Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهندسة الوراثية تطور ثوري في مواجهة المعايير القانونية والأخلاقية

علماء الوراثة يخشون من نتائج استخدام هذه التقنيات لأنها قد تفتح الباب أمام التلاعب في الطبيعة البشرية

الخطأ وارد في الهندسة الوراثية مما يستدعي إدراك الخطر والاستعداد للمضاعفات المحتملة (غيتي)

ملخص

#الهندسة_ الجينية بين الإيجابيات والإشكالات فهل تأتي الأيام المقبلة بتطورات جديدة في هذا المجال؟

شكلت الهندسة الوراثية ثورة في عالم الطب منذ ظهورها في السنوات الماضية. وفيها تحصل عملية تعديل صناعي للتركيب الجيني لكائن حي عن طريق التدخل المباشر في العمليات الجينية، لكن قبل اعتماده في الطب ومكافحة الأمراض لعب التعديل الجيني دوراً مهماً في الزراعة لمضاعفة المحاصيل الزراعية وتحسين جودتها. بدت تقنية ناجحة وفاعلة في هذا المجال وكثرت إيجابياتها، إلا أن استخدامها في المجال الطبي للكائن البشري أحدث جدلاً واسعاً وطرح إشكاليات عدة، فقد فتح هذا المجال الباب لطرح أسئلة حساسة تتعلق بمستقبل الجنس البشري. وطرحت علامات استفهام في شأن التقيد بالضوابط والمعايير الأخلاقية والامتناع عن اللجوء إلى التعديل الجيني لغايات أخرى غير مكافحة الأمراض. ففي مقابل كل ما لهذا الاكتشاف الثوري من إيجابيات فتح الباب أمام التلاعب في طبيعة الجينات البشرية مما يدعو إلى القلق. حالياً لا يعتبر المجال مفتوحاً للهندسة الوراثية بمختلف أشكالها، فلا تزال ممنوعة في دول ومسموحة في أخرى. وهناك محاذير لا يمكن إهمالها في حال اللجوء إليها لأنها لا تخلو من الأخطار، فقد تسهم الهندسة الوراثية بالفعل في القضاء على أمراض عدة، إنما يمكن أن تحدث أيضاً تغييرات خطيرة في الجينات البشرية، كما قد تسهم في إنشاء نسخ جديدة خطرة من الأمراض أثناء محاولات منع الأوبئة في المستقبل. لذلك تبرز كتقنية واعدة تكثر إيجابياتها في المجال الطبي لمكافحة الأوبئة والأمراض، لكن ليس مستغرباً أن يثار هذا الجدل حولها وتطرح علامات استفهام حول استخداماتها، فتتروى دول عدة قبل إعطاء الضوء الأخضر لاستخدامها.

الهندسة الوراثية بمختلف أشكالها

ظهرت ملامح الهندسة الوراثية على الكائن البشري في عام 2015 عندما تلاعب علماء بالحمض النووي لأطفال رضع. في مراحل أولى شكل هذا إنجازاً كان علماء الوراثة يعبرون عن مخاوفهم حوله، فقد فشلت تجارب متكررة في الصين لتحوير أجنة غير قابلة للحياة. ومن بداية ظهورها أدرك الكل أن الهندسة الوراثية تكنولوجيا ثورية في غاية الأهمية، لكن لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية. لذلك كان علماء الوراثة يخشون من نتائج استخدام هذه التقنيات لغايات أخرى وبقي النقاش محتدماً بينهم.

تميز الطبيبة المتخصصة في الأمراض الوراثية في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت ندى عساف بين نوعين من التعديل الجيني في خلايا الإنسان الذي يقضي بإحداث تغييرات قابلة للتوريث: الأول هو التعديل الجيني الجسدي Somatic، لتصحيح الخطأ الجيني في خلايا المريض. يعتبر مسموحاً في معظم الدول، وإن لم يكن معتمداً بعد في لبنان، اللجوء إليه يكون هنا في مواجهة آفات معينة يمكن أن تصيب الإنسان، كأمراض الكبد والسرطان وداء sickle. وقد أظهر التعديل الجيني فاعلية كبرى في هذا المجال وتعافى مريضان كانا مصابان بالمرض بفضله. علماً بأن التعديل الجيني الجسدي يحدث تغييرات في الخلايا الجسدية ويتلاعب بجينوم الخلايا المستهدفة، إلا أن هذه التغييرات لا تكون موروثة ولا تنتقل إلى الأجيال المقبلة.

أما الطريقة الثانية فهي Germline Gene Editing وتتعلق بهندسة خلية الخط الجنسي. لا تزال ممنوعة في بلدان عدة وتحديداً في أوروبا، إذ تتشدد الدول الأوروبية في السماح بها بحجة وجود عوائق أخلاقية وقانونية. ويحظر استخدام تقنيات هندسة الخط الجنسي بموجب القانون وبموجب معاهدة دولية لمجلس أوروبا في أكثر من 40 دولة. في هذه الحالة يهدف التعديل الجيني إلى تصحيح الخطأ الجيني في الحيوانات المنوية حتى يولد أجنة لا يعانون مشكلات جينية. تشير عساف إلى أن الخلل الجيني أو الخطأ الجيني موجود في معدل 25/1، ويكون في تسلسل الحمض النووي. يأتي دور التعديل الجيني في تصحيح هذا الخطأ وفق تقنية CRISPR-Cas9 مثلاً التي تعتبر أكثر تقنيات التعديل الجيني شيوعاً في هذه الحالة والأكثر فاعلية أيضاً، إضافة إلى كونها اعتبرت آمنة إلى حد ما حتى اللحظة.

في هذه التقنية يعطى دواء بالحقن الوريدي، وهو يحتوي على جزيئات تدخل إلى الخلايا وفيها ما يعرف Molecular scissors تدخل في الخلايا وتكشف الخطأ الجيني وتقطع الحمض النووي وفق هذا الخطأ الجيني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محاذير وإشكاليات

صحيح أن الهندسة الوراثية يمكن أن تشكل نقلة نوعية في عالم الطب وعلم الوراثة في مواجهة آفات عدة، إنما في الوقت نفسه تطرح هنا إشكاليات لا يمكن التغاضي عنها. وهذا ما يشكل هاجساً لعلماء الوراثة وبعض الهيئات الصحية الرسمية في نشر هذه التقنية. فأولى المشكلات التي يمكن مواجهتها تتعلق بالخطأ الوارد أثناء التعديل الجيني. فمع Molecular scissors يمكن أن يحصل ما يعرف بـOff target أو الخروج عن الهدف الأساسي وتحصل عملية القطع في أماكن أخرى غير معنية، هذا ما لا يمكن السيطرة عليه ولا بد من الاستعداد له وتوقعه عند اللجوء إلى الهندسة الوراثية. على سبيل المثال إذا لجأ مريض إلى التعديل الجيني الجسدي ثمة احتمال بالتعرض إلى الخلايا الصحيحة، ويمكن أن يواجه المريض أعراضاً أخرى غير متوقعة. الخطر موجود وعلى المريض أن يدرك ذلك قبل اللجوء إلى الهندسة الوراثية، مما يستدعي حكماً الاعتماد على الموافقة المستنيرة، فيعي مسبقاً أن الخطر موجود ويتحضر لهذا الاحتمال ويوافق على المواجهة. تكون الموافقة عندها على مسؤولية المريض. المشكلة الكبرى بعد في حال اللجوء إلى هندسة الخط الجنسي، ففي مثل هذه الحالة يكون المعني طفلاً، وتحصل الأمور بطريقة خارجة عن إرادته، هذا ما خلق جدلاً حول هذه التقنية ودعا الدول الأوروبية إلى التأني قبل الموافقة عليها لمعايير أخلاقية وقانونية. التعديل الجيني يطال هنا طفلاً سيعيش سنوات طويلة مع ما خضع له من تعديل جيني، هذا إضافة إلى أن خطر حصول مضاعفات وارد أيضاً في هذه الحالة.

حتى اللحظة تبقى التجارب والدراسات حول الهندسة الوراثية غير كافية، فأي علاج أو دواء أو تقنية تخضع لدراسات وتجارب طويلة مخبرية على الحيوان قبل اعتمادها على الإنسان، وثمة حاجة إلى العمل على مزيد منها في عملية التعديل الجيني حتى توافق عليها الهيئات الطبية الرسمية وتعتمدها الدول كافة. تبدو بعض الدول حذرة في التعامل معها ولم تسمح بها على أراضيها حتى تؤخذ في الاعتبار كل المعايير الأخلاقية والقانونية وتجري عليها التجارب الكافية. وإذا ما تخطينا هذه الإشكالية تبقى الضمانة المطلوبة في اعتماد الهندسة الوراثية لغايات طبية بحتة وفي مواجهة الأمراض حصراً، وليس في سبيل التعديل في الأجنة وتصميمها بشكل أو بآخر، كما يخشى العلماء. تخرج عندها الهندسة الوراثية عن الغايات المرجوة منها وتفقد الفائدة من وجودها في مكافحة أمراض خطرة، بعد ما سجل من إيجابيات لها في الزراعة بالدرجة الأولى، قبل أن تنتقل إلى التطبيق على الإنسان. وتؤكد عساف "أثبتت الهندسة الوراثية فاعلية عالية في مكافحة الأمراض كالسرطان وsickle disease، وأيضاً عندما اعتمدت في الزراعة لإنتاج أغذية غير مسببة للحساسية لمن يعانون حساسية الغلوتين. أما استخدامها على الأجنة فلا تزال الدراسات غير كافية لذلك، ويبقى الهم الأساسي أيضاً في حصرها في الإطار الطبي للوقاية من اضطرابات جينية معينة يمكن أن تولد تشوهات أو أمراضاً لدى الطفل أو في الأجيال المقبلة عبر ما تسببه من تغييرات موروثة. قد تكون السيطرة في هذا المجال في دول تتشدد في تطبيق المعايير الأخلاقية والقوانين ممكنة، لكن يخشى من سوء الاستخدام في دول أخرى لا تلتزمها ولا تطبق هذه المعايير. وسبق أن أثيرت ضجة حولها عندما اعتمدت لتوأم أثناء حمل والدتهما المصابة بالأيدز، ولدت إحداهما وهي تعاني تشوهات كثيرة بسبب خطأ في التعديل الجيني مما أثار جدلاً واسعاً حول التقنية".

وفي عام 2021 أصدرت منظمة الصحة العالمية توصيات تدعو إلى تكريس تعديل الجينوم البشري كأداة من أدوات الصحة العامة مع التركيز على المأمونية والفاعلية والأخلاقيات، وذلك على أثر مشاورة عالمية واسعة النطاق امتدت خلال عامين، في شأن التعديل الجيني البشري على مستوى الخلايا الجسدية والصفات المنتقلة بالوراثة، خصوصاً أنها لا تخلو من الأخطار بوجود احتمال تبديل جينوم الأجنة البشرية، واحتمال انتقالها إلى الأجيال اللاحقة، وتعديل صفات الذرية، إضافة إلى أخطار عدة أخرى لا يمكن التغاضي عنها توجب التأني قبل تعميم التقنية واعتمادها على نطاق واسع.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة