Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يقرأ الكتاب العرب في شهر رمضان؟

طقوس الصوم تختلف بين التأمل والاستراحة الفكرية والقراءة غير المجهدة

جمالية القراءة (سوشيل ميديا)

ملخص

طقوس #الصوم تختلف بين #التأمل والاستراحة الفكرية والقراءة غير المجهدة

لشهر رمضان طقوسه المميزة عن بقية أشهر العام. إيقاع مختلف في العمل والمناسبات الاجتماعية، فهل يطوع الكتاب طقوسهم لتناسب أجواء الشهر الكريم؟ وإذا كان كل كاتب هو قارئ بالضرورة، فهل يبحث عن كتاب بعينه؟ هل يتغير جدول القراءة وأوقاتها؟ هل تصبح الأولوية للروايات أم للكتب التراثية؟  طرحنا هذه الأسئلة على عدد من الكتاب والكاتبات لكن بعضهم وبعضهن، آثروا ألا يجيبوا.

كانت البداية مع الروائية المصرية سهير المصادفة التي قالت: "طوال العام تقريباً لا أفعل شيئاً سوى القراءة والكتابة، وأدور في هذه الحلقة مثلما تدور عقارب الساعة. لكن لا أقرأ كثيراً في شهر رمضان، ولا أشارك أيضاً في فعاليات ثقافية أو ندوات حتى عبر الزووم. أعتبره شهر إجازة من الكتابة والقراءة".

وتضيف المصادفة: "أجرب أن تقف حياتي وأيامها قليلاً، أن أتمرد على عاداتي وطقوسي، وأسكت أمام الملكوت، أحاول الاستماع إلى صوت دوران الأرض حول نفسها، ودورانها حول الشمس، إلى أصوات المخلوقات الأخرى والكائنات وهي تدور، كل في حلقته، إلى هسيس تمايل أغصان الشجر، وهمسات الحجر، إلى حركة النجوم فوق رأسي. شهر رمضان فرصة لكي أوقف زمني الخاص، عادة أكون في خضم كتابة مخطوط جديد، فأتركه وأفعل كل شيء سواه. أغلق ملف الكتابة وأنا أحرر الشخوص إلى حين، فإذا عادوا بعد رمضان أكثر حيوية وصخباً، فهم لي، وإذا شعروا أو شعرت نحوهم بالفتور أحررهم وأبدأ الكتابة من صفحة بيضاء". وتستطرد صاحبة روايات "بياض ساخن"، و"زمن الضباع" و"لعنة ميت رهينة": "أحيانًا تتمرد الكتابة علي وتجرني جراً لأجلس وأكتب عدداً قليلاً من الكلمات، وأحياناً أخرى تنصاع لرغبتي الصارمة ولا تطاردني، ولكنني أكتشف بمجرد انتهاء الشهر أنه لم يكن توقفاً بقدر ما هو مواصلة حرث حقل تأملي جديد".

أمهات الكتب 

وحول ما استقر في ذاكرتها من طقوس تقول المصادفة: "شهر رمضان مرتبط عندي منذ الطفولة بصوت الشيخ سيد النقشبندي، كلما كبرت كنت أحاول ملاحقة أصوات جديدة نادرة مثله ومثل صوت الشيخ محمد رفعت. أستمع للابتهالات وأتجول مع أناس لا أعرفهم في رحاب مساجد وأضرحة، وبجوار جدران معبقة برائحة تحتفظ بها منذ ألف عام ويزيد. أقرأ الوجوه، والأعين والأكف الضارعة، أصادف عديداً من المواقف المذهلة، وأحتضن الحكمة المنثورة في ذرات الهواء. ووسط عائلتي نختار مسلسلاً أو اثنين للفرجة، كم هو صعب إيجاد مسلسل عربي جيد! وقد فتحت سماوات البث، وأصبح أصغر طفل في عائلتنا يشير إلى مسلسل أميركي أو حتى برازيلي وهو ينصحنا أن نتابعه، والمدهش أكثر أنه يكون عنده كل الحق".

أما الكاتب والشاعر السوري هاني نديم فيقول: "استثمر شهر رمضان كل عام بقراءة التراث مجدداً، الكتب المذهبة والمراجع العربية في التاريخ والفكر، وأميل كثيراً للكتب الصوفية والفلسفة العربية في هذا الشهر، فأوغل في قراءة ابن عربي والغزالي وابن رشد مجدداً. إن هذا النوع من القراءات، لعله يكون تطهيراً للتلوث اللغوي على مدار العام، واستدراك ما نقص من العلاقة والهجران مع اللغة العربية بحلتها الأبهى وبلاغاتها الأعلى. أيضاً أعيد قراءة القرآن في هذا الشهر وأعيد التفكير بلغته ووصفه".

ويضيف صاحب "نحات الرياح": "هذا الشهر يرتبط لدي بالقراءة التراثية منذ طفولتي، إذ كان طقساً لدينا في البلدة أن نذهب إلى دروس اللغة والنحو والقرآن. وظل كذلك بيني وبين نفسي. استثمره لإعادة العلاقة مع أمهات الكتب العربية. نادراً ما أخرج خارجها في هذا الشهر. وكطقس دائم ومتكرر أعيد قراءة المتنبي والحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري".

تلاوة القرآن

تلفت الكاتبة التونسية فاطمة بن محمود النظر إلى توزيع المهمات في رمضان وتقول: "بينما لدى الكتاب الرجال الوقت للنوم والكتابة والمطالعة، تكون المرأة الكاتبة منشغلة في المطبخ بين قدورها وأوانيها. بالنسبة إلي أخلع عني جبة الكاتبة وأتحول - على طريقة كافكا - إلى حشرة عملاقة لامرأة الأطباق المثيرة للشفقة. لذلك شهر رمضان يعني لي كامرأة جبلاً من الأطباق التي يجب أن تمتلئ ثم تغسل قبل أن ترد إلى مكانها، وهو عمل يتكرر على امتداد كل أيام الشهر، إنه شهر مشقة ومكابدة يومية بين السوق والمطبخ. وأحتاج أن أبتكر أكاذيب سمجة لأقول إن معدل مطالعاتي أو كتابتي يرتفع وتعبدي يشتد، وهي أكاذيب لا تليق بي، لأني ليست لي معينة منزلية ولن تكون". وتضيف: "أذكر مرة، زارتني صديقة عربية اندهشت وهي تراني منكبة على حوض غسل الأواني وقالت مندهشة: أنا لا أصدق أنك أنت التي تكتبين بكل تلك العذوبة ولك ركام من الكتب، وتغسلين المواعين. ضحكت ولم أرد عليها".

ما الذي صمد في ذاكرة صاحبة "الملائكة لا تطير"؟ تجيب: "هناك مشهد تكرر لأكثر من مرة لطفلة كانت أمها تحب أن تعودها على الصوم وتروضها لتكون طيعة في الحياة، وإذا لم تنتبه الطفلة ورفعت قارورة الماء لتشرب فيفسد صومها. كان ذلك يصيب الأم في مقتل وهي التي تحب الله بشدة وترى في الصوم أقدس العبادات، تلك الطفلة الشقية هي أنا وتلك المرأة البسيطة في حياتها والعظيمة في إيمانها هي أمي رحمها الله".

واختتمت فاطمة بن محمود بالقول: "الآن أتذكر ذلك بحنين إليها، وندم على تصرفات صبيانية لا معنى لها، لذلك أفضل ما أفعله في الشهر الكريم أن أكفر عن جريمة الاعتداء على مقدسات أمي. أختار في السهرة بعد أن أنتهي من يومي الشاق أن أعود إلى حضن أمي الحبيبة، فأقرأ القرآن الكريم وأنا أترحم عليها. أحب أن أفعل ذلك بصوت هامس. صدقاً، لا أقرأ القرآن بعقلي بل بقلبي، تلك طريقتي لأقول لأمي إني أحبها بشدة وأشتاق إليها كثيراً. رحمها الله كانت عظيمة مثل الحياة".

بهجة الطيران

لا تميل الكاتبة الكويتية إستبرق أحمد إلى خطة صارمة للقراءة في الشهر الكريم وتقول: "رمضان شهر مختلف بطقوسه وروحانياته، يأتي من دون أن يغير نوعية القراءة لدي، كنت سابقاً أميل للكتب التي تأخذ وقتاً، وأجعلها أولوية باعتبار أن الصيام كريم في ساعاته، ويحتاج الصائم إلى وسيلة تجعله قادراً على قطع أشجار الوقت الشاهقة والمنتصبة بعناد مؤلم. لا سبيل  للغالبية إلا بالنوم لتحاشي الإرهاق، لكن ذلك يقدم فائدته في استرخاء الجسد وإخراس أفكار الجوع المستبدة. أما القراءة فينقضي معها الوقت بمتعة عظيمة، إذ تفتح أبواب التأمل، فيما تأخذك الكتابة إلى مسارات أخرى أكثر غنى وراحة. في هذه السنوات ما عدت أفكر بخريطة طريق للقراءة، بقدر ما أخضع لمزاجية غالباً أجدها تلهمني الكتاب المناسب دون نظام القوائم الملزمة، وذلك يعطيني بهجة الطيران بين أحرف المفاجآت، وانكماش الوقت والتعب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حول وقتها المفضل للقراءة في رمضان تجيب إسبترق أحمد: "كنت أبدأ القراءة غالباً في فترة ما بعد الظهيرة والمساء، لتنقسم منذ سنتين، إلى نهار مقتصر على الرياضة، وفي الليل تستولي القراءة والكتابة على ما تبقى من وقتي الذي تزداد وفرته بعد تفريغه من المهمات الاجتماعية الكثيفة، بخاصة في الأسبوع الأول من رمضان".

وعما إذا كان لديها ذكرى مع كتاب معين ارتبط بالشهر الفضيل قالت مؤلفة "تلقي بالشتاء عالياً"، "لا أستذكر كتاباً محدداً اجتاح وعيي بالمعرفة أو بجمالياته المبهرة، فأنا مصابة بنسيان تفاصيل اللحظة المحيطة بمتى حدث من دون المساس بوقع الأثر، لذا من النادر أن أستذكر أجواء معينة أو مشاهد أحاطت بتعرفي على كتاب معين، التذكر ترف بالنسبة إلي في هذه التفاصيل التي لها أيضاً متعتها لكني راسبة بهذه الاسترجاعات".

روايات خفيفة

يتفق الكاتب والمسرحي السعودي عباس الحايك مع إستبرق أحمد في الابتعاد عن التخطيط المسبق للقراءة ويقول: "أميل نوعاً ما لترتيب يومياتي من لحظة استيقاظي، فالتخطيط لتوقيت بعيد يربكني، لذلك لم أخطط لقراءاتي في شهر رمضان. وهذا لا يعني أنني لا أقرأ، فالقراءة فعل يومي لا يمر يوم من دونه، قد لا أقرأ بشكل منتظم، لكني أقرأ لأبحث عن معلومة ما. أقرأ أيضاً نصوصاً مسرحية أو درامية، لتقييمها أو تطويرها. وهكذا، لا يمر يومي من دون كم من القراءة".

 وحول نوعية كتبه المفضلة في تلك الأيام يقول: "أقرأ بعض الروايات التي اقتنيتها أخيراً، لأن الكتابات السردية الخفيفة تصلح لأجواء رمضان. فهو شهر الحكايات، خصوصاً أن كل شيء يتغير، بما في ذلك أوقات النوم والاستيقاظ. وبالتأكيد ستكون أوقات القراءة مختلفة عن الأيام العادية. أفضل القراءة مع فنجان قهوة أو كوب شاي أو أي مشروب ساخن، ولن يتأتى لي ذلك إلا في المساءات، وحتى لا تتغير طقوسي، أختار الليل للقراءة، لأن الذهن يكون في أفضل حالاته". ويختم الحايك قائلاً: "شهر رمضان مرتبط منذ الطفولة بالقراءة، فأول كتاب كامل قرأته وأنا في الصف الرابع الابتدائي، كان قصص الأنبياء، بدأته وانتهيت منه في رمضان، لذلك هو الكتاب الذي لا يمكن أن أنساه أبداً، على رغم مرور سنوات طويلة، ربما لارتباطه بطفولتي التي أتذكر تفاصيلها الرمضانية بالذات".

طفولة في الريف

الكاتب التونسي سفيان رجب يقول: "رمضان شهر خاص جداً، يذكرني بجدي وبطفولتي معه في الريف، كنت أرافقه إلى الجامع و’الكتاب‘ في رمضان، ونقرأ القرآن وكتب السيرة النبوية. وبقي لي من ذلك الزمن خيط نوراني رقيق أتتبعه كلما يأتي رمضان لأبلغ ركناً هادئاً، بعيداً من ضجيج المدينة، أقرأ فيه وأكتب. صحيح أن علاقتي بالشهر تغيرت كثيراً، لكني بقيت محافظاً على بعض التفاصيل التي تجمعني به، بخاصة القراءة نهاراً وارتياد المقهى ليلاً". ويضيف: "هذه السنة سأتفرغ في رمضان لمراجعة روايتي الجديدة. أحتاج كذلك إلى فتح كتب كثيرة ظلت مغلقة طوال السنة في مكتبتي، وبقية الوقت سأقسمه بين العائلة والمقهى ليلاً". ويضيف مؤلف "ساعي بريد الهواء": "أعتبر رمضان شهراً للتأمل ولترتيب مكتبة الذهن. ولي ثقة تكاد تكون عمياء في كل ما أكتبه في هذا الشهر. عادة ما تكون مقاطع موجزة تأتي لزيارتي آخر الليل، قبل تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. باختصار شديد، يذكرني الشهر بجدي رحمه اللّٰه. يعيدني إلى طفولتي وإلى تلك العطور الصوفية النادرة في أركان بيت جدي".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة