Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تسلح المدنيين في السودان... حدود الظاهرة وأسبابها

34 دولة على الأقل تورطت بتصدير الأسلحة الخفيفة إلى البلاد منذ 1992 وحتى 2005 ومعظمها من الصين وإيران بـ70 مليون دولار

يملك نحو خمس عدد السكان السودانيين أسلحة متفاوتة الحجم والفاعلية (أ ف ب)

ملخص

هناك صلة عضوية بين توافر الأسلحة و#انعدام_الأمن، ليس في #السودان وحده، ولكن أيضاً في جواره المباشر بشرق أفريقيا وعلى حدوده الغربية

تشكل ظاهرة التسلح غير الشرعي في السودان إحدى أهم الظواهر المقلقة، وتكمن عوامل القلق في أن هناك ثمانية ملايين قطعة سلاح متفاوتة الأحجام والفاعلية في أيادي المدنيين السودانيين طبقاً للجنة رسمية سودانية لجمع الأسلحة امتد عملها أكثر من ست سنوات.

ومع تمتع اللجنة بدعم دولي سياسي وتقني عبر مشروعين كبيرين مدعومين من الأمم المتحدة وكل من سويسرا وألمانيا، فإن عدد الأسلحة غير المرخصة في السودان تضاعف أكثر من مرة، حيث سجل حجم الأسلحة الصغيرة والمتوسطة مليونين ونصف المليون قطعة سلاح عام 2017.

وطبقاً للرقم الجديد، فإن نحو خمس عدد السكان السودانيين يملكون أسلحة متفاوتة الحجم والفاعلية، وهنا يجوز التساؤل عن أسباب هذا الانتشار الهائل للأسلحة في السودان وتداعياته على الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد خلال هذه المرحلة الحرجة من تعثر التوافق السياسي من ناحية، والتراجع الاقتصادي والتضخم المرعب من ناحية أخري.

الأسباب التقليدية لانتشار التسلح في السودان مرتبطة بالحرب الأهلية والصراعات المسلحة، خصوصاً في دارفور التي فتحت الباب واسعاً لتهريب الأسلحة من كل من ليبيا وتشاد، في ظل عدم امتلاك الدولة القدرة على السيطرة العسكرية على كامل التراب الوطني، في ضوء أن معظم جوارها الجغرافي المباشر هو جوار يعاني بدوره من ظواهر عدم الاستقرار السياسي، وبعضها توجد به صراعات مسلحة ممتدة مثل أفريقيا الوسطى وجنوب السودان على سبيل المثال لا الحصر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وثمة أسباب لانتشار السلاح غير المرخص مرتبطة بالنظام السياسي لعمر البشير، الأول أنه أغلق أبواب الحوار السياسي مع المعارضة الداخلية، وقال إن من يرد إزاحة نظامه السياسي فعليه أن يحمل السلاح ضده، والثاني أنه في إطار تمكين الجبهة القومية الإسلامية وحماية النظام السياسي تم اتخاذ قرار بتكوين قوات الدفاع الشعبي لتكون ذراعاً عسكرية للجبهة الإسلامية ونظام الحكم، أما ثالث الأسباب فهو تسليحه القبائل العربية في دارفور اعتباراً من عام 2003 في ما عرف في هذا التوقيت بالـ"جنجويد"، وهي القوات التي تطورت لتكون قوات الدعم السريع، لكنه قام بتأطيرها تشريعياً قبيل انهيار نظام حكمه بسنوات عدة فأصبحت جيشاً منافساً للقوات الرسمية للدولة أي القوات المسلحة السودانية حتى يومنا الراهن.

على صعيد مواز، فإن الصراعات السياسية وخصوصاً المفاصلة الشهيرة بين البشير والترابي عام 1999 وانقسام النخب الحاكمة الإسلامية بين فريقين جعل لبعض الشخصيات المتنفذة ميليشيات خاصة بها تضمن أمنها الشخصي من ناحية، وتؤمن وزنها السياسي من ناحية أخرى، وعلى رغم عدم وجود معلومات دقيقة أو رسمية في هذا الشأن حتى بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) وتغيير النخب المؤثرة سياسياً فإن استمرار هذه الميليشيات تؤكده شهادات من رموز سياسية سودانية مرموقة، ولعل مقولة المرحوم الصادق المهدي رئيس الوزراء السوداني الأسبق لنا من أن "السلاح أكثر من الناس في السودان" تؤشر لحجم الظاهرة وخطورتها أيضاً.

وقد أضاف "اتفاق جوبا" للسلام الموقع في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 أسباباً أخرى لانتشار السلاح، إذ سمح بدخول قوات الفصائل المسلحة إلى الخرطوم بكامل عتادها كخطوة ربما تمهيدية للإصلاح الأمني واندماج القوات، ولكن هذه الترتيبات تأخرت وأصبح وجود العتاد المسلح في العاصمة سبباً لتصاعد درجة التوتر على المستوى الاجتماعي لسكان العاصمة قبل أن يكون على المستوى السياسي.

وإذا كانت كل الأسباب السابقة لانتشار السلاح في السودان هي سياسية فإن ثمة أسباباً اجتماعية واقتصادية، منها مثلاً نمط الإنتاج الرعوي المنتشر في أنحاء السودان، حيث يتطلب حماية قطعان الماشية من اللصوص وقطاع الطرق وجود السلاح، وفي سياق مواز وبسبب ظاهرة التصحر المترتبة على تغير المناخ برزت صراعات بين القبائل الرعوية والقبائل التي تمتهن الزراعة بسبب تراجع حزام السافانا، حيث ينظر إلى هذا العامل كأحد عوامل تفجر الصراعات المحدودة في دارفور حتى قبل عام 2003، الذي تفجر فيه الصراع السياسي هناك.

ولعل شهادة وزير الداخلية إبراهيم محمود في ديسمبر 2013 دليل على ما ذهبنا إليه، إذ قال "نعمل وفق مبدأ أنه لا أمن من دون حيازة السلاح"، ولعل هذه الحال تفرض ضرورة النظر في مداخل جديدة لاحتواء الظاهرة تكون موازية للمداخل الأمنية، ومنها مثلاً ضرورة الأخذ بعين الاعتبار البعد الثقافي، إذ يعتبر امتلاك السلاح بالنسبة إلى كثير من القبائل إرثاً وتقليداً وفي بعض الأحيان أمراً يرتبط بالبعد العقدي والديني، كما يشكل لدى آخرين أداة للوجاهة ورمزاً للشجاعة والقوة.

أما الأنشطة الاقتصادية الحديثة التي تحتاج إلى التسلح الفردي، فتتمثل في انتشار البحث عن الذهب خارج الأطر الشرعية، إذ يحتاج المعدنون أيضاً إلى الحماية الشخصية أثناء عمليات تتم غالباً في الصحاري والفيافي.

ولعل هذه الأسباب مجتمعة جعلت السودان يقع في بؤرة أنشط أسواق السلاح في العالم، واستناداً إلى قاعدة بيانات الأمم المتحدة الإحصائية لتجارة السلع الأساسية فإن هناك 34 دولة على الأقل تورطت بتصدير الأسلحة الصغيرة والخفيفة إلى السودان في الفترة من 1992 وحتى 2005، جلها كان من الصين وإيران بقيمة 70 مليون دولار في هذا التوقيت، حيث يبدو أن هناك صلة عضوية بين توافر الأسلحة وانعدام الأمن المتواصل، ليس في السودان وحده، ولكن أيضاً في جواره المباشر بشرق أفريقيا وعلى حدوده الغربية، وطبقاً لهذه البيئة فإن عسكرة المجتمعات في هذه المنطقة من العالم سمة أساسية نستطيع أن نميزها بها.

وبطبيعة الحال انعكست هذه المعطيات جميعها على حال الأمن العام في السودان، لكنها برزت في العاصمة أخيراً، ومفرداتها لا تقتصر على الانتشار المرعب لحوادث سرقة الأفراد والسيارات التي قد تقود إلى قتل، وكذلك عمليات مداهمة البيوت، لكنها تطورت إلى عمليات اغتيال سياسي واغتصاب لبنات معارضات، وهي ظواهر غير مسبوقة على الأقل في العاصمة الخرطوم.

انعدام الأمن ضمن ظواهر أخرى أسفر أخيراً عن خروج للأسر من الفئات المتوسطة وفوق المتوسطة من السودان بمعدلات كبيرة بحثاً عن ملاذات آمنة، لكن على المستوى السياسي فإن الظاهرة يمكن أن يكون لها تداعيات كبيرة على حال الأمن السياسي للبلاد.

في هذا السياق، فإن اللجنة الحكومية السودانية لجمع الأسلحة تبدو غير فعالة بالشكل الكافي، إذ إنها لم تنجح إلا في جمع 300 ألف قطعة سلاح غير مرخصة طبقاً لإعلانها الأخير، الأسبوع الماضي، وهي نسبة لا تمثل أكثر من ثلاثة في المئة من حجم السلاح المنتشر في ربوع السودان، من دون إحصاء العربات المهربة ذات الدفع الرباعي، التي من السهولة بمكان أن تتحول إلى آلية مسلحة بالكامل مهددة للأمن السياسي على النحو الذي جرى عام 2008 على أبواب أم درمان. وقد يضاف إلى ذلك أن فاعلية القوات المسلحة السودانية في هذه المرحلة قد تكون مؤطرة في القطاع البحري فقط وعلى الحدود، حيث نجحت خلال العامين الماضيين في إحباط أكثر من عملية لتهريب أسلحة إلى داخل البلاد نشط فيها يمنيون وإثيوبيون، لكن يبقى الإشكال الرئيس في إمكانية تفعيل دورها في عمليات الجمع الطوعي للأسلحة على المستوى الداخلي، وذلك نظراً إلى عدم تنفيذ عمليات الإصلاح الأمني المقررة في "اتفاقية جوبا"، وارتباطها العضوي بحال السيولة السياسية في السودان.

وإجمالاً يبدو أن عمليات جمع السلاح في السودان من الضروري أن تحوز اهتماماً إقليمياً ودولياً على صعيد تقني مواز للاهتمام بحل الأزمة السياسية التي قد تكون ممتدة، حيث من الملاحظ أن المجهودات التقنية تنصب حالياً على منطقة شرق أفريقيا وجنوب السودان، بينما تم تعطيل مشروعات أوروبية خاصة بدولة السودان، وهو مجهود إذا تعطل أوروبياً يجب الاهتمام به من دول الجوار المباشر وغير المباشر للسودان، باعتبار أن هذه الظاهرة مقلقة للأمن العام أيضاً في دول الجوار، كما أن من الضروري الانتباه إلى أن المداخل الأمنية فقط من دون استصحاب المداخل الثقافية والإعلامية قد تكون محدودة الأثر، لكن بالتأكيد قبل ذلك كله وبعده فإن الأمر يرتبط باستعادة قدرة مؤسسة الدولة السودانية على القيام بمجمل وظائفها السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو أمر بات محل شكوك عميقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل