يجمع المختصون على أن الاقتصاد البريطاني سيشهد ركوداً هذا العام، مع خلاف في التقدير حول مدى عمقه، وإن كان سيعاود النمو في النصف الثاني من العام أم لا؟ فبحسب ما ذكرته صحيفة "التايمز" في تقرير لها خلال استعراض آراء المحللين من مشارب مختلفة، إذ يرى الاقتصاديون في "إي واي آيتم كلوب"، وهي مؤسسة بحوث رئيسة، أن الركود الاقتصادي سيكون أعمق مما كان مقدراً سابقاً. وأرجعوا ذلك إلى استمرار حذر المستهلكين في إنفاق مدخراتهم واستمرار معدل "عدم النشاط" مرتفعاً – ويقيس هذا المعدل نسبة من هم في سن العمل الذين لا يعملون ولا يبحثون عن وظيفة.
وكان عدد هؤلاء قد ارتفع بحوالى نصف مليون خلال فترة وباء "كورونا" مع لجوء كثيرين إلى التقاعد المبكر أو ترك وظائفهم لأسباب مرضية مزمنة.
ويتوقع "آيتم كلوب" الآن أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة 0.7- في المئة هذا العام، ينما كانت توقعاته السابقة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بانكماش بنسبة 0.3- في المئة في عام 2023. مع ذلك يرى المحللون أن الاقتصاد البريطاني قد يعاود النمو في النصف الثاني من العام.
وقال رئيس المؤسسة هايول بول إن الوضع الاقتصادي يبدو "أكثر قتامة" مما كان عليه في الخريف الماضي، لكنه أضاف أن "أحد أهم العوامل السلبية، وهو معدلات التضخم المرتفعة، قد يبدأ في التراجع وأن تشهد أسعار الطاقة انخفاضاً أيضاً".
توقعات متباينة وإجماع على ركود
أما المحللون في بنك "جيه بي مورغان" الاستثماري فيرون أن انخفاض أسعار الغاز الطبيعي عالمياً سيجعل الركود أقل عمقاً مما كان مقدراً من قبل، إذ يخفف انخفاض أسعار الغاز بالجملة من عبء الفواتير على الأسر والشركات والأعمال. وأعلن البنك الاستثماري الأميركي الأسبوع الماضي أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني سينكمش بنسبة 0.1- في المئة هذا العام، وهي نسبة أقل من توقعات البنك السابقة بانكماش بنسبة 0.3- في المئة.
وبحسب تقديرات المحللين في البنك فإن الاقتصاد البريطاني تفادى الركود "تقنياً – الذي يعني نمواً سلبياً لربعي عام متتاليين" بصعوبة العام الماضي، لكنه سيدخل في ركود في النصف الأول من هذا العام. وتشير تقديراتهم إلى انكماش بنسبة 0.4- في المئة في الربع الأول وبنسبة 0.8- في المئة في الربع الثاني من هذا العام.
ويرى بنك "غولدمان ساكس" أن الاقتصاد البريطاني سينكمش بنسبة 0.5- في المئة هذا العام، وهي نسبة أقل من تقديرات البنك السابقة بانكماش بنسبة 0.9- في المئة لعام 2023. ويرى البنك أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني يعاود النمو العام المقبل ويقدر ذلك بنسبة واحد في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطبقاً لشركة التوظيف "سينسس وايد أند فايفر" فإن نسبة 40 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة في بريطانيا تخطط لتسريح عاملين وخفض وظائف هذا العام بسبب مخاوف التضخم. وشمل المسح نحو 500 شركة من المؤسسات البريطانية. ويتوقع الاقتصاديون أن يرتفع معدل البطالة عن مستواه المنخفض حالياً عند 3.7 في المئة، حيث سيؤدي تراجع الطلب في الاقتصاد إلى انخفاض معدلات التوظيف.
وينتظر الجميع الأرقام الرسمية التي سيعلنها مكتب الإحصاء الوطني في شهر فبراير (شباط) المقبل، التي ستتضمن المراجعة الأولى لمؤشرات نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من العام الماضي. وسيحسم ذلك إن كان الاقتصاد دخل في ركود بالفعل أم ليس بعد. وكان الناتج المحلي الاجمالي انكمش في الربع الثالث بنسبة 0.3- في المئة.
وفي الإجمال، تظل بريطانيا في وضع أسوأ كثيراً من دول أوروبا التي يقدر الاقتصاديون أنها قد تتفادى الركود هذا العام على عكس التوقعات السابقة. ويقدر بنك "غولدمان ساكس" أنه على عكس بريطانيا فإن اقتصادات ألمانيا وفرنسا وإسبانيا لن تدخل في ركود هذا العام.
تفاؤل في أوروبا
وفي ضوء البيانات الاقتصادية الإيجابية في الأسابيع الأخيرة، سادت موجة تفاؤل بشأن الاقتصاد العالمي بشكل عام خلال المنتدى العالمي في منتجع "دافوس" بسويسرا الأسبوع الماضي. حتى أن صندوق النقد الدولي ألمح إلى أنه قد يعدل توقعاته السابقة للاقتصاد العالمي بالإيجاب.
ومن المؤشرات على التفاؤل بأن دول منطقة اليورو ستتفادى الركود الاقتصادي هذا العام، المسح الذي تجريه شهرياً شركة "كونسينسس إيكونوميكس". وكانت نتيجة المسح الشهر الماضي أن الاتحاد الأوروبي سيدخل في ركود هذا العام 2023. لكن مسح هذا الشهر أظهر توقعاً بنمو طفيف بنسبة 0.1 في المئة للناتج المحلي الإجمالي لدول منطقة اليورو خلال هذا العام.
وأرجع الاقتصاديون ذلك إلى الانخفاض الكبير في أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا وحجم الدعم الحكومي للأسر والأعمال الأوروبية، إضافة إلى فتح الصين اقتصادها بأسرع مما كان متوقعاً وهو ما سيزيد من الطلب العالمي.
ونقلت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" عن عدد من الاقتصاديين تفاؤلهم بشأن تفادي دول أوروبا الدخول في ركود هذا العام. وبعدما كان احتمال الركود في أوروبا هذا العام بنسبة 90 في المئة تقريباً قبل شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصبح احتمال الركود خلال هذا العام بنسبة 30 في المئة فقط.