ملخص
اقترحت نائبة في #الولايات_المتحدة انفصال الولايات الجمهورية عن الديموقراطية.. فهل من أمل لدى #بريكست أميركي بالنجاح؟
سامحوني، لأنني على وشك القيام بعمل جنوني: لبرهة، سآخذ كلام مارجوري تايلور غرين على محمل الجد.
وهنا أنا أقصد عضوة الكونغرس الأميركي اليمينية الجمهورية عن ولاية جورجيا واجترارها كلاماً عن "الطلاق الأميركي" American Divorce. أي فكرة غرين العظيمة أن الولايات الزرقاء [المؤيدة للحزب الديمقراطي]، تعامل الولايات الحمراء [المؤيدة للحزب الجمهوري] بشكل غير عادل إلى درجة تدفع "الأميركيين الحقيقيين" Real Americans بالتفكير بالانفصال [عن الولايات المتحدة]! مما يعني أن على الأميركيين الحقيقيين مغادرة الولايات المتحدة لإظهار كيف يكونوا عليه الأميركيون الحقيقيون فعلاً.
أهلا بكم إلى [عالم] مارج- ستان Marge-istan، وعدد سكانها مواطن واحد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"نحن بحاجة إلى طلاق على المستوى الوطني"، قالت غرين في تغريدة لها على "تويتر"، قبل أن تفصل الفكرة في ظهور لها ضمن برنامج شون هانيتي Sean Hannity، على قناة "فوكس" الإخبارية، على رغم كونها تراجعت عن الفكرة تقريباً. "علينا الانفصال على أساس الولايات الزرقاء والولايات الحمراء، والعمل لتقليص حجم الحكومة الفدرالية".
هل يمكننا أن نبسط الوضع الاقتصادي الناجم عن هذا التقسيم؟
إن ما تقترحه غرين هو عملية بريكست أميركية. وهي خطوة كارثية تماماً مثل بريكست ـ حين انسلخت المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي وقوانينه المتعلقة بحرية التجارة [مع دول المجموعة] وإجراءات الهجرة واتفاقات أخرى ــ لكن بريكست الأميركية من شأنها أن تكون أكثر سوءاً.
دعونا نقيم أية عملية بريكست أميركية محتملة من الناحية الاقتصادية.
إن الاستثمارات في الاقتصاد البريطاني كانت قد تراجعت بنسبة 30 في المئة بعد بريكست، بحسب توثيق معهد توني بلير للدراسات حول التغيرات العالمية، وهو ضعف الرقم الذي كان متوقعاً قبل بريكست. لقد كلفت عملية بريكست الاقتصاد البريطاني خسارة 330 ألف وظيفة ـ وفي الاقتصاد الأميركي من شأن ذلك أن يكلف حوالى 1.6 مليون وظيفة. في المحصلة، لقد أصبح لدى المملكة المتحدة أحد أضعف الاقتصادات الأوروبية منذ 2019، واليوم تعتبر بريطانيا الدولة صاحبة أسوء أداء اقتصادي على المستوى الأوروبي، وتعادل في ذلك فقط، أداء الاقتصاد الروسي، الذي ينوء تحت ضغط العقوبات والحرب.
وقد يكون الوضع أسوأ من ذلك بكثير حين تقوم الولايات الحمراء بتشكيل وحدتها الترابية التي تدعو إلى قيامها مارجوري تايلور غرين.
دعونا نبدأ من أبسط الملاحظات: إن الولايات التي قامت بالتصويت لصالح الرئيس جو بايدن تساهم بنسبة 70 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الأميركي.
إن 14 من أصل أفقر 15 ولاية صوتت لصالح الجمهوريين في انتخابات 2020. فيما اختارت أغنى 12 ولاية في البلاد التصويت لصالح الرئيس بايدن. من بين الولايات الجمهورية الحمراء، أربع فقط لديها متوسط دخل للأسرة يقع في ترتيب النصف الأعلى من الولايات الـ50 الأميركية.
معلوم أن الولايات التسع الجمهورية (الحمراء) التي قامت بالانفصال عام 1861 [أثناء الحرب الأهلية الأميركية]، تحصل في المعدل على حوالى 42 من موازناتها من الحكومة الفدرالية في واشنطن، وفق مؤسسة "سمارت أسيت" SmartAsset. وهذه الأموال تصرف خصوصاً على القطاع الطبي لتلك الولايات، إذ تنفق ولاية مثل تينيسي 70 في المئة من الأموال الفدرالية التي تصلها على مصاريف توفير العناية الطبية وخدمات الضمان الاجتماعي. مما يدل على قلة منفعة (لا بل ضرر) تقليص سلطة الحكومة الفدرالية وفق "دولة مارج - ستان".
إن المقيمين في الولاية هم أكثر اعتماداً على واشنطن من حكومات الولايات المحلية. فهناك حوالى 1.4 مليون مواطن من ولاية تينيسي مسجلين في برنامج ميديكير Medicare للعناية الطبية، الذي لا تتحمل تكاليفه موازنة الولاية، وهناك 1.2 مليون مواطن يستفيدون من خدمات الضمان الاجتماعي فيها أيضاً. كل الولايات الجنوبية الجمهورية باستثناء تكساس لديها عدد أكبر من المواطنين الذين يعتمدون على منح الضمان الاجتماعي بمستوى أعلى من المعدل الوطني.
فقد تصبحون مواطنين من دون نظام استشفاء مدعوم من الدولة الفدرالية، وتلك الخدمات هي من أكبر موفري الوظائف في المدن الصغيرة، فاقتصادات الولايات المحلية تعتمد على العناية الطبية التي يتم توفيرها بشكل أكبر بكثير من المتوسط الأميركي. إن الاتحاد الأوروبي لم يتمكن من إفلاس خدمات الصحة الوطنية البريطاني.
ولا بد أيضاً من الإيضاح أن أية ثروات ينتجها القطاع الخاص في الولايات الجنوبية تعتمد بشكل أساسي على كونها جزءاً من الولايات المتحدة، وهي تستطيع وفق الدستور، أن تقوم بالتجارة بحرية داخل الحدود الأميركية. تماماً كما كانت المملكة تفعل عندما كانت جزءاً من أوروبا. وذلك حتى موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
من بين أغنى 10 ميليارديرات من ولاية جورجيا مثلاً، هناك أربعة راكموا ثرواتهم بسبب العمل في "هوم ديبو" Home Depot، أو"تشيك فيل إيه" Chick-Fil-A، وهي مؤسسات لديها محال بيع بالتجزئة في كل مكان. إن أكبر أثرياء ولاية أركنساس تعود أصولهم إلى العمل في قطاع الشركات العالمية مثل مؤسسة "وال مارت" Wal-Mart ومؤسسة "تايسون للمأكولات" Tyson Foods. وهكذا.
وبعد ذلك حاولوا أن تتصوروا من أين يأتي المال من داخل الولايات الحمراء الجمهورية. إنه يأتي من المدن الزرقاء. فإذا كنا بالفعل بصدد الحديث عن الانسلاخ أو شيء من هذا القبيل، ليس هناك من سبب قد يدفع غرين للاعتقاد أن تلك المدن قد تؤيد قضيتها. لنأخذ تينيسي مثلاً، ومن دون مدينة ناشفيل. تخيلوا لو أن كبار الطهاة المشهورين أو الموسيقيين الكبار الذي انتقلوا إلى تلك المدن يوافقون على أطروحات غرين في حربها الثقافية؟ فما تكساس من دون مدن هيوستن ودالاس وسان أنطونيو وأوستن وعدد سكانها ستة ملايين نسمة؟ دولة مارج - ستان، قد تكون مشابهة لما كانت عليه ألمانيا الشرقية التي أسست، وكان الهدف من وجودها القضاء على حرية التفكير في العرق والجندر والأمور الأخرى، التي تدفع غرين لترى فقط اللون الأحمر، ولكنه لون أحمر منقط بمدن مثل برلين الغربية المؤمنة بقوة بالتطور.
إن لائحة الرافعات الاقتصادية الزرقاء الحقيقية الأميركية البحتة التي تتفوق على دولة مارج - ستان قد تطول. يمكن للشركات أن تغادر، أو أن تفرض شروط من أجل بقائها، ويمكن أن يفعل المواطنون نفس الشيء.
خذ مثالاً ما حدث في المواجهة بين ولاية إنديانا وشركة "سايلزفورس" Salesforce، التي كان لديها شركة شقيقة تنشط في إنديانابوليس، بعدما قام مجلس الولاية التشريعي بالمصادقة على مشروع قرار يعارض منح الحقوق للمثليين. قامت سان فرانسيسكو بمنع الموظفين التابعين لشركة "سيلزفورس" من السفر إلى إنديانا، وهددت بإلغاء الفعاليات التي تقام هناك. تم إلغاء القانون الجديد قبل مرور أسبوع على موعد المصادقة عليه.
وبشكل طريف أكثر، خذوا مدينة شارلوت في كارولينا الشمالية. أشهر مؤسسة تتخذ مقراً من "المدينة الملكة" Queen City، هي "بنك أوف أميركا". هل يمكننا أن نقبل الرهان إذا ما كانت تلك المؤسسة ستبقي على مركزها الرئيس هناك بعد الانفصال، أم أنها ستختار، وكما تعلمون، أميركا؟
إذاً عليكم ألا تأخذوا كلام السيدة غرين بشكل حرفي أو جدي. دولة مارج - ستان لا يمكنها أن تعيش من دون واشنطن، ومن دون مدن أميركا الكبيرة، وأسواقها المنتشرة في الولايات الزرقاء الديمقراطية، أو شركاتها الكبرى والموظفين من ذوي الكفاءات العالية. فأي منهم لن يضرب سلاماً لعلم دولة مارج - ستان ولو للحظة.
ستسقط دولة مارج - ستان بسرعة رغبة الكونغرس الأميركي بسقوطها. إن برامج العناية الطبية ستنهار في لحظة سحب واشنطن لأموال تشغيلها. إن حركة التجارة ستتوقف لو قام الكونغرس باستخدام صلاحيته في تنظيمها (فيما يغادر الكتلة الجمهورية مجلس الشيوخ، تنتهي حال الجمود).
والاحتمال الآخر أن تنهار مارج - ستان على مراحل، فيما يقوم لاعبو آلة طبلة "بانجو" [آلة موسيقية وترية] ذوو الشعر الطويل، الذين لطالما انجذبوا إلى ناشفيل بسبب حفلاتها الموسيقية الحية، أو المهندسون التقنيون الذين يعيشون في مدينة أوستن بسبب رخص منازلها، عندما يكتشفون أن شيكاغو هي أفضل للجماعتين.
في عام 1861، لقد تم القضاء على الثوار بواسطة السلاح. اليوم، إن سطوة المحامين وقوة الأسواق لكبار الطهاة من المثليين والبنوك الضخمة، قد تفعل ذلك. إن التيار الأحمر الديمقراطي والأزرق الجمهوري يعرفون تماماً أن الكلمة الفصل في عصرنا هي للون الأخضر [الدولار الأميركي]. ونحن هنا لا نقصد مارجوري تايلور غرين [الأخضر].
© The Independent