Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البريطانيون الأوائل مجموعتان مختلفتان في الجينات والثقافة

أوروبا في العصر الحجري القديم قطنتها بنية متغيرة وديناميكية من السكان

بقايا بشرية من كهف كندريكس بشمال ويلز ترجع إلى ما قبل 13600 سنة (آر. ستيفنز/اندبندنت)

للمرة الأولى، كشفت بيانات وراثية جينية جديدة أن جماعتين بشريتين تنتميان إلى إنسان "العصر الباليوليثي" [أقدم العصور الحجرية وأطولها] تتحدران من أصلين مختلفين وتمتلكان ثقافتين متباينتين، قد هاجرتا إلى بريطانيا في نهاية العصر الجليدي الأخير.

حلل عدد من الباحثين الحمض الوراثي من نوع "دي أن إيه"DNA  لدى مجموعة من الناس سكنت جنوب غربي إنجلترا وشمال ويلز قبل أكثر من 13 ألفاً و500 سنة، علماً أنه أقدم حمض نووي من نوع "دي أن أي" عثر عليه في الجزر البريطانية حتى الآن. [يضم الـ"دي أن أي" التراكيب الجينية وتسلسلاتها التي تُكَوِّن الجينوم].

تفحص الباحثون من "جامعة كوليدج لندن" و"متحف التاريخ الطبيعي" و"معهد فرانسيس كريك" عينات من ذلك الحمض الوراثي الذي عُثِر عليه في كهف "غوف"، ومقاطعة سومرست، وكهف "كندريكس" في شمال ويلز.

وكذلك ذكر الباحثون أن التحليل الذي نُشر في مجلة "نيتشر إيكولوجي آند إيفوليوشن" Nature Ecology and Evolution ، كشف للمرة الأولى أن إعادة توطّن البشر في بريطانيا جرت بواسطة مجموعتين في أقل تقدير، تعودان إلى منشأين وثقافتين مختلفتين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب الدكتور ماتيجا حاجدينجاكم، من "معهد فرانسيس كريك" والباحث المشارك في الدراسة، "أن العثور على هاتين السلالتين في وقت متقارب جداً في بريطانيا، إذ لا يفصل بينهما أكثر من ألف عام أو ما يقرب من ذلك، يشكل إضافة إلى الصورة الأخذة في الاتّضاح عن أوروبا في العصر الحجري القديم، وتؤشر إلى وجود مجموعة سكانية ديناميكية متغيرة".

تُظهر الدراسة التي تضمنت استعمال تأريخ الكربون المشع وتحليله، كذلك استخراج الحمض النووي [من بقايا بشرية للمجموعتين] وتحليل تركيبة الجينات التي يحتويها، أنه من الممكن الحصول على معلومات وراثية جينية مفيدة من بعض أقدم بقايا العظم البشري التي يعثر عليها في البلاد.

وكذلك يوضح الباحثون أن تسلسلات الجينوم هذه باتت تمثل الآن الفصل الأول من التاريخ الجيني لبريطانيا، ولكن بفضل الحمض الوراثي والبروتينات [الموجودة في الجينات] القديمين، سنعود إلى فترة زمنية أبعد [من العصر الباليوليثي] في تاريخ البشرية.

كذلك وجد الباحثون أن الحمض النووي للمرأة التي عثر عليها في كهف "غوف"، وقد توفيت منذ حوالى 15 ألف عام، يشير إلى أن أسلافها كانوا جزءاً من هجرة أولى إلى شمال غربي أوروبا جرت قبل حوالى 16 ألف سنة.

وفي المقابل، يعود تاريخ الشخص الذي عثر عليه في كهف "كندريك" إلى فترة لاحقة، أي قبل حوالى 13 ألفاً و500 سنة، وكان أسلافه مجموعة من الصيادين وجامعي الثمار الغربيين. يُعتقد أن أصول أسلاف هذه المجموعة تمتد إلى الشرق الأدنى، وقد هاجروا إلى بريطانيا قبل حوالى 14 ألف سنة.

ولاحظ الباحثون أيضاً أن هاتين الهجرتين حدثتا بعد العصر الجليدي الأخير حينما كانت ثلثا مساحة بريطانيا تقريباً مغطاة بالأنهار الجليدية.

ومع ارتفاع درجة حرارة المناخ وذوبان الأنهار الجليدية، حدثت تغيرات جذرية في النظم الإيكولوجية وفي البيئة عموماً، وبدأ البشر يتحركون مجدداً صوب شمال أوروبا.

في سياق متصل، تطرقت إلى النتائج الدكتورة صوفي تشارلتون، باحثة مشاركة في الدراسة وقد أدّت عملها هذا أثناء وجودها في "متحف التاريخ الطبيعي"، فأوضحت أن "الفترة التي كنا مهتمين بها، تلك التي ترجع إلى قبل ما يتراوح بين 20 ألفاً إلى 10 آلاف سنة، تشكل جزءاً من "العصر الباليوثي" [الذي يُشار إليه أيضاً باسم] "العصر الحجري القديم". إنها في الواقع فترة زمنية مهمة بالنسبة إلى البيئة في بريطانيا، وقد اتسمت ربما باحترار مناخي كبير، ومساحة كبيرة من الغابات، وتغيّرات في أنواع الحيوانات المتاحة للصيد".

بالإضافة إلى ذلك، تبين أن الجماعتين مختلفتان ثقافياً، مع وجود اختلافات في الأطعمة التي تناولها أفرادهما، وطريقة دفن موتاهما.

وفي ذلك الصدد، أوضحت الدكتورة ريانون ستيفنز من معهد "جامعة كوليدج لندن" للآثار، وهي باحثة مشاركة في الدراسة، أن "التحليلات الكيماوية للعظم أظهرت أن أفراد المجموعة من كهف "كندريكس" تناولوا كثيراً من أنواع الكائنات الحية المتوافرة في البحار ومساحات المياه العذبة، بما في ذلك الثدييات البحرية الكبيرة".

وفق الدكتورة ستيفنز، "لم يظهر لدى البشر ممن سكنوا كهف "غوف" أي دليل على استهلاك أنواع الأطعمة في البحار والمياه العذبة، وأكلوا في المقام الأول الحيوانات العاشبة الأرضية كالغزلان الحمراء، والبقريات (من قبيل الأبقار البرية التي تُسمّى أوروش) والخيول".

اكتشف الباحثون أن الطقوس الجنائزية التي مارستها المجموعتان اختلفت أيضاً. على رغم العثور على عظام حيوانات في كهف "كندريكس"، فقد تضمنت مواد فنية يمكن حملها، على غرار عظم فك حصان مزين. ولكن لم يُعثر على عظم حيوانات تحمل ما يؤشر على أن البشر الذين عاشوا في هذا الكهف قد تناولوها. ويرى العلماء أن هذا التفصيل يشير إلى أن هذه الجماعة استخدمت الكهف كمدفن.

في المقابل، كشف عظم الإنسان والحيوان التي عُثر عليها في كهف "غوف" تعديلاً متعمداً وكبيراً لبنية التشريح البشري، بما في ذلك تغيير شكل جماجم بشرية وتحويلها إلى "أكواب من جماجم"، التي يعتقد الباحثون أنها دليل على أكل لحوم البشر في طقوس معينة. يبدو أن أفراد هذه المجموعة المبكرة ينتمون إلى المجموعة البشرية نفسها التي ابتكرت الأدوات الحجرية في العصر المجدلي [يمتد بين 17 ألفاً و12 ألف سنة قبل الميلاد]، وقد اشتهرت تلك المجموعة بثقافة تشمل فن الكهوف الشهير والمصنوعات اليدوية العظمية.

تذكيراً، شهد كهف "غوف" أيضاً اكتشاف "إنسان شيدر البريطاني" الشهير في عام 1903، ويرجع تاريخه إلى ما يتراوح بين 10 آلاف و564 سنة قبل الميلاد و9 آلاف و915 سنة قبل الميلاد. في هذه الدراسة، تبين أن لدى "إنسان شيدر" مزيجاً من الأسلاف، معظمهم (85 في المئة) صيادون وجامعو ثمار غربيون، وبعضهم (15 في المئة) يعود إلى النوع الأقدم الذي قام بالهجرة الأولى [إلى بريطانيا].

في الإطار نفسه، بيَّنت الدكتورة سيلينا بريس، من "متحف التاريخ الطبيعي"، وهي باحثة مشاركة في الدراسة، أنها وزملاءها أرادوا "حقاً معرفة المزيد عن هوية هؤلاء البشر الأوائل الذين سكنوا بريطانيا".

وأضافت، "توصلنا في بحوثنا السابقة، من بينها دراسة "إنسان شيدر"، إلى أن الصيادين الغربيين عاشوا في بريطانيا قبل نحو 10 آلاف و500 سنة قبل الميلاد، لكننا لم نكن نعرف متى وصلوا إلى هذه الأرض للمرة الأولى، وإذا كانوا هم السكان الوحيدون الذين كانوا موجودين آنذاك".

© The Independent

المزيد من علوم