Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مدارس لبنان الرسمية: لا "دوام تعليم بعد الظهر" للنازحين السوريين

فشل محاولات التسوية و"خمسة دولارات" وزير التربية تستفز مشاعر الأساتذة

"العلم يجب أن يؤمن للتلامذة اللبنانيين وإذا لم يتعلم اللبنانيون لسبب أو لآخر فلا يمكن أن نقبل بتعليم غير اللبنانيين" (اندبندنت عربية)

دخل العام الدراسي مرحلة حسم المصير في لبنان مع إصرار قطاع التعليم الرسمي على تصحيح الوضع الوظيفي، أو إغلاق المدارس والمؤسسات التربوية إلى أجل غير مسمى. وشهدت الساعات القليلة الماضية على تمديد الإضراب، أسبوعاً إضافياً، في جميع المدارس والثانويات والمهنيات الرسمية، في ظل فشل محاولات التسوية بين مطالب روابط الأساتذة في التعليم الرسمي من جهة، ووزارة التربية والتعليم العالي والحكومة اللبنانية والجهات الدولية المانحة من جهة أخرى، ليتحول "دوام تعليم بعد الظهر" لتعليم أبناء النازحين السوريين ضحية عدم الاتفاق على تمويل إضافي. وازداد منسوب القلق على مصير العام الدراسي وأطل شبح الفوضى مع اقتراب موعد الشهادات الرسمية، في وقت يظل الخوف الأكبر على مستقبل وبقاء التعليم الرسمي في لبنان مع اتجاه كبير لتعزيز الخصخصة على حساب ترشيق القطاع العام.

 

سقوط صفقة الـ"خمسة دولارات"

واستفز طرح وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي الأساتذة بمنحهم "خمسة دولارات" أميركية لقاء كل يوم عمل فعلي. فما كان بنظر التربية هو حل وتقديمات لتحفيز الأساتذة على الاستمرار، وجد فيه هؤلاء تقليلاً من شأنهم ومساً بمشاعرهم وكرامتهم.

وجاء هذا الطرح لينسف سلسلة الوعود التي أطلقت منذ بدء العام الدراسي، حين تعهد وزير التربية بتقديم 130 دولاراً إضافية لكل أستاذ في القطاع الرسمي، وفي ضوء ذلك، أعلنت الروابط بدء العام الدراسي والعودة إلى التعليم إفساحاً في المجال أمام الوزارة لتنفيذ وعودها، ولكن مع مرور الوقت بدأ المشهد بالتبدل بسبب انكشاف أن الوعود غير مبنية على أرضية صلبة وعدم توفر الاعتمادات المالية وفشل وزير التربية بتوفير الإعانات الخارجية لتغطية المنح. ومع انطلاق العام الجديد 2023 بدأت بشائر الفوضى، وسادت حال من التمرد في صفوف أساتذة التعليم الثانوي وميل واضح للإضراب بسبب عدم القدرة للعودة إلى التعليم في ظل الانهيار المالي المتزايد.

في الأثناء، برز تخبط روابط التعليم الرسمي في قراراتها، ليأتي طرح وزير التربية بمنح الأساتذة "خمسة دولارات" عن كل يوم تعليمي، ويرسخ القطيعة بين القاعدة ورئاسة الروابط بسبب اختلاف الرؤى، وصولاً إلى استقالة رئيسة رابطة التعليم الثانوي ملوك محرز من منصبها بسبب ما وصفته بانحدار اللغة "اللا نقابية"، وبسبب "محاصصات ومؤامرات مصحوبة بنكايات ونكد أودت بالبلاد إلى شفير جهنم وأكثر". ولم يقبل الأساتذة منحة الـ"خمسة دولارات"، وما كان منهم إلا أن رفضوا العودة إلى التعليم، ولا سيما بسبب عدم تمكنهم من الوصول إلى المدارس بفعل غلاء المحروقات، في وقت تآكلت أجورهم مع بلوغ الدولار الأميركي حافة الـ50 ألف ليرة لبنانية، فضلاً عن تراجع تقديمات تعاونية موظفي الدولة، مما يرتب على المعلمين وموظفي القطاع العام فروقاً هائلة في حالات المرض والاستشفاء.

ودفعت حال السخط العامة في أوساط الأساتذة إلى سحب الوزير هذا الطرح المستفز من خلال بيان رسمي، متعهداً ببذل جهود لتأمين تمويل للحوافز وتحسين ظروف الأساتذة، كما سارع إلى محاولة احتواء الحال الاعتراضية في صفوف الأساتذة. ودعا إلى اجتماع تنسيقي مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إلا أن روابط الأساتذة سارعت إلى المقاطعة بسبب تكرار الوعود.

وقف دوام السوريين

ويوم الثلاثاء 10 يناير (كانون الثاني) عقد اجتماع تربوي برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، وفي نهايته أعلن الوزير الحلبي عدم القدرة على استمرار العمل في دوام تعليم السوريين، وقال "سبق وأعلنا موقفاً، وهو أن العلم يجب أن يؤمن للتلامذة اللبنانيين، وإذا لم يتعلم اللبنانيون لسبب أو لآخر فلا يمكن أن نقبل بتعليم غير اللبنانيين. وطالما أن التعليم متوقف الآن في مدارس قبل الظهر للتلامذة اللبنانيين، فلا يمكننا أن نكمل في فترة بعد الظهر، فالتعليم يجب أن يكون للجميع وأولويته للتلامذة اللبنانيين".

وأكد عماد الأشقر المدير العام لوزارة التربية "توقف الدروس بعد الظهر في المدارس الرسمية لغير اللبنانيين عملاً بمبدأ المساواة". وقال "نحن نستقبل جميع الناس وقلوبنا مفتوحة للجميع، لكن لا يجوز ألا يتعلم أبناؤنا، وأن يتعلم أولاد غيرنا، بالتالي نعلن توقف الدروس في مدارس بعد الظهر لغير اللبنانيين إلى حين التوصل إلى حل مسألة تعليم ما قبل الظهر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان مستغرباً الفيديو الذي تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان لمدرسات في منطقة الهرمل (البقاع) يمنعن "الطلاب غير اللبنانيين" في الدوام المسائي من دخول إحدى المدارس. ودعا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الحكومة اللبنانية إلى التراجع عن قرار وقف تعليم السوريين، واعتبره "غير مشروع"، وذكر الائتلاف، في بيان، أن القرار يشير إلى حرمان أكثر من نصف مليون طفل من حق التعليم. أضاف أن المساعدات الدولية لقطاع التعليم للاجئين السوريين مستمرة إلى الآن.

رئيس الحكومة على خط الحل

ومع انكشاف حقيقة الوعود، وحال العجز التي بلغتها وزارة التربية بسبب عدم توفر الاعتمادات الكافية، برز تدخل ميقاتي لفتح خطوط التمويل من خلال البنك الدولي، وفي 13 يناير، اجتمع رئيس الحكومة مع المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي جان كريستوف كاريه، وبحث معه تقديم "مساعدات لقطاع التعليم بمبلغ 25 مليون دولار تخصص للأساتذة في التعليم الرسمي وتتعلق بالإنتاجية وبحضور المعلمين إلى المدارس". وفي 14 يناير، أعلنت روابط التعليم الرسمي استمرار الإضراب في الدوامين الصباحي والمسائي لمدة أسبوع آخر تنتهي يوم الأحد 22 يناير 2023، وعدم الحضور إلى المدارس والثانويات والمعاهد الفنية تحت أي ذريعة من الذرائع، وطلبت الروابط من لجنة التربية النيابية "دعوة ممثلي الروابط والاستماع إلى مطالبهم في الجلسة المخصصة لمناقشة الوضع التربوي"، و"الدعوة إلى الاعتصام تزامناً مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء".

الحلول ترقيعية

وتشعر الأوساط التربوية أن خطراً كبيراً يواجه التعليم الرسمي بشكل عام، وتصف كل ما يجري بـ"الحلول الموقتة" و"الترقيع" لأن لا حلول جذرية حالياً، لذلك يعيش هذا القطاع "مشهداً ضبابياً" بانتظار القرض الذي طلبه رئيس الحكومة، وهناك "تخوف من انهيار تام لهذا القطاع لصالح توفير متطلبات التعليم الخاص". وعن مستقبل الشهادات "حتى اللحظة لا إلغاء للدروس ولا للشهادات الرسمية"، لتخلص الأوساط نفسها إلى أن "الأساتذة بين خيارين، إما قبول استمرارية التعليم الرسمي بالوضع الراهن للحفاظ على القطاع، ومن ثم البحث عن مصدر إضافي للدخل، أو استمرار حال الرفض التي قد تقود إلى إعلان نهاية القطاع الرسمي وصولاً إلى تركهم التدريس".

المتعاقدون الحلقة الأضعف

وتتمسك روابط التعليم ببقاء القطاع الرسمي، لكنها، في المقابل، تحشد جهودها للاستمرارية والحفاظ على الموقع الوظيفي للأستاذ. وأكد حراك المتعاقدين أن الظلم يطاله لأن المتعاقدين "يتقاضون أجورهم لقاء أداء ساعات تعليمهم"، ولفت منسق حراك المتعاقدين حمزة منصور إلى "الأثر السلبي للتعطيل على المتعاقدين"، مكرراً المطالب وفي مقدمتها دفع بدلات تعليم الأساتذة عن شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) في أسرع وقت ممكن. وأكد الأساتذة المتعاقدون أنه "بعد مرور ثلاثة أشهر من التعليم لم يتقاضوا قرشاً واحداً، والتأخير في الدفع يؤدي إلى تراجع قيمة أجر الساعة بسبب الارتفاع المستمر للدولار في السوق السوداء".

كما طالب منصور بالإسراع في دفع بدلات النقل المتأخرة للأساتذة في ذمة وزارتي التربية والمالية، مشيراً إلى أن "الجداول جاهزة ولكن وزير المال يرفض دفعها بحجة أنها تحتاج إلى مرسوم لصرفها". وتطرق منصور إلى الحوافز التي يمكن أن تدفعها وزارة التربية من مبالغ متراكمة لديها منذ العام الدراسي الماضي، وهي كافية لتغطية الحوافز لـ30 ألف أستاذ لمدة ستة أشهر، وأعرب عن تخوفه على مصير الامتحانات الرسمية، لأن المدارس الخاصة تستمر في التعليم بصورة منتظمة، ناهيك بتراجع المستوى التعليمي لأن "الشهادة قد تجرى بمناهج مجتزأة بمقدار ثلاثة دروس لكل مادة، وكأننا أمام مخطط لتدمير التعليم الرسمي، ولا أحد يسأل".

المزيد من العالم العربي