Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الروس المعترضون على الحرب يلجأون إلى وسيلة مبتكرة للتعبير

عشرات النصب من بينها رموز أوكرانية تحولت إلى مزارات مرتجلة لمواطنين في مدن مختلفة للتعبير عن تضامنهم مع ضحايا القصف الأخير على مدينة دنيبرو

امرأة راكعة تبكي أمام نصب تذكاري مرتجل في موسكو (قناة "سوتا" على "تيليغرام")

خمدت إلى حد ما، ومنذ فترة طويلة، حركة الاحتجاج في الداخل الروسي على الحرب. لقد قامت السلطات - ولا تزال - بسن وتشديد كل القوانين الممكنة لتصنيف أي نوع من الاعتراض على أنه "إهانة للجيش" أو "أخبار زائفة" أو "نشر معلومات مضللة". وجرى الزج بكثيرين في الحبس خلال الأشهر الأخيرة، أشهرهم السياسي المعارض إيليا ياشين والسياسي فلاديمير كارا-مورزا والنائب في مجلس محلي في موسكو أليكسي غورينوف وغيرهم.

لكن أخيراً شهدت الساحة الروسية ظاهرة جديدة، كانت مدفوعة بالمأساة الصادمة في مدينة دنيبرو الأوكرانية التي تعرض أحد مبانيها للقصف مما أدى إلى مقتل أكثر من 45 شخصاً مع وجود العشرات ضمن عداد المفقودين. وهي حادثة فسرتها الرواية الروسية الرسمية، كما الحوادث المماثلة السابقة، باتهام القوات الأوكرانية بقصف مدنها ومواطنيها، أو بأن المضادات الجوية الأوكرانية أسقطت الصاروخ الروسي على المبنى، وفي كل الأحوال لا شيء من هذا كان ليحصل لو لم تشن روسيا حربها.

عندما رأى رجال الشرطة أنني كنت أقترب بالزهور من النصب، قفزوا على الفور من السيارة، لكنهم اكتفوا بالقول ’لا تلتقطي الصور. فقط ضعي الزهور‘

هذه المأساة دفعت عدداً من المواطنين في موسكو إلى التعبير عن تضامنهم بطريقة مبتكرة، عبر وضع أزهار تحت نصب الكاتبة الأوكرانية ليسيا أوكراينكا الذي تحول فجأة إلى مزار تذكاري مرتجل لمن لم يعد يحتمل السكوت والجلوس متفرجاً على ما يحدث. وتبعتها سانت بطرسبرغ وكراسنودار اللتان تحول فيهما نصب الشاعر تاراس شيفتشينكو للغاية نفسها، وبعدها كرت السبحة في عدد كبير من المدن الروسية، حيث اختار المواطنون نصباً تتعلق بأوكرانيا أو أخرى تخلد ذكرى ضحايا الاستبداد والقمع. في بسكوف مثلاً ترك الناس أزهارهم بالقرب من نصب "الأم وطفلها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إحدى المواطنات في سانت بطرسبرغ التي جاءت لتضع زهوراً على نصب الشاعر تاراس شيفتشينكو قالت لقناة "بلوتشيف" PLUSHEV على "تيليغرام"، "كانت أمامي امرأة مع طفل تضع الزهور أيضاً. بالطبع، بكيت هناك عند النصب. من المستحيل التفكير في الأمر بهدوء. قابلت فتاة هناك. إنها تصنع أفلاماً وثائقية. جاءت من موسكو. أدركت أنني لست وحدي، نحن بشر، نحن موجودون. نحن لسنا نكرة لا يعتد بنا".

وتصف مواطنة أخرى تجربتها قائلة "بالقرب من النصب هناك سيارة شرطة واحدة. عندما رأى رجال الشرطة أنني كنت أقترب من النصب ومعي زهور، قفزوا على الفور من السيارة، واكتفوا بالقول ’لا تلتقطي الصور. فقط ضعي الزهور‘. لا شيء آخر. كان الأمر مخيفاً بالطبع. سؤال واحد يدور في رأسي، لماذا يجب أن نخاف في مدينتنا وبلدنا، حتى عندما نفعل أشياء بشرية عادية؟ إنه أمر محرج للغاية".

طبعاً، لم تقف القوات الأمنية موقف المتفرج دائماً، فبدأت باعتقال الناس في موسكو ولكن ليس بالزخم المعتاد بحيث اكتفت بستة أشخاص وقضت المحكمة على إحداهن (لم تكتفِ بالورد بل حملت إعلاناً تضامنياً مع أوكرانيا) بالغرامة 700 دولار والسجن 12 يوماً بتهمة "إهانة الجيش" و"عدم الامتثال لأوامر الشرطة".

لكن السلطات لا تعمل لوحدها ضد المعارضين للحرب، فهناك مجموعات قومية متطرفة مثل "سيرب" تدخلت لإزالة الرسائل والصور والأزهار التي تركها المواطنون بالقرب من النصب التذكاري المرتجل وكانت الجهة التي لفتت انتباه الشرطة في اليوم الأول لما يحدث.

وفي خصوص الاعتقالات في روسيا نشرت منظمة "أو في دي-إنفو" OVD-info غير الحكومية المتخصصة في مراقبة القمع السياسي في روسيا، حصيلة الاعتقالات منذ بداية الحرب وحتى 23 فبراير (شباط) أي خلال أول 11 شهراً، وهي كالتالي: 19535 شخصاً، واتهم عدد كبير منهم بنشر "معلومات مضللة" وهي للتذكير أي معلومة تتعارض مع بيانات الدفاع الروسية، وخلال هذه الفترة حجبت السلطات الروسية 9720 موقعاً وصفحة إلكترونية، كما طلبت النيابة العسكرية الروسية حجب موقع الأخبار الخاص بالأمم المتحدة.

 

ربما يبدو هذا تقييماً مبالغاً به ولكن يمكن اعتبار التضامن الذي أبدته هذه القلة، وفي أجواء القمع السائدة أمراً لافتاً حقاً، وينم عن شجاعة أصحابه لأنهم يعرضون أنفسهم ليكونوا جزءاً من الإحصاء أعلاه.

ولا تنتهي أخبار ملاحقة المعارضين هنا، فبعض نواب "الدوما" الروسي يطالبون الآن بمصادرة أملاك المواطنين الذين تركوا روسيا اعتراضاً على الحرب، فيما تصدر السلطات قوائم شبه أسبوعية تكشف عن أسماء جديدة تضمها السلطات إلى لائحة "العملاء الأجانب"، وهو إجراء يفترض أن يكون تقنياً فحسب، لكن السلطات تستخدمه لعرقلة أي آفاق مهنية ممكنة للأشخاص الذين يعربون فقط عن أراء مختلفة عن تلك الرسمية.

كل هذا طبعاً لا ينفي أن السواد الأعظم من الروس لا يبالون أو يؤمنون حقاً بأنها حرب دفاعية ضد مخطط "ناتو" الجهنمي لتقسيم روسيا والاستيلاء على ثرواتها وغيرها من الروايات التي يصعب تصديقها. ولكن يبقى غير مفهوم لماذا على المواطنين الأوكرانيين وبلادهم دفع ثمن هذه المواقف الارتيابية للنظام الروسي.

وأخيراً، وعلى رغم أنها مبادرة لقلة من الأشخاص إلا أنها معبرة ورمزية جداً، وضرورية جداً، خصوصاً للمعارضين للحرب والمؤمنين بالسلام والعدالة، لأنها تمنح الأمل بوجود قطاع من الناس ذي التفكير المغاير للرواية الرسمية. تماماً مثلما "أنقذ سبعة أفراد شرف المواطنين السوفيات" أثناء اجتياح تشيكوسلوفاكيا عام 1968 بخروجهم إلى الساحة الحمراء والاحتجاج و"لإثبات أن ليس كل مواطني الدولة يوافقون على العنف الذي يرتكب باسم الشعب".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل