Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة الإيرانية - الأذربيجانية… أكبر من سفارة وأصغر من حرب (2 – 1)

لطالما سعت طهران إلى إبعاد علاقاتها مع باكو عن تأثيرات صراعها مع تل أبيب وخلافاتها مع أنقرة

جانب من تشييع مسؤول الأمن في السفارة الأذرية بطهران، الإثنين 30 يناير الحالي في باكو (أ ب)

راهنت إيران كثيراً على تجاوب حكومة أذربيجان لإبقاء الاعتداء المسلح الذي تعرضت له سفارة باكو لدى طهران ضمن إطار الدوافع الشخصية للمهاجم، وعدم إبداء رد فعل متشدد تجاهه. واستنفرت كل أجهزتها السياسية والدبلوماسية والأمنية لتطويق هذه الحادثة وقطع الطريق على تحويلها إلى أزمة سياسية بين البلدين، قد تسهم في صب الزيت على نار الاختلافات والتباينات التي وصلت في بعض المراحل إلى حدود الاشتباك العسكري.

إلا أن رد الفعل الأذري، وبخاصة من رئيس الجمهورية إلهام علييف ووصفه الاعتداء بـ"الإرهاب"، وما تلاه من إجراء سريع بإخلاء مبنى السفارة وإجلاء الدبلوماسيين العاملين فيها إلى بلدهم، شكل صدمة للجانب الإيراني الذي شاهد الجهود التي بذلها لاستيعاب الحادثة ومناشداته الجانب الأذري وضع ما حدث في إطار العمل الفردي غير المخطط له وعدم التصعيد والتعاون لتجاوز هذه الأزمة، قد ذهبت أدراج الرياح، وأن القيادة الأذرية تتجه إلى تصعيد الموقف وتعقيده في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة.

حادثة الهجوم على سفارة أذربيجان من قبل رجل يدعي اختفاء زوجته منذ أكثر من عشرة أشهر بعد مراجعته لهذه السفارة، تعيد إلى الذاكرة الحادثة التي وقعت في 9 فبراير (شباط) 1829 في السفارة الروسية لدى طهران بعد التوقيع على معاهدة تركمنتشاي لإنهاء الحرب الثانية بين إيران القاجارية وروسيا القيصرية، والتي خسرت بموجبها إيران أجزاءً من جورجيا وأرمينيا والشيشان وداغستان وأذربيجان، بحيث وصل الجيش الروسي إلى مشارف مدينة تبريز.

ونصت هذه المعاهدة في أحد بنودها (البند ج) على استرجاع جميع الأسرى والسبايا الذين ينتمون إلى المناطق التي سيطرت عليها روسيا إلى مواطنهم، وقد أسرف الوزير الروسي المفوض ألكسندر غريبايدوف في تنفيذ هذا البند، مما أدى إلى ثورة شعبية بتوجيه من رجال الدين، أدت إلى الهجوم على السفارة وقتل كل الموظفين فيها، ومن بينهم السفير المفوض من أجل إطلاق سراح النساء المسلمات المحجوزات داخل السفارة.

وقبل تصاعد التوتر بين إيران وأذربيجان شهدت المنطقة اشتباكات بين باكو وأرمينيا حول المناطق المتنازع عليها، دفعت قيادة القوات البرية لـ"حرس الثورة" إلى إجراء مناورات عسكرية واسعة على الطرف الإيراني من الحدود مع أذربيجان تضمن محاكاة لعملية عبور نهر آراس المشترك بين البلدين، إذ إن التحرك الأذري ضد أرمينيا تضمن تهديداً باحتلال مناطق قد تسهم في إحداث تغييرات جيوسياسية في منقطة القوقاز الجنوبي، مما يفقد إيران حرية استخدام الممر البري الذي يربطها بجورجيا، ومن ورائها أوروبا. وتزامنت هذه المناورات مع مرور شهر على الحراك الشعبي الذي اندلع في إيران بعد مقتل الفتاة مهسا أميني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وليس بعيداً من حادثة السفارة وتداعياتها المباشرة، مرت العلاقات بين طهران وباكو في مسار كثير الانحناءات والتعرجات المليئة بالتعقيدات والتشعبات، فمن ناحية تشكل العلاقات المتسارعة بين باكو وتل أبيب مصدر قلق حقيقي للنظام الإيراني الذي يرى فيها دوراً سلبياً وتهديداً مباشراً للأمن القومي الإيراني، وبخاصة أن العلاقة بين الطرفين تجاوزت البعد الدبلوماسي وفتح سفارات، لتشمل التعاون العسكري والاستخباراتي، بخاصة بعد توقيع باكو وتل أبيب معاهدة لشراء أسلحة وتجهيزات عسكرية بقيمة خمسة مليار دولار، تتكفل بموجبها تل أبيب تزويد باكو منظومة الدفاع الصاروخي من المديين القريب والمتوسط (القبة الحديدية)، إضافة إلى طائرات مسيرة للاستخدام الحربي وعمليات الاستطلاع والتجسس. وكان قد سبق أن سمحت أذربيجان لإسرائيل باستخدام قاعدتين جويتين تبعدان عن الحدود الإيرانية مسافة 300 و500 كليومتر لإجراء مناورات مشتركة هناك. ووصل التوتر بين الطرفين إلى الحد الذي اتهمت طهران الحكومة الأذرية بتقديم تسهيلات للموساد الإسرائيلي في العمليات الأمنية التي استهدفت منشآت نووية، فضلاً عن استخدام الأراضي الأذرية لتنفيذ علمية الاستيلاء على الوثائق السرية المتعلقة بالبرنامج النووي التي كانت مخبأة في منطقة طوقوز آباد.

وسارت العلاقة بين البلدين في مسار تصعيدي، بعكس كل المواقف والحوارات الثنائية التي جرت بينهما على مستوى رؤساء الجمهورية أو البرلمان أو وزراء الخارجية. ولم تفلح المواقف الإيجابية لرئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف بعد لقائه قبل أسبوعين نظيرته الأذرية صاحبة غفاروفا في تركيا، ولا كلام وزير الخارجية الأذري جيحون بايرام عن ضرورة تطوير العلاقات الثنائية في الحد من المسار التصعيدي وتقليل التوتر المستمر الذي يخفي وراءه حقيقة الخلافات العميقة بينهما، والتي تأخذ طابعاً جيو-سياسياً وجيو-اقتصادياً وجيو-استراتيجياً يتعلق بنوع تحالف كل طرف وأهدافه في منطقة القوقاز الجنوبي.

وسعت إيران إلى إبعاد علاقاتها مع أذربيجان عن تأثيرات صراعها مع إسرائيل وخلافاتها مع تركيا، وحاول الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في اللقاء الذي جمعه مع نظيره الأذري إلهام علييف على هامش قمة منظمة "أكو" في تركمانستان خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، التأكيد على ضرورة إبعاد العلاقة بين البلدين عن تأثيرات الدول الأخرى، في إشارة إلى الدورين التركي والإسرائيلي، والتدخل الأميركي، وأعاد التأكيد على استراتيجية إيران في التعامل مع منطقة "أوراسيا الوسطى"، وأنها لن تمانع أي تدخل للقوى الخارجية في هذه المنطقة، والتي تهدف إلى تخريب العلاقة بين طهران وباكو، ولن تقبل بحصول أي تغيير جيو-سياسي فيها لأن ذلك يعد من الخطوط الحمراء لديها.

 

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل