Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النظام الصحي المعطل في بريطانيا يتجسد في أزمة أمراض النساء

وفقاً لبيانات هيئة خدمات الصحة الوطنية في إنجلترا، فإن أكثر من 38 ألف مريض ينتظرون ما يزيد على عام لرؤية طبيب نسائي، حتى عندما تتدهور حالتهم الصحية

يضطر كثيرون اليوم للاختيار بين صحتهم وأموالهم عندما يواجهون فترات انتظار طويلة في هيئة خدمات الصحة الوطنية (رويترز)

لمدة ثلاث سنوات، كانت الآلام التي تعاني منها ريبيكا* في بطنها وظهرها ومفاصلها تزداد سوءاً تدريجاً. لم يخفف العلاج الطبيعي الألم وأثبتت الفحوصات أن المرأة لا تعاني من التهاب المفاصل، لكن التتبع الدقيق كشف ارتباطه بدورة الطمث. بعد فترة وجيزة، كان الألم يعطل قدرتها على الحركة ويجعلها بحاجة إلى عصا للمشي لمدة تتراوح بين أسبوع أو اثنين كل شهر قبل دورتها الشهرية وخلالها وبعدها مباشرة. استشارت طبيبها الممارس العام، الذي وصف لها بعض المسكنات والأدوية للتقلصات، وأحالها أيضاً إلى طبيب نسائي. في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2021 تلقت رسالة من المستشفى تؤكد مكانها في قائمة الانتظار لرؤية الطبيب النسائي.

تقول: "ما لم أدركه هو أنني سأكون على قائمة الانتظار لأكثر من عام". في ذلك الوقت، كانت تعاني مع صحتها الجسدية والعقلية، إضافة إلى دراستها كطالبة درجة دكتوراه بدوام جزئي ومسؤولياتها كأم لمراهقَين. تضيف: "التوقف عن القدرة على أداء الأعمال لمدة أسبوعين كل شهر يعني شعوري بأنني مضغوطة في دراستي والأعمال المنزلية والمناسبات الاجتماعية عندما أكون قادرة على الحركة ... خلال فترات عجزي، يتولى شريكي مسؤوليات المنزل. أشعر أنني محظوظة ببساطة لأنه قادر على تلبية احتياجاتنا المالية، [لكنني] لا أستطيع تخيل كيف ستكون الحال بالنسبة إلى النساء العازبات المسؤولات عن أسرهن وغير القادرات على العمل".

ريبيكا هي واحدة من 38231 امرأة تركن لانتظار موعد مع الطبيب النسائي لأكثر من عام، وذلك وفقاً لبيانات هيئة خدمات الصحة الوطنية في إنجلترا التي حللها حزب العمال في عام 2022. في ديسمبر 2012، كان متوسط وقت الانتظار على المستوى الوطني لرؤية طبيب نسائي 4.8 أسبوع. بحلول ديسمبر من عام 2022، ارتفع إلى 15.6 أسبوع، أي ازداد ثلاثة أضعاف في غضون عقد من الزمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقول فاي فارثينغ، رئيسة الاتصالات في جمعية “مكافحة التهاب بطانة الرحم بالمملكة المتحدة” الخيرية، إن الحالات مثل حالة ريبيكا ليست غير عادية. موضحة: "نسمع بانتظام من [الأشخاص] الذين يعانون من ألم مزمن من دون الحصول على الدعم المناسب بسبب فترات الانتظار الطويلة ... يمكن أن يكون لهذا تأثير كبير في جوانب حياة الشخص كافة، بما فيها صحته الجسدية والعقلية، إضافة إلى حياته المهنية وعلاقاته".

بعد الانتظار سبعة أشهر من دون الحصول على موعد، اشترت ريبيكا آلة “تينز” TENS بقيمة 30 جنيهاً استرلينياً، التي تستخدم نبضات كهربائية لتخفيف الألم. وبعد 11 شهراً راحت تتناول حبوب منع الحمل لتنظيم هرموناتها، على رغم تأثيرها السلبي في صحتها العقلية في السابق. تقول: "كانت صحتي العقلية متدهورة بالفعل، لكنني اضطررت إلى المحاولة على رغم ذلك".

وضع شريك ريبيكا جدولاً لتتبع الأيام التي من المحتمل أن تكون فيها غير قادرة على الحركة، وبدآ ينظمان حياتهما وفقاً لذلك. لكن الأحداث المهمة كانت تتأثر باستمرار، مثل حفل زفاف شقيق شريكها الذي استخدمت فيه ريبيكا عصا مشي تلائم فستانها لتشعر ببهجة المناسبة. تقول: "كان يوماً جميلاً لكنني لم أكن قادرة على الوقوف ... جلست في الكنيسة محاولة كبح دموعي. لم أتمكن من حضور حفل الاستقبال. ساعدني شريكي في الوصول إلى غرفتنا في الفندق، حيث مكثت طوال الليل".

تقول الدكتورة صوفيا* إن تجربتها كطبيبة ممارسة عامة في جنوب لندن تؤكد صحة النتائج التي توصل إليها حزب العمال وما واجهته ريبيكا منذ إحالتها. وتوضح: "لقد زادت فترات الانتظار لأمراض النساء بالتأكيد في السنوات العشر الماضية، وقد تفاقم الأمر منذ وباء كورونا ... النظام الصحي معطل والقوى العاملة في هيئة خدمات الصحة الوطنية محبطة ومرهقة أكثر من أي وقت مضى. بالتالي، يتضرر المرضى". تضيف أن نظام الحظ وفقاً لمكان سكن المريض في ما يتعلق بأوقات الانتظار يجعل الأمور أسوأ. تقول: "يعتمد الأمر على المنطقة، يصل الانتظار في بعض المناطق إلى عام وفي بعضها الآخر إلى ستة أشهر. ومن الصعب رؤية المرضى يعانون، وبصفتي طبيبة ممارسة عامة، أشعر أن الأمر يتجاوز قدراتي". تقول صوفيا إنه في حالات الاشتباه بسرطان نسائي، يمكن تسريع المواعيد، ولكن "هيئة خدمات الصحة الوطنية، إلى حد كبير، لا تنظر إلى أمراض النساء كنوع من الرعاية العاجلة والضرورية".

حاولت ريبيكا تسريع موعدها ثلاث مرات، لكن قيل لها إن ذلك غير ممكن بسبب الضغط على الخدمة. اشتبه الأطباء لمدة طويلة في إصابتها بالتهاب بطانة الرحم، وهي حالة تنمو فيها الأنسجة المشابهة لبطانة الرحم في مكان آخر، مثل المبايض أو قناتي فالوب. قد تختلف طريقة التشخيص، لكنه عادة ما يتضمن موعداً مع طبيب نسائي، يتبعه إجراء تنظير للبطن من طريق جراحة بالناظور تسمح للجراح برؤية ما بداخل البطن. لكن لأكثر من عام لم تتمكن من التأكد من حالتها. أخيراً، في ديسمبر من عام 2022، قيل لريبيكا إنها قادرة على رؤية طبيب نسائي. إنها الآن تنتظر إجراء فحص وربما تنظير البطن لتشخيص ما إذا كان التهاب بطانة الرحم هو سبب ألمها المزمن. وفقاً لجمعية مكافحة التهاب الرحم بالمملكة المتحدة، ونظراً لصعوبة تشخيص الحالة، يستغرق الأمر سبع سنوات ونصف السنة في المتوسط بين موعد أول للمرأة مع الطبيب والتشخيص الرسمي. تقول فارثينغ إن هناك حاجة إلى "اتخاذ إجراء عاجل" لخفض هذا الرقم.

ليس التهاب بطانة الرحم المشكلة الصحية الوحيدة لدى النساء التي يعتمد بدء تشخيصها على موعد مع طبيب نسائي. لا تتم التحويلات الروتينية الخاصة بالتهاب المسالك البولية المزمن بشكل بسيط، ويمكن أن تتنظر النساء أيضاً سنوات للحصول على التشخيص، ما يدفع كثيرات إلى اللجوء إلى القطاع الخاص من أجل الحصول على العلاج.

وصف طبيب ممارس عام مضادات حيوية لـ ميغان*، البالغة من العمر 24 سنة، في ديسمبر من عام 2021 بعد تشخيص إصابتها بالتهاب المسالك البولية. عاد الالتهاب للمرة الثالثة في غضون شهرين، لكن تحليلي البول الأخيرين أثبتا شفاءها من الالتهاب. عندما وافقت على تناول جرعة ثالثة من المضادات الحيوية، طلبت من طبيبها الممارس العام إحالتها إلى اختصاصي. تقول ديناي ماراغوثاكيس، طبيبة في قسم الطوارئ في أكسفورد إن النساء المصابات بالتهاب المسالك البولية المزمن يُحَلن عادة إلى طب المسالك البولية النسائية، وهو تخصص فرعي في أمراض النساء داخل هيئة خدمات الصحة الوطنية. على كل حال، واعتماداً على السبب المشتبه فيه، يمكن أن يكون مسار الإحالة إما إلى أمراض النساء أو المسالك البولية.

تقول ميغان: "في ذلك الوقت، عندما حذرني الطبيب من أن الانتظار قد يستغرق 10 أسابيع، اعتقدت أن الأمر سيئ". لكن في مارس (آذار) من عام 2022، بعد تلقيها قائمة بأقرب المستشفيات إليها التي فيها وحدات أمراض النساء، سجلت الدخول إلى البوابة الطبية الإلكترونية واكتشفت أن أوقات الانتظار في أقرب مكانين إليها كانت 52 أسبوعاً، بينما كان الخيار الثالث على بعد أكثر من 88 كم ومع ذلك وصلت مدة الانتظار فيه إلى 25 أسبوعاً.

كانت ميغان تعاني بالفعل من القلق الذي راح يتفاقم بسبب الأعراض الأخرى التي لديها: الإحساس بالحرقة أثناء التبول وبعده إلى جانب الانزعاج الشديد والألم في خاصرتيها ومنطقة الحوض. في محاولة يائسة للعودة إلى الحياة الطبيعية، جمعت ميغان المال اللازم لرؤية طبيب أمراض مسالك بولية خاص. أنفقت ما مجموعه 780 جنيهاً استرلينياً (دفعت 200 جنيه للموعد الأولي، و150 جنيهاً للمراجعة، و430 جنيهاً للتصوير بالأمواج فوق الصوتية)، لكنها وصلت إلى طريق مسدود بسبب عدم قدرتها على تحمل تكلفة تنظير المثانة. كان ذلك سيكشف عن سبب التهاب المسالك البولية، لكنه يكلف أيضاً أكثر من 1000 جنيه استرليني. تقول: "آلية عمل النظام تجعل الأمر محبطاً ... مع أنني حصلت على استشارة خاصة، فأنا بحاجة إلى استشارة طبيب من هيئة خدمات الصحة الوطنية قبل الموافقة على تنظير المثانة. لذلك، وعلى رغم إنفاق 780 جنيهاً، فقد عدت إلى نقطة البداية".

في سبتمبر (أيلول) وصلتها رسالة ثانية من المستشفى تخبرها أن معدل الانتظار وصل الآن إلى 72 أسبوعاً ولأنها لا تستطيع الانضمام إلى القائمة إلا بعد مرور 52 أسبوعاً. بحلول يناير (كانون الثاني) كانت مازالت تنتظر وضعها على القائمة.

يضطر كثيرون اليوم للاختيار بين صحتهم وأموالهم عندما يواجهون فترات انتظار طويلة في هيئة خدمات الصحة الوطنية. في عام 2015، أسس أربعة متطوعين حملة للحد من التهاب المسالك البولية المزمن. أخبرتني المؤسسة المشاركة كارولين أندرو، التي كانت لديها تجربتها الخاصة مع صعوبات الحصول على تشخيص طبي، أنه يوجد في المملكة المتحدة مركز واحد فقط تابع لهيئة خدمات الصحة الوطنية متخصص في علاج التهاب المسالك البولية المزمن. كما أنه لا يقبل الإحالات من الأطباء الممارسين العامين، بل من اختصاصيي الرعاية الثانوية فقط مثل أطباء أمراض النساء أو اختصاصيي المسالك البولية. يعني هذا أنه ينبغي حجز موعد مع أحدهما أولاً، ما يطيل عملية التشخيص أكثر.

مسار الإحالة غير الواضح معقد بسبب الاختبارات والمعايير التشخيصية القديمة. تعتمد تحاليل البول والاختبارات بالشرائط على أبحاث قديمة. مثلها مثل ميغان، جاءت نتائج اختبارات بول كارولين سلبية، وقيل لها إنها ليست مصابة بالتهاب المسالك البولية. بعد أن دفعت مقابل اختبار خاص، قيل لها أيضاً إن التهاب المسالك البولية الأصلي قد أصبح جزءاً لا يتجزأ من جدار المثانة، وأنها الآن تعاني من حالة مزمنة طويلة الأمد. تقول: "على رغم أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية تستخدم مصطلح “التهاب المسالك البولية طويل المدى (المزمن)” في المعلومات المنشورة على موقعها على الإنترنت، فإن الحالة ليس لها تعريف حقيقي ... لا يوجد لدى المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية إرشادات لعلاج التهاب المسالك البولية المزمن وطويل الأمد، والأطباء مخولون فقط باستخدام العلاجات غير الفعالة".

أخبرتني ميغان وريبيكا أن أحد أصعب الأشياء في تجربتيهما كان تركهما في حالة من عدم اليقين. للأسف، إنهما مجرد اثنتين من بين الآلاف اللاتي ينتظرن حالياً زيارة الطبيب النسائي بينما تتدهور صحتهن الجسدية والعقلية.

تقول لي ميغان: "في حين أن الحالة لم تزدد سوءاً، إلا أنها لم تختف ... لا أصدق أن سنة مضت وما زلت لا أعرف السبب".

* ريبيكا وصوفيا وميغان جميعها أسماء مستعارة.

© The Independent

المزيد من صحة