Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سيتعثر التعاون الإقليمي في ظل الحكومة الإسرائيلية الراهنة؟

تبذل واشنطن جهوداً لتوظيف أوراق المرحلة الانتقالية من عمر النظام الدولي لإعادة ملء الفراغ السياسي بالمنطقة

اجتماع مجموعات العمل الأول لمنتدى النقب في العاصمة الإماراتية أبوظبي    (أ ف ب)

مع استمرار دعم الولايات المتحدة لفعاليات منتدى النقب الذي عقد أعماله في 10 يناير (كانون الثاني) الحالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه ما الهدف الأميركي من التحرك في ملف التعاون الإقليمي في الوقت الراهن، وفي ظل الحكومة الإسرائيلية الراهنة، وهل سيكون التحرك الأميركي موجهاً ومحدداً للبوصلة السياسية والاقتصادية التي تعمل في هذا الاتجاه، أم أنها مجرد تحركات في هذا الإطار لتأكيد استمرار التعاون المنشود من دون نتائج تذكر، بخاصة مع عدم انضمام دول أخرى في أعمال المنتدى، الذي يضم البحرين ومصر وإسرائيل والإمارات والمغرب إضافة إلى الولايات المتحدة، التي من الواضح أنها تتوجه برسائل مباشرة لوزراء الحكومة الإسرائيلية، الذين سبق أن تحفظت على أسماء بعضهم.

ملاحظات أولية

يلاحظ أن الخارجية الأميركية ووزيرها وضعوا أولوية مهمة في فعاليات اجتماعات النقب الأخيرة، وهو ملف فلسطين ومحاولة لعب دور حقيقي في طرح الرؤى والمقاربات المهمة لتطوير وتنمية الاقتصاد الفلسطيني، وتحسين نوعية حياة الشعب الفلسطيني، وهو ما قد يطرح إشكالات في التعامل الراهن والمنتظر في ظل وصول حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل والمخاوف من التعامل الصفري في الإقليم مما قد يؤدي لنتائج وخيمة، بالتالي فإن الولايات المتحدة لا تزال تمضي في سياق التعامل الاقتصادي وليس السياسي، وبهدف التعامل مع واقع ما يجري فلسطينياً وإسرائيلياً. وسبق أن طرح الملف الاقتصادي بالتفاصيل في فعاليات المنامة من قبل والعمل على إعادة هيكلة الاقتصاد الإسرائيلي في الضفة.

كذلك العمل على تحسين ظروف ما يجري بقطاع غزة في حال استمرار أجواء التهدئة، وعدم كسر حال الهدنة الراهنة، لكن الإشكالية المطروحة سواء عبر آلية النقب ترجمة الأقوال إلى أفعال ترتبط بسرعة تقديم المساعدات الأميركية للسلطة وعدم التذرع بأمور باتت السلطة الفلسطينية لا تريد الخوض في تفاصيلها، وفي ظل معاناة السلطة الفلسطينية من إجراءات الحكومة الإسرائيلية والعبث بثوابت ما جرى في اتفاق باريس، الذي أراد الجانب الفلسطيني أكثر من مرة تغيير بنوده، ورفضت الأولى تباعاً عروض الأخيرة، وظلت تعمل ببعض البنود، وليس كلها، كما رفضت تدخلاً فرنسياً أو أميركياً للتفاوض حول هذا الأمر.

بالتالي فإن ما جرى أخيراً في منتدى النقب سيكون مركزاً في نقطة محددة، وهو العمل على الجانب الفلسطيني ممثلاً في سلطته الحاكمة على الأرض، وعدم المراوغة في تفاصيل غير مفيدة، لكن الرسالة الأهم في هذا السياق حرص الإدارة الأميركية على الوجود في تفاصيل ما يجري مع عدم إعطاء فرصة لدخول أطراف أخرى ولو بصفة مراقب، وهو ما يعني في مجمله أن الولايات المتحدة ماضية في نهج مسار وتكريس التعاون الإقليمي في ظل الفشل في التعامل في الملف السياسي، وإن كانت تصريحات الخارجية الأميركية مضت في إطار الوعد بالعمل على استئناف الاتصالات الفلسطينية - الإسرائيلية على رغم ما يحيط بالجانب الفلسطيني من أجواء متعلقة بالحكومة الإسرائيلية نفسها، وفي ظل مخاوف أميركية إسرائيلية مطروحة بوقف حقيقي، وليس شكلياً للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وهو ما سيمثل إشكالية كبرى للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وعدم قدرتها على العمل من جانب واحد.

مسارات التحرك

الانتقال من التركيز على الجانب الفلسطيني إلى العمل في الشرق الأوسط وهو ما طرحته الإدارة الأميركية في إطار ازدهار الشرق الأوسط وتعزيز المصالح والاستقرار الإقليمي، في الإقليم بأكمله مع ربط هذا الهدف بخلق حال من الزخم الحقيقي في تطوير وتعزيز العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية للسير نحو حل تفاوضي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وتحقيق السلام العادل والدائم والشامل، وستواصل الولايات المتحدة العمل مع شركائها لتنمية هذه الرؤية التي بدأت وتجذرت في فترة رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو.

الواضح أن الرسائل الأميركية مهمة في هذا الإطار في ظل مخاوف دخول أطراف آخرين، وعلى رأسها الصين وروسيا لبناء شراكات سياسية حقيقية، ولملء الفراغ الذي عمل عليه الأطراف الآخرون، ومن ثم فإن الهدف الأميركي ليس فقط مرتبطاً بالجانب الفلسطيني بل بالإقليم، وفي ظل ضغوط تمارسها الخارجية الأميركية تحديداً، ومن ورائها بعض مستشاري وزارة الدفاع الأميركية، التي ترى أن أية مقاربات سياسية أو اقتصادية مهمة لاعتبارات عدة، أهمها أن الشركاء بالمفهوم الأميركي وفق استراتيجية الأمن القومي التي أطلقتها الإدارة الأميركية في أغسطس (آب) من العام الماضي تدعو إلى ذلك، وتتخوف من تحركات روسية - صينية، وتحديداً من الصين كخصم حقيقي يمكن أن تواجهه الولايات المتحدة. والرسالة أن الإدارة الأميركية تريد توظيف كل الأوراق الراهنة في مرحلة انتقالية من عمر النظام الدولي، وحال عدم استقراره في تحقيق أهدافها الرئيسة في هذا الإطار.

في هذا الإطار فإن الولايات المتحدة تعمل على متابعة ما يجري بين دول النقب، خصوصاً أن الموضوعات التي جرى طرحها مهمة، ولم تقتصر على أنماط تقليدية بل غير تقليدية فوفقاً للطرح الأميركي، فإن ما دار في النقب ارتبط أيضاً بالمخطط الذي تعمل الولايات المتحدة والشركاء في فعاليات المنتدى على طرحه والمرتبط بالفعل ببناء القدرات المتعلقة بمشاركة المعلومات والبيانات في محاولة لتعزيز وتنمية الجهد الجماعي الجاري بين الجيوش المشاركة بالمنتدى في ظل رغبة وتوجه أميركي لدفع دول المنتدى لتطوير جيوشها، مع وضع أولوية مهمة لمجال التعاون الأمني وتبادل المعلومات، وهو ما يؤكد أن عين الولايات المتحدة على مسار محدد، وهو التركيز على القدرات الخشنة لدول المنتدى بخاصة مع تتالي التصريحات الأميركية الرسمية أن اجتماعات النقب الأخيرة هي الأكبر والأهم منذ مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، والمعنى أن هناك تواصلاً أميركياً مهماً ومتابعاً.

الهدف إذاً ليس فقط اقتصادياً فقط، بل يمتد إلى بناء شراكات أمنية واستراتيجية في ظل ما يجري، بخاصة أن هذه الدول شريكة للولايات المتحدة، التي تعمل على توسيع نطاق النقب وضم دول أخرى، على رأسها الأردن والسلطة الفلسطينية، ودول أخرى خليجية، وعلى رأسها قطر، التي لم توقع اتفاقاً رسمياً للسلام مع إسرائيل مكتفية بما يجري من اتصالات ولقاءات منذ حقبة التسعينيات كما غابت السودان، وهي دولة وقعت اتفاقاً للسلام مع إسرائيل، مما سيدفع الولايات المتحدة للتحرك في مسارات محددة لضم دول عربية في فعاليات المنتدى في اجتماعاته المقبلة.

أولويات جوهرية

تظل عين الإدارة الأميركية الراهنة على ملفات لها أولوية في مجال التعاون الإقليمي بخاصة ملفات الأمن الغذائي وإمدادات الطاقة والأمن السيبراني، وغيرها مما يشير إلى أن الإدارة الأميركية لها حساباتها السياسية والاستراتيجية، إلى جانب حساباتها وتقييماتها الأمنية، وهو ما تدركه الدول الأعضاء في المنتدى.

حضور الخطر الإيراني ضمن أجندة منتدى النقب يشير إلى أن المنتدى يضع رسائله السياسية إلى جوار نظيرتها الأمنية، بخاصة أن الولايات المتحدة بعثت برسالة إلى إيران لتؤكد مزيداً من التعاون الأمني المواجه للسياسات الإيرانية ومخاطرها على أمن الإقليم، وفي ظل الفشل الجاري في توقيع اتفاق ملزم تقبل به الولايات المتحدة وإيران فإن إيران ستظل تمثل خطراً داهماً لأمن الإقليم، لكن دول منتدى النقب وغيرها في الإقليم تدرك فعلياً، على رغم ما يطرح أميركياً، أن هذه الإدارة حاولت استجداء الاتفاق مع إيران، وأنها لم تشرك دول الإقليم في المفاوضات مع إيران، ولم تستمع جيداً لما طرحته الدول العربية كما أنها نسقت مع الجانب الإسرائيلي ولم تراع المتطلبات العربية في هذا الإطار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 والمعنى أن الولايات المتحدة عليها مسؤولية مهمة في توفير استراتيجية جادة في التعامل مع إيران يقبل بها الجانب العربي باعتبارات الشراكة والمصالح الواحدة، ومثلما قدمت لإسرائيل ضمانات واستمرت في التنسيق عليها أن تفعل ذلك مع الشركاء، وقد وعد وزير الخارجية الأمريكي بلينكن بذلك، والتنسيق مع الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه بخاصة.

من الواضح أن الست مجموعات عمل والخاصة بالأمن الغذائي والتكنولوجيا المائية والرعاية الصحية والتعليم والتعايش السلمي والطاقة النظيفة والأمن الإقليمي والسياحة هي بؤرة أي مجال للتعاون في الإقليم، وترى الولايات المتحدة أن بناء أية شراكات ستعمل في اتجاه تغيير واقع الإقليم بكل ما فيه، ومن ثم فإن ما دار في مفاوضات متعددة الأطراف خلال التسعينيات اختلف تماماً عما هو موجود، بخاصة القضايا التي اتسعت وضمت مقاربات وملفات عاجلة ومهمة تحتاج بالفعل إلى تغيير حقيقي، ومهم في ظل مشاركة الدول العربية التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، فعلى سبيل المثال فإن التعايش السلمي يستهدف العمل معاً نحو إقرار استراتيجية سلام إقليمي يبدأ بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

سيشمل الأمن الإقليمي أمن الجميع، وقد تحركت الولايات المتحدة في هذا الإطار، وأدخلت الدول العربية وإسرائيل في القيادة المركزية الأميركية العاملة في الشرق الأوسط، كما عملت على دعم وتنمية دور القوة 153 أخيراً، ومن خلال دورها المنشود في حماية الممرات المائية العربية في مواجهة أي تهديدات حقيقية محتملة، والرسالة الأميركية موجهة إلى الجانب الإيراني على وجه الخصوص.

ولهذا كله تراهن الإدارة الأميركية في إطار مخططها على تطويق إيران ومحاصرتها في ظل تخوفات من تحركات إيرانية في هذا الإطار، وهو ما برز من ردود فعل أميركية على مشاركة إيران أخيراً في قمة بغداد 2، ومحاولة لعب دور مناور في الإقليم، والرسائل التي جرى توجيهها إلى بعض دول منتدى النقب بعد انتهاء فعالياته، وعلى رأسها مصر تحديداً بالعمل على استئناف علاقاتها الدبلوماسية.

اتجاهات مباشرة

تعمل إذاً الإدارة الأميركية في اتجاهات عدة لمحاولة دفع التعاون الإقليمي بصرف النظر عن موضوعات لجانه وبصرف النظر عن الإجراءات التي أقدمت عليها الحكومة الإسرائيلية الحالية من تصعيد وافتعال أزمات، بخاصة أن الهدف المركزي مما يجري رسم خريطة طريق حقيقية لبناء شراكات مهمة، وتعظيم فرص السلام بخاصة أن الأجواء في النظام الدولي تتطلب ذلك، كما تعمل الإدارة الأميركية والشركاء في المنتدى على بلورة رؤية جماعية مهمة في هذا السياق، ومن المؤكد أن الاجتماع المقبل الذي سيجري في المغرب في منتصف العام الحالي قد يصل إلى آليات ملزمة وتقديم قائمة بأهم المشاريع التي يمكن الانطلاق منها إلى مرحلة التنفيذ الحقيقي والجاد لتأكيد أن المنتدى ينتقل من إطاره النظري للعملي في ظل خطوات تتابعها الولايات المتحدة جيداً، وتعمل على الوصول إلى مقاربة أكثر فعالية وجدية.

الخلاصات الأخيرة

إن نجاح الولايات المتحدة في تحريك أجواء التعاون الإقليمي، على رغم كل ما يجري، باعتباره أمراً مهماً سيتطلب التحرك نحو تقديم حزمة من المساعدات الأميركية العاجلة للسلطة الفلسطينية، ودعم مشاريع للتعاون الأوروبي الأميركي عبر المؤسسات المانحة في قطاع غزة مع وضع قائمة بمشاريع قابلة للتنفيذ بين دول المنتدى مع الضغط على الجانب الإسرائيلي بعد الاتجاه لخيارات من جانب واحد سيكون لها تأثيرها في مسار ما يجري من رؤية أميركية لشرق أوسط مستقر مع تعزيز مجالات التعاون، ومواجهة المخاطر والتحديات المشتركة، وهو ما سيتطلب عدم الدخول في مشاحنات.

 لكن سيبقي السؤال المطروح هل تنجح الإدارة الأميركية الحالية في مواجهة السلوك الإسرائيلي، الذي لا ينظر إلا من مقاربة اقتصادية بحتة مع استمراره في مخططه الأمني والسياسي المرفوض فلسطينياً وعربياً ودفع الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية للتحرك العاجل بعقد قمة ثلاثية للتشاور.

 وفي ظل تجمد المشهد المتوتر بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي فإن السؤال هل ستنجح الولايات المتحدة في التحرك قدماً في تفاصيل ملف الاتصالات السياسية إلى جنب المسار الاقتصادي، ولو على مستوى المسار الثاني غير الرسمي وكدافعة لاتصالات رسمية لاحقاً؟

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل