Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما موقع غرب أفريقيا في الاستراتيجية الإيرانية؟

طهران تحاول توسيع علاقاتها مع الدول غير الغربية كوسيلة لموازنة الضغوط

 تأتي قمة التعاون العلمي والاقتصادي انطلاقاً من الإمكانات والموارد التي تزخر بها دول غرب أفريقيا (إيران برس)

ملخص

يرجع اهتمام #إيران بمنطقة #غرب_أفريقيا لتلاحم عوامل عدة، أهمها الاستفادة من المشاعر المناهضة للغرب في المنطقة التي شهدت #حركات_التحرر فيها عداء تاريخياً للمستعمر الغربي

منذ تنصيبه في الثالث من أغسطس (آب) 2021، ظل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يقابل الضغوط الداخلية التي ورثها من سلفه حسن روحاني، تجلت فيها الأزمة الاقتصادية كتحد رئيس بسبب العقوبات الأميركية والفساد الداخلي الذي ارتبط بالنظام الإيراني، وإحكام القبضة الأمنية.

وزاد عليها علو صوت "خطاب المقاومة"، بناء على استراتيجية "محور المقاومة" التي وضعها المرشد الأعلى علي خامنئي لتمكين إيران من تمتين علاقاتها الخارجية مع الدول غير الغربية.

وهي استراتيجية تتبعها طهران ليس في الشرق الأوسط وحده وإنما بالاتجاه شرقاً إلى الصين تمثلت في مشاريع عدة أبرزها توقيع اتفاق مدته 25 عاماً في عهد الرئيس روحاني 27 مارس (آذار) 2021، وقعه وزيرا خارجية البلدين السابقين محمد جواد ظريف ووانغ يي.

كما شمل أيضاً توقيع اتفاقات مع دول وسط وشرق آسيا ومنطقة القوقاز، وذلك بغرض بناء كتلة مع الشرق لتكون في مواجهة نظام عالمي أحادي القطب، وهنالك تحركات لبناء كتلة أخرى مع روسيا ودول في منطقة أوراسيا.

هذه التحركات الأخيرة مع أفريقيا، وإذا كانت حكومة روحاني قد شهدت تعاوناً تجارياً مع شمال وشرق أفريقيا، فإن حكومة رئيسي تولي اهتماماً خاصاً بالتجارة مع غرب أفريقيا الغنية بالثروات المعدنية والموارد الطبيعية.

وكلا العهدين المعتدل في ظل حكم روحاني والمتشدد في ظل رئيسي لم يستطيعا الوفاء بوعودهما على المستوى الداخلي بالدفاع عن "حرية التعبير" و"الحقوق الأساسية للمواطنين الإيرانيين" و"الشفافية" ومواجهة "الفقر والفساد".

بداية التدخل

بدأ تدخل إيران في أفريقيا خصوصاً غرب وجنوب الصحراء في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وفي فترة حكمه الممتدة من 1941 إلى 1979، نشط تحركه بعد تخلصه من الوصاية البريطانية والسوفياتية عام 1946. وكان دافعه احتواء المد الشيوعي، لتعزيز تقربه من الولايات المتحدة التي دعمته في سياساته الخارجية، وكذلك لتأمين مصالحها وتحقيق نجاح مبيعات النفط الإيرانية لبعض الدول الأفريقية، خصوصاً نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ودعم بعض الدول الموالية للغرب ضد النظم الموالية للاتحاد السوفياتي.

وخلال حرب أوغادين 1977- 1978 التي دارت بين الصومال والنظام الإثيوبي المدعوم من الاتحاد السوفياتي وكوبا، بسبب النزاع على تبعية إقليم أوغادين الذي تقطنه القومية الصومالية، قامت إيران بتزويد مقديشو بالسلاح وتقديم الدعم السياسي لها، لكن مع تراجع دعم الولايات المتحدة للصومال تراجع حلفاؤها في الشرق الأوسط أيضاً ومنهم نظام بهلوي، فانتصرت إثيوبيا واضطرت الصومال إلى الانسحاب.

وعندما قامت الثورة الإيرانية 1979، وتغير النظام من ملكية (شاهنشاهية) إلى جمهورية "إسلامية" أحدث النظام الإيراني في عهد مرشد الثورة الإمام الخميني توتراً في أفريقيا من شرقها إلى غربها بسبب الصراع بين النظم العلمانية وتلك التي اتخذت صبغة إسلامية بعد خفوت حركات التحرر على إثر تحقق استقلالها.

كان الهاجس المصاحب لتنفيذ استراتيجية إيران بإنشاء "هلال شيعي" ينطلق من إيران ماراً عبر العراق إلى سوريا ولبنان مسيطراً على الأجواء، فتحسست النظم التي اقتربت منها طهران في تلك الفترة من أن تمتد إليها تلك الخطة، إذ إن طموح إيران لن يقتصر على الدول الثلاث وسيتسع من "هلال شيعي" إلى "هلال إسلامي" يمتد حتى غرب أفريقيا.

خلال فترة ولاية محمود أحمدي نجاد الأولى الرئاسية من عام 2005 وإلى 2009، استغلت إيران ارتفاع أسعار النفط فنشطت اقتصادياً في أفريقيا التي كان ينظر إليها على أنها فرصة لطهران لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، ولا سيما غرب القارة وأفريقيا جنوب الصحراء، كما اتخذ استراتيجية "التعاون بين الجنوب والجنوب".

بعد انتهاء ولاية نجاد الثانية عام 2013، غير خلفه روحاني السياسة الخارجية الإيرانية، وبهذا خمدت استراتيجية التعاون الاقتصادي مع أفريقيا خلال عهده، حيث انخرط في التركيز على خفض التصعيد مع الغرب وانتهج سياسة الحوار لإنهاء المأزق بشأن برنامج إيران النووي وتخفيف العقوبات.

تكتلات اقتصادية

تنظر إيران إلى التجمعات الاقتصادية لتحقيق كثير من الفوائد الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية، فمنذ توليه الرئاسة شارك رئيسي في تجمعات اقتصادية عدة منها القمة السادسة للدول المصدرة للغاز بالدوحة 23 فبراير (شباط) 2022، وهيأت له الفرصة للقاء قادة بعض دول غرب أفريقيا، منهم رئيس غينيا بيساو عمر سيسكو إمبالو، ورئيس جمهورية غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ.

 وندد رئيسي "بالأساليب الاستعمارية للدول الغربية، التي قامت خلال القرون الماضية بنهب الثروات الزاخرة والقوى العاملة في القارة الأفريقية" وتعهد بمتابعة "التنمية الشاملة للعلاقات مع الدول الأفريقية" وصور إيران على أنها "شريك حقيقي" لأفريقيا.

وتبدو كخطة متسلسلة تجسدت في انضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي وافق الدول الأعضاء بالمنظمة عليه خلال قمة سمرقند عاصمة أوزبكستان 14 سبتمبر (أيلول) 2022، ومن المقرر أن يتم الانضمام الكامل في أبريل (نيسان) من هذا العام 2023.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال القمة الـ14 لتجمع الاقتصادات الناشئة (بريكس) 24 يونيو (حزيران) 2022، أعلنت إيران تقديمها طلباً رسمياً للحصول على عضوية تكتل دول "بريكس" ضمن مشروع "بريكس بلس"، الذي من المتوقع أن يضم دولاً أخرى إضافة إلى إيران.

وضمن هذه التوجهات كانت إيران تراقب نشاط التجمعات الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، التي تعد أكثر نجاحاً من التجمعات الاقتصادية بمناطق أخرى من القارة، إلى أن انعقدت الأسبوع الماضي في طهران القمة الاقتصادية الأولى بين إيران و15 دولة من غرب أفريقيا، خاطبها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

ولم يكن التبادل التجاري بين إيران وأفريقيا عموماً بمستوى التبادل التجاري مع مناطق أخرى من العالم، لكن شهدت الأشهر الأخيرة زيادة ملحوظة إذ بلغت التجارة بين طهران والدول الأفريقية بحسب الإحصاءات الرسمية نحو 2.33 مليون طن بقيمة 1.18 مليار دولار على رأسها دولة جنوب أفريقيا الشريك التجاري وجهة التصدير الرئيسة لإيران في أفريقيا تليها موزمبيق وغانا، أما الدول المصدرة إلى إيران خلال الفترة الأخيرة فتأتي على رأسها تنزانيا ثم كينيا وجنوب أفريقيا وغانا.

وجاءت القمة انطلاقاً من الإمكانات والموارد التي تزخر بها دول غرب أفريقيا، حيث يرى مسؤولون إيرانيون أن التجارة معها أهملت، بينما نشطت مع شمال وشرق القارة.

عوامل الاهتمام

يرجع اهتمام إيران بمنطقة غرب أفريقيا لتلاحم عوامل عدة، الأول هو للاستفادة من المشاعر المناهضة للغرب في منطقة غرب أفريقيا التي شهدت حركات التحرر فيها عداء تاريخياً للمستعمر الغربي، ولا تزال آثار ذلك في الأدبيات السياسية، وتجسدت محاولات الخروج من الإحاطة الغربية بها بتفضيل التعاون مع قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا.

والعامل الثاني هو موازنة العلاقات الدولية، فخلال العامين الماضيين ارتفع صوت التيار "المتشدد" في إيران الذي درج من قبل على انتقاد سياسة روحاني بأنه أهدر علاقات إيران الخارجية مع الغرب من دون أن يغير سياسته تجاه إيران ونظرته بل يرى ذلك التيار أن الضغوط الآخذة في التزايد هي بسبب محاولات إضعاف إيران.

 

 

لذلك تجيء إقامة علاقات متينة مع دول غرب أفريقيا في صميم ما تشهده إيران من توسع علاقاتها مع الدول غير الغربية كوسيلة لموازنة الضغوط التي يمارسها الغرب في شكل عقوبات وضغوط سياسية وغيرها.

أما العامل الثالث، فيبرز الهاجس الأمني في محاولة إيران كسر الحصار الذي فرضه عليها الغرب، فأظهرت اهتمامها بمنطقة الساحل والصحراء، لأن الأجندة الأمنية بالمخيلة الإيرانية تتجاوز مناطق تمددها عبر وكلائها الإقليميين إلى مناطق التأثير.

هذه الأخيرة تبدو بعيدة جغرافياً، لكن تعتمد إيران على أجندة أخرى وهي تقوية منطقة غرب أفريقيا التي تعاني هشاشة أمنية بمد يد العون لها ظاهرياً واختراقها بنفوذها. ولهذا العون نتيجة مباشرة وهي رد الجميل من الدول الأفريقية بالاستفادة من الكتلة التصويتية لدول القارة في المنظمات الدولية وبمقدمتها الأمم المتحدة، وبتأسيس العلاقة مع دول غرب أفريقيا، يمكنها زراعة وكلاء لها لتكمل حلقة الوكلاء الإقليميين في المنطقة.

والعامل الرابع يعود إلى المكانة الاستراتيجية والاقتصادية التي تحتلها منطقة غرب أفريقيا في التجارة الدولية، ومحاولة طهران إيجاد منفذ سهل إلى المحيط الأطلسي، انطلاقاً من هذه المنطقة التي تحولت إلى بؤرة تنافس اقتصادي دولي في محاولات كثيرة للاستفادة من ثرواتها ومواردها المتنوعة.

ويتمثل العامل الخامس في نشر التشيع، وعلى رغم أنه يمثل هدفاً رئيساً لتحركات إيران الخارجية، ومع أن منطقة غرب أفريقيا تمثل بيئة خصبة لتقبل المذهب الشيعي، إلا أن طهران تركز حالياً على العوامل الاقتصادية والسياسية لحاجتها الفعلية لذلك، ولأن نتيجة محاولاتها السابقة صاحبتها توترات إقليمية وصدامات مذهبية بين الطوائف المتعددة في المنطقة.

زخم تنموي

 لتنفيذ استراتيجية "المقاومة"، ركز النظام الإيراني على "اقتصاد المقاومة" كاستراتيجية دفاعية، وهي رؤية قديمة منذ بداية الألفية، كانت فكرتها أن يقوم الاقتصاد على "القيم الإسلامية والثورية" بحسب رؤية المرشد علي خامنئي، ثم خرجت من إطارها الداخلي وأصبحت تتجسد على جميع السياسات الخارجية للدولة مع تعاون اقتصادي متنوع مع دول عديدة.

وتطور الأمر إلى أن يتحول إلى خطاب إعلامي يستند إلى نظرية المؤامرة باعتبار أن "العدو يركز على الاقتصاد الإيراني ويعمل ضد نموها الوطني ويعزل الناس عن الجمهورية الإسلامية"، كما عبر عن ذلك خامنئي.

وعلى النهج نفسه يأتي ما تعتقده إيران هرباً من التبعية الاقتصادية أن تتوسع إقليمياً، فنشأت مقاربات اتسقت أهدافها مع التكتلات الاقتصادية الإقليمية، ومدت لطهران قارب النجاة فانطوت عليها هذه الاستراتيجية.

وبين مؤيد ورافض للدور الإيراني الجديد في غرب أفريقيا، تحاول طهران الخروج بزخم يدعو إلى التنمية ومضاد للهيمنة قد يحقق بعض النجاح، لكن على ألا تدخل إيران مرة أخرى في التخطيط لارتكاب نوع من العنف السياسي في أفريقيا مثل الذي تمارسه ضد الوجود الغربي بالقارة ومنه الهجمات التي نفذتها على السفارات الأميركية في أوقات مختلفة، أو الأحداث المرتبطة بالانتقام لمقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل