Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الـ"إيكونوميست": إيران تستعيض بالمصالحة مع الخليج عن أميركا

استمرار الاحتجاجات والتدهور الاقتصادي يدفعان طهران لتقديم تنازلات تخفيفاً للضغوط

تدهور قيمة الريال الإيراني أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم العام الماضي إلى نسبة 50 في المئة  (أ ف ب)

ملخص

تسعى #إيران إلى التقارب مع #دول_الخليج لتخفيف وطأة #العقوبات_الأميركية

يثير النشاط الدبلوماسي في الخليج والعالم العربي ردود فعل واسعة تتجاوز حدود المنطقة، حيث تعج وسائل الإعلام الغربية بالتحليلات والتعليقات والتكهنات والسيناريوهات. ولم تهدأ بعد تلك الموجة، خصوصاً فيما يتعلق بالتقارب السعودي - الإيراني، ثم ما نقلته التقارير الإخبارية عن اتفاق سعودي - سوري على عودة العلاقات. ودون الإشارة للهجمات المتبادلة بين القوات الأميركية في سوريا وميليشيات موالية لإيران نشرت مجلة الـ"إيكونوميست" البريطانية الرصينة تحليلاً مطولاً خلاصته أن إيران تسعى إلى الانفتاح على جيرانها، وليس على الأميركان.

في المقدمات، يجمل التقرير كيف تتباعد الشقة بين طهران وواشنطن في الآونة الأخيرة حتى يكاد الموقف الأميركي يقترب من نظيره الإسرائيلي الذي يتبناه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والساعي لإفشال أي محاولة لإعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والغرب، بل ربما توافق الولايات المتحدة على الهدف الأعلى لإسرائيل، وهو توجيه ضربة عسكرية لإيران تستهدف منشآتها النووية.

ويرى التقرير أن جهود الرئيس الأميركي جو بايدن منذ أول يوم له في البيت الأبيض للعودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه سلفه دونالد ترمب عام 2018 لم تفلح. فبعد نحو عامين من المفاوضات، لا تبدو إيران مستعدة لتقديم أي تنازلات في برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الغربية والأميركية عنها. يضاف إلى ذلك سلوك إيران، بخاصة منذ بدء الحرب في أوكرانيا مطلع العام الماضي.

سلوك إيران

أمدت طهران موسكو بمئات الطائرات المسيرة المقاتلة والانتحارية التي قصفت مواقع مدنية في أوكرانيا، بل تعتقد أميركا والغرب أن الإيرانيين يبنون مصنعاً للطائرات المسيرة في روسيا لتوفير مزيد منها للجيش الروسي، كما أجرت إيران مناورات بحرية في خليج عمان قرب مضيق هرمز بالاشتراك مع القوات البحرية الروسية والصينية خلال الأيام الأخيرة، إضافة إلى القمع الحكومي المستمر للتظاهرات والاحتجاجات السلمية في البلاد منذ أشهر.

وفي مطلع مارس (آذار) الجاري كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أنها عثرت في إيران على جزيئات يورانيوم مخصب لدرجة نقاوة تقترب من المطلوب لإنتاج سلاح نووي (تخصيب بنسبة 83.7 في المئة). وبحسب الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى في 2015 يسمح لإيران بأن يكون لديها ما لا يزيد على 202 كلغم من اليورانيوم المخصب عند نسبة 3.67 في المئة للاستخدام في الأغراض المدنية. في المقابل يخفف الغرب والأمم المتحدة العقوبات المفروضة على طهران.

ومنذ انسحبت أميركا من الاتفاق النووي، سرعت إيران من نشاط برنامجها النووي بتطوير وإضافة أجهزة طرد مركزي للتخصيب بنسب أعلى وزادت كمية اليورانيوم المخصب لديها. وبحسب أحدث التقديرات فلدى إيران الآن 70 كلغم من اليورانيوم المخصب عند نسبة 60 في المئة.

وعلى رغم بعض التصريحات بأن إيران لا يفصلها عن إنتاج سلاح نووي سوى أيام، فإن تحليل الـ"إيكونوميست" يرى أنها تحتاج إلى عام أو عامين، كما أنه لا يبدو أن القيادة الإيرانية، بخاصة المرشد الأعلى علي خامنئي صاحب القرار النهائي، توافق بعد على إنتاج قنبلة ذرية على رغم أن لدى إيران برنامجاً للصواريخ الباليستية وتخصص قدراً مهماً من مواردها لبرنامجها النووي.

الوضع الاقتصادي

يرى واضعو تقرير المجلة البريطانية أن الوضع الاقتصادي المتردي في إيران هو السبب في استمرار الاحتجاجات بأنحاء البلاد التي بدأت خلال سبتمبر (أيلول) الماضي عقب وفاة فتاة في الحجز بسبب عدم ارتدائها الحجاب. ففي فبراير (شباط) الماضي هبط سعر صرف الريال الإيراني إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند نحو 580 ألف ريال مقابل الدولار الأميركي، مما يعني فقدان العملة الإيرانية نسبة 55 في المئة من قيمتها خلال عام، وانهيارها بنسبة 94 في المئة منذ عقد من الزمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأدى التدهور المستمر في قمية العملة، إضافة إلى التراجع الاقتصادي المطرد نتيجة العقوبات المفروضة على طهران إلى ارتفاع معدلات التضخم العام الماضي إلى نسبة 50 في المئة. كل ذلك يزيد من ارتفاع كلفة المعيشة للإيرانيين، وهو ما يجعل التظاهرات والاحتجاجات مستمرة منذ أشهر.

في إطار محاولات الالتفاف على العقوبات الغربية، حاولت إيران تعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا. وفي عام 2021 وقعت طهران مع بكين اتفاق "شراكة استراتيجية" لمدة 25 عاماً. وتحدث المسؤولون الإيرانيون وقتها عن أن الاتفاقية ستؤدي إلى استثمارات صينية في بلادهم تصل إلى 400 مليار دولار. إلا أن الشركات الصينية لم تضخ استثمارات في إيران العام الماضي مثلاً سوى بمقدار 185 مليون دولار.

الشراكة مع الصين وروسيا

عقب إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي في عام 2018 أعلنت إيران أن شركة البترول الوطنية الصينية حلت محل شركة "توتال" الفرنسية في مشروع تطوير حقل "ساوث بارس" العملاق للغاز الطبيعي بعقد قيمته خمسة مليارات دولار، لكن الشركة الصينية انسحبت من المشروع بعد ذلك بعام واحد، ويظل مشروع الحقل غير مكتمل إلى الآن.

وهكذا، بحسب تقديرات الـ"إيكونوميست"، لم تؤتِ الشراكة مع الصين ما كان يأمله الإيرانيون، خصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا وجدت الصين في روسيا مورداً آخر للطاقة بأسعار رخيصة عن السوق يعوضها عن استيراد النفط والغاز من إيران بأقل من أسعار السوق، فضلاً عن أن إيران لا تحصل على العملة الأجنبية مقابل صادراتها للصين، بل هي في الأغلب عملية مقايضة بواردات من الصين، بالتالي لا تفيد التجارة مع بكين في دعم العملة الوطنية الإيرانية.

في العام الأخير، حلت روسيا محل الصين كأكبر مستثمر في إيران، لكن ذلك يظل أيضاً بحسب التقرير في حدود متدنية لا تفيد كثيراً اقتصاد طهران. وعلى رغم التعاون المتزايد بين موسكو وطهران في الالتفاف على العقوبات الغربية، بعد الخناق الاقتصادي المتصاعد الذي يفرضه الغرب على روسيا، فإن البلدين يتنافسان على تصدير منتجهما الرئيس (النفط والغاز) بأسعار مخفضة تقريباً لنفس الزبائن.

اتفقت إيران وروسيا على إجراء التبادلات التجارية بينهما بالعملات الوطنية، الروبل والريال، لكن ذلك أيضاً بحسب التقرير لن يكون له أثر كبير في الوضع الاقتصادي وسط العقوبات المشددة على كلا البلدين، كما أن روسيا مستنزفة بالحرب في أوكرانيا ما يجعلها ليست في وضع تستثمر فيه بقوة في إيران بالشكل الذي يحسن من الوضع المتدهور للاقتصاد الإيراني.

الجيران وليس الأميركان

يذكر تحليل الـ"إيكونوميست" بأنه منذ البداية لم يكن المرشد الأعلى علي خامنئي متحمساً للمفاوضات مع الأميركان والغرب في شأن البرنامج النووي الإيراني. وقال للرئيس وحكومته قبل اتفاق 2015 إنه "لا يثق بالأميركان". وتعزز رأيه مع عدم رفع الكثير من العقوبات عن إيران بعد الاتفاق، وأيضاً بعد أن أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب فرض العقوبات التي رفعت مع انسحابه من الاتفاق.

لذلك، ومنذ جاء إبراهيم رئيسي إلى السلطة في انتخابات 2021، أصبح التيار السائد في الحكم بطهران أقرب لرؤية المرشد خامنئي. وهكذا انهارت آمال الرئيس الأميركي جو بايدن في الحصول على تنازلات من طهران مقابل العودة إلى الاتفاق. ويخلص التقرير إلى أن المرشد وحكومة رئيسي غيرت توجهها نحو المصالحة مع الجيران وليس الأميركان.

كانت تلك الأرضية التي بدأت على أساسها جلسات حوار في عواصم عربية بين السعودية وإيران، وانتهت باتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية برعاية صينية مطلع هذا الشهر. وعقب الإعلان عن اتفاق بكين ارتفع سعر صرف الريال الإيراني بنسبة 14 في المئة، وإن كان عاد ليفقد قدراً معقولاً من ذلك التحسن في قيمته.

كما صرح وزير المالية السعودي محمد الجدعان بأن بلاده قد تستثمر في إيران إذا نجح اتفاق عودة العلاقات في غضون الشهرين المحددين في اتفاق بكين. ومع أن المجلة تشكك في إمكانية حدوث ذلك بسرعة، إلا أنها تشير إلى الموقف الإيراني الذي قبل بتقديم تنازلات مثل وقف إمداد الحوثيين في اليمن بالسلاح، وربما تنازلات أخرى في سوريا ولبنان على أمل الفائدة الاقتصادية من عودة العلاقات مع جيرانها الخليجيين.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات