Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بايدن والصحافيون... "قصة حب" غير متبادل

ضرب الرئيس الأميركي الرقم القياسي في تجنب عقد المؤتمرات الصحافية والجمهور يميل إلى تصديق انتقادات المراسلين له

عقد بايدن مؤتمرات صحافية أقل من أي رئيس آخر خلال السنوات الـ35 الماضية في العام الثالث من رئاسته (أ.ف.ب)

ملخص

لم يكن #بايدن وحده من يتجنب أسئلة الصحافيين وترفض السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض #كارين_جان_بيير بشكل روتيني الإجابة عن أسئلة المراسلين

يميل جميع الرؤساء الأميركيين إلى تجنب الصحافيين أملاً في الابتعاد عن المساءلة، لكن الرئيس الحالي جو بايدن يضرب الرقم القياسي في هذا الشأن، ففي العام الثالث من رئاسته كان بايدن أقل من عقدوا مؤتمرات صحافية بين الرؤساء المعاصرين، واستغرق عقد مؤتمره الأول بعد تنصيبه أكثر من شهرين وهي أطول فترة لأي رئيس منذ 100 عام، وخلال عامه الأول عقد 10 مؤتمرات صحافية فقط، كما اشتكت مجموعة من مراسلي البيت الأبيض رسمياً من عدم إمكانية الوصول إلى بايدن على عكس الرؤساء السابقين المرحبين بمفهوم الصحافة الحرة بمن فيهم الرئيس السابق دونالد ترمب، فما سبب تجنب بايدن الصحافيين وما دوافعه وراء ذلك؟

صحافة من دون حكومة

لكل رئيس أميركي علاقة فريدة خاصة به مع وسائل الإعلام، فقد استخدمها بعض الرؤساء لمصلحتهم، بينما قضى آخرون فترتهم الرئاسية في صدام مع الصحافة، وعلى رغم أن احترام أعلى منصب في البلاد يشجع الصحافيين والإعلاميين على ضبط النفس وعدم التسرع في نشر ما يتردد من أقاويل أو التطفل عليهم مثل مصوري "الباباراتزي"، إلا أنه منذ الأيام الأولى لتأسيس الولايات المتحدة، غالباً ما تجاوز الصحافيون هذا الخط، بحسب ما يشير موقع "هيستوري" الأميركي.

وكان الرئيس الثالث لأميركا توماس جيفرسون مؤيداً للصحافة بشكل مطلق، فقد كتب ذات مرة أنه إذا كان ينبغي عليه الاختيار بين أن تكون لدى أميركا حكومة من دون صحف، أو صحف من دون حكومة، فلن يتردد لحظة في تفضيل الأخيرة، وهو ما جعل جيفرسون يبدو كبطل للصحافة الحرة، ومع ذلك، فإن هذا التقييم لا يحكي القصة الكاملة، فقد انتقد لاحقاً مما اعتبره الطبيعة الحزبية للصحافة وبدأ في نشر رسائل شخصية قال فيها إنه لا يمكن تصديق أي شيء في أي صحيفة، لأن الحقيقة نفسها تصبح مشبوهة إذا وضعتها في تلك الوسيلة الملوثة.

غير أن السياق الذي دفع جيفرسون إلى مهاجمة الصحافة، كان جزءاً من مناخ عام ساد أوائل القرن التاسع عشر، حيث نشرت الصحافة مقالات ذات تحيز صريح وابتلت السياسيين بهجمات شخصية، ومنهم جيفرسون نفسه الذي اتهمته الصحافة المؤيدة لخصمه الانتخابي جون آدامز بأنه ملحد ومتحرر، ومع ذلك ظل جيفرسون مدافعاً قوياً عن الصحافة الحرة التي وصفها بأنها الحماية الوحيد للجميع.

الحروب الأميركية
هجمات 11 سبتمبر 2001، دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى شنّ حربها العالمية على الإرهاب. فاستهدفت أولاً أفغانستان لضرب تنظيم "القاعدة" المحمي بحركة "طالبان"، ثم ما لبثت أن وجّهت جيشها الجرار باتجاه العراق، حيث قضت على نظام صدام حسين.
Enter
keywords

 

عادة رئاسية

وفي حين أن الرئيس الحالي بايدن يسجل الرقم القياسي في تجنب الصحافيين بين الرؤساء المعاصرين، يبدو الأمر بصفة عامة عادة رئاسية، فلا جديد في تجنب الرؤساء للصحافة، وعلى سبيل المثال، تجنب الرئيس بيل كلينتون الصحافة في نهاية التسعينيات لتفادي أسئلتهم الصعبة حول علاقته مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، والتي نفاها في البداية، ثم اضطر للاعتراف بها، مما أدى إلى عاصفة إعلامية ضده، ونجح في الاستعانة بمصادر خارجية لتقديم معلومات للصحافيين لتجنب وقوعه أو المتحدث الصحافي باسم البيت الأبيض في شرك استجواب إعلامي صعب وسط فضيحة مدوية كادت تسقطه من الحكم.

وعلى النهج نفسه، أشار تقرير خاص للجنة حماية الصحافيين إلى أن الرئيس السابق باراك أوباما الذي تولى منصبه متعهداً بحكومة مفتوحة، وبأنه الرئيس الأكثر شفافية في التاريخ، وضع قيوداً على الشفافية، وكان يكبح الكشف الروتيني عن المعلومات لتجنب تدقيق الصحافة، وتعرض ستة موظفين حكوميين، إضافة إلى اثنين من المتعاقدين، بمن في ذلك إدوارد سنودن، لمحاكمات جنائية عام 2009 بموجب قانون التجسس لعام 1917، بتهمة تسريب معلومات سرية إلى الصحافة.

أكثر الرؤساء تجنباً للصحافيين

وعلى رغم أن الديمقراطية تتطلب مساءلة الرئيس، فإن المؤتمرات الصحافية تشكل بالتأكيد مخاطرة بالنسبة إلى الرؤساء عندما يجيبون عن أسئلة الصحافيين، وهو ما يفسر رغبة الرؤساء في تجنب الصحافة، ومع ذلك يبدو الرئيس بايدن من أكثر الرؤساء الأميركيين في الذاكرة الحديثة تجنباً للصحافيين، ففي العام الثالث من رئاسته، عقد مؤتمرات صحافية أقل من أي رئيس آخر خلال السنوات الـ35 الماضية، كما يشير مشروع الرئاسة الأميركية في جامعة "كاليفورنيا"، حيث عقد 20 مؤتمراً صحافياً خلال العامين الأولين من رئاسته مقارنة بـ39 مؤتمراً عقدها الرئيس دونالد ترمب، و46 مؤتمراً عقدها الرئيس باراك أوباما، و39 عقدها الرئيس جورج دبليو بوش (الابن)، و54 عقدها الرئيس بيل كلينتون، و67 عقدها الرئيس جورج أتش بوش (الأب).

وخلال السنة الأولى له في المنصب، عقد ما مجموعه 10 مؤتمرات صحافية، كان في معظمها يقرأ ملاحظات جاهزة ثم يغادر من دون تلقي أسئلة من المراسلين، كما أن بايدن يميل إلى اختيار المراسلين وفق قائمة محددة سلفاً، بحسب ما قال بنفسه في المؤتمرات الصحافية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم يكن بايدن وحده من يتجنب أسئلة الصحافيين، إذ ترفض السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارين جان بيير بشكل روتيني الإجابة عن أسئلة المراسلين، وفق ما وصف مراسل صحيفة "واشنطن بوست" بول فارهي في يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث كتب أن السكرتيرة الصحافية ردت مراراً على أسئلة الصحافيين حول وثائق سرية عثر عليها في منزل بايدن ومكتبه السابق، ولكنها في الحقيقة لم ترد بشكل أساسي لأنها امتنعت عن تقديم أية معلومات أو إجابات شافية.

تناقض بايدن

وعلى رغم إشادة بايدن بالصحافيين وبأنهم يكشفون الحقيقة، ويتحققون من سوء استخدام السلطة، وأنه لا غنى عنهم في ديمقراطية فاعلة، فإن سلوكه الواقعي كان متناقضاً، وهو ما انتقدته لجنة حماية الصحافيين في تقرير لها حول نهج الرئيس تجاه وسائل الإعلام بسبب محدودية توفره للصحافيين، بخاصة أنه لم يجر مقابلة مع أي من الصحف المطبوعة الرئيسة منذ توليه منصبه، باستثناء مقابلة في يونيو (حزيران) الماضي مع وكالة "أسوشيتد برس" التي تعد وكالة إخبارية وليست صحيفة.

وعلاوة على ذلك، أوضح جوناثان سوان من موقع "آكسيوس"، الذي أجرى حواراً ساخناً مع الرئيس ترمب، قبل ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية الماضية، سبب عدم موافقة مسؤولي بايدن أبداً على تحديه في مقابلة مباشرة، وهي أن بايدن ومستشاريه يعتبرون هذه المقابلات غير آمنة، في حين نصح الكاتب جو كونشا في موقع "ذي هيل"، بضرورة إنهاء هذا النوع من الغطرسة، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي، الذي يرفض التحدث إلى المراسلين وجهاً لوجه، يشعر بالإحباط من عدم قدرته على مشاركة كل الأشياء الجيدة التي يقول إن إدارته فعلتها.

وعلاوة على ذلك، اتهمت جمعية مراسلي البيت الأبيض بايدن بالافتقار إلى المساءلة أمام الجمهور، وفي يونيو الماضي، اشتكت مجموعة من مراسلي البيت الأبيض رسمياً من عدم إمكانية الوصول إليه، واتهموه بممارسة سلوك مناقض لمفهوم الصحافة الحرة، مشيرين إلى أن كل رئيس آخر قبل بايدن بما في ذلك ترمب سمح بالوصول الكامل إليه.

أسباب التجنب

ويرى ديفيد كليمنتون أستاذ مساعد الصحافة والإعلام في كلية "غرادي" بجامعة "جورجيا"، أن هناك أسباباً عدة تكمن وراء سلوك الرئيس بايدن وغالبية السياسيين تجاه الصحافة، من بينها أن الشخصيات العامة من السياسيين والمشاهير ونجوم الرياضة، لم تعد معنية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإجابة عن أسئلة المراسلين أو عقد المؤتمرات الصحافية أو إجراء المقابلات، بينما يمكنها مشاركة آرائها بحرية وبطريقة فورية مع عشرات الملايين من متابعيها على "تويتر" و"إنستغرام" و"فيسبوك" وغيرها، وهو ما كان الرئيس السابق دونالد ترمب سباقاً إليه خلال رئاسته، إذ كان يغرد بشكل كثيف على "تويتر" حول قضايا السياسة وتجاهل المراسلين في وجودهم.

لا إجابة جيدة

ويشير النقاد إلى دوافع مختلفة قد تكون لدى بايدن أو أي رئيس آخر لتجنب الصحافة، منها ما يتعلق بالتأثير الذي يمكن أن يخلفه الرد على أسئلة صعبة ومتحدية من الصحافيين على جمهور الناخبين، وبخاصة عندما لا تكون هناك إجابة جيدة يتقبلها الجمهور.

وكما تشير دراسات علمية سابقة استندت على عقود من البيانات، فإن الصحافيين يسألون كثيراً عن الموضوعات الخلافية أو المثيرة للجدل، وهم يصوغون أسئلتهم بطرق صعبة، تكون الإجابة معها غير كافية أو غير مفيدة على هذه الأسئلة، وفي البيت الأبيض بالتحديد، يميل الصحافيون إلى السؤال عن الموضوعات التي تقسم البلاد، مثل الإجهاض أو السيطرة على الأسلحة، والتي قد تسيء أي إجابة مباشرة عنها لمجموعة من الناخبين.

لا يمكنك الفوز

وحتى لو لم تكن أسئلة الصحافيين مثيرة للانقسام، وأجاب الرئيس عنها، فسيظل عديد من الناخبين يعتقدون أن الرئيس مخادع، ويعتقد الناخبون الجمهوريون أن السياسي كان مخادعاً عندما يكون ديمقراطياً، والعكس صحيح بالنسبة إلى الناخبين الديمقراطيين والمسؤولين أو الرؤساء الجمهوريين.

وبغض النظر عما يمكن أن يقوله الرئيس، فإن العدسة الحزبية لوسائل الإعلام والمتابعين، من المرجح أن ينحرف معها المؤتمر الصحافي عن أهدافه، وبخاصة إذا اتهم المراسلون الرئيس بالتهرب من الأسئلة، ويصبح الجمهور أكثر ميلاً لتصديق هذه المزاعم بغض النظر عما قاله الرئيس بالفعل، ما يبدو معه أن الناخبين يصدقون المراسل ويكذبون السياسي.

تضاؤل مكانة الرئيس

وهناك سبب أخير يجعل الرئيس يتجنب عقد مؤتمر صحافي، وهو أنه كلما زادت معرفة الجمهور بالرئيس، زاد كرههم له، فقد أظهرت دراسة في جامعة "جورجيا" أن تقدير واحترام المنصب الرئاسي يتراجع كلما عقد الرئيس مؤتمرات صحافية، لأنه كلما تباعدت كلمات السياسي عن واقع ومشاعر الناخبين وخبراتهم، تضاءل مظهره الرئاسي بالنسبة لهم، ومن المحتمل أن يفقد الرؤساء مكانتهم من خلال مواجهتهم للصحافيين الذين تكون لهم اليد العليا، ويطرحون أسئلة تشكل حقل ألغام بلاغياً ويمارسون القوة في اتهام الرئيس بالتهرب.

وحتى لو أجاب الرئيس بصدق عن أسئلة الصحافيين، يميل الناخبون إلى تصديق انتقادات الصحافيين للرئيس، وإذا لم يكن ما يهدف إليه الرئيس يشكل منفعة استراتيجية لسياسة الرئيس وإدارته بحيث يبدو أمام الجمهور على أنه يفي بتعهداته كمسؤول عن دوره، فلن يربح كثيراً عندما يعقد مؤتمراً صحافياً.

ويبدو أن الرئيس بايدن الذي يعاني شعبية منخفضة للغاية ويواجه تحديات داخلية وخارجية كثيرة وتساؤلات كثيرة حول أداء إدارته، يفضل أن يستمع إلى نصائح مستشاريه بالابتعاد عن مواجهة الصحافيين قدر الإمكان، وهو ما يفسر كونه أقل الرؤساء الأميركيين إقبالاً على المؤتمرات الصحافية ومواجهة الصحافيين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير