Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يذهب نتنياهو إلى "الخيار الصفري" في الأراضي الفلسطينية؟

لا تزال الحكومة الإسرائيلية تسعى للحفاظ على السلام مع الأردن ومصر كما تريد الاستثمار في "اتفاقات أبرهام"

تتبنى الحكومة الإسرائيلية منهاجاً واضحاً مفاده مخاطبة الرأي العام بأنها لن تقدم على إجراءات قد تضر المستوطنين (أ ف ب)

ملخص

ينتظر الجانب الإسرائيلي ثمار تحرك الأطراف المعنية فإذا تقبل #الفلسطينيون الأمر الواقع فقد يطرح #التهدئة

على رغم الضغوط الدولية والإقليمية على الحكومة الإسرائيلية من أجل التهدئة وعدم التصعيد، وإعطاء مساحة من الحركة للجهود الآنية لتثبيت الوضع الراهن، فإن ممارسات الحكومة الإسرائيلية على الأرض تمضي في أجواء أخرى من مغازلة الداخل على حساب ما يجري فلسطينياً وعربياً، مما قد يفجر المشهد الراهن في أية لحظة مع قرب رمضان، وفي القدس بخاصة مع استئناف الفصائل الفلسطينية إطلاق صواريخ صوب المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، إذ أعلن الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية مسؤوليته عن قصف مستوطنات غلاف غزة بعدد من الصواريخ، وشنت إسرائيل غارات عدة على مواقع مختلفة في قطاع غزة، واستهدفت الطائرات موقعاً للمقاومة بـ 10 صواريخ غرب مدينة غزة، كما استهدفت المدفعية الإسرائيلية نقطة رصد شرق بيت حانون ونقطة لحماة الثغور شرق مدينة خان يونس.

تحركات مدروسة

تتبنى الحكومة الإسرائيلية منهاجاً واضحاً داخلياً مفاده مخاطبة الرأي العام بأن الحكومة الإسرائيلية لن تقدم على أية إجراءات قد تضر وضع المستوطنين أو تقدم أية تنازلات حقيقية في الضفة الغربية كما تريد الولايات المتحدة والدول العربية، بخاصة أن المطالب الإسرائيلية التي يرددها رئيس الوزراء نتنياهو معلومة، وهي التركيز على ملف التنسيق الأمني أولاً، وهو الملف الرئيس الذي تعمل عليه الحكومة الراهنة وتريد أن يتحقق على وجه السرعة مع السلطة الفلسطينية على رغم التسليم الأمني داخل الـ "شاباك" بأن وضع السلطة التي تعاني أزمة هيكلية مترد.

 ومع ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية تضغط في هذا الاتجاه، وقد نقلت دول الجوار والولايات المتحدة عبر مدير الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز هذه الرسالة إلى السلطة الفلسطينية، ولم يبد الرئيس محمود عباس أية تحفظات شرط استئناف الاتصالات وإعادة التهدئة وعدم الاستمرار في تنفيذ إستراتيجية الاغتيالات والتصفيات لبعض العناصر الأمنية في الضفة، ورفع حال الحصار عن نابلس وجنين وعدم تكرار الاقتحامات بصورة دورية، كخطوات أولى لإجراءات بناء ثقة يمكن العمل عليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إقليمياً لا تزال الحكومة الإسرائيلية ساعية إلى الحفاظ على علاقات السلام مع الأردن ومصر وتريد الاستثمار في اتفاقات السلام الإقليمي، على اعتبار أن هذا الأمر يعد إنجازاً حقيقياً لحكومة نتنياهو التي تريد تجديد التحرك الإسرائيلي في الإقليم، وهو ما يفسر الحركة الإسرائيلية الراهنة تجاه السودان عبر وزير الخارجية إيلي كوهين الذي زار الخرطوم والتقى رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، والرسالة هي أن الحكومة الإسرائيلية تريد فرض إستراتيجية الأمر الواقع إقليمياً مع عدم تقديم أية تنازلات حقيقية للجانب الفلسطيني، وإعادة العمل وفق المعادلة التي وضعها الجانب الإسرائيلي خلال حكومات نتنياهو السابقة وهي الأمن مقابل الأمن.

ترقب حذر

وسيستمر الجانب الإسرائيلي في انتظار جني ثمار تحرك الأطراف المعنية والعمل عليها، فإذا استقر الأمر وتقبل الجانب الفلسطيني سياسة الأمر الواقع فإنه قد يطرح مجدداً سياسات التهدئة التي تقوم على تقديم قائمة تحفيزية جديدة وفقاً لإستراتيجية الحفاظ على وضع السلطة، وإعادة التركيز على دورها الأمني وعدم تركها في حال من الفوضى وعدم الاستقرار.

والواقع أن ما قاله مدير الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز من احتمالات حدوث انتفاضة ثالثة يرتكز إلى معلومات حقيقية خاصة، فالرجل قام بجولة في المنطقة والتقى مسؤولين في مصر ورام الله وتل أبيب وتيقن مما يجري، وهو ما قد يؤدي إلى تداعيات مكلفة على الداخل الإسرائيلي في ظل ما يجري داخلياً من استمرار التظاهرات واتساع رقعتها في الخارج عبر الجاليات اليهودية، مما يشير إلى أن هناك من يحرك الأوضاع في اتجاه آخر، وعلى رغم ما يجري فإن الحكومة الإسرائيلية ترتكز على ثوابت عدة، وأول هذه الثوابت هو استمرار الائتلاف الراهن وعدم تصدعه، فاليمين الإسرائيلي بأكمله خلف نتنياهو والخلافات في الرؤى والتصورات قليلة في ظل برنامج الحكومة الشامل وعلى اعتبار أنها جاءت لتستمر، ولهذا فإن الائتلاف قوي وسينفذ سياسته المعلنة ولن يتراجع عنها .

أما ثانيها فهو أن حال التظاهرات الراهنة مرتبطة بخلافات داخلية وفي إطار الحراك العام الذي لا يستهدف إسقاط النظام، إنما الارتباط بسياسات حقيقية في ظل ما يعانيه النظام السياسي الإسرائيلي من أزمة حقيقية تتطلب إعادة ترتيب الأولويات والمهمات، وإجراء إصلاح سياسي قد يدفع بإعادة صياغة القوانين الأساس التي تحكم الدولة قبل أن تستكمل 100 عام من عمرها، وهو هدف رئيس وجوهري.

أما ثالث الثوابت فيكمن في عدم قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي على الخروج من دائرة اليمين و"الليكود" التي يمثلها وهو شخصياً في بؤرة ارتكازها السياسي والحزبي، ومن ثم فإن الرجل لا يراهن فقط على تنفيذ برنامج حكومي بقدر ما ينفذ إستراتيجية للتعامل والمواجهة مع الجانب الفلسطيني في ظل ما يجري من حال عدم الاستقرار في الضفة الغربية، والتي ستستمر في ظل ما تقوم به إسرائيل من إجراءات غير مسبوقة وتصعيد الأمر مع الخروج تدريجاً عن سياسة الاشتباك التي كانت متبعة سابقاً.

خيارات محدودة

وفي ظل ما يجري فإن السؤال هل تذهب الحكومة الإسرائيلية للخيار الصفري، وهو العمل على ضم الأغوار وحسم الأمر بصورة نهائية، بخاصة أن التخوف من الساعة التالية لرحيل الرئيس محمود عباس قد تكون واردة ومن ثم فإن إسرائيل رتبت أمرها تماماً، فالحدود الإسرائيلية مع فلسطين تقع وراء الجدار العازل، ومن ثم فإن أي تجمع فلسطيني سيكون في هذا النطاق الإستراتيجي سواء في الوقت الراهن أو بعد سنوات، لذا فإن التحرك الإسرائيلي يعمل في هذا الاتجاه لفرض السيطرة الأمنية والإستراتيجية على الضفة الغربية تحسباً لما قد يجري.

وهناك سيناريوهات عدة وفق إستراتيجية محددة رسمها قادة أجهزة المعلومات التي تعمل في اتجاه الخيار الأمني، تاركة أي مخطط سياسي للحكومة، وهو ما قد يطرح بالفعل مواقف مختلفة حول مسارات التحرك والعمل وفق التقييم السياسي والأمني على الأرض، وهناك مسارات عدة مهمة، أولها التركيز على قيادات النخبة العاملة في الضفة الغربية التي تمثلها "وحدة دوفوفان"، وهي رأس الحربة للحضور العسكري الكبير للجيش في الضفة الغربية وتتميز عن سائر الوحدات الأخرى العاملة في النطاق التقليدي بأنه يمكنها التحرك وتنفيذ المهمات الكبرى لهذا يتم دائماً التعويل على دورها في تنفيذ عمليات خاصة، والملاحظ أنه تمت إعادة تخصيص بعض الكتائب والوحدات الإستراتيجية وجرى نشر كتيبتين خلال الفترة الأخيرة بناء على توصيات رئاسة الأركان، في إشارة إلى احتمالات الذهاب نحو عمل شامل في حال تدهور الأوضاع الأمنية في المدن الفلسطينية والذهاب بالفعل إلى حال من الفوضى، وقد برز ذلك في سلسلة التحذيرات التي أطلقها رئيس الأركان هيرتسي هاليفي أخيراً.

وثانيها أن وزير الدفاع يواف جالانت ورئيس الـ "شاباك" رونين بار ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي يرون أن السيطرة الأمنية على كامل الضفة والإعلان عن ضمها سيؤدي إلى تبعات عدة وأخطار داهمة على رغم إيمان رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن هناك 200 نزاع على أراض في العالم وليس في الشرق الأوسط فقط، وقد نقل عن نتنياهو قوله إنه طرح على المسؤولين في العالم سؤالاً مفاده "هل تعلمون كم ضفة غربية توجد في العالم وفي ظروف أصعب وأقسى؟"

الرسالة واضحة، ومن ثم فإن الرهانات التي ستعمل عليها الحكومة الإسرائيلية هي التلويح بما يمكن أن يجري خلال الفترة المقبلة، بخاصة مع احتمالات التصعيد من جبهة غزة تأكيداً للحضور الإستراتيجي للفصائل، وبخاصة الجهاد الفلسطيني التي تريد ضمانات محددة وليس مجرد تعهدات كما جرى خلال الفترة الماضية في ظل ما تشهده الحركة من تطورات داخلية، كما أن "حماس" لن تستمر كثيراً في الرهانات الحالية، وهي المسؤولة عن إدارة الأمن وضبطه في قطاع غزة، ومن مصلحتها أن تطور سياستها الراهنة وتبني إستراتيجية أكثر واقعية من دون انتظار لما تطرحه إسرائيل.

أما ثالث المسارات فهو أن الحكومة الإسرائيلية ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو سيظل يعمل في اتجاه أنه لن يتنازل عن السيطرة الأمنية على الضفة الغربية حال التوصل إلى أي اتفاق مستقبلي مع السلطة بوضعها الراهن أو المستقبلي، ومن ثم فإن ما يجري سيرتبط بمخطط التعامل، بخاصة أن كل التقييمات الأمنية والاستخباراتية الجديدة تركز على ضرورة الانتظار وعدم إبرام اتفاق حالياً ما لم تكن له ضمانات من دول الجوار وعلى رأسها مصر والأردن، وكذلك من الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الأمر سيرتبط بما ستمضي فيه الخيارات السياسية والأمنية خلال الفترة المقبلة، ومدى قدرة الأجهزة الأمنية على التعامل معها في ظل استمرار تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي من المضي قدماً في أي خيار تصعيدي قد يكون مكلفاً.

والمعنى أن أي اتفاق محتمل مع السلطة الفلسطينية سيرتبط باستمرار الوضع الأمني في الضفة ومناطق التماس وهو ما يرفضه الجانب الفلسطيني، إذ سبق أن طرح منذ سنوات بل وطرحه نتنياهو سلفاً في جامعة بار إيلان بالقبول بكيان فلسطيني منزوع السلاح وليس له جيش بل وحدات شرطة لضبط الأمن، وهو ما يشبه "اتفاق أوسلو" في بعض بنوده التي تنصلت منها إسرائيل بعد ذلك.

الخلاصات الأخيرة

لا تريد الأجهزة الأمنية سياسات حزبية من نوعية التهديد بضم الأغوار والأراضي الفلسطينية أو حتى التلويح بها في ظل الواقع الراهن مع صعوبة هذا الأمر في ظل الكلفة العالية لهذا الإجراء اقتصادياً ومالياً، ومع وجود تحفظات حقيقية على الهدف الرئيس من وراء الإقدام على هذه الخطوة التي ستزيد من توجيه مخصصات مالية كبيرة للجيش للعمل على الأرض في الضفة، واحتمالات تزايد الكتائب المستدعاة للانتشار، وهو أمر يثقل كاهل الجمهور الإسرائيلي، وكذا في ظل استمرار التظاهرات التي قد تتحول إلى طرح التأثيرات الاقتصادية المكلفة في حال ضم الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى استمرار بث رسائل القادة العسكريين التي كان آخرها لقائد المنطقة الوسطي يهودا فوكس، وفيها أكد أن دور السلطة رئيس ومركزي، وأن إسرائيل تقدر ذلك لكنها لا تعتمد عليها فقط بل على قدراتها الضاربة.

ومجمل القول إن الحكومة الإسرائيلية في انتظار ما سيجري من جهود الوسطاء ولن تمانع من اتخاذ إجراءات ولو أولية للتهدئة إذا جرت تهدئة في المقابل، لكن هذا السيناريو قد يكون مستبعداً، ويبدو أن الاستعدادات الإسرائيلية غير المسبوقة عسكرياً مع تبني تدابير أمنية عاجلة تعني أن الحكومة الإسرائيلية ليس في تقييماتها الأمنية التهدئة، بل عودة التنسيق الأمني أولاً وبصورة كاملة قبل طرح أية مقاربة، وسيبقى الإجراء الصفري وارداً في حال إعادة التقييمات الإستراتيجية والإعلان عن خطوات تمهيدية لبدء ضم الأراضي الفلسطينية وفرض السيطرة الأمنية وتجميد العمل بـ "اتفاق أوسلو" بصورة كاملة.

المزيد من تحلیل