Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف صمد الدينار التونسي في مواجهة العواصف؟

محللون: السياحة وتحويلات المغتربين وعدم وجود سوق موازية للصرف وراء استقراره في السنوات الأخيرة

تأثرت أسعار الصرف في تونس بارتدادات علاقة اليورو بالدولار والتي اتسمت بالاستقرار في الفترات السابقة (رويترز)

ملخص

عرفت #العملة_التونسية استقراراً نسبياً في السنوات الثلاث الأخيرة، ولم تسجل انهياراً مماثلاً لما شهدته عملات عربية رزحت تحت #أزمات_اقتصادية بفعل عوامل خارجية مماثلة

شهد الدينار التونسي تراجعاً لافتاً خلال العقد الأخير، وبالتحديد منذ عام 2011، وهو تاريخ اندلاع التقلبات التي شهدتها تونس على الصعيدين السياسي والاجتماعي، مما أدى إلى أزمة اقتصادية انعكست على العملة الوطنية التي عرفت تراجعاً في سعر صرفها مقابل العملتين الأميركية والأوروبية على مدار الـ12 عاماً الماضية.

وانطلقت رحلة انخفاض سعر الدينار أمام الدولار واليورو مع بداية 2011، التي لم يتجاوز فيها سعر الدولار 1.424 دينار، لينزلق الأخير أمام العملة الأميركية التي تسجل حالياً 3.120 دينار، بينما قفز سعر صرف اليورو حالياً إلى 3.326 مقابل 1.902 دينار عام 2011، وهو انعكاس بديهي للأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها تونس في ظل تنامي عجز الميزان التجاري طوال الفترة المذكورة، عمقته أزمة انتشار جائحة  كورونا، ثم تلتها الحرب الأوكرانية التي تسببت في اختلال في ميزان المدفوعات نتيجة الفاتورة الباهضة لواردات الطاقة وبعض الأصناف من الأغذية.

لكن العملة الوطنية التونسية عرفت استقراراً نسبياً في السنوات الثلاث الأخيرة، ولم تسجل انهياراً مماثلاً لما شهدته عملات عربية رزحت تحت أزمات اقتصادية بفعل عوامل خارجية مماثلة، وفي ظل استقرار سياسي مقارنة مع تواتر التغييرات على رأس السلطة في تونس، وغياب استراتيجية خاصة للإصلاح الاقتصادي.

يتحدث المتابعون عن صمود الدينار التونسي أمام عواصف عاتية، أهمها ارتفاع نسبة خدمة الدين، ومستوى المديونية المتفاقم البالغ 86 في المئة من الناتج القومي الخام، وتراجع الاستثمار وعدم استقرار نسق التصدير وغلق الآلاف من المؤسسات التونسية أبوابها.

وبلغ سعر صرف الدينار 1.484 مقابل الدولار عام 2012، و1.924 مقابل العملة الأوروبية، ثم قفز سعر صرف اليورو إلى 2.045 دينار عام 2013، والدولار إلى 1.544 دينار، وواصل منحى العملتين تصاعده ليبلغ سعر صرف الدولار 1.648 دينار عام 2014، واليورو 2.258 دينار.

واستقر سعر العملة الأوروبية عام 2015، لكن سعر صرف الدولار قفز إلى 1.871 دينار، ثم تجاوز سقف الدينارين عام 2016 بـ2.018 دينار، وسجل عام 2017 ارتفاعاً في الدولار إلى حدود 2.31 دينار، واليورو 2.41 دينار، وتعمقت الفجوة بين العملة الوطنية والعملتين الأخريين عام 2018 لتستفحل في العام التالي له، إذ تجاوز سعر صرف اليورو 3.47 دينار في فبراير (شباط) 2019 وهو أقصى مستوى له، كما سجل الدولار 3.06 دينار.

استقرار ما بعد الانزلاق

في مسار عكسي، انخفض سعر صرف الدولار بداية من أواخر 2019 ليبلغ 2.9 دينار في 2020 و2021، ليرتفع في 2022 إلى مستوى 3.3 دينار، وهو أقصى مستوى له في هذا العام ليعود للانخفاض إلى مستوى 3.12 دينار في الوقت الراهن.

واستقر سعر اليورو بعد انخفاض سعره عام 2020 إلى 3.2 دينار، و3.3 عام 2021، و3.36 في 2022، و3.32 في 17 مارس (آذار) 2023، ولم يعد قط إلى مستوى السعر القياسي الذي بلغه عام 2019.

من جهة أخرى، تحسن سعر صرف الدينار مقابل الين الياباني، إذ   1000 ين اليوم تساوي 23.39 دينار مقابل 25.318 في السنة المنقضية، مما يؤشر إلى استقرار سعر الصرف في الفترة الممتدة بين عامي 2019 و2023، وذلك على رغم التراجع المسجل في حساب الانزلاق السنوي لسعر صرف الدينار التونسي مقابل الدولار، إذ بلغ الدولار الواحد 2.956 ديناراً في التاسع من مارس 2022، بينما يبلغ حالياً 3.120 دينار، كما تراجعت قيمة الدينار مقابل اليورو، إذ يتداول الأخير بـ3.326 دينار، بينما كان سعره 3.259 دينار قبل عام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسجل البنك المركزي التونسي انخفاضاً في مخزون احتياطي العملات لديه (ويساوي 95 يوماً من التوريد) بلغت قيمته 22.038 مليار دينار (7.06 مليار دولار) في 17 مارس 2023، مقابل 128 يوماً من الواردات في الفترة نفسها من السنة المنقضية بـ23.3 مليار دينار (7.46 مليار دولار)، بينما يواصل سعر الفائدة  في السوق النقدية ارتفاعه ليصل إلى 8.08 في المئة يوم 13 مارس 2023، مقابل 6.26 في المئة في اليوم نفسه من العام الماضي، وذلك بعد أن تصاعد متوسط سعر السوق النقدية خلال فبراير 2023 ليصل إلى 8.02 في المئة، مقابل 7.96 في المئة في يناير (كانون الثاني) 2023، و7.26 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) 2022.

وتأثرت أسعار الصرف في تونس بصفة مباشرة بارتدادات علاقة العملة الأوروبية اليورو بالدولار، التي اتسمت بالاستقرار في الفترات السابقة، وفق فتحي النوري العضو السابق في لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي، حيث تتأثر العملة الوطنية التونسية بالعملتين الأميركية والأوروبية بصفة مباشرة بحكم اعتمادهما في التصدير والتوريد، كما انعكست مؤشرات التجارة الخارجية في مرحلة موالية على الدينار التونسي، وبالتحديد الميزان التجاري، بتحقيق تعاف نسبي بدده العجز في الميزان التجاري الطاقي نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة في السوق العالمية.

ويضيف النوري لـ"اندبندنت عربية"، "يمثل العجز الطاقي 50 في المئة من مجمل العجز الجاري، بينما تنخفض نسبة الاستقلالية الطاقية إلى 50 في المئة، وانعكست الوضعية الطاقية بما شملته من زيادة على أسعار الصرف، وهي التي أسهمت في الانزلاق الحاصل، خلافاً لبقية القطاعات التي حققت نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ومن بين محركات الاقتصاد التونسي التي حافظت على التوازنات المالية بدعمها لمخزون احتياطي العملات مداخيل الشغل من تحويلات المغتربين التونسيين، التي بلغت 8.4 مليار دينار (2.7 مليار دولار) عام 2022، و7.5 مليار دينار (2.4 مليار دولار) عام 2021، بارتفاع قدره 28 في المئة، مقارنة مع عام 2020، ومثلت بمفردها 4.7 في المئة من الناتج الإجمالي التونسي عام 2021، وأضحت المصدر الرئيس للعملات، يليها القطاع السياحي الذي وفر عائدات قدرها 4.1 مليار دينار (1.31 مليار دولار) عام 2022، وأسهم القطاعان في الاستقرار الملحوظ للعملة الوطنية المتأثر بمخزون العملات، والذي لم يشهد تآكلاً على رغم الانخفاض الطفيف فيه".

ولا يرتبط الاقتصاد التونسي بعملة أجنبية معينة، بحسب النوري، مما أسهم في التخفيف من انزلاق الدينار والحد من الخطورة، فقد حسنت تركيبة الاقتصاد المتنوعة من أدائه خلال الفترات الصعبة التي مر بها، مما فتح المجال لقطاعات مختلفة لكي تلعب دورها في تحقيق التوازنات. كما قادت تونس سياسة نقدية متشددة على أثر ارتفاع مستويات التضخم، واعتمدت الترفيع في الفائدة للضغط على الاستهلاك واسترجاع التوازنات المالية.

غياب المضاربين

محمد صالح سويلم، المدير العام السابق للسياسة النقدية في البنك المركزي التونسي، أشار إلى أن السلطات النقدية التونسية توجهت في السنوات الثلاث الأخيرة نحو العمل على استقرار العملة لمواجهة الانخفاض العشوائي الذي شهدته منذ عام 2011، وساعد على ذلك عدم وجود سوق صرف موازية في تونس، واقتراب أسعار الصرف في السوق السوداء المحدودة من أسعار السوق الرسمية، إضافة إلى غياب الباحثين عن الأرباح السريعة والسهلة من المستثمرين في الأموال والمضاربين بالأموال الساخنة في السوق التونسية، وصغر حجم سوق الصرف، خلافاً لما حدث في أسواق عربية عرفت عملاتها انزلاقاً تاريخياً على غرار مصر، التي سجلت خروج المستثمرين دفعة واحدة لدى وعيهم بخطورة الاختلالات الحاصلة في ميزان المدفوعات، في الوقت الذي زاد فيه الطلب على العملات.

وأضاف سويلم أن تونس اعتمدت في فترة سابقة تحديد سعر الصرف عبر آليات العرض والطلب في السوق، لكنها تخلت عن ذلك بسبب الاختلال الذي نتج منه، كما تدخل البنك المركزي التونسي بتركيز سياسة اتصالية مع المتدخلين في سوق الصرف لتجنب الاضطرابات، علاوة على سياسة تشديدية لمواجهة الضغوط التضخمية بالترفيع في نسبة الفائدة العامة خلال ثلاث مناسبات عام 2022، كما عبر عن استعداده لمزيد من الترفيع، وهي آليات عديدة أسهمت في استقرار الدينار التونسي.

في المقابل، يقع التحكم بعجز الميزان التجاري في تونس على رغم ارتفاع حجمه، إذ يبدو تحت السيطرة بخاصة بعد الترفيع المتتالي في الفائدة، والاقتراب من التحكم في حجم الواردات، مما يخفض من الطلب على العملات بحكم أن تعمق الهوة بين الصادرات والواردات يؤدي إلى عدم توازن الطلب على العملات وندرتها وانهيار العملة المحلية، الأمر الذي تم تفاديه في تونس، بحسب سويلم.