Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ابتهالات صوفية تستقبل رمضان منذ العصر العباسي إلى عصر التلفزيون

شكّلت الأناشيد صورة عن تطور المجتمع العربي والإسلامي خلال قرن من الزمن

 جامع الأمير طينال من أعرق المساجد في طرابلس شمال لبنان (اندبندنت عربية)

ترتبط ذاكرة رمضان في العالم العربي بأرشيف سمعي كبير يتألف من عدد لافت من الأناشيد الدينية والقصائد الصوفية.

وشكّلت هذه الأعمال صورة عن تطور المجتمع العربي والإسلامي خلال قرن من الزمن، من عصر الاحتفالات والموالد النبوية إلى حقبة التواصل الاجتماعي، والانتقال من غناء الموشحات وقوافي الكلام، إلى مرحلة الكلام المحكي والشعر العامي، حيث سطعت أسماء أصوات أيقونية، صدحت أمسياتها بالجامع الأموي في دمشق، إلى الأزهر الشريف في القاهرة، مروراً بفيحاء لبنان (مدينة طرابلس)، وقدس أقداس فلسطين، وصولاً إلى أبي حنيفة بغداد، والحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة.

العبق الصوفي نمط سائد

ترتبط أكثرية الأناشيد في التراث العربي بـ"المفهوم الصوفي"، ويشير هياف ياسين، أستاذ الموسيقى الشرقية إلى التعبير عن الطريق التي يسلكها المُريد الصوفي من أجل الوصول للارتقاء الروحي والتقرب من الله، والابتعاد عن الأمور الدنيوية.

وقد غنّى المنشدون العرب أغانيَ تعود إلى العصر العباسي كما هو الحال بقصيدة "سلطان العاشقين"، وغيرها التي تبقى حية بعد ألف سنة على نظمها، حيث تتم إضافة نغم خاص أشبه ما يكون بالطربي، فيسبب نشوة لدى المستمعين، وصولاً إلى التجلي.

ويؤكد ياسين أن الأصوات والموسيقى التي تؤدَّى هي من المستوى الرفيع، والتي يتعلم منها الموسيقيون الأداء السليم الصحيح، لافتاً إلى أن محمد عبد الوهاب كان في بطانة – جوقة كورال - الشيخ علي محمود، وكذلك حال زكريا أحمد لتعلم أداء الغناء الأصيل.   

وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن سلسلة طويلة من القصائد التي أدّاها كبار المنشدين ومشايخ الطرب في العالم العربي، وتحديداً في دولتين هما مصر وسوريا.

الريادة مع "سلطان العاشقين"

في المقابل، يؤصل أستاذ الموسيقى الشرقية، تاريخ الإنشاد الرمضاني خلال القرن الأخير، حيث يعود إلى قصيدة "ته دلالاً" لسلطان العاشقين عمر بن الفارض، والتي غنّاها الشيخ علي محمود في مصر، وهي نموذج للقصائد التي تعود إلى العصر العباسي، وأعيد تلحينها وتجديدها في وجدان المتلقي العربي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل أن يصدح صوت مصري آخر بعمل قدير، وهو الشيخ طه الفشني بقصيدة "يا أيها المختار" التي نظمها المقرئ ندا علي ندا. يبدأ المنشد مدخلها بـ"يا أيها المختار، لمدحه ماذا أقول؟"، فهو يمتدح النبي الهاشمي بالقول "يا أيها المختار من خير الورى... خُلقاً وخلقاً في الكمال توحّدا".

السيد النقشبندي

يعد الشيخ سيد النقشبندي من أكثر الشخصيات التصاقاً بالذاكرة الرمضانية للعالم العربي، والذي تقشعر لصوته الأبدان، نظراً لعذوبته وجماله.

ويمكن الحديث في هذا السياق عن سلسلة ابتهالات ذات بُعد صوفي، يمتدح بها النبي الذي يعد شخصية مركزية يدور حولها الفكر الإسلامي، وقد أبدع النقشبندي في "صلوات الله وسلامه عليك يا رسول الله"، و"مولاي إني ببابك قد بسطت يدي".

الأمر أمرك

كما أدّى الشيخ نصر الدين طوبار في مصر بألمعية كبيرة "الأمر أمرك"، التي تتضمن تسليم الإنسان أمره للإله مُطلقاً، والذي لا يكف عن مناجاة ربه فيها "يا ربي يا سند الضعاف، أتيت في ضعف المحب وفي شرود الحائر، أنا ليس لي حق عليك، وإنما أنا الضعيف أمام عفو القادر"، والتي يتبعها بالصلاة والسلام على النبي. 

الإنشاد العربي الجماعي

سرعان ما تطور الإنشاد الروحي إلى العمل الجماعي، مع العمل التاريخي العظيم "أسماء الله الحسنى" الذي لحنه سيد مكاوي، وشارك فيه منشدون كبار من مصر وسوريا، ومختلف العالم العربي أهمهم السيد النقشبندي وتوفيق المنجد. وما زالت هذه الأنشودة من أشهر الأعمال الإنشادية التي يستمع إليها الملايين سنوياً، وفي مختلف المناسبات، نظراً لسردها السلس لأسماء الله الحسنى.

التعطيرة النبوية الشريفة

كما قدم الشيخ محمد الفران بصوته التعطيرة النبوية الشريفة، والتي تجاوزت حدود مصر إلى أصقاع العالم العربي، والتي تبدأ بـ"الحمد لله الذي أنار الوجوه بطلعة خير البرية"، والتي تتضمن في متنها ذكر الصفات العظيمة التي امتاز بها النبي العربي عن باقي الخلق.

المدرسة الشامية

في مقابل المدرسة المصرية التي رسخت في ذكر ووجدان العرب، بزغت من دمشق أصوات لا يمكن تجاهلها، في مقدمتها توفيق المنجد، وحمزة شكور، والتي اعتبرت من أروع الأصوات الإنشادية، وفتحت الباب واسعاً أمام جيل كامل من المنشدين والفرق الإنشادية الشامية والحلبية الذائعة الصيت في العالم العربي.

وتعد قصيدة "مولاي ضاقت بي الأرجاء خذ بيدي، مالي سواك لكشف الضر يا سندي" بصوت توفيق المنجد من أزهى تلك الأعمال، إلى جانب أنشودة "يا أمام الرسل يا سندي، أنت بعد الله معتمدي"، والذي أدى "رمضان تجلى وابتسم، طوبى للعبد إذا اغتنم".

كما أنه من غير الممكن تجاهل قصيدة "رسول الله ضاق بي الفضاء" التي اشتهرت بصوت أديب الدايخ. أما حمزة شكور فقد أبدع بقصيدة "يا أجمل الأنبياء"، وهذه القصيدة مأخوذة من اللحن الشهير "سماعي ثقيل بياتي" المنسوب إلى إبراهيم المصري 1912، وفق الدكتور هياف ياسين.  

الحداثة حاضرة أيضاً

لم يغب التطور عن حقل الإنشاد والأغاني الرمضانية، ومن بين أشهرها على الإطلاق خلال تسعينيات القرن العشرين، العمل الشهير للفنان أحمد قعبور "علوا البيارق علوها وغنوا للعيد، ضووا الشوراع خلوها تغني من جديد"، والتي تبعها "رمضان السنة دي، غيّر كل عاداتي".

كما لا يمكن تجاهل أثر الحملة التجديدية التي أطلقتها شبكة "أم بي سي" عام 2016 تحت شعار "رمضان يجمعنا"، مع أغنية "مرحب مرحب يا هلال، أهلاً أهلاً كيف الحال"، والتي ترافقت مع سلسلة فوانيس الشهيرة التي ينتظر جديدها الملايين مع رمضان سنوياً.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات