Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل الفوضى سمة سياسة بايدن الخارجية؟

لقد فشل البيت الأبيض في مطابقة وسائله مع غاياته

الرئيس الأميركي جو بايدن في العاصمة واشنطن، يناير 2023 (رويترز)

قبل عامين، عندما حل #جو_بايدن محل #دونالد_ترمب في #البيت_الأبيض، تنفس عديد من محللي #السياسة_الخارجية الصعداء. فمع استلام بايدن دفة القيادة، وانتهاء فترة ولاية ترمب غير المنتظمة والمتهورة في بعض الأحيان، أمكن للولايات المتحدة استعادة دورها كقوة تحقق التوازن والاستقرار في العالم. وقد تبنى الرئيس نفسه هذا التصور، وتعهد أمام الحلفاء في فبراير (شباط) 2021 بأن "أميركا عادت".

وهكذا، بعد الاضطرابات التي شهدتها سنوات ترمب، أصبح هناك إدارة ذات أجندة جدية في السياسة الخارجية تمسك بزمام الأمور مجدداً في واشنطن.

بيد أن أول سنتين من رئاسة بايدن لم تكونا على قدر هذا التفاؤل أو الوعود. وعوضاً عن ذلك، سادت حال ارتباك رافقها انفصال مقلق بين أولويات الإدارة المعلنة من جهة وسلوكها من جهة أخرى. وتبين أن رغبة بايدن في حماية العمال الأميركيين وتعزيز الصناعات الموجودة في الولايات المتحدة نفسها متعارضة مع ضرورة بناء تحالف يرمي إلى احتواء الخطر الصيني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتجدر الإشارة إلى أن الخلل الرئيس في استراتيجية الأمن القومي التي انتهجها بايدن يكمن في عدم توافر رؤية اقتصادية تسمح للولايات المتحدة ودول أخرى بتقليل اعتمادها على المنتجات والأسواق الصينية. وفي ضوء عدم قدرة واشنطن على إقناع الحلفاء بالانضمام إليها على الجبهة الاقتصادية، يزداد في نهاية المطاف الحمل الملقى على عناصر أخرى في تلك الاستراتيجية، وبشكل خاص القوات المسلحة. ولكن في هذا المجال أيضاً، لم يؤد اعتراف الإدارة بالتهديد العسكري الملح الذي تشكله الصين إلى إحداث تغيير كاف في السياسة الفعلية، سواء على صعيد موازنة الدفاع أو في الطريقة التي يعتمدها صانعو السياسة في نشر القوات الأميركية.

 وبطريقة موازية، لا تعتبر وزارة الخارجية قوية بما يكفي لتعويض أوجه القصور تلك وغالباً ما تجد نفسها مهمشة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الاستراتيجية غير المتوازنة تفتقر إلى الصدقية، وما لم تضعها الإدارة التي تمجدها موضع التنفيذ، من خلال ضبط الرئيس لتعليقاته الفضفاضة حول تايوان ومنح الدول الصديقة حوافز للبدء في تطبيق تحولات اقتصادية صعبة وفرض ضوابط على الصادرات وزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير وتعزيز قدرة القوات المسلحة، ستظل سياستها الخارجية غير فعالة.

تفكير مشوش

منذ البداية، كان تفكير الإدارة حول مدى ارتباط السياسة الاقتصادية بالسياسة الخارجية مشوشاً. من ناحية، يسعى البيت الأبيض إلى حماية الولايات المتحدة من الخراب المفترض الناجم عن العولمة والمركانتيلية‏ الصينية [مذهب سياسي - اقتصادي]. ومن ناحية أخرى، يلقي المواعظ عن فضائل التحالفات وتضامن المجتمع الدولي. وقد تصادم هذان الهدفان حتماً.

كان دفاع إدارة بايدن عن تشريعها الحمائي الأخير يتمثل في إخبار الأوروبيين أنه ينبغي عليهم ببساطة الترحيب بالجهود المبذولة لتعزيز الاقتصاد الأميركي، حتى لو كان ذلك على حساب الشركات الأوروبية

 

تجاهلت الإدارة مناشدات الحلفاء في شرق آسيا لمساعدتهم في تقليل اعتمادهم الاقتصادي على الصين. في الواقع، لا يريد جيران الصين أناشيد مديح للديمقراطية أو مواقف عسكرية قد تزيد من مخاطر الحرب. عوضاً عن ذلك، يريدون طريقاً نحو الازدهار يضعف قبضة الصين الاقتصادية عليهم. على سبيل المثال، طلبت أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية من الولايات المتحدة الالتزام بجدية أكبر بالتجارة الحرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لا يكفي أن تحاول واشنطن عزل بكين، بل هي تحتاج أيضاً إلى صياغة سياسة اقتصادية إيجابية تقنع حلفاءها بتطوير أسواق وسلاسل توريد تكون مستقلة عن الصين. ولكن يبدو أن المبدأ الاقتصادي الأساسي في سياسة بايدن الخارجية لا يركز إلا على تقلبات السياسة الداخلية للولايات المتحدة، ويطالب الحلفاء بجعل اقتصاداتهم متوافقة مع المعايير الأميركية في مقابل تقديم تنازلات ضئيلة.

لا يمكن للإدارة الأميركية أن تعيد نفسها إلى اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهو اتفاق التجارة الآسيوي الذي تم التفاوض عليها عندما كان بايدن نائب الرئيس. ولا يمكنها أن تجبر نفسها على تطوير سياسة تجارية قائمة على "دعم الحليف" تزيد القدرة على الصمود من خلال الاعتماد على الدول الحليفة في سلاسل التوريد. كما أن "قانون خلق حوافز مفيدة لإنتاج أشباه الموصلات من أجل أميركا" (المعروف اختصاراً باسم "تشيبس" CHIPS) لا يمنع الشركات الأميركية من استخدام المواد الصينية ولا يعاقب الصين على اقتناء التكنولوجيا بشكل غير قانوني، وفي الواقع قد ينتهي به المطاف بتقديم المساعدة إلى الشركات الصينية لأن الشركات الأميركية التي تتلقى إعانات ستظل معتمدة على سلاسل التوريد التي تفضي إلى الصين في نهاية المطاف.

واستطراداً، تتمتع وزارتا الخزانة والتجارة في عهد بايدن أيضاً بسجل غير مستقر في فرض ضوابط التصدير. علاوة على ذلك، سمحت إدارته بانقضاء أجل قانون "سلطة ترويج التجارة" TPA (التشريع الذي يسمح للكونغرس بالتصويت بنعم أو لا على المعاهدات التجارية) في عام 2021، مما يضمن عدم إمكانية التصديق على أية صفقات تجارية الآن من دون تعديل يقره الكونغرس. لقد حافظت إدارة بايدن على معظم تعريفات إدارة ترمب، حتى تلك المفروضة على الدول الحليفة، مثل القيود المفروضة على فولاذ الاتحاد الأوروبي. وأثارت غضب الحلفاء من خلال تقديم إعانات أكبر للشركات الأميركية من خلال "قانون خفض التضخم" Inflation Reduction Act.

في الحقيقة، يبدو أن التزام بايدن بـ"سياسة خارجية للطبقة الوسطى"، وهو شعار غامض تبين أنه يعني على أرض الواقع توفير الحمائية التجارية والدعم للشركات الأميركية، هو الذي يستأثر بالأولوية ويعتبر أكثر أهمية من بناء جبهة موحدة مع الحلفاء. كان دفاع إدارة بايدن عن تشريعها الحمائي الأخير، الذي قدمه في دافوس السيناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا الغربية، جو مانشين، يتمثل في إخبار الأوروبيين أنه ينبغي عليهم ببساطة الترحيب بالجهود المبذولة لتعزيز الاقتصاد الأميركي، حتى لو كان ذلك على حساب الشركات الأوروبية. قد لا تؤمن الحكومة الحالية في واشنطن بالتجارة الحرة، خلافاً لتلك التي في بكين. في العام الماضي، أنشأت الصين أكبر منطقة تجارة حرة في العالم من خلال إطلاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة مع دول جنوب شرقي آسيا، في المقابل، لم تقم الولايات المتحدة إلا بإطلاق مبادرة غامضة تسمى منتدى الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ، ويبدو أن لا أحد قادراً على تفسيرها.

أقوال بلا أفعال

إن الافتقار إلى سياسة اقتصادية متماسكة قادرة على دعم هدف استراتيجية الأمن القومي المتمثل في التنافس بنجاح مع الصين لتشكيل النظام الدولي يضع مزيداً من الضغط على مجالات أخرى في القوى الوطنية، وبشكل خاص الجيش. كان على الولايات المتحدة التحدث بحزم عن الأمن في المنطقة من أجل طمأنة الحلفاء، بخاصة وأن سياساتها الاقتصادية أدت إلى تنفيرهم، بيد أنها لم تدعم هذا الكلام بالأفعال. فالإدارة الأميركية قامت باتخاذ خيارات سياسية مهمة تتطلب زيادات في الإنفاق الدفاعي، أبرزها ابتعاد الرئيس عن الغموض الأميركي الذي كان سائداً تجاه تايوان على مدى عقود، من خلال التأكيد مراراً وتكراراً على أن القوات الأميركية ستدافع عن الجزيرة في حال شن هجوم صيني. ويمكن لبكين أن تفسر خطاب واشنطن الجديد على أنه استفزاز، فتنقض على تايوان.

لكن الإدارة لم تعدل الإنفاق الدفاعي الأميركي، أو هيكل القوة، أو تمركز الجيش ونشره بما يراعي هذا الاحتمال. ولا يبدو أن القيود الصارمة جداً التي فرضتها وزارة التجارة من أجل منع الكيانات الصينية من الوصول إلى السلع التي تنتجها الولايات المتحدة والتقنيات المتقدمة قد تم تنسيقها مع وزارة الدفاع، على رغم أن مثل هذه العقوبات التجارية قد تجعل الصين أكثر استعداداً للذهاب نحو خيار الحرب. والجدير بالذكر أن اتباع نهج متكامل وأكثر حذراً لردع السلوك الصيني السيئ من شأنه أن يجعل هذه العقوبات تتزامن مع إظهار استعداد عسكري أميركي لصراع محتمل (ومشاركة حلفاء الولايات المتحدة في مثل هذه العمليات) ومع الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق استقرار في العلاقات وتقليل احتمالية نشوب صراع. لكن لا يبدو أن الإدارة مستعدة لمواجهة المخاطر العسكرية المتزايدة التي تأتي مع زيارات وفود من الكونغرس الأميركي إلى تايوان. وفي ظل ازدياد نشاط الجيش الصيني الآن في مضيق تايوان وحوله، وصف البنتاغون التهديد المتزايد المحدق بتايوان بأنه "الوضع الطبيعي الجديد".

كانت السياسة الخارجية للإدارة مشوشة منذ البداية

 

في الواقع، يدرك كثير من المسؤولين في الحكومة هذا الخطر. في مايو (أيار) 2021، قال قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، الأدميرال فيليب ديفيدسون، أمام الكونغرس أنه من المرجح أن تهاجم الصين تايوان أو تحاول محاصرتها بين الآن وعام 2027. ووصفت أفريل هينز، مديرة الاستخبارات الوطنية، احتمال مهاجمة الصين لتايوان بين الآن وعام 2030 بأنه "كبير جداً". ووافقها الرأي مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إي) بيل بيرنز. وبطريقة موازية، وضع جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، استراتيجية للأمن القومي اعتبرت السنوات العشر المقبلة "عقداً حاسماً من الزمن من حيث تحديد شروط المنافسة، بخاصة مع [الصين]".

بيد أن أنشطة وزارة الدفاع وموازنتها لا تدل على وجود أي وضع ملح. فموازنة الدفاع لعام 2022 تتضمن ما قيمته 109 مليارات دولار من الإنفاق على قضايا مثل التشرد وتغير المناخ وبحوث الصحة العامة التي لا تعزز القوة العسكرية التي ينبغي أن تكون من مسؤولية الإدارات الحكومية الأخرى. زادت الموازنة الأولى للإدارة في عام 2021 الإنفاق غير الدفاعي بنسبة 16 في المئة، في المقابل رفعت الإنفاق الدفاعي بنسبة 1.6 في المئة فقط، وذلك بالقيمة الاسمية وليس بالقيمة الحقيقية التي تمثل التضخم. وفي سياق متصل، أشار التقييم الذي أجراه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في عام 2021 إلى أن هذه الزيادة كانت ضئيلة وأنه من الواضح أن "إدارة بايدن لا تحاول إجراء تغييرات كبيرة في مسار الإنفاق في وزارة الدفاع الأميركية، على الأقل في هذه الجولة من الموازنة". في عامي 2021 و2022، وجد الكونغرس عجزاً في الموازنات الدفاعية التي اقترحتها إدارة بايدن لدرجة أنه أصر بدعم من الحزبين على زيادة تمويل الجيش، مضيفاً 28 مليار دولار إلى الموازنة الأولى و45 مليار دولار إلى الثانية.

واستكمالاً، يبدو أن وزارة الدفاع لم تأخذ إلحاح التهديد الصيني لتايوان على محمل الجد بالكامل. في الواقع، أجرت الوزارة مراجعة لوضع القوة في بداية عهد الإدارة التي لم تسفر عن القيام بأي تغييرات مهمة، والتغييرات الهامشية التي اقترحتها لاحقاً، على غرار التمركز التناوبي العسكري والقواعد المتفرقة، لا تحدث بوتيرة تتماشى مع مستوى التهديد. كما اقترحت وزارة الدفاع خطة لتقليص حجم الجيش وخفض أعداد السفن في الأسطول وأعداد أسراب الطائرات في سلاح الجو في المدى القريب بهدف تخصيص تلك الأموال لقوة مستقبلية يتم إرسالها إلى الميدان في عام 2035. بمعنى آخر، تخطط الوزارة للحد من قدرتها على تنفيذ استراتيجيتها الحالية من أجل أن تكون قادرة على نشر قوة أقوى في المستقبل البعيد، أي بعد الإطار الزمني الذي يعتقد المسؤولون الأميركيون أنه من المرجح أن تحدث فيه محاولة صينية للاستيلاء على تايوان.

شؤون الدولة

يمكن أيضاً ملاحظة عدم التوافق في أهداف السياسة الخارجية لبايدن من جهة وسلوك الإدارة في وزارة الخارجية من جهة أخرى. قالت الإدارة إنها ملتزمة "بالارتقاء بالدبلوماسية واعتبارها بمثابة الملاذ الأول" وزادت الإنفاق الدبلوماسي بنسبة 14 في المئة في أول عامين لها، مما أدى إلى زيادة عدد أفراد السلك الدبلوماسي بحوالى 500 شخص. ووضعت وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية خطة استراتيجية مشتركة متينة حددت الأولويات المؤسسية: حشد التحالفات لمواجهة التحديات العالمية، وتعزيز الرخاء العالمي، ودعم الحكم الرشيد والكرامة الإنسانية، وتنشيط قوتها العاملة، وتحسين الدعم القنصلي للأميركيين في الخارج. هذه الأجندة لديها القدرة على إعادة تشكيل الثقافة المؤسسية في وزارة الخارجية على نحو أفضل.

لكن قليلة هي الأدلة التي تشير إلى أن وزارة الخارجية نجحت في تحقيق رغبتها في "تحديث التحالفات وتنشيط المؤسسات الدولية". لم تساهم الوزارة بشكل مهم في نجاحات الشراكة الأمنية الأسترالية والبريطانية والأميركية المعروفة باسم "أوكوس" AUKUS، ولم تلعب سوى دور ثانوي في حشد دعم حلف الناتو لأوكرانيا المحاصرة. وتفاوض البيت الأبيض مباشرة على اتفاق دفاع "أوكوس"، في حين وجدت وزارة الخارجية صعوبة في التعامل مع الغضب الفرنسي المتوقع الناتج من الصفقة (بسبب إلغاء عملية شراء أسترالية لغواصات فرنسية). يبدو أن المبعوث المفضل للبيت الأبيض في اللقاءات الدبلوماسية الصعبة، سواء مع روسيا أو تركيا أو أوكرانيا، هو مدير وكالة المخابرات المركزية، بيل بيرنز، وليس وزير الخارجية أنطوني بلينكين. ويبدو أن سوليفان هو المحاور الرئيس في شؤون الصين وأيضاً الدبلوماسي الحازم الذي تم استدعاؤه أخيراً للتعامل مع الجمود الألماني بشأن تزويد أوكرانيا بالدبابات. كذلك، يعقد وزير الدفاع لويد أوستن اجتماعات شهرية في الخارج مع 50 من نظرائه من أجل تنظيم تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا. في المقابل، ليس لدى بلينكين أو وزارته أي مثيل دبلوماسي يعمل بفعالية لحشد الدعم الدولي لكييف.

واستطراداً، كانت قمة 2021 من أجل الديمقراطية، التي نظمتها وزارة الخارجية، بمثابة مضيعة للوقت، وتحولت إلى مناقشات حول الحكومات التي تمت دعوتها وفشلت في صياغة جدول أعمال لاحق: أطلقت القمة "سنة العمل" من أجل تعزيز الديمقراطيات التي لم تتخذ سوى إجراءات قليلة. ويبدو أن محاولة الوزارة الرامية إلى تعزيز الرخاء العالمي تقوم في الغالب على تنفيذ الأجندة الاقتصادية المحلية للرئيس أو تمجيد الأشياء التي لا تملك وزارة الخارجية سوى قدرة ضئيلة على التأثير فيها، مثل ريادة الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا.

وظيفة إنقاذ

في منتصف عهد إدارة بايدن، كانت الحكومة الأميركية غير قادرة على فك العناصر المتناقضة في استراتيجيتها الطموحة، ولم تعوض عن سوء التقديرات هذه من خلال زيادة إنفاقها العسكري والدبلوماسي. والجدير بالذكر أن عجز الإدارة عن صياغة سياسة اقتصادية دولية يعوق هدفها الأساسي المتمثل في بناء تحالف دولي فعال لمواجهة الصين. وبهذه الطريقة، فإنه يرجح كفة ميزان الأهمية بعيداً من كل من السياسة الاقتصادية والدبلوماسية ونحو ممارسة القوة العسكرية، وهو أمر كانت الإدارة تتجنبه بوضوح.

مع تبقي عامين من ولاية الرئيس، يجب على الإدارة أن تستفيد من الدعم الشعبي العام للتجارة، الذي وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، وفقاً لدراسة أجراها مجلس شيكاغو المعني بالشؤون العالمية لعام 2021، وأن توفر القيادة التي يحتاج إليها الحلفاء من أجل تقليص اعتمادهم على الصين. عوضاً عن تفعيل السياسات الحمائية في إطار "سياسة خارجية للطبقة الوسطى"، يمكن للرئيس أن يدعم قضية تعزيز الديمقراطية من خلال تشديد التعاون الاقتصادي مع الحلفاء والشركاء، وإصدار تعليمات إلى وزارة التجارة ووزارة الخزانة لتطوير سياسات تحول التصنيع وتوريد المواد إلى الدول الحليفة، وتشجيع الدول على تبني معايير الولايات المتحدة من خلال زيادة فرص وصولها إلى سوق الولايات المتحدة من خلال منتدى الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ، وتقديم إعفاء واسع النطاق من القيود الموجودة في "قانون الحد من التضخم" للشركات التابعة إلى الدول الحليفة. يجب على واشنطن أن تقرن الإجراءات العقابية التي تستهدف الصين بحوافز للدول الصديقة تشجعها على تعديل اقتصاداتها بطرق تزيد من قوتها التفاوضية في التعامل مع الصين.

وعوضاً عن إجبار الكونغرس على تصحيح الموازنات غير الكافية التي خصصتها الإدارة للقطاع الدفاعي، يجب على الإدارة تطوير موازنة أساسية أكثر واقعية لتنفيذ استراتيجيتها، موازنة تحسب معدل التضخم ومتطلبات الدفاع المحتمل عن تايوان في الوقت الحالي وفي المستقبل. ونظراً لأن الرئيس لا يمكن أن يتعهد جدياً بالدفاع عن دولة أخرى إلا بموافقة الكونغرس على معاهدة دبلوماسية، يجب على وزير الخارجية أن يبدأ مثل هذه المفاوضات للتحرك نحو تحالف رسمي. من المحتمل أن يكون الثمن الرسمي لاستراتيجية الأمن القومي التي تعتمدها الإدارة حوالى تريليون دولار، أو زيادة حقيقية ثابتة على أساس سنوي بنسبة خمسة في المئة فوق الإنفاق الدفاعي الحالي. في الواقع، لن تؤدي محاولة خفض التكاليف عن طريق الحث على إجراء إصلاحات في وزارة الدفاع والقوات المسلحة إلى تحقيق وفورات كبيرة، بل ستصرف الانتباه عن الحاجة الملحة إلى معالجة ما يهم حقاً: تحسين قدرة الجيش على القتال والانتصار في الحروب، وزيادة مخزونات الأسلحة الأساسية، ومساعدة الحلفاء في رفع مستوى قواتهم المسلحة. في العامين المقبلين، يجب على إدارة بايدن أن تجد ما كان ينقصها في أول عامين، وهو الجدية في تنفيذ الهدف بطريقة تتناسب مع طموحات استراتيجية البيت الأبيض.

 

كوري شاك زميلة رفيعة الشأن ومديرة دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد "أميركان إنتربرايز" American Enterprise ومؤلفة كتاب "الممر الآمن: الانتقال من الهيمنة البريطانية إلى الهيمنة الأميركية". شغلت منصب نائبة مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية في 2007 - 2008.

 

مترجم عن فورين أفيرز 10 فبراير 2023

المزيد من آراء