Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شعراء أوكران يطلقون وابلا من القصائد ضد "العدو الروسي"

"الموتى ينهضون من قبورهم ليخوضوا المعركة بالنار"

الشاعر الأوكراني الكبير تاراس تشيفنتشينكو على جدارية في أحد شوارع كييف (أ ف ب)

ملخص

كتب #شعراء_أوكران جدد، قصائد كثيرة، عبروا فيها عن آلام شعبهم والمعاناة اليومية التي يكابدها تحت #القصف_الروسي، وعن واقعهم القاسي

غداة اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا، أدرك الروائيون والشعراء والفنانون، مثلهم مثل بقية أبناء وطنهم، أنهم معنيون كثيراً بهذا الغزو الذي أعاد إلى ذاكرتهم تاريخاً من المواجهات والحروب والعداء، جمع بينهم وبين روسيا ثم الاتحاد السوفياتي، الستاليني خصوصاً، ثم العهد الإمبراطوري البوتيني. روسيا هذه بجميع عهودها تسميها الشاعرة إيللا يفتوشنكو "جارتنا الملعونة، عدونا الوجودي". وكان لافتاً جداً انضمام جمع من الكتاب والشعراء والفنانين إلى صفوف الجيش والمقاومة الوطنية، بعضهم تلقى التدريب العسكري ليلتحق بجبهات القتال، وبعضهم انصرف إلى الخدمات اللوجيستية والطبية والاجتماعية. أما الآخرون الذين لا يجيدون الخدمة العسكرية، فجعلوا من أقلامهم سلاحاً، فكتبوا النصوص والقصائد والمقالات وراسلوا الصحافة العالمية، ناقلين صوراً حقيقية عن المأساة التي تعيشها أوكرانيا.

في خضم هذه المعركة الشاملة كتب الشعراء الجدد والشباب، قصائد كثيرة، عبروا فيها عن آلام شعبهم والمعاناة اليومية التي يكابدها تحت القصف الروسي، وعن واقعهم القاسي، على ضوء ماضيهم القومي الذي طالما تعرض للمآسي الآتية من الدولة الروسية. لم تخل القصائد من الغضب والسخرية والتحدي والحماسة ومن هجاء العدو المعتدي، لكنها حافظت على روح شعرية راقية، حقيقية، تفيض وجعاً ومرارة، وأملاً ورجاء.

مختارات شاملة بالفرنسية

ولئن كان معروفاً أن الشعر الأوكراني غير رائج عالمياً وأن ترجماته إلى اللغات العالمية قليلة ولا تمثل الحركة الشعرية الأوكرانية تمثيلاً شاملاً أو حقيقياً، فلعل المختارات الشعرية أو "الأنطولوجيا" الصادرة حديثاً عن دار برونو دوسي في باريس، باللغتين الأوكرانية والفرنسية، تقدم المشهد الشعري في أوكرانيا بمعظم مراحله وأجياله، مركزة بوضوح على الجيل الجديد الذي يسمى جيل "الميدان" (لعلها كلمة الميدان العربية نفسها)، وقد كتب بعض شعرائه قصائد من وحي الحرب والنضال والمقاومة، ولكن من غير أن يتخلوا عن أساليبهم الحديثة وما بعد الحديثة، ولا عن فنهم الشعري المفتوح على المدارس الراهنة عالمياً. جيل "الميدان" هذا نشأ في أوكرانيا الحرة، بلاد ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانحلال القبضة الشيوعية.

هذه الأنطولوجيا التي حملت عنوان "أوكرانيا: 24 شاعراً من أجل بلاد"، وحملت العلم الأوكراني غلافاً، تعاون على إنجازها الشاعرة الأوكرانية الفرنكوفونية إيللا يفتوشنكو والشاعر الفرنسي برونو دوسي، صاحب الدار، وكتبا لها مقدمة مشتركة، وعملا معاً على ترجمة القصائد وصقلها، وعرفا بالشعر والأجيال الشعرية. وكما يشيران، "ولد الكتاب هذا من الحرب مثل زهرة تمكنت من أن تخرج من بين الأنقاض لتعلن حقها بالنور والحياة". وتكتب الشاعرة إيلا في ما يشبه الاعتذار، قائلة "الشعر لا يستطيع وقف القذائف. وعلى رغم إرادتنا الشديدة، نعلم أن الكلمة لا تملك القدرة الفائقة، والشعراء يتساقطون تحت الرصاص والقذائف مثل الآخرين، لكن الشعر والثقافة والهوية، وكل ما نناضل نحن من أجله، وهو ما حاولت الإمبراطورية الروسية الاستعمارية دوماً أن تقضي عليه، هو الذي سيدوم، رغم كل شيء". وقد اعتمد مؤلفاً الأنطولوجيا ومترجماها تقديم الأجيال على خلاف الزمن الكرونولوجي، بدءاً من الجيل الجديد فالجيل السابق فالأسبق وصولاً إلى جيل التأسيس. هكذا تبدأ الأنطولوجيا مع جيل "الميدان" الجديد (11 اسماً) ثم تنتقل إلى جيل "عند أسفل الجدار" الذي يضم الشعراء الذين عاشوا في الحقبة الأخيرة من الحكم الشيوعي (سبعة أسماء)، ثم جيل "الشعراء المنشقون" (شاعران، قضى أحدهما، وهو فاسيل ستوس في أحد مخيمات الغولاغ)، جيل "شعراء النهضة التي أطلق عليها الرصاص" (شاعران قتلا في الغولاغ، ميخائيل سيمنكو ويفهن بلوجنيك)، ثم جيل الرواد ومنهم: الشاعرة ليسيا أوكريانكا في (1871-1913) وتاراس تشفنتشينكو (1814- 1913).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لعل الكلام عن جدوى الشعر في الحرب، يعيد إلى الذاكرة، السؤال الذي طرحه سابقاً الشاعر الألماني هلدرلن، وأعيد طرحه مراراً، خصوصاً في زمن الكوارث التي أنهكت البشرية، وهو: ما جدوى الشعراء في زمن المحنة؟ هذا السؤال الذي لا جواب نهائياً عليه، يطرح اليوم فعلاً، مثل سؤال الشاعرة الأوكرانية، في أوج المأساة التي يحياها الشعب الأوكراني، قتلاً وتهجيراً وخراباً. وهذه المأساة تجسد في ما تجسد، أزمة العالم الجديد، عالم ما بعد العولمة و"نهاية التاريخ" والحداثة الرهيبة وما بعدها.

ليس المطلوب من الشعر اليوم أن يصنع المعجزات، لا سيما في زمن الحروب والقتل والتهجير، ولا أحد يدري إن كان الشعر قادراً وحده على مواجهة كوارث العصر. وإزاء اندلاع حرب لا تعني فقط روسيا المعتدية، ولا أوكرانيا المعتدى عليها، بل تعني البشرية كلها، الناس كلهم، مواطني العالم الجديد، وحيال المآسي عديدة التي تنجم يومياً عن هذه الحرب التي تهدد الأرض، لا سيما إذا غرقت في البحيرة النووية، لا بد من قراءة الشعراء الأوكرانيين، الراحلين والأحياء، والشعر الأوكراني الذي كان خير شاهد على مآسي هذه الأمة، المتوالية منذ عصور، التي ما برحت مستمرة حتى اليوم. هنا مختارات:

 

إيللا يفتوشنكو

في اليوم الخامس للحرب

يد التاريخ تعيد ساعة الرمل

تكتب صفحة جديدة في الكتاب الموجز

وتقلب العالم رأساً على عقب

يد التاريخ تقشر البرتقالة الزرقاء

ولكن يا للغرابة

العصير أحمر

الأمثال البيبلية عن السنبلة

تكسب حياة

كذلك الذئاب التي بملابس الحملان

الثلج يهطل ويذوب من ثم

مثل جيش عدو على أرضنا

الروزنامة لا تريد أن تقلع حتى للمرة الخامسة

تتنحنح ثم تتنحنح

قائمة الهر أسقطت ساعة الرمل عن الطاولة.

 

أولينا إيراسيميوك

أغنية السجن

أفتح النوافذ وأسمع النار

أفتح عيني وأرى النار

أخرج إلى الساحة وأرى النار

مزاليج الأبواب الدوارة تذوب

حافلات القطار تحمل النار

ليست موسيقى ما ينبعث من المقاهي، بل نار

ألتقي أشخاصاً لكنني لا أبصر سوى النار

دخان الحرائق يهب من الجامعات والسجون

الرماد يملأ الفناءات والكاتدرائيات

المقابر خراب ومبنى البرلمان

في اليد قنينة من زجاج، رغوة، خرقة، بنزين ونار

رأسي واضح جداً كما الزجاج أو النار، قلبي مملوء ناراً

إنهم مئة ينهضون من قبورهم ليخوضوا المعركة- بالنار

فوج يقوم من المقابر كي يقاتل

لكن النار نسميها منذ الآن حرية.

انظروا وجه الحرية، وجهها الإلهي في الدخان

انضبطوا في الصف تماماً! انطلقوا- إلى الأمام!

لا تنسوا واحداً من آلاف الأسماء تلك- أطلقوا النار

انتقاماً!

 

بودان – أوليه أوروبتشوك

قصيدة

العالم يدور حول أيد موثوقة

كيف تتم تبرئة الثلج لبياضه

بينما هو يعير بياضه للقماشة التي تربط المعصمين

الزمن صلب، أخرس

مطهو مثل كعكة

أقطعه فيسيل الدم

الصمت غناء المعذبين حتى الموت

غناء يستحيل سماعه

العالم يدور مثل أسطوانة مزيحة

مع أثلام دائرية مفعمة بأجساد

وثقوب قذائف تتعثر عليها إبرة التنبيه

البقايا المكلسة، بقايا الشعر

تنتظر أن تدفن

الغراب

الأم المسودة

تنحني تحت الصرخة.

 

بافلو كروبتشوك

قصيدة

لا أستطيع أن أتكلم لا أريد أن أتكلم

لأن الكلمات لا تزال موجودة

على خلاف الناس الذين قتلهم الروس، الدنيئون

كيف نقايض الناس بالكلمات

كي يحييوا من جديد

كأن نكف عن استخدام بضع كلمات

إني لمستعد أن أستبدل أشخاصاً بكلمات جميلة

مثلاً

جوهرة

وخز الإبر

زهر العسل

أسطرلاب

لمسة

لماذا إذاً الكلمات؟

إذا لم يكن ثمة من يلفظها

سأتكلم بجذل إلى القائمين من الموت هكذا:

.........

يوري زادافسكي

أولاد

لا يسألون أين هم،

لا يسألون لماذا هذه الحرب

كل واحد

يفعل ما عليه

أجهل ربما ما هو قطار مزدحم

أجهل كيف أكسر زجاج النافذة بحذائي

لئلا نختنق،

أجهل ما التعارك مع أشخاص بلا دفاع،

فأنا ليس لدي للتعارك سوى عجزي

ماذا أعرف؟

أعطني أيضاً بملء اليدين

بملء اليدين!

بملء اليدين أعطني أيضاً

فتاة صغيرة سعيدة تأمرني

بأن أسكب في يديها حفنات من ذرة،

فالحمامات تلتهم كل الذرة

بسرعة البرق

أجنحتها تدوي، تخفق،

تبهر مثل ورق ألومنيوم في الشمس

ريشاتها المنزوعة تلمع

وتسقط على البلاط

يطلقون النار في الهواء

ليهدئوا الناس المتجمعين

على المرفأ

يحمل ولد، بعينين دامعتين،

 حقيبة الظهر مع التنين الصغير

يقولون له أدخل في الرتل

يدخل في الرتل

يقولون له: اصعد إلى القطار

يقفز على الدرجات

مثل حمامة

في الماء المتسخ

تسقط ورقة

تبتل تماماً

أين الوثيقة؟

وثيقة الولادة؟

 

تاراس ملنيتشوك

قصيدة

يطلب المرء ماء ليشرب

يعطونه رشاشاً

ويرسلونه

كي يقتل.

يطلب المرء

زهرة شجرة رمان

يهيئون له

مفاعلاً نووياً.

يريد المرء

أن يبني

عشاً صغيراً ذهبياً للسنونوة

يجرونه على الأرض

بقميصه الممزق،

عليك أن تلعب الشطرنج

مع رجل شيخ

ولكن ليس على رقعة الشطرنج

بل على أسنانك المكسورة

وراء القضبان المتينة.

يريد المرء أن يحيي

بقبعته الخضراء

الفتيات اليافعات

الأصدقاء في الحقل

وكي يقبلهم يعطونه

نار رشاش.

ما هم

هنا أو هناك

أو في ثلج الأورال

امرؤ يطلب

امرؤ أبله

لا شيء لديه ليطلبه

هذا هو اللعب.

*

لم يبق من قلب - شاحن

في الصدر،

عش تبيض فيه ضوار.

 قلب من حديد،

قلب ميت،

شمس مستة،

جبين مضفور بالشوك.

لا تقل: "مصير شنيع"

هذا الذي التقطك عن الأرض ثم ضربك

لن يكون في قلبه رحمة.

يتكلم جيداً جداً

لغتنا نحن هنا،

لغة أهل مدينة تشيرنوبل.

الأفق المنسرح

إلى هذا الحد،

لنتشبع من الدم.

 بافلو موفتشان

 دم من فضة

يغرق الكلام في الصمت، والصدى الفضي يتلاشى

عند كل خطوة تنتهي ولا تعود قادراً على الحسبان

قرائنك الملتصقة بظهرك

تلاحقك راكضة، راكضة...

تلتفت إلى الوراء، وإذا القرين الأقرب يسقط في الثلج،

بينما القرين التالي يركع على البياض...

اهرع سريعاً، ابعد، وإلا فالقرائن يقضون جميعاً من غير أثر

لكنك لا تعلم كيف ترفع قدميك من الزفت الأبيض.

ترومبيت رئيس الملائكة ترفع صوتها الفضي،

صداها يدفعك إلى الركض، يدفعك أقوى وأقوى،

وفي الجو تبرق مغنيات بأصواتهن الفضية الرقيقة، يغنين

في حين يغدو لك بياض الثلج مغرياً...

ثم تتوقف، قطعة بيضاء تنطلق من تزلجك، تلتفت: المغنيات يقطعن تواؤمك،

وها أنت ذا محاطاً بالمعدن، تتكوم على نفسك، وحيداً،

تصغي إلى الجليد يرن آلاف الرنات...

المعدن يجمدك، الفضة تنسل إلى حدقتيك،

وشفتان من مرمر تنطبقان بصمت...

لقد نزلت عن قاعدة تمثالك، القريب بضع خطوات من منزلك

وتسمع المغنيات يصفرن بالقرب من عقبيك.

هو ذا أنت تبصرك عيون الموتى الذين سقطوا في المعركة،

كانت تتبعك بوداعة، صف طويل من الموتى.

الآن تبقى وحيداً، وقد سلت في المعدن،

بغية شهقة أخيرة، هي الجرعة الأخيرة من الفضة.

 

رايسا ليشا

قصيدة

لم تبق أم

أرض باردة فقط

تنبسط أمامي

تنظر إلى كما المساء

تعزيني

ما وراء الضفاف

السهب في البعيد

كمثل جناح.

على الذراع الساكنة للموت

يعبر واثقاً، انعكاس ضوء الشمس.

الأم ألقت أزهارها

هذا الصباح فوق هذه الضفة الخضراء

استيقظت الطريق والزورق

شمس الوداع بين يدي

تملأ العالم

الغربان المثابرة

بمعاطفها المسودة

تحمل الشساعة

المتكاثفة أكثر فأكثر على أكتافها

دمعة بيضاء

من يعلم كيف تظهر الروح

طائر قرقف الزرقة

من يطرق على نافذتك هي أم

تشق الكائن

في الشتاء

الضوء الذي ينبثق

كلام صفصافة ترتجف.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة