Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما زارت السيدة العجوز الشيشان أيام تدمير القوات الروسية لغروزني

سوكوروف ولوزنيتسا يطرحان قبل سنوات أسئلة الخوف والدمار في فيلمين راهنين

مشهد من الفيلم الروسي "ألكسندرا" لألكسندر سوكوروف (موقع الفيلم)

ملخص

فيلم "ألكسندرا" للروسي #ألكسندر_سوكوروف  (2007)، أنجز خلال #الحرب_في_الشيشان، ومع ذلك ليست ثمة "صورة مكبرة" للحرب فيه وليس ثمة أي ملمح شوفيني قومجي

من بين مئات الأفلام السينمائية التي يمكن للهجوم الروسي على أراضي أوكرانيا أن يذكر بها هاوي السينما الذي لا يمكن أن يفوته تتبع نشرات الأخبار على معظم شاشات العالم التلفزيونية منذ ما يزيد على عام، هناك في الأقل فيلمان يلحان على الذاكرة. ويمكننا أن نتذكر هذين الفيلمين لارتباطهما المباشر بما يحدث ولو بشكل فيه شيء من المواربة. أما جمعهما معاً، فلكونهما من إبداع مخرجين يقف كل منهما في الجهة المقابلة لجهة الآخر، مما يجعل لفيلميهما قيمة استثنائية. والفيلمان هما "ألكسندرا" للروسي ألكسندر سوكوروف (2007) و"دونباس" (2018) للأوكراني لوزنيتسا. ولئن كنا في ما يلي سنتناول فيلم سوكوروف فسنتناول فيلم لوزنيتسا في مقالة تالية، من دون أن يفوتنا في الحالين التركيز على ترابط ما، هو في نهاية الأمر، كلمة الفن وكرامته بالنسبة إلى ما يفعل الإنسان بأخيه الإنسان. ولا بد من التركيز أيضاً على مدى ما يجمع بين الفيلمين، جغرافياً وأخلاقياً وهو الأمر الذي يبدو لنا الأكثر أهمية هنا.

زيارة العجوز

وبداية نتحدث هنا عن "ألكسندرا" لنبدأ من تقرير واقع لا بد من الانطلاق منه. فهذا الفيلم الذي حققه سوكوروف وحرائق الدمار في غروزني لا تزال مشتعلة والجثث تكاد تملأ الشوارع. ومع ذلك ليست ثمة "صورة مكبرة" للحرب فيه وليس ثمة أي ملمح شوفيني قومجي. بالتالي ليس ثمة أي تبرير لما فعله قيصر الكرملين بوتين بالعاصمة الشيشانية وأهلها. ولكن ليست هناك إدانة صريحة لتلك الفعلة. فسوكوروف لا يريد أن يجعل من نفسه قاضياً أو واعظاً. هو غير مهتم بالحرب نفسها سواء كانت محلية أو عالمية أو حتى أهلية. فبالنسبة إليه ليس لحرب الشيشان التي يدور فيلمه من حولها اسم أو هدف أو منطق. هو يعرف أن الطرف الذي يشن الحرب على الشيشان هو الروس، لكن ذلك لا يغرقه في موقف وطني من أي نوع كان. إنه لا يتعاطف مع الجانب الروسي وفي المقابل لا يريد أن يعبر عن أي تعاطف مع الجانب الشيشاني. الروس والشيشان لديه سواء بسواء. هم معاً يخوضون حرباً تبدو في نهاية الأمر قتالاً ضد الإنسان. حرب وحوش ضد البراءة. وليس أدل على ذلك من تلك اللقطة في الربع الأخير من الفيلم إذ تقول مليكة الشيشانية لألكسندرا الروسية وهي تستقبلها في غروزني "إن من شأن الرجال أن يكونوا أعداء لبعضهم بعضاً لكن أنا وأنت أختان، أليس كذلك؟".

الفيلم هو الرد

ومن الواضح أن ألكسندرا ليست في حاجة إلى أن توافق على هذا الكلام. فوجودها هنا والفيلم نفسه إنما هما التأكيد على ما تقول مليكة. ومع ذلك إذ تتفرس ألكسندرا عن قرب في الجنود الروس في ثكنتهم، أي الرجال الذين تتحدث عنهم مليكة، من المستحيل التيقن من أنها ترى وحوشاً، هي التي لا تجد أعداء لدى الآخرين. فليس ثمة هنا وهناك أشخاص تملؤهم الكراهية. هناك فحسب شبان في مقتبل العمر، رُموا في الثكنة التابعة للجيش الروسي في الشيشان وسط الصقيع والموت والرعب. ولسوف نلاحظ كما تلاحظ ألكسندرا أن ما من واحد من هؤلاء الشبان يمكنه أن يدافع عن الحرب حتى إن كان على استعداد للتضحية بروحه كي يدافع عن الوطن. ولعل خير من يعبر عن هذا "التناقض" في فيلم "ألكسندرا" الذي عاد به عام ظهوره إلى مهرحان "كان" السينمائي، المخرج الذي كان لفت الأنظار حقاً بقوة سينماه عبر ثلاثة أفلام سابقة له، الجندي الشاب حفيد السيدة التي أعارت الفيلم اسمها، وهو ضابط جاءت السيدة لتزوره في تلك الثكنة التي يرابط فيها منذ سبعة أعوام وحركها اشتياقها إليه، فقامت بالرحلة المتعبة التي هي بعد كل شيء موضوع الفيلم.

"لم أحقق فيلماً سياسياً"

في أحاديثه الصحافية التي أدلى بها سوكوروف لمناسبة عرض فيلمه في المهرجان، لم يفته أن يؤكد مراراً وتكراراً أن فيلمه ليس سياسياً "هو فيلم عن الإنسان لا عن أي شيء آخر سوى الإنسان" بالتالي فإنه "ليس فيلماً عن الحرب". فليس في "ألكسندرا" معارك وقذائف وقتلى ودمار أو أي شيء من هذا القبيل. كل شيء هادئ هنا. كل شيء ساكن ولكن سكون الصحراء المحيطة بجنود "صحراء التتار" في فيلم فاليريو زورليني عن رواية الإيطالي بوتزاتي. فالجنود الروس هنا يرابطون. يعيشون حياتهم. يتناقشون، يتذكرون يصمتون يحزنون يبردون ويجوعون. وكل هذا في انتظار وصول العدو. في انتظار البرابرة كما قد يقول قسطنطين كافافي في واحدة من أقوى قصائده. ولكن سواء جاء البرابرة أو لم يجيئوا لا مفر من أن الحرب حاضرة في خلفية كل شيء هنا. حاضرة في الخوف وفي تحول كل شاب إلى قاتل. الحرب نفسها بوصفها عدو الحياة والإنسان. فالحياة والإنسان هما أكثر ما يهم سوكوروف هنا. ونحن نعرف من أفلام عدة سابقة وحتى لاحقة لهذا المبدع الذي يعتبر وريث أندريه تاركوفسكي، أن الإنسان في وجوده وحياته هو ما يهم المخرج أكثر من أي شيء آخر، إذ حتى حين حقق ثلاثيته عن "دكتاتوريي القرن العشرين" (تحديداً لينين وهتلر وهيروهيتو) جعل المخرج الأفلام (وهي تحديداً "طوروس" و"مولوخ" و"الشمس") تتحدث عن الإنسان... المنسي في خلفية حياة كل واحد من هؤلاء الثلاثة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صراخ ضد الحرب

وفي تعاطيه في "ألكسندرا" على طريقته الخاصة مع حرب الشيشان ما كان يمكن لسوكوروف أن يخرج عن تلك القاعدة التي رسمها لنفسه، ومن هنا جاء فيلمه هذا صرخة ضد الحروب، كل الحروب وإن تكن صرخة هادئة. والحقيقة أن صرخة سوكوروف ما كان يمكنها إلا أن تكون هادئة هو الذي اختار أن يعبر عن رؤيته من خلال "حبكة" شديدة البساطة، ألكسندرا العجوز الروسية تزور حفيدها في الثكنة التي رابط فيها مع رفاق سلاحه في الشيشان. اشتاقت إليه ومن هنا ها نحنذا نرافقها في زيارتها من وجهة نظرها تماماً. فما الذي تلتقيه هذه السيدة الهادئة التي لا يبارح الحزن العميق محياها؟ لا شيء. مجرد الحياة اليومية العادية في الثكنة. الضبط والجنود والصمت المخيم. السأم والرغبة في السفر بعيداً إلى أي مكان. والحرب؟ الحرب هنا مجرد انتظار وواجب وأمر عمل يومي. لا أحد يريد الحرب هنا. وبالكاد يتحدث أحد عن الحرب. وحتى حين تنفرد الجدة بحفيدها بالكاد يأتي أي منهما على ذكر الحرب. ما يدور بينهما حديث عن العائلة، عن مشكلات عائلية قديمة. عن مصالحات ممكنة. عن ذكريات الطفولة وعن مسقط الرأس. وكأن الاكتفاء بذلك كله تعويذة ضد الحرب. ومن الواضح على أية حال أن ما "تعيشه" ألكسندرا هنا لا يطمئنها. ولربما كان من شأنها أن تشعر بالطمأنينة لو أنها شهدت قتالاً حقيقياً.

جانب مقابل؟

وذات لحظة، بعد أن تكون أمضت القسم الأكبر من زيارتها وسط تلك الأوضاع التي تبدو وكأنها تآلفت معها، ها هي ألكسندرا تشعر بأن عليها أن توسع رؤيتها وأن تخرج وترى كيف يعيش الآخرون. هل هم أيضاً يعيشون في الصمت نفسه. في السكون نفسه. وفي الانتظار نفسه؟ وها هي بالتالي، استجابة مع هذه الرغبة تخرج لتتجول في محيط الثكنة... كي تشتري علبة سجائر. وهنا تلتقي بمليكة المرأة الشيشانية وتتعرف عليها. طبعاً سيكون من الصعب علينا أن نفترض أن صداقة عميقة ستقوم فوراً بين المرأتين انطلاقاً من ذلك اللقاء، أو أنهما على استعداد للخوض في صداقة كهذه، أو للتخلي عن الأفكار التي تحملها كل منهما لمجرد مسايرة الأخرى. لكن مليكة عرفت بجملة واحدة كيف تضع الأمور في نصابها، وصفت من دون أن تدري، جوهر الموضوع، البراءة ضد الحرب. وفي المقابل أكملت ألكسندرا الصورة من دون أن تتفوه بكلمة. أكملتها بنظراتها إذ قالت تلك النظرات إن الرجال الذي عرفتهم في الثكنة ليسوا هم الذين يخوضون الحرب. وللتأكيد التقريبي على هذا ها هي ألكسندرا تدعو مليكة إلى زيارتها لاحقاً في قريتها الروسية البعيدة فـ"إن زرتني ستكونين على الرحب والسعة بالتأكيد". وبدت تلك الدعوة أهم حدث في الفيلم على أية حال وربما الرد الوحيد على جبروت الحرب وعبثيتها وعلى أولئك الرجال – الأشباح الذين يصنعون الحرب كل حرب، ويتدفأون بوقودها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة