Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل على العرب أن يصدقوا مقولات المستشرقين بلا شك؟

ديفيد ليهاردي سويت يرصد تناقضات "الاستشراق الطليعي" في قراءة نقدية

لوحة للرسام الإستشراقي لوك أوليفييه ميرسون (متحف الإستشراق)

ملخص

في كتابه "الاستشراق الطليعي: الآخر الشرقي في #أدب_رحلات القرن العشرين سرداً و شعراً"، يقدم ديفيد ليهاردي سويت جانباً آخر من عالم #الاستشراق، ربما يستكمل به رؤية أستاذه #إدوارد_سعيد.

في كتابه "الاستشراق الطليعي: الآخر الشرقي في أدب رحلات القرن العشرين سرداً و شعراً"، يقدم ديفيد ليهاردي سويتSWEET  David LeHardy جانباً آخر من عالم الاستشراق، ربما يستكمل به رؤية أستاذه إدوارد سعيد. هذا الجانب يتعلق بكُتَّابٍ "طليعيين"، خرجوا عن المعتاد بحثاً عن الجديد، فتجدهم يرفضون السلطة الإمبريالية، غير أنهم في الوقت نفسه، بصورة أو بأخرى، يدعمونها ويستفيدون من انتمائهم إلى القوى نفسها التي "يثورون" عليها. الكتاب صدر باللغة الانجليزية عام 2017، وترجمه مدرس اللغة الانجليزية في كلية الآداب – جامعة القاهرة، علي الغفاري حديثاً، إلى اللغة العربية، لحساب المركز القومي للترجمة. وبحسب مقدمة المترجم، فإن من بين هؤلاء "الطليعيين" مَن "يثور" على الضحايا أيضاً حين ينتصرون، ومن ثم يمكن القول إن هؤلاء "يثورون على الباطل وعل الحق معاً". ومن هذا المنطلق، يطرح الغفاري أسئلة عدة: هل كان جان جينيه يدعم الثورة الجزائرية، صاحبة الحق، في نضالها ضد المستعمر الفرنسي، أم أنه أساء إليها عندما صوَّر أبطالها قوادين وعاهرات من أدنى الطبقات؟ وهل أيَّد جينيه الفلسطينيين في نضالهم ضد الصهيونية، أم أنه اتخذ موقفاً ملتبساً فأساء إلى هذا النضال في النهاية؟ هل كانت نظرة الطليعيين، بأفكارهم عن الحرية، والخروج على التقاليد، أفضل من رؤية الكلاسيكيين، أو كانت أكثر سوءاً ودونية، وانكفأت على الاهتمامات الذاتية لبعض كتابها، بصورة تجعلنا نراجع إعجابنا بأدباء نالوا شهرة وتقديراً هائلين ربما لا يستحقونهما، على الأقل من وجهة نظر الشرق مهضوم الحقوق؟ هل يعرف الشرق كيف ينظر إليه هؤلاء الذين نالوا شهرة واسعة مثل جان جينيه، وأندريه جيد، ووليام بوروز وجان كوكتو وغيرهم؟ وهل علينا أن نغمض أعيننا عما كتبوا وقالوا وعما اهتموا به؛ لأنه مخجل، أم نعرف هذا حتلى يكون تقييمنا دقيقاً وفهمنا أفضل؟ وهل نُسقط كل الأجزاء التي لا نحب أن نطلع علبيها من الترجمة حتى لا يغضب أحد، ولكن نظل على جهلنا بما يكتبه هؤلاء عن الشرق وتظل أحكامنا بشأنهم عمياء ومغلوطة وملتبسة؟

بحث أكاديمي

 

تستكشف دراسة ديفيد ليهاردي أعمال كتاب طليعيين غربيين كتبوا عن سفرهم إلى مناطق في شمال أفريقيا وآسيا. وعلى الرغم من نظرة "الإغراب" لديهم التي تسعى إلى الغريب البعيد، كان كثيرون من هؤلاء الكتاب مناهضين للاستعمار، ومن ثم تجنبوا بعض عثرات الاستشراق الأكاديمي بحيث تبنوا رؤى جمالية تعتمد على التنوع، وفي الوقت نفسه استخدموا استراتيجيات الاستفزاز والتبادلية. وإذ يقوم الكتاب بدراسة مسحية لأعمال من أدب الرحلات (متضمنة مقالات وروايات وقصائد ومسرحيات) فينتقد أو يعدل الكثير من فرضيات نظرية ما بعد الاستعمار، عن كتاب غربيين تناولوا الشرق في أعمالهم، من السورياليين الفرنسيين إلى جيل البيت الأميركي، وحتى المؤلفين العابرين للقوميات في الألفية الجديدة. يعمل الكتاب عبر تركيبة من نظريات الحركة الطليعية وأدب الرحلات ومناهج ما بعد الاستعمار، على أفضل خلفية من تراث دراسات الأدب المقارن، ليحلل فئة مميزة من الأدب العالمي ويحدد معالمها.     

 

أنجز المؤلف هذا الكتاب - كما يقول - في ذروة حياته المهنية، لكن فكرته نشأت عندما كان يعد لأطروحته للدكتوراه في جامعة كولومبيا (نيويورك) والتي ضمَّها كتابه الأول "منظر وحشي / صوت مركَّب: مُوآمات شعرية لأساليب اللوحات الفنية في التوجهات الطليعية الفرنسية والأميركية" (2003). ويضيف ليهاردي أن اهتمامه في ذلك الوقت اتجه صوب كتابة دراسة مقارنة تتناول شعراء فرنسيين وأميركيين؛ تمهيداً لاهتمامه بالتيار الطليعي في الأدب باعتباره ظاهرة عالمية بها قدر من الترابط وتنطوي عليها تجارب أدبية وفنية تجعلنا نتساءل عن صحة افتراضات تأسس عليها الكثير من أفكارنا عن الأدب والفن في القرن التاسع عشر.

المركز والأطراف

وفي الوقت نفسه انشغل المؤلف بفكرة العلاقات التي تربط الأدب والتاريخ والسياسة بقضية الاستعمار، وأيضاً بالمناظير النقدية التي كانت قد ظهرت، جزئياً، كنتيجة للنضال من أجل الاستقلال الاقتصادي في المستعمرات السابقة. وهكذا وبإلهام من أستاذه ومرشده في جامعة كولومبيا إدوارد سعيد، وجد ليهاردي نفسه منشغلاً فكرياً بالقضايا الثقافية التي تخص المركز والأطراف. كما ساهم عمله مع البروفيسور سيلفير لوترينغر Sylvere Lotringer  في تعميق حسه بالانفصال، بين مجتمع الاستعراض ومجتمعات الندرة أو التخلف، بين التشكيل المركب للعناصر وفوضى الحرمان من الإرث الثقافي، بحسب تعبيره. ولاحظ ليهاردي أن التيار الطليعي بدا من خلال أفعال متعمدة للاستفزاز النظري والشكلي، منغمساً في نزاع بديل مع السلطة يسير موازياً لوضع كيانات مختلفة ينظر إليها باعتبارها "آخر"، دُفعت قضاياه إلى هوامش اهتمامات العصر الحديث، في نزاع معقد متعدد الخيوط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال عمله في الجامعة الأميركية في القاهرة، واصل ليهاردي الانشغال بالدراسة التي يضمها كتابه الذي نعرض له هنا، وكانت زميلته في الجامعة نفسها فريال غزول من بين أساتذة استفاد من نصائحهم أكاديمياً ومهنياً في إطار عمله على إنجاز الدراسة نفسها في إطار مشروع بحثي ممتد، كان هذا الكتاب ثمرته الأولى. وهذه الثمرة يعود الفضل في بلوغها، إلى منحة تفرغ للبحث نالها المؤلف عام 2007 من قسم اللغة الانجليزية في جامعة نورذرن إلينوي، وكذلك إلى الجامعة الأميركية في القاهرة "لما قدمته من العديد من المنح للبحث والسفر في أثناء سنوات عملي هناك ضمن أعضاء هيئة التدريس.      

دور الحداثة التجريبية

ويرى المؤلف أنه في حين أن الكثير من الدراسات استلهمت منهج "الاستشراق" لإدوارد سعيد مثل "ظلام أبيض" 1986، لكريستوفر ميلر، "رحالة متأخرون" 1994 لعلي بهداد، "عواصم قارية" 1999، لسرينيفاس آرافامودان، "الثقافة الأدبية وإمبريالية الولايات المتحدة" 2000 لجون كارلوس رو، لم يوجه إلا اهتماماً غير كاف إلى دور الحداثة التجريبية في تقديم الشرق إلى الغرب أو إلى تحديد معالم الحساسية الطليعية في ما يتعلق بمشاهداته وتفاعلها الخلاق داخل تلك المناطق المختلفة التي أضيفت عليها الصبغة الشرقية.  

وكما يوضح إدوارد سعيد، فإن إعجاب الغرب بالشرق يرجع إلى الخيال أكثر مما يرجع إلى الواقع الحقيقي؛ أي الواقع الذي اعتقد زائرون متأخرون (ومستعمرون) أنه يقل كثيراً عن توقعات الغرب، إن كان بالفعل قد أصبح يثقل مخيلة الغرب بأكثر مما تحتمل، وأصبحت الهزيمة وفقدان فردية الذات، مخاطرة كبيرة في أعين الذات الحديثة. إذأً أصبحت مهمة الطليعية أن تحاول شيئاً مساوياً للإمكانية الخيالية للشرق، على أن تحاول في ما هو مأمول، أن تتجاوز المواقف الدفاعية المعتادة. وعلى الرغم من أن الخيال الغربي ربما بدا بلا حدود في أعين الرومانسيين في المراحل المبكرة للإمبريالية، فإنه يمكن للمرء أن يستنتج بالبساطة نفسها أن هذا الخيال لم يحقق إمكانياته الكاملة، ويرجع ذلك - كما يقول المؤلف - إلى طبيعة العقلانية المؤسسة على فكرة الوسيلة والغاية التي أثقل بها عصر التنوير جزئياً، الرومانسية والمذاهب الأكثر مادية المعاصرة لها.

النهج الاستشراقي

وفي النهاية، يقول المؤلف، الذي يعمل حالياً محاضراً في الأدب والكتابة في جامعة بيس في نيويورك، أن ميل الطليعية غير المعتاد، وإن كان صارماً على نحو فريد، إلى زيارة البلدان غير الأوروبية المرتبطة بثقافة الشرق،  يعطينا مثالاً مفيداً عن النهج الاستشراقي نفسه. ويبدو، بحسب ليهاردي، أن هؤلاء الكتاب، وقد استشعروا حدساً، إلى حد كبير، مواقف نظرية ما بعد الاستعمار التي لم ترحم الممارسات الإستشراقية، وعلى الرغم من أنهم أيضاً لم تخلُ نوازعهم من تحيزات ثقافية أو حتى من الانغماس في التصورات العنصرية النمطية، فقد التقطوا روح التكامل الجوهري في موازنة المزاعم الثقافية المتنافسة بعضها ضد بعض، أو حتى تخريبها / قلبها ضمن استخدام راديكالي للملاحظة بوصفها وسيلة لفحص الذات.

 يتألف الكتاب من سبعة فصول، خصص المؤلف أولها للمقدمة، وتناول الفصل الثاني "نظرية أدب الرحلات ونقد ما بعد الاستعمار ونظرية الأدب الطليعي". وتناول الفصل الثالث "جينالوجيا أدبية للاستشراق الطليعي". وخصص المؤلف الفصل الرابع لطنجة والمغرب عبر تطبيق على أعمال لأندريه جيد وبول بولز ووليام س. بوروز، والخامس لمصر وفلسطين، عبر كتابات كثيرين منهم جان كوكتو وإدوارد لين ولورنس داريل وتوماس بنتشون وآميتاف غوش، وجان جينيه، والسادس للهند، من خلال أعمال لكتاب من مثل كلود ليفي شتراوس، وفردريك بروكوش، وإ. م. فورستر، وجو راندولف آكرلي وجاء الفصل الأخير تحت عنوان "الخلاصة: الشرق الأقصى"، وفيه تحليل لأعمال عدد آخر من الكتاب الطليعيين منهم فيكتور سيغالين، وهنري ميشو وبول ثورو.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب