Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب بوتين الأبدية

كيف يمنح الغزو مزيداً من القوة إلى الرئيس الروسي

استعراض موال لروسيا في يالطا، القرم، في مارس الماضي (أليكسي بافليشاك/ رويترز)

ملخص

بعد مرور أكثر من عام على #الغزو_الروسي لـ#أوكرانيا، تجلت الحقيقة المرة: الحرب لن تنتهي قريباً لأن ذلك ليس في مصلحة الرئيس الروسي فلاديمير #بوتين

بعد مرور أكثر من عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، تجلت الحقيقة المرة: الحرب لن تنتهي قريباً. على رغم القتال العنيف داخل مدينة باخموت الشرقية وحولها وفي أجزاء أخرى من دونباس، فخطوط المواجهة لم تشهد أي تغيير جوهري منذ أشهر. ويبدو أن روسيا في صدد تنفيذ هجومها الذي طال انتظاره، بيد أن موسكو تفتقر إلى القدرات اللازمة لتحقيق أي مكاسب كبيرة. في المقابل، تستعد أوكرانيا أيضاً لشن هجوم في فصل الربيع، لكن الخسائر البشرية والمادية التي تعانيها البلاد قد تحد من نجاحها. ولا يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مهتمان بالمفاوضات. وبالنظر إلى المأزق الواضح الذي يلوح في الأفق، فالسؤال المطروح هو إلى متى سيتمسك الزعيمان بخيار الحرب.

وهناك سبب واضح وراء استمرار زيلينسكي وبلاده في القتال: إذا لم يفعلا ذلك، ستختفي أوكرانيا من الوجود. وقد عبر القادة الغربيون عن هذا الرأي مراراً وتكراراً. وأشار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين إلى ذلك بعبارات واضحة وصريحة في سبتمبر (أيلول)، قائلاً، "إذا توقفت روسيا عن القتال، ستنتهي الحرب. أما إذا توقفت أوكرانيا عن القتال، فستنتهي أوكرانيا". وحتى لو سعى زيلينسكي إلى تسوية عن طريق التفاوض يتنازل فيها عن الأراضي لروسيا، فإن ذلك سيحمل في ثناياه خطر أن تستنتج موسكو أن الغلبة تكون دائماً للأقوى، فتشن هجوماً آخر في المستقبل. والجدير بالذكر أن زيلينسكي يواجه ما يسميه علماء السياسة مشكلة "التعهد الصادق": فهو لا يستطيع أن يضمن أن بوتين لن يوافق ببساطة على تسوية اليوم، ثم يعيد تجميع صفوفه ويهاجم مرة أخرى في اليوم التالي. وإذا قبلت أوكرانيا بتسوية سياسية سلمية الآن، قد تجد نفسها في وضع أسوأ لاحقاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، فإن حسابات بوتين أقل وضوحاً. وهو لا يزال متمسكاً بفكرة أن روسيا وأوكرانيا تشكلان دولة واحدة. في خطابه أمام البرلمان الروسي في فبراير (شباط)، أعلن بوتين مجدداً أن أوكرانيا جزء من "الأراضي التاريخية" الروسية. وما يزيد الوضع خطورة هو رأيه بأن الحرب هي جزء من مواجهة أكبر بين روسيا والغرب. وحتى في الوقت الذي يجد فيه الجيش الروسي صعوبة في تحقيق مكاسب في ساحة المعركة، فهو واثق من أن الغرب سيتعب في النهاية من دعمه لأوكرانيا أو أن التغييرات السياسية في الولايات المتحدة وأوروبا ستؤدي إلى تقليل المساعدات العسكرية المقدمة إلى كييف.

وفي منحى مقابل، ليس من الصعب فهم محاولة بوتين البحث عن مخرج من الصراع، في ظل مواجهته تحديات متزايدة في الداخل وفي ساحة المعركة. في الواقع، يكاد عدد الضحايا الروس يبلغ 200 ألف. وبطريقة موازية، تشهد مستويات المعيشة تراجعاً بالنسبة إلى كثير من الروس، ومن المتوقع أن يسجل الاقتصاد الروسي نمواً لا يتخطى نسبة 0.3 في المئة هذا العام بعد انكماش بنسبة 2.2 في المئة العام الماضي، وفقاً لصندوق النقد الدولي. واستطراداً، خسر الروس الأثرياء ممتلكاتهم وأصولهم في الغرب، وحرم كثيرون منهم من السفر بحرية. وستستمر مكانة روسيا كقوة عظمى في التدهور، بخاصة أن البلاد لا تزال معزولة عن التكنولوجيا والاستثمار الأجنبيين، مما يجبرها على الاعتماد أكثر على بكين. وكلما استمر بوتين في الحرب، ازداد وضع روسيا سوءاً.

وعلى رغم ذلك، غالباً ما تختلف الحوافز بين القادة وشعوبهم. من المرجح أن يواصل بوتين الحرب في أوكرانيا، ليس لأن ذلك يصب في مصلحة روسيا بل في مصلحته الشخصية. ويرى بوتين الاستمرار في القتال أمراً منطقياً، وذلك لسبب أساسي واحد، وهو أن الحكام المستبدين في زمن الحرب نادراً ما يفقدون السلطة، إذ إن الحرب تسلب مواطني الدولة وجيشها وقوات أمنها السبل التي تخولهم تحدي القيادات. في المقابل، لا ينطبق الشيء نفسه على الطغاة الذين يخسرون الحروب، إذ يصبحون في الواقع أكثر عرضة للخلع، وهو مصير قد يكون مميتاً، إذا لاقاه بوتين. ومن بين جميع القادة، فالأكثر عرضة لمواجهة نهاية عنيفة هم رؤساء الأنظمة الديكتاتورية الفردية التي تتركز فيها السلطة في يد فرد واحد.

إذاً، أكثر طريقة واعدة لوقف الحرب هي من خلال زيادة الدعم الأميركي والأوروبي لكييف، إذ إن تقديم مزيد من العون قد يساعد أوكرانيا على تحقيق نصر عسكري حاسم، مما يجعل حوافز بوتين الشخصية غير مهمة. وحتى إذا قررت أوكرانيا أنها لا تستطيع طرد القوات الروسية بالكامل من أراضيها، فإن تعزيز موقف كييف بشكل يجعلها تهدد بإلحاق هزيمة واضحة ببوتين في ساحة المعركة يجب أن يدفع الأخير إلى المشاركة في مفاوضات بشروط أكثر ملاءمة لأوكرانيا. وقبل أن يواجه بوتين تهديداً حقيقياً، لن يكون لديه أي سبب يدفعه إلى إيقاف الحرب.

حساب الأخطار

لا تسهم السياسة المحلية في تحديد حوافز القادة التي تدفعهم إلى بدء الحروب فحسب، بل توجههم أيضاً لاتخاذ قرار بإنهائها. بالنسبة إلى بوتين، أدت الحرب في أوكرانيا إلى خلق صعوبات وتعقيدات كبيرة أمام قدرته على الحكم، لأسباب ليس أقلها أن الانتكاسات هناك قد أضرت بصورته كقائد مقتدر على نحو لا يمكن إصلاحه. والاستمرار في الحرب يفيد بوتين لأنه يجعله أكثر صموداً في مواجهة التحديات المحلية التي تصاعدت منذ الغزو. وبالاستناد إلى بيانات من عالمتي السياسة سارة كروكو وجيسيكا ويكس، وجدنا أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن نسبة الحكام المستبدين المتفردين الذين أطيحوا وسط صراع بين دولهم ودول أخرى، نشب واستمر في خلال فترة حكمهم، لم تتخط السبعة في المئة. وعلى نحو مماثل، تظهر بيانات أخرى أن القادة الذين بدأوا الحروب من المستبعد جداً إطاحتهم في خضمها.

ومن السهل أن نرى لماذا تحمي النزاعات المستبدين. في الواقع، يخلق تنفيذ الحروب ديناميكيات تزيد من صعوبة تنظيم عملية إزاحة الديكتاتور، على غرار تأثير "التوحد خلف علم البلاد" [الدعم الشعبي المتزايد على المدى القصير لحكومة بلد ما أو القادة السياسيين خلال فترات الأزمة أو الحرب الدولية] الذي يجعل الناس يضعون الخلافات السياسية جانباً ويدعمون زعيمهم. ولم تشذ روسيا عن هذه القاعدة. على رغم صعوبة قياس مواقف الروس الحقيقية في شأن الحرب، فإن استطلاعاً أجراه مركز ليفادا يظهر أن نسبة تأييد بوتين ارتفعت بعشر نقاط بعد بدء الحرب في أوكرانيا، لتصل إلى 80 في المئة، وقد ظلت مرتفعة. وتشير أدلة أخرى إلى أن منتقدي بوتين حتى قد يفضلون القتال المستمر ضد كييف. وكما جادل عالم الاجتماع الروسي غريغوري يودين، "فحتى بعض الروس الذين لا يضمرون الخير لبوتين يساورهم قلق مما قد تؤدي إليه الخسارة".

لقد بذل بوتين قصارى جهده لإثارة هذه المخاوف. فوصف الحرب في أوكرانيا على أنها "تتمحور حول وجود بلدنا في حد ذاته"، وهو تكتيك لترويج الخوف يستخدم من أجل فرض الامتثال للنظام. كذلك، فإن سيطرته على وسائل الإعلام وقدرته على تصوير الحرب بأنها وجودية، تسمح له بتهميش المعارضين من خلال تصنيفهم على أنهم معادون لروسيا.

استمرار الحرب يحمي بوتين من تحديات النخب

والجدير بالذكر أن هذا الغزو قد سهل أيضاً على بوتين قمع الروس الأقل ميلاً إلى البقاء هادئين ساكنين. في الواقع، صدرت قوانين جديدة تعاقب المنتقدين بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات إذا تحدثوا علناً ضد الحرب، وبطريقة موازية تحرك الكرملين لإغلاق ما تبقى من وسائل الإعلام المستقلة والمنظمات غير الحكومية في البلاد. وقد أسهم هذان الإجراءان في التخفيف أكثر من أخطار اندلاع احتجاجات جماهيرية من النوع القادر على إطاحة القادة. وبطريقة موازية، دفعت الحرب مئات الآلاف من الروس إلى مغادرة البلاد. وكان نزوحهم بمثابة متنفس [صمام لتنفيس الضغط]، بالنظر إلى أن كثيرين منهم كانوا من الأشخاص الأكثر ميلاً لتحدي بوتين. في حالة انتهاء الحرب، يبدو أن عدداً من هؤلاء الروس عازم على العودة إلى دياره بدلاً من السعي إلى الاندماج في المجتمعات المضيفة، مما يشكل تحدياً مستقبلياً يفضل بوتين تجنبه.

وعلى القدر نفسه من الأهمية، فإن استمرار الحرب يحمي بوتين من تحديات النخب. فالأنظمة الاستبدادية التفردية مثل نظام بوتين هي أنظمة مضادة بالفعل للانقلابات، بالنظر إلى أنها تبقي النخب ضعيفة وتربط مستقبل تلك النخب مباشرة بمستقبل الزعيم. ودخول البلاد في حالة حرب يوفر للمستبدين حماية إضافية من هذا التهديد. ووفق ما أظهره العمل الذي أنجزه عالما السياسة فارون بيبلاني وكيتلين تالمادج، فإن خطر حدوث انقلابات يتضاءل مع تواصل النزاعات. فالحرب تحمي القادة عن طريق منع الوصول إلى عدد من السبل الرئيسة التي يمكن للنخب استخدامها لإطاحتهم. وطالما أن الجيش الروسي منخرط في صراع طاحن في أوكرانيا، فمن المحتمل أن يفتقر إلى القوة التنظيمية المطلوبة من أجل التخطيط للانقلاب. وبالمثل، فإن الخسائر الجسيمة في صفوف الضباط أصحاب الرتب العليا والمتوسطة تعوق قدرة الجيش على التصرف. وفي الوقت نفسه استفادت الأجهزة الأمنية الروسية إلى حد كبير من الحرب، إذ ازداد اعتماد بوتين عليها في عمليات القمع، لذلك ليس لديها حافز كبير للتحرك ضده.

وفي المقابل، هناك بالطبع صعوبات وتحديات تنجم عن استمرار القتال. على سبيل المثال، قد يؤدي الركود الاقتصادي وارتفاع عدد الضحايا والخسائر إلى ازدياد معارضة الشعب لحكم بوتين. وعلى رغم ذلك، يمكن للديكتاتوريين الذين يحافظون على ولاء الجهات المسلحة أن يتحملوا ظروفاً قاسية للغاية، ونادراً ما تؤدي المصاعب الاقتصادية وحدها إلى زعزعة حكم القائد المستبد. على سبيل المثال، ظل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في منصبه على رغم الانهيار الاقتصادي. ومن المرجح أيضاً أن يكون بوتين قادراً على تحمل الخسائر المتزايدة، إذ تظهر البحوث أن المستبدين المتفردين هم القادة الأقل تأثراً وحساسية تجاه الوفيات في زمن الحرب لأنهم ينجحون بشكل فعال في إبقاء كلفة القتال المرتفعة بعيدة عن الجماعات الأكثر أهمية من الناحية السياسية. وهذا بالضبط ما فعله بوتين، إذ عمد إلى تجنيد السجناء والأشخاص المنتمين إلى أفقر المناطق الروسية، بأعداد غير متناسبة.

مسؤولية بوتين الواضحة عن الغزو قد تجعله عرضة لإطاحته بشكل أكبر

ولكن إذا هزمت روسيا بوضوح، من خلال خسارتها مثلاً أجزاء من أوكرانيا كانت تحت سيطرة موسكو قبل غزو فبراير، فإن هذه الضمانات قد تتلاشى. في ذلك الإطار، توصلت البحوث التي أجراها عالما السياسة جياكومو تشيوزا وهاين غويمانس إلى أن ما يقرب من 80 في المئة من جميع القادة الذين كانوا في السلطة في نهاية الصراع ظلوا في موقعهم بعد انتهاء الصراع، أما القادة الذين أطيحوا، فكانوا أولئك الذين تعرضوا لهزيمة عسكرية. في الواقع، نحو نصف القادة الذين يخسرون الحرب، ينتهي بهم المطاف أيضاً بفقدان السلطة.

واستطراداً، يميل الديكتاتوريون المتفردون مثل بوتين إلى أن يكونوا من بين أكثر الطغاة صموداً في مواجهة الهزائم العسكرية، ولكن من المرجح أن يصوغ الزعيم الروسي حساباته بالاستناد إلى توقعاته لما قد يحدث في حال تمت إطاحته. وتجدر الإشارة إلى أن القادة الذين يخشون من أن يتعرضوا للسجن أو النفي أو القتل، وهو المصير الأكثر شيوعاً الذي يلقاه المستبدون المتفردون، يظهرون حساسية كبيرة حيال أي زيادة طفيفة في الأخطار. ومسؤولية الغزو التي تقع بوضوح على بوتين تجعله معرضاً لهذا المصير بشكل خاص. وفقاً لإحدى الدراسات، فإن القادة الذين يقع عليهم اللوم في نشوب الحروب يتمتعون بحافز أكبر لمواصلة قتالهم، حتى في ظل تعرضهم للشدائد والصعاب، وذلك لأن الفاعلين المحليين سيرغبون في معاقبتهم إذا فشلوا.

وقد اتخذ بوتين خطوات ترمي إلى محاولة تقليل بعض هذه الأخطار. فتجنب على سبيل المثال، التعبير بوضوح عن أهدافه في أوكرانيا، مما تسبب في غموض يمكن أن يساعده على إقناع الجمهور المحلي بتقبل نتيجة غير مثالية. ومن أجل تحقيق أهدافه، قد يكون التعادل كافياً: وجد تشيوزا وغويمانس أن النتائج العسكرية التي يمكن من خلالها للطرفين الادعاء بأنهما حققا شيئاً لا يكون لها تأثير يذكر في استقرار سلطة القائد، ولكن قبل أن يكون بوتين مستعداً للموافقة على تسوية، والتخلي عن فوائد الحرب التي تعزز استقراره في منصبه، يجب أن يواجه نوعاً من الهزيمة الواضحة التي قد تهدد قبضته على السلطة.

متورط أكثر من اللازم

معظم الحروب سريعة ولا تدوم أكثر من بضعة أشهر، لكن تلك التي تستمر لأكثر من عام تميل إلى الاستمرار لأكثر من عقد من الزمان. بالنظر إلى التزام بوتين الأيديولوجي مواصلة الغزو، والحوافز التي تشكل أساساً يستند إليه في اتخاذ قراراته، فإن الحرب الروسية - الأوكرانية قد تنطبق عليها تماماً صفة السابقة التاريخية. ويشكل مثل هذا الصراع المطول أخطاراً جسيمة على أوكرانيا والغرب، إذ إن الحرب الطويلة لن تؤدي إلى زيادة الخسائر والدمار بالنسبة إلى أوكرانيا فحسب، بل ستزيد أيضاً من احتمالية تضاؤل الدعم الغربي، الأمر الذي سيؤدي إلى أسوأ نتيجة ممكنة لهذه الحرب، لأنه سيمنح روسيا القدرة على بسط سيطرتها الإقليمية على أوكرانيا.

حتى الآن لم تؤخذ أخطار الحرب المطولة في الحسبان بشكل كاف في عملية صنع القرار في واشنطن وأوروبا. وعوضاً عن ذلك، ركز الغرب على أخطار التصعيد، بما في ذلك خطر استخدام بوتين سلاحاً نووياً. والجدير بالذكر أن هذا الخطر بالتحديد قد دفع بالولايات المتحدة وأوروبا إلى اعتماد الاعتدال في نوعية الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا، ولكن كلما طال أمد الحرب، زاد احتمال تضاؤل الدعم الغربي. وعلى رغم أن دعم الحزبين لأوكرانيا لا يزال قوياً في الكونغرس الأميركي، فإن التعليقات الأخيرة التي أدلى بها حاكم فلوريدا الجمهوري رون ديسانتيس، بأن أوكرانيا لا تعد مصلحة أميركية "حيوية"، تؤكد اختلاف الآراء وتنوعها في أنحاء الولايات المتحدة. ومن الممكن أيضاً أن يكون التأييد العام للمساعدات المقدمة لأوكرانيا قد بدأ يتراجع، إذ انخفض من 60 في المئة في مايو (أيار) 2022، إلى 48 في المئة اليوم، وذلك وفقاً لاستطلاعات أجراها مركز نورك (NORC) لبحوث الشؤون العامة التابع لوكالة أسوشيتد برس.

وهذا يعني أنه إذا أرادت الولايات المتحدة وأوروبا تجنب أخطار الصراع الطويل الأمد، فيجب عليهما تقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا. وفي الواقع، تحتاج كييف في أقرب وقت ممكن إلى أسلحة حاسمة وبأعداد أكبر. وعلى وجه الخصوص، تحتاج أوكرانيا إلى مزيد من الذخيرة والدفاعات الجوية، إضافة إلى أنظمة الراجمات الصاروخية العالية الحركة "هيمارس" HIMARS، والذخائر الخاصة بنظام إطلاق صواريخ متعددة دقيقة التوجه GMLRS، والدبابات. واستكمالاً، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا أيضاً تعزيز القدرة الهجومية لأوكرانيا من خلال تزويد الجيش بأنظمة الصواريخ التكتيكية ATACMS، وهي أسلحة بعيدة المدى من شأنها أن تمنح أوكرانيا القدرة على قصف أهداف على مسافات أبعد، بما في ذلك الأهداف الروسية في القرم. ويمكن للغرب أيضاً زيادة قوة أوكرانيا من خلال توفير قدرات جوية هجومية أقوى، مثل الطائرات المقاتلة والطائرات المسيرة المتقدمة.

لقد ركز الغرب على أخطار التصعيد

والأهم من ذلك، يتعين على الولايات المتحدة تخطي مرحلة تقديم وعود كلامية بأن تدعم أوكرانيا "مهما طال الأمر" (وفق ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن مرات عدة) والانتقال إلى مرحلة الالتزام الملموس على أرض الواقع بتوفير دعم دائم لها. ويستطيع الكونغرس، على سبيل المثال، أن يتبنى تشريعاً يحدد جدولاً زمنياً طويل الأجل لتسليم الأسلحة إلى أوكرانيا. وفي الحقيقة، يمكن لمثل هذه الخطة الواضحة والمطولة أن تجعل موسكو أكثر تشاؤماً في شأن مستقبل حملتها. ومن المرجح أن الأموال والموارد ستؤثر في حسابات بوتين حول فرص نجاحه في الحرب أكثر بكثير من الكلمات والخطابات.

ويمكن لأوكرانيا استخدام هذه الموارد من أجل طرد القوات الروسية تماماً من أراضيها، ولكن حتى لو لم تستطع الفوز بالكامل في ساحة المعركة، فإن هجوماً أوكرانياً مقنعاً من شأنه أن يزيد من احتمالات سعي بوتين إلى عقد تسوية بشروط أكثر ملاءمة لأوكرانيا. والجدير بالذكر أن قدرة كييف على التهديد بشكل مقنع بأنها ستستعيد الأراضي، ستلعب دوراً مهماً في تحديد حسابات بوتين، لأنها تقدم إشارة لا لبس فيها على عدم كفاءته كقائد، وهو أمر لا يمكن للكرملين التلاعب به بسهولة وإخفاؤه عن الجماهير المحلية. إذا تمكنت كييف من تعريض شبه جزيرة القرم للخطر، على سبيل المثال، فقد يرى بوتين أن من مصلحته تجنب الأخطار المحلية التي تأتي مع هزيمة حاسمة والتفاوض على نهاية لا ترقى إلى مستوى الأهداف الحربية التي كان ينوي تحقيقها. في مثل هذا السيناريو، يجب أن تكون الولايات المتحدة ودول أوروبا مستعدة لتزويد أوكرانيا بضمانة أمنية قوية من شأنها أن تكفل ألا تحاول روسيا شن غزو مرة أخرى، ومن الناحية المثالية فإن هذه الضمانة تتمثل في ضمها إلى حلف الناتو.

ما بدأ هذه الحرب هو أوهام بوتين الأنانية النفعية في شأن التاريخ وإرثه كقائد روسي عظيم، وستكون مصلحته الشخصية هي التي ستنهيها. وفي الوقت الحالي، ليس لدى بوتين أي حافز لوقف القتال. وهذا يعني أنه يجب على أوكرانيا إما إنهاء الحرب لأجله أو تهديد بإلحاق هزيمة به - هزيمة تكون قاطعة لدرجة تدفعه إلى اعتبار التفاوض وسيلة لحماية نفسه.

أندريا كيندال تايلور زميلة بارزة ومديرة برنامج الأمن عبر الأطلسي في مركز "الأمن الأميركي الجديد"

إيريكا فرانتز هي بروفيسورة مشاركة في العلوم السياسية في "جامعة ميشيغان الحكومية"

مترجم عن فورين أفيرز، 23 مارس 2023

المزيد من آراء