Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثقافة الادخار في المغرب "محصورة" بالعقارات والمجوهرات

النسبة لم تتغير كثيراً رغم تداعيات جائحة كورونا والحرب الأوكرانية ومعضلة أسعار المحروقات

يعتبر الذهب ملاذاً آمناً للأسر المغربية من أجل ادخار أموالها (مواقع التواصل)

أين يدخر المغاربة أموالهم وفي أي قطاعات ومجالات؟ وهل ادخارهم مبني على أسس منطقية وعلمية أم أنهم يجنحون أكثر نحو "الاكتناز"؟ وما هي أسباب ضعف نسبة ادخار الأسر المغربية؟

أسئلة كثيرة تبوأت واجهة النقاش الاقتصادي والاجتماعي في المغرب بعد الأرقام الرسمية التي كشفت عنها أخيراً وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي في شأن الادخار بالبلاد، إذ إن الأسر تفضل "وسائل تقليدية" لادخار أموالها مثل الادخار النقدي، أو شراء العقارات والأراضي والذهب والحلي.

تعاطي الحكومة مع الادخار

تورد المعطيات الرسمية أن نسبة الادخار في المغرب لم تتغير كثيراً على رغم تداعيات جائحة كورونا والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا ومعضلة أسعار المحروقات وتبعاتها الاقتصادية محلياً.

وتعول الحكومة المغربية على تدابير اتخذتها عام 2022 مثل دعم القدرة الشرائية للمواطنين ودعم تشغيل الشباب، وأيضاً الإجراءات الواردة في الموازنة المالية لسنة 2023 من قبيل رفع الحد الأدنى للأجور بهدف تحسين القدرة على الادخار.

وبلغة الأرقام، فإن متوسط نسبة الادخار من الناتج الداخلي الخام في المغرب خلال الفصلين الأولين من عام 2022 بلغ 28.6 في المئة مقابل 29.1 في المئة خلال الفترة نفسها من عام 2021 وسجل 28.2 في المئة عام 2019، مما يعني استقراراً نسبياً في متوسط نسبة الادخار، كما جاء في تأكيدات العلوي.

أما معدل ادخار الأسر المغربية تبعاً لأرقام حديثة من المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية تعنى بالإحصاء والتخطيط)، فإنه شكل زهاء 13 في المئة من دخلها بين عامي 2015 و2019 لتصل النسبة إلى 15.6 في المئة عام 2020 بسبب فترة الحجر الصحي التي ألزمت الأسر البيوت والمنازل، الأمر الذي أفضى إلى تقليل الإنفاق والاستهلاك وتشكيل مدخرات مالية احتياطية.

من جانب آخر أفادت مندوبية التخطيط بأن مداخيل 53.3 في المئة من الأسر المغربية غطت مصاريفها خلال الفصل الثالث من عام 2022، بينما أنهت 43.7 في المئة من الأسر مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض، وبلغ معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها 2.8 في المئة فقط.

تحديات الادخار

أستاذ الاقتصاد في جامعة مراكش فريد شوقي أوضح الفرق الأساسي بين الادخار والاستثمار، فالادخار هو مراكمة أموال في خزانة آمنة لكي تستخدم في المدى القصير جداً لأغراض شخصية أو طوارئ مثل المرض أو السفر، أما الاستثمار، فهو الاستفادة من الأموال المدخرة لبناء أو خلق الثروة، لهذا ينصب الاستثمار بشكل عام على المدى البعيد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال شوقي لـ"اندبندنت عربية" إنه "من الناحية الاقتصادية يعد الادخار مصدراً أساسياً لتمويل الأنشطة الاقتصادية ومن الآليات التي تعطيها الحكومات والمؤسسات المالية أولوية كبرى، كما أن له أهمية قصوى على المستوى الماكرو- اقتصادي، خصوصاً بالنسبة إلى الأسر ذات الدخل المحدود التي يشكل لها الادخار ضماناً لمستقبلها ومستقبل أبنائها.

واستحضر المحلل الاقتصادي تصريحات والي بنك المغرب (البنك المركزي) عندما قال أخيراً إن البلاد تواجه تحدياً كبيراً في خصوص الادخار، نظراً إلى الظروف الاقتصادية العالمية بعد جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، وأيضاً بسبب تداعيات أزمة عامي 2008 و2009 في أميركا.

ووفق شوقي، فإن "أكبر تحدٍ يواجه المغرب في هذا السياق هو أنه يعتبر من بين الدول التي لديها نسبة ادخار ضعيفة، خصوصاً عندما نقارنه بالدول التي لديها المستوى الاقتصادي نفسه"، مبرزاً أن الأسر "تدخر 15 في المئة من إجمالي دخلها وهي نسبة ضعيفة جداً".

عوامل ضعف الادخار

جواباً عن سؤال حول الأسباب التي تجعل الأسر المغربية لا تدخر كثيراً، أو أنها لا تفكر فيه بشكل سليم وعلمي، أفاد شوقي بأن أحد أهم العوامل هو الحجم الكبير للقطاع غير المهيكل (الاقتصاد غير الرسمي) الذي يعتبر نقطة سوداء في التنمية الاقتصادية للبلاد، نظراً إلى أهميته والحصة التي يشغلها في البنية الاقتصادية لأنه قطاع يعتمد كثيراً على استعمال النقد والسيولة على مستوى المعاملات الاقتصادية والتجارية.

والسبب الثاني، وفق شوقي، يتمثل في ضعف ثقة الادخار بشكل متقن ومدروس بسبب ضعف التربية المالية لدى الأسر، بينما السبب الثالث يتجسد في ضعف منسوب ثقة المغاربة بالبنوك بصفة عامة، علاوة على سبب رابع هو ارتفاع نسبة الأمية في المجتمع المغربي التي تقف عائقاً أمام ثقافة الادخار.

ولفت إلى سبب خامس يفسر ضعف نسبة الادخار على المستوى الوطني هو نقص في تنويع المؤسسات العمومية المالية والمنظومة المالية بالمغرب لفرص وأساليب ومنتجات الادخار".

ودعا إلى إرساء برامج لدراسة التعبئة الشاملة لتنويع العرض في ما يخص فرص الادخار للتحول من الادخار الكلاسيكي، أو ما يسمى "تكنيز الأموال" لتمويل دراسة الأبناء والسكن والسفر وغيرها، إلى أسلوب الادخار المخصص للاستثمار.

ورداً على سؤال حول إذا ما كانت طريقة الادخار الكلاسيكي التي يتبعها المغاربة مجدية وناجعة، أجاب أستاذ الاقتصاد أنها ليست كذلك باعتبار أن الادخار في العقار وشراء المجوهرات واللوحات الفنية وغيرها هي فقط قطاعات آمنة يدخر فيها الإنسان أمواله، لكن في خضم الظروف الحالية المتسمة بضبابية الرؤية، يعتبر الادخار مصدراً لا غنى عنه لتمويل الاقتصاد الوطني".

العقار والذهب

المستثمر الشاب ناجي عقا يرى أن "ادخار المال في العقار أو الأراضي على سبيل المثال لا يمكن أن يفشل لأن أسعارهما بالبلاد لا تعرف النزول في الغالب". وأضاف أنه يعرف عدداً من الأسر والأزواج الذين وضعوا مدخراتهم المالية في شراء شقة أو قطعة أرض لينتهزوا الفرصة بعد بضعة أشهر أو أعوام قليلة فقط ليبيعوا هذا العقار بضعف ثمنه ويكسبوا أرباحاً مالية كبيرة.

رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك بوعزة الخراطي قال إنه "بحكم أن المغرب بلد فلاحي يراهن المزارع المغربي على الادخار في الأرض، أي العقار، وأيضاً في الأنعام، ويستعمل هذه الأخيرة كمؤسسة بنكية توفر له السيولة المالية اليومية".

وشرح "هذه العقلية انتقلت من البادية إلى المدينة بعد استقرار هذه الفئة من المجتمع فيها وصار اقتناء العقار أهم وسيلة للادخار".

وأشار إلى أن هناك مشكلات تواجه هذا الادخار تتمثل في عدم تحصين الحسابات البنكية من الضرائب وكذلك التضخم الذي يعرفه العالم، خصوصاً أن الرؤية غير واضحة في ما يتعلق بتعويم الدرهم المغربي".

وانتهى الخراطي إلى أن "الذهب والمجوهرات يعتبران من أبرز أنواع ووسائل ادخار النساء في المجتمع"، لافتاً إلى أن المرأة المغربية، خصوصاً في أجيال سابقة، تعتبر الذهب ضماناً أمام نوائب الدهر، فضلاً عن أنه يبقى وسيلة للتزيين والتباهي الاجتماعي".

اقرأ المزيد