت الزيادة في الطلب الصيني على الطاقة لن تكفي لامتصاص فائض المعروض بمعدلات الإنتاج العالمي الحالية، فضلاً عن أن هناك ما بين مليون ومليوني برميل يومياً من النفط الروسي حظرتها أوروبا وأصبحت تتجه إلى آسيا. وهي كمية تزيد بكثير على أي ارتفاع متوقع في الطلب الصيني على النفط.

المخزونات والتقنين

كان العامل المباشر في انخفاض أسعار النفط نهاية الشهر الماضي هو توقف الولايات المتحدة عن شراء النفط من السوق لإعادة ملء المخزون الاستراتيجي لديها، والذي استنزفت قدراً كبيراً منه لطرح معروض في السوق لخفض الأسعار العام الماضي. ومع أن واشنطن أكدت وقتها أنها ستعاود الشراء لملء المخزونات طالما ظل السعر في نطاق 80 دولاراً للبرميل، إلا أن بيان وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر غرانهولم الأسبوع الماضي صدم الأسواق حين أكدت أن "إعادة ملء المخزونات قد يأخذ سنوات".

ولا يقتصر الأمر على الولايات المتحدة، بل إن دول أوروبا التي مهدت لقرارها حظر النفط الروسي والبحث عن بدائل أخرى بملء مخزوناتها رسخت عملية تقنين لاستهلاك الطاقة. ويعني ذلك، إضافة إلى ضعف النمو الاقتصادي عموماً، وتقليل الطلب الأوروبي على النفط والغاز كما تظهر أرقام شركات البحوث وتحليل البيانات لقطاع الطاقة.

يضاف إلى ذلك أن الشتاء هذا العام لم يكن قارساً تماماً في نصف الكرة الشمالي، وهو ما يعني أن الزيادة الموسمية في الطلب على النفط لم تكن كبيرة كالمعتاد. وبالطبع أسهم ذلك في الحفاظ على المخزونات الاستراتيجية والتجارية في وضع جيد بحيث لا تحتاج إلى شراء النفط بقوة لإعادة ملئها في الربيع والصيف.

عوامل أخرى

بالطبع هناك عوامل تقنية أخرى تقف وراء قرار دول "أوبك+" خفض إنتاج النفط بنحو مليون برميل يومياً حتى نهاية 2023 وتعهد روسيا بتمديد خفض إنتاجها بنصف مليون برميل يومياً إلى نهاية العام أيضاً، منها تحول الدول ذات الاقتصادات الرئيسة المستهلكة للطاقة من الاستثمار في إنتاج النفط والغاز إلى الاستثمار في الطاقة الخضراء. وعلى رغم نسبة مساهمة الطاقة من المصادر المتجددة في سوق الطاقة العالمي تظل متواضعة، فإن الزيادة البطيئة في مساهمتها تأتي على حساب الطلب على النفط والغاز.

كل تلك العوامل التقنية البحتة لا علاقة لها بالسياسة، ولا حتى بتدخلات سياسية غربية في سوق الطاقة العالمية عبر العقوبات وفرض سقف سعر أو التلويح بمعاقبة المنتجين، كما أنها أيضاً لا علاقة لها بالاتهامات الغربية للمنتجين في "أوبك" بأنهم يقفون مع المنتجين من خارجها، وتحديداً روسيا، في أزمة أوكرانيا.

المزيد من البترول والغاز