Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد التطبيع مع السعودية... هل تتخلى حليمة إيران عن عادتها القديمة؟

إن كانت طهران قررت "تجرع السم" مجدداً فتراجع دعمها الميليشيات أول امتحان للضامن الصيني والمضمون الفارسي

ملخص

بعد إعلان الاتفاق بين #السعودية_وإيران برزت تساؤلات حول ما إذا كان الوثوق بطهران ممكناً، وهي التي لم تتوقف عن سياساتها العدائية ضد جيرانها

لم يكن إعلان السعودية وإيران تبادل السفراء بينهما مفاجئاً، إذ كانت المحادثات والجولات بين الجارين اللدودين قد بدأت منذ عامين، لكن اللافت هو الضمانة الصينية التي جاءت بها والتنازلات التي بدا أن إيران المعروفة بالعناد وما تسميه "الصبر الاستراتيجي" قدمتها، في خطوة أكثر ما يعبر عنها تسابق أذرعها التخريبية في المنطقة إلى الترحيب بالاتفاق. 

إلا أن التساؤلات التي برزت في الوهلة الأولى كانت حول ما إذا كان الوثوق بطهران ممكناً، وهي التي لم تتوقف عن سياساتها العدائية ضد جيرانها حتى في الوقت الذي كانت العلاقة معها في أفضل حالاتها، حين وقفت خلف تفجير أبراج الخبر السعودية عام 1996، على رغم نفيها المتكرر، كما استغلت كل فرصة مواتية لتوسيع نفوذها وتقويض الاستقرار في المنطقة وتجنيد الميليشيات فيها. 

الميليشيات أول امتحان

ولهذا تساءل المحلل السياسي السعودي خالد الدخيل عما إذا كانت الضمانة الصينية كافية لإقناع طهران بانتهاج سياسة مناقضة للتي عرفت بها منذ أربعة عقود، قائلاً "رعاية الصين للاتفاق السعودي - الإيراني يدفع للتفاؤل بإمكانية تخلي إيران عن سياساتها المدمرة، كما أن قبول السعودية وثقتها بالاتفاق يعزز التفاؤل أكثر"، بيد أن المشكلة في اعتقاده أن تاريخ نظام ولاية الفقيه منذ 1979، بخاصة بعد سقوط العراق يهدد ذلك التفاؤل، متسائلاً عما إذا كان ما يُعتقد أنه يحقق مكاسب كثيرة لإيران مثل الاستقرار والتنمية ستفضي بها إلى "تخلى النظام عن مشروعه المذهبي في المنطقة".

ويؤكد أن أهم مؤشر إلى تغير سياسة إيران في ظل الاتفاق الأخير "تخلي إيران على المدى المنظور عن استراتيجية الميليشيات كذراع لها في المنطقة، فهي تعرف أن الميليشيات نقيض للدولة ومصدر خطر على وجودها، لذا تستخدمها أداة للتدخل في الدول العربية، فهل كشفت تجربتها في المنطقة لها عن مدى خطورة الميليشيات"؟

بينما ذهب أحد أكثر الخليجيين دراية بالملف محمد السلمي رئيس معهد "رصانة" إلى أن الضغوط الداخلية والخارجية الهائلة على إيران ليس مستبعداً أن تدفعها إلى "تجرع السم" مجدداً، كما فعلت في عهد الخميني لإيقاف الحرب الدامية حينها مع العراق، لكنه شكك في صدقية النظام في طهران على رغم ذلك، وهو الذي ينص دستوره على تصدير الثورة، وتقوم أيديولوجيته على التدخل في شؤون جيرانه والمنطقة العربية. وقال "إيران لن تتخلى عن مشروعها الخارجي، فهو جزء من سياسة النظام التي بني عليها، والدستور الإيراني خير شاهد على ذلك، لكن دول المنطقة لا تستطيع أن تقف متفرجة على هذا الجانب، ولهذا لا بد من الضغط لدفع إيران إلى الداخل والتنازل عن بعض مشاريع الهيمنة في الخارج، ومن ذلك الميليشيات الإيرانية في الخارج، بخاصة في اليمن وسوريا والعراق".

بناء الثقة هو التحدي

غير أن السلمي، العارف ببعض كواليس المحادثات، أفاد بأن "الحديث لا يزال مبكراً عن تراجع طهران عن الهيمنة، فالثقة ما زالت مهزوزة، والفترة القادمة ستكون محورية جداً في بنائها"، مؤكداً أنه إذا ما صدقت النوايا فسيكون التحول مهماً لأمن واستقرار المنطقة والعالم، بما في ذلك إيران التي صارت مشروعية نظامها مهددة أكثر من أي وقت مضى "بعد الاحتجاجات المتواصلة في ظل التهديدات الدولية التي تلوح الآن في الأفق بشكل كبير جداً، بعد انخراط إيران في الأزمة الأوكرانية والتهديدات الناجمة عن النووي".

وكان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قد لفت إلى أن الانفراج السياسي بين بلاده وإيران جاء في سياق رؤية الرياض القائمة على "تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة". بينما كانت تعليقات الإصلاحيين في إيران أكثر دلالة على الظروف التي دفعت إلى هذا التحول من طهران، حين شارك حساب الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، ملصقاً من الهجوم على السفارة السعودية في طهران، وكتب على الملصق "أسبوعان قبل تنفيذ الاتفاق النووي". واقتبس الحساب من خطاب سابق لروحاني، قوله "الله لا يغفر للذين لم يسمحوا بإقامة علاقات جيدة بين إيران وبعض دور الجوار، لقد قاموا بأعمال طفولية، وحمقاء، في الهجوم على المقار الدبلوماسية، لو لم يكن ذلك، لكانت الأوضاع الآن أفضل".

وفي اتصال هاتفي مع معارض إيراني لم يأذن بذكر اسمه، فإن "إدارة السعودية الصراع مع إيران أوقع النظام في مأزق داخلي بسبب انهيار العملة، وخارجي جراء تصاعد النقمة الغربية عليه جراء مشاركته في حرب أوكرانيا مع روسيا، واستقطاب الرياض الصين وبناء علاقة متينة مع روسيا، كل ذلك وبعض الملفات التي لا يمكن ذكرها، جعلت النظام يوقن بأن ثمن معاداة السعوديين في هذا الوقت لا يطاق". 

مراحل تصدير الثورة

ومع أنه أقر بأن المعارضة الإيرانية قد تكون الطرف الأكثر تضرراً من هذا الاتفاق، فإنه يرجح أن سلوك النظام في طهران سريعاً ما يكشف عن نواياه السيئة، إذا شعر بأنه تجاوز مرحلة الخطر، لذلك يرى أن "خطر إيران لا يزال قائماً، سواء على مواطنيه أو دول الجوار، إنما قد يحد الاتفاق منه بعض الوقت". 

وتصادق على هذا المنحى دراسة قبل بضع سنين لمعهد الدراسات الإيرانية، خلصت إلى أن إيران برعت في تبادل الأدوار بين زعمائها وواجهاتها السياسية، مع الاستمرار في المضي نحو هدفها الرئيس، وهو بناء طموحها الإقليمي عبر زعزعة الاستقرار في محيطها. 

وذكرت الدراسة أن لإيرانيين تعاطوا مع الخليج بمستويات مختلفة، وفق ما يتطلبه الظرف في طهران، فمنشأ الصراع الأول بين الجانبين الذي هو "تصدير الثورة"، لم يتوقف قط، وإنما الذي اختلف الأساليب باختلاف المراحل التاريخية، ففي مرحلة كانت "محاولة اغتيال أمير الكويت في الثمانينيات من جانب أحد أعضاء حزب الدعوة العراقي المدعوم من إيران أحد مظاهر تصدير تلك الثورة، بينما في مرحلة تالية رأى الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني أن تصدير الثورة لن يكون بغير القوة".

أما في عهد الرئيس محمد خاتمي فرأت الدراسة أن هدف تصدير الثورة قد "غلف بمفاهيم مثل الحوار وحسن الجوار، وفي عهد الرئيس الأسبق أحمدي نجاد بدت إيران حامية للمستضعفين في الأرض، وفي أعقاب تولي روحاني السلطة أضحى التدخل الإيراني في شؤون دول الجوار (العراق واليمن وسوريا ولبنان والبحرين) معلناً، كما قبض على عديد من خلايا التجسس التابعة لـ(حزب الله) وإيران في بعض دول الخليج"، ولكن دائماً لطهران سردية مغايرة تتدثر بالنفي والمظلومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في غضون ذلك، تحاول السعودية في عهدها الجديد أن تتخذ من الخيار التنموي الذي لا يتم من دون استقرار، قصة تروج في المنطقة يستفيد الجميع من فرصها، ويرى فيها جدوى أكبر من التنافس والصراع. وهو ما أشار إليه وزير الخارجية بن فرحان باعتباره استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، انطلق "مما يجمع دول المنطقة مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضرورة أن نتشارك معاً لبناء أنموذج للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا". 

مرحلة الخميني تساعد على الفهم

ويرى الدبلوماسي السعودي السابق عبدالرحمن الجديع أن إيران وإن دأبت على استراتيجية "الضغط السياسي والدبلوماسي والترغيب والتهديد لتحقيق نفوذها، إلا أنها في ظل ما يشهده العالم من تحولات جذرية، قد تكون أدركت، ولو متأخرة، تعزيز تدابير الثقة وخلق مسارات تعامل جديدة، يفيدها أكثر من السلوك العدواني تجاه الجوار ورفع الشعارات الطائفية والمضادة للقانون الدولي". 

وكان بين أشرس المواجهات التي تتحاشى طهران وجيرانها تكرارها في المنطقة، تلك التي اندلعت بين العراق وإيران في سبتمبر (أيلول) 1980، ولم تنته إلا في أغسطس (آب) 1988، عندما وافق الخميني على إنهاء الحرب بعد أن تكبد البلدان  خسائر بشرية هائلة، جسدها قول الخميني آنذاك "ويل لي لأنني لا أزال على قيد الحياة لأتجرع كأس السم بموافقتي على اتفاق وقف إطلاق النار".

التوتر الذي شهدته العلاقات السعودية - الإيرانية قد لا يكون وصل إلى السوء نفسه الذي بلغته نظيرتها مع العراق في القرن الماضي، لكن طهران باتفاق المحللين أحوج ما تكون اليوم إلى استراحة بعد الضغوط الهائلة التي تحيط بها ونقل المعركة إلى داخلها، خصوصاً من جانب السعودية التي قالت ابنة النظام فائزة رفسنجاني إن بلادها لا تنظر إليها كأي دولة، بل هي "تمثل عديداً من الدول العربية والإسلامية، وعلاقتنا معها تؤثر في علاقتنا بكل هذه الدول الإسلامية، ومنطقة الشرق الأوسط والعالم".

فائزة رفسنجاني أيضاً في مقابلة سابقة معها، ذكرت أن "التجربة كشفت عن أننا عادة نعدل سلوكياتنا إلى حد ما عندما نكون تحت الضغط... ويدفعنا نحو تغيير سياستنا"، وهي اللعبة التي بدا أن السعوديين برعوا في حياكة خيوطها عبر أدوات متشابكة ومعقدة.

أما بالنسبة إلى أحد المتخصصين في مجال الأمن الدبلوماسي السعودي، وهو السفير السابق علي عواض عسيري، فإن أي تفاؤل ينبغي أن يكون حذراً مع دولة مثل إيران، إلا أن الوقائع على الأرض تظهر أن "الدولة الضامنة (الصين) مصالحها مع طهران كبيرة، كما أن الظروف الصعبة المحيطة بالنظام تجعل خياراته محدودة، فكان الاتفاق المفيد للجميع عندما تتوفر النوايا الحسنة منطقياً". 

رفض أميركا وإسرائيل له مغزى

ما يقال عن التشكيك في نوايا الدولة طبقاً لسلوكها مرات مضت، يقابله توجس أميركي وإسرائيلي من الخطوة التي أقدم عليها زعيما الإقليم المتناحرين خلف الستار وأمامه مرات عدة، مما قد يعني أن واشنطن وتل أبيب لمستا في التحول جدية أكبر، على أن مخاوف الدولتين ليست واحدة. 

يأتي ذلك في وقت بنت فيه إسرائيل أكثر سياساتها الجديدة بعد "اتفاقات أبراهام" على استثمار خلاف العرب والخليجيين مع النظام في طهران بتكوين جبهة مشتركة ضدها، وهو توجه يفترض أن يُمنى بانتكاسة كبيرة إن طبق الاتفاق مع السعودية وإيران على النحو المنشود وعودة دمشق إلى الجامعة العربية، فيما كان أكثر ما يزعج أميركا أن منطقة نفوذها التقليدية في الإقليم، كان من رعى إطفاء أسوأ حرائقها منافستيها اللدودتين الصين وروسيا، وإلا فإنها أكثر الساعين إلى احتواء إيران.

وأكثر ما يعبر عن انزعاج البيت الأبيض عنوان "نيويورك تايمز" الرئيس عن الاتفاق بلغة تحريضية وصفته بالذي "يتحدى أميركا"، فهو يسعى بحسبها إلى "إعادة ترتيب موقت على الأقل للتحالفات والخصومات المعتادة، مع ترك واشنطن على الهامش". 

قلق أميركا وإسرائيل أو عدم ارتياحهما على الأقل للصفقة، مثلما يصلح أن يكون مؤشراً في تقدير المراقبين إلى أنها مفيدة للإقليم، فإنه كذلك قد يجدد مخاوف قديمة بأن جزءاً كبيراً من توترات المنطقة هو من تدبير وكيد قوى أجنبية ذات أهداف معلنة أو خفية كتلك التي أدت إلى غزو العراق ودعم ما يسمى "الربيع العربي".

المزيد من تقارير