ملخص
على عربة يجرها حمار ينقل الفلسطيني لؤي الطلاب إلى مدارسهم، هذا المشهد الذي يتكرر يومياً في #غزة ليس لعدم توفر سيارات، لكنه يعد ترجمة مختصرة لـ #الفقر الذي يعيشه السكان
الساعة تشير إلى السادسة صباحاً، إنه الموعد المخصص لنقل تلاميذ غزة إلى مدارسهم، في رحلة ممتعة مع السائق لؤي، لكنها لن تكون في حافلة نقل الطلاب أو عبر سيارة خاصة، ولن يسمع الأطفال أي بوق وسيلة نقل حديثة على أبواب منازلهم، لأنها باختصار ستكون على عربة يجرها حمار.
قبل شروق الشمس يستيقظ لؤي من نومه، يرتدي ملابسه البالية، وعلى رغم ذلك يقف أمام المرآة ليتأكد من أناقته، ويصطحب معه صفارة صغيرة ومكنسة بلاستيكية، وقطعة قماش كبيرة، متجهاً نحو عربته المتهالكة وحماره الجائع.
تجهيز العربة
"يا فتاح يا عليم يا رزاق ارزقني"، بهذا الدعاء يسلك لؤي طريقه فور خروجه من بيته، الذي يقع في مخيم خان يونس جنوب غزة، وفور وصوله المكان الذي يبيت به حماره وعربته يرد عليهما الصباح وكأنهما على علاقة قوية منذ زمن.
طأطأ لؤي رأسه، وخاطب الحمار "أنا آسف، اليوم أيضاً لم أجلب لك طعام الإفطار، من المفروض أنك تعودت على ذلك، منذ شهر وأنت على هذه الحال، أرجوك سامحني وسأعوضك لاحقاً، لا تقلق سوف تتحسن الحال"، ثم مسح على رأسه وبدأ ربطه في عربته المهترئة.
فرد لؤي قطعة القماش الكبيرة على عربته ليخفي عيوبها، وكنس الغبار والرمال من عليها، "من الضروري أن تكون نظيفة بشكل جيد، سيركب عليها أطفال مدارس، وهم أكثر عرضة لالتقاط جراثيم ويمكن أن يصابوا بأمراض" يقول لؤي.
استغرق لؤي نحو ربع الساعة في تجهيز وسيلة نقل طلاب المدارس، ولديه نحو 45 دقيقة أخرى لموعد بدء الحصة الدراسية الأولى، ويستغل هذا الوقت في تذكير الأطفال في الموعد وتجميعهم من بيوتهم، "يجب أن أدير الوقت بجدارة، هذه مسؤولية تقع على عاتقي وأنا حريص على عملي" يضيف الرجل.
مهمة أخرى… تجميع الطلاب
عاد لؤي إلى المخيم، حيث يسكن الأطفال وأخذ يتنقل بين الأزقة، يصفر بصفارته أمام بيت كل طفل مشترك معه، وينادي عليه بصوت مرتفع "يلا يا محمد انزل"، ثم يقرع على الباب ليتأكد أنه جاهز للمدرسة.
عند آخر منزل في المخيم اعتاد لؤي أن يجهز له أصحاب البيت كوباً من الشاي، يشربه على مهل، وينتظر حتى يخرج الطلاب حاملين حقائبهم، وقتها تبدأ المهمة الصعبة بالنسبة إلى الرجل.
حنون لؤي لدرجة كبيرة، ولم يفعل الفقر بقلبه أي تغيير، فعند خروج الأطفال من منازلهم يمسك بأياديهم ويظل ينتظر حتى يخرج آخر طالب، ويسلك معهم أزقة المخيم المتشعبة الضيقة، ويصطحبهم برفق نحو حماره الذي ينتظرهم.
لدى لؤي قواعد صارمة، فهو لا يسمح لأي طفل بالركوب على العربة وحده، بل يحمل كل واحد منهم بالدور ليجلسه في مكان محدد، ويرجع الرجل فعله ذلك إلى حرصه على الصغار من أن يصاب أحدهم بسبب الحديد في العربة، أو خوفاً من أن يمشي الحمار لخطوات فيسقط الطفل.
الطريق نحو المدرسة
بعينيه عد لؤي الأطفال وتأكد أنهم 15 طالباً، حينها تحرك حماره باتجاه المدارس في رحلة ممتعة، ولكنها في الوقت نفسه محفوفة بالمخاطر، إذ يخشى عليهم من خطر السقوط أو أن تقترب من أطرافهم المتدلية مركبة سريعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تبعد مدارس الأطفال عن المخيم نحو خمسة كيلومترات، وتستغرق الطريق على حمار لؤي أقل من 10 دقائق، وفي هذه الرحلة يحرص الرجل على الصغار، فإذا مرت مركبة من جانبه ينزل عن الحمار ويوقفه ليسمح للسيارة بالعبور.
يحاول لؤي أن يخلق جواً ترفيهياً للصغار، أثناء رحلتهم معه، فتارة يطلب منهم العد إلى العشرة تصاعدياً ومرة تنازلياً، وأخرى يحاول أن يختبرهم في الدروس التي يتعلمونها، حتى يسليهم وينسيهم أنهم يركبون على عربة يجرها حمار.
أمام باب المدرسة وقف حمار لؤي وبجانبه حافلة نقل طلاب، تبادل حينها التلاميذ نظرات الحسرة، لكن لؤي تدارك الموقف بتشجيع الأطفال الذين نقلهم بأن المستقبل ينتظرهم وأن سوء الحال هذا لن يستمر.
عرض العمل الوحيد
مضطر لؤي إلى عمله هذا، فهو عاطل عن العمل منذ عامين، ويعتمد على المساعدات التي تمنحه إياها وزارة التنمية الاجتماعية ومؤسسات إغاثية دولية، لكنها لا تكفي متطلبات أسرته.
يشترك الطلاب مع عربة لؤي التي يجرها حمار مقابل دولارين في الشهر، ويحصل من عمله هذا نحو 30 دولاراً بالشهر، ولا يشعر بالضجر حيال ذلك، لكنه يحاول البحث عن فرصة تحسن له دخله.
يعتقد الرجل أن عمله هذا خدمة للمجتمع، وفي الوقت نفسه يؤكد أهالي الطلاب أنهم يحاولون مساعدة لؤي لتحسين ظروفه المعيشية، لكن بما يستطيعون.
عمل لؤي هذا جاء عرضاً له من أهالي الطلاب الذين عجزوا عن دفع نحو 30 دولاراً في الشهر لحافلة نقل التلاميذ إلى المدارس، ووافق الرجل عليه من دون تردد، فهو العمل الوحيد المتاح أمامه.
في الواقع، كلا الطرفين مجبر على هذه الحال، للتعايش مع الفقر الذي يعيشه نحو 1.2 مليون نسمة في غزة، لكن حال لؤي وأهالي الأطفال أشد فقراً فهم مصنفون أنهم يعيشون تحت خط الفقر المدقع، أي لا يستطيعون تحصيل ثلاثة دولارات في اليوم.