Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يهود حلب كما يروي أحوالهم زهير نجار في "يتيم"

الروائيون السوريون وجدوا في البيئات اليهودية حوافز سردية فريدة

يهود من حلب في مطلع القرن الماضي (أرشيف يهود سوريا)

ملخص

#الروائيون_السوريون وجدوا في #البيئات_اليهودية حوافز سردية فريدة

تواترت في سوريا خلال الأعوام الأخيرة الروايات التي تمحورت حول اليهود السوريين، كما في "لعنة الكاديموم "- 2017، لابتسام التريسي، و"عين الشرق: هايبرثيميسيا" – 2017 لإبراهيم الجبين، و"خمارة جبرا" – 2018 لنبيل الملحم، و"قيامة البتول الأخيرة: الأناشيد السرية" – 2018 لزياد كمال حمامي، و "لم يصلِّ عليهم أحد" – 2019 لخالد خليفة، و "ماذا عن السيدة راحيل" – 2019 لسليم بركات، وصولاً إلى "يتيم" – 2023 لزهير نجار.

سبع روايات في ستة أعوام، أما ما سبقها من الروايات النظيرة فهي "النسوان" – 1999 لفيصل خرتش، "يوميات يهودي من دمشق" – 2007 لإبراهيم الجبين، "وداد من حلب" - 2010 لقحطان مهنا، "قصر شمعايا" – 2007 لعلي الكردي، ولكاتب هذه السطور "مدارات الشرق "– 1990 – 1993، وكل ما ذكرت في حدود ما أعلم.

ليهود دمشق من هذه المدونة خمس والباقي لحلب، ما عدا رواية سليم بركات التي تعلقت بيهود القامشلي، أما أحدثها فهي رواية "يتيم" التي تتدافع فيها الشخصيات، لكن المحور هو شخصيتا سامي أحمد المسلم وحنان اليهودية. وسامي هو الراوي بضمير المتكلم ما عدا نهزة واحدة وقصيرة تتولى السرد فيها حنان مرة والست نجاح مرة، وكل من ذاكرتها. وقد نضد الكاتب سرديته في ما يبدو أشبه بمتواليات قصصية تجود بالمعلومات التفصيلية عن المكان أو الحدث أو المشهد أو الشخصية، ومن النادر أن تتوشى اللغة بما يناوش أو يلطف حياديتها.

الجبهة الوطنية

يعمل المهندس سامي أحمد في الشركة العامة للإعمار والإشراف الفني، وتبدأ الرواية بانتقاله من إدارتها في دمشق إلى فرعها في حلب حيث يعجل عليه الصراع مع البيروقراطية في أسوأ صورها، كما تجسدت في مدير الفرع الذي عزل من منصب مدير السكك الحديد ونقل إلى حلب، وهو العضو في أحد أحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" التي كانت إحدى ديكورات التعددية الحزبية والسياسية، وكبرى المزحات السمجة للديمقراطية، وقد تصدى سامي أحمد للمدير ورفض تسلم راتبه، بل واشترى سيارة مرسيدس، مما سيثير السؤال عن حاجته إلى الوظيفة إذن.

يتناءى الجواب طويلاً إلى أن يتحدث سامي أحمد عن دراسته الهندسة في ألمانيا وعمله فيها والفيلا التي يملكها هناك وزواجه من ألمانية وطلاقها له حين اكتشفت علاقته بالسكرتيرة واحتفاظها بابنهما، وقبل ذلك ستتوزع سيرة الراوي على مفاصل شتى من الرواية، فهو يتيم الأبوين وقد نشأ في دار الأيتام في مدينة إعزاز من سوار حلب، ومنها مضى إلى الكلية الجوية فتى حاملاً الشهادة الإعدادية، لكن جسده لن يتحمل أعباء التدريب فيغادر الجيش إلى دراسة الهندسة. وقد روى سامي ذلك وسواه للست نجاح مديرة مكتب المدير والممسكة بالزمام جميعاً.

 

تقدح شرارة الحب بين سامي وزميلته في العمل المهندسة حنان بعد موت زوجها، وفي زيارته الأولى لها في البيت يلتقي والدها الحاج عبدالله مرعشلي ووالدتها سارة شمعون، وتتحدث حنان مع والدتها بالعبرية، كما يلفت سامي شكل المفروشات وألوانها ونوع الموبيليا وستائر النوافذ، "إنه ذوق جميل فيه سحر غريب ويختلف كثيراً عن ذوق المسلمين وذوق المسيحيين في حلب وضواحيها، وأكثر ما أثار انتباهي صور معلقة على الجدران مكتوب على بعضها آيات قرآنية وعلى بعضها الآخر أحرف عبرية".

يقدر سامي أن حنان تعمدت تعريفه على أهلها أي على أنها يهودية لترى رد فعله، وسوف تخبره أن والدها الذي كان تاجر حبوب ويعزف على العود ويغني القدود الحلبية قد أعلن إسلامه فصار الحاج عبدالله المرعشلي، وذلك في أعقاب ما تعرض له اليهود في حلب بعد قيام إسرائيل، بينما ظلت الأم على يهوديتها.

باب الفساد

تطلب إدارة الشركة سامي إلى دمشق ليكون المترجم بينها وبين وفد المهندسين الألمان، إذ تجري المحادثات لإقامة صالة رياضية مغلقة في دمشق تتسع لـ 40 ألفاً، وبعد حين عندما تم الاتفاق اشترط الألمان أن يكون سامي أحمد هو المدير السوري المفوض للمشروع. وقد فتح مشروع الصالة باب الفساد على مصراعيه، ففي المناقصات الكبرى كمناقصة الصالة يجري تقاسم الرشى (العمولات) بين أصحاب القرار، ولئن كان للعمولات دور فلمراكز النفوذ دورها، وكانت شركة لبنانية هي التي تحظى بالنصيب الأكبر من العقود الكبرى كعقد الصالة المغلقة، لكن سامي أحمد دبر من يدفع العمولة (خمسة في المئة) بحيث لا يكون للشركة العامة علاقة وتكون العلاقة مباشرة بين الشركة الألمانية وصاحب (أصحاب) العمولة السوري.

وبالموازاة مع سير المشروع يتكشف ماضي سامي أحمد ويكبر الحضور اليهودي إلى أن يصير وحيداً في منتهى الرواية، وعبر ذلك وفيما يشبك البوليسية بالميلودراما، يتبين أن عم سامي قد استولى على إرثه فاستعاده هو، كما يتبين، وهو الأهم، أن والده قد قتل لكن أمه لا تزال حية وسوف يلتقيها في عين العرب (كوباني) عندما يقصدها مع حنان.  وثمة تطلب والدة سامي التي كانت قد تزوجت من آخر ورزقت بمن سمته سامي أيضاً من حنان القبول بابنها زوجاً، ونقرأ "اندهشت حنان من هذا الطلب المفاجئ في جو كله مفاجآت غريبة، حزن وفرح وغناء وبكاء". وفي هذا القول وصف مدقق لما يتوالى في الرواية مما يتعنون بالميلودرامية ويتعزز بزواج حنان وسامي وقولها، "وأصبحنا زوجين حقيقيين في ليلة عجيبة تكاد لا تصدق، وسوف لا تنسى لما فيها من مفاجآت".

ظلت يهودية الحاج عبدالله المرعشلي مشكلة عند الدولة ومؤسساتها الأمنية، إذ فرضت عليه أن يراجع الفرع الأمني كل يوم جمعة ليوقع عندهم، وقد وافق الأمن على عمل حنان في الشركة وهي من القطاع العام، استثناء من قانون يمنع عمل اليهود في هذا القطاع، وحنان عليها أيضاً أن توقع في الفرع أسبوعياً.

حماية اليهود

يطلب سامي إلى فرع الأمن ليخبروه أن عليه أن يأخذ موافقتهم لتسجيل زواجه من اليهودية في المحكمة، ويصبح لزاماً عليه أن يحضر للفرع أسبوعياً بدعوى "لأننا مجبرون على حماية المواطنين اليهود خوفاً على حياتهم، ونسألهم إذا هناك مضايقات لهم، ولأنك صرت جزءاً من عائلتهم فعلينا أن نضعك تحت حمايتنا".

بعد حين تطلب حنان إلى دمشق فيستولي عليها الرعب، ويشرح السارد أنها شخصية ضعيفة بطبيعة تربيتها "إضافة إلى أنها يهودية مما زاد في خضوعها للذل وقبول الإهانة"، ويحكم السارد "لا بد لحنان اليهودية أن تسترجع ثقتها بنفسها، ويشدد عليها أنه مهما يكن السؤال في فرع الأمن فعليها أن تجيب "أنا عربية سورية جَداً عن أب ويهودية ومتزوجة من عربي سوري مسلم وأنا حامل منه، وأطلب محامي دفاع بحسب قوانين دستور الجمهورية العربية السورية". وتسأل حنان عما تفعل إذا ما ضربوها أو أهانوها فيحرضها سامي على الدفاع عن نفسها والرد عليهم بشراسة، ويحدثها عن ألمانيا الاتحادية حيث لا يمكن للأمن أن يطلب مواطناً إلا بقرار من المدعي العام أو من القاضي بعد تحديد الأسباب الموجبة، والتعذيب ممنوع والإهانة ممنوعة وهذه الإشارة إلى ألمانيا الاتحادية هي الوحيدة التي تؤشر إلى زمن الرواية، قبل توحيد ألمانيا عام 1990.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يؤمر سامي بعدم انتظار خروج زوجته أمام الفرع، ولكي يراها دقيقة لا سبيل إلا الرشوة، وحين يراها ستكون في المشفى قد أجهضت من دون أن يسمح لطبيب بزيارتها، ثم تحضر زوجة سامي الألمانية مع ابنهما إلى حلب، وبما أنها ستتزوج فالطفل سيبقى مع أبيه ويكون على سامي أن يتقرب إلى ابنه، بينما فرض عليه وعلى زوجته أن يراجعا فر ع الأمن يومياً بعد ما كان ذلك أسبوعياً.

تدفع هذه المضايقات الأمنية التي تتنوع وتتفاقم بسامي وحنان إلى التفكير بالهجرة إلى ألمانيا، بعدما توضع (كولبة) أمام البناية التي يقيمان فيها، إذ تسجل عليهما ساعة الدخول وساعة الخروج وسببه وجهته، كما يفتش الزوار وتسجل أسماؤهم ودرجة القرابة، ولكل ذلك يلجأ سامي وحنان إلى السفير الألماني الذي يهيئ سبل الخروج لهما ولأسرة حنان، وبينما تسافر الأسرة اليهودية يؤجل سفر سامي ويعرقل إلى أن تثار من أجله حملة إعلامية فتضطر السلطات إلى السماح له بالسفر.

وإضافة إلى الحضور اليهودي في هذه الرواية تحضر إثنيات أخرى في لوحة متقدة للتعددية وللفسيفساء السورية، عبر شخصية الضابط الكردي زهير ميهوب ويهود إعزاز والأرمن الذين لجأت والدة سامي إليهم، وتعلمت منهم الأرمنية كما تعلمت الكردية من الأكراد.

وفي هذا السياق ينوه السارد بعلاقة الأكراد والأرمن الوثيقة ويعللها بالعدو المشترك التركي، إذ تركوا خلافاتهم الدينية جانباً وانتشر الزواج بينهم، ومن المظاهر المؤثرة للتعددية ما كان في عرس حنان وسامي من الغناء الكردي والعربي والأرمني، وقد عبر سامي نفسه عن غبطته بهذه التعددية في قوله "ما هذه الحياة الرائعة؟ كنت يتيماً وحيداً أما الآن فأنا بين أربع عائلات، عائلة أمي الكردية وعائلة أختي العربية وعائلة زوجتي اليهودية وعائلة ابني الألمانية".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة