Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فاغنر" تكبح جماح الانتصار الدعائي لروسيا في أوكرانيا

عززت مكاسب "سوليدار" المزاعم التي أطلقها قائد المجموعة وضخمت النفوذ الاستراتيجي لعناصرها

يفغيني بريغوزين يقدم الطعام إلى فلاديمير بوتين في المطعم الذي يملكه الأول بإحدى ضواحي موسكو بتاريخ 2011 (أ ب)

مع ذراع مزقتها الشظايا وتتنافر منها الدماء التي تسيل من الأكمام وجرح عميق على وجه مغطى بالطين، يعرج الرجل بعد جره خارج الركام. في هذا المشهد، لا يبدو مدى التهديد الذي يشكله هذا المقاتل من مجموعة "فاغنر" النخبوية المرتزقة، بوصفه ممن يقتلون بدم بارد.

لقد أسر طلعت نازاربيكوف في مدينة بخموت شرقي أوكرانيا عقب كمين تبادل لإطلاق النار. لقي اثنان من رفاقه حتفهما أثناء محاولة التسلل إلى مواقع أوكرانية وبقيت جثتاهما ممددتين في مكان قريب، فيما نجح آخرون في العودة إلى القاعدة الروسية بعد أن أصيبوا بجروح.

أفاد طلعت وهو شاب من أوزبكستان بأن كتيبة "فاغنر" في خط المواجهة الأمامي افتقرت إلى الذخيرة، إذ لم تكن الإمدادات تصل إليها والدعم الحربي الذي وعدوا به لم يترجم إلى أفعال، بالتالي هبطت المعنويات إلى أدنى مستوياتها.

إن استعراض ذلك السجين أمامي مع صحافي آخر، يشكل التوصيف الذي أراد آسروه الأوكرانيون سماعه. لقد مثل ذلك بالتحديد ما اقترحته رجال استخباراتهم، وقد أومأوا برؤوسهم برضا. وبحسب قائد الكتيبة الـ93، "سنعمل على استرجاع المناطق التي استحوذت عليها مجموعة فاغنر. إن حالتهم سيئة أما نحن فمستعدون. لن ينجو عديدون منهم، هذا الرجل محظوظ لأننا أمسكنا به. سينقل إلى المستشفى لتلقي العلاج".

ثم تمتم ذلك المقاتل من فاغنر بسخرية، "سيطلقون النار عليَّ حينما تغادرون". وطلب الحصول على سيجارة. أشعلها له جندي أوكراني وابتسم ثم أضاف، "علينا تخليصك من عذابك، ولكن لا تقلق، لن نفعل ذلك". في نهاية المطاف، لم يعدم طلعت، إذ رأيته بعد مرور بضعة أيام في مستشفى في بلدة "دنيبرو". في المقابل، لم يحصل التقدم الأوكراني أيضاً. وقد انخرط الطرفان في قتال شوارع استنزافي ولم يحققا سوى مكاسب ضئيلة.

في تلك الأثناء، حرص يفغيني بريغوزين قائد مجموعة فاغنر على كبح التوقعات في موسكو. وعلى حسابه في "تيليغرام" كتب بريغوزين، "الوضع بالقرب من مدينة "باخموت" صعب. تبدي القوات الأوكرانية مقاومة شرسة. إن الحكي عن فرار الأوكرانيين مجرد رواية لا أساس لها من الصحة. يتمتع الأوكرانيون بالقوة الفولاذية نفسها التي نتمتع بها".

بعد مرور ثلاثة أشهر، حققت قوات روسية تقودها مجموعة "فاغنر" خرقاً في إقليم "دونباس" وسيطرت على بلدة "سوليدار" المعروفة باستخراج الملح، مما أكسب تلك المجموعة نفوذاً استراتيجياً وانتصاراً دعائياً. وفيما يستمر القتال، تشكل هذه المكاسب النجاح الوحيد للكرملين على أرض المعركة منذ فصل الصيف.

 

 

وتتحرك مجموعة "فاغنر" عبر مدينة سوليدار بغية تأمين شبكة من الأنفاق، مشيرة إلى أنها وجدت جثة أحد الرجلين القادمين من بريطانيا، هما أندرو باغشو، 48 سنة، وكريس باري، 28 سنة، اللذان فقدا في تلك المنطقة، على رغم أنها لم تعلن عن هوية تلك الجثة.

وكذلك عززت المكاسب في "سوليدار" تلك المزاعم التي أطلقها بريغوزين بأن رجاله يمثلون قوة أكثر فاعلية من عديد الوحدات العسكرية النظامية لموسكو. هنالك حالياً 50 ألفاً من الجنود المرتزقة التابعة للمجموعة في أوكرانيا، جند بعضهم من السجون، ويؤلفون ربع القوة الروسية، ويجري إعداد مزيد من تلك المجموعة بهدف توسيع انتشارها في المستقبل القريب.

في ملمح بارز، يلقب بريغوزين بـ"طباخ بوتين" بسبب امتلاكه خدمات لتقديم الطعام بموجب عقود مع الحكومة الروسية، وهو مقرب قديم من الرئيس الروسي. بقي بعيداً من الأضواء نسبياً فيما انتشرت مجموعة "فاغنر" بالوكالة عن الكرملين في مناطق شملت ليبيا وسوريا وجمهورية أفريقيا الوسطى ثم مالي أخيراً.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، سعى بريغوزين مراراً إلى الاستحواذ على الأضواء. وهاجم التسلسل الهرمي العسكري لدى الكرملين على خلفية الاستراتيجية والتكتيك، مع تحقيق أوكرانيا تقدماً ثابتاً على الأرض بينما تعثرت القوات الروسية. وانضم إليه في انتقاده اللاذع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف الذي تنتشر قواته في أوكرانيا أيضاً. كذلك صدرت انتقادات عن بعض المتشددين والمدونين العسكريين المؤثرين في روسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكذلك أشاد قديروف ببريغوزين واصفاً إياه "بالأخ العزيز"، ونصح مقاتليه الذين يبلغ عددهم الإجمالي 20 ألفاً ويشكلون رسمياً جزءاً من "الحرس الوطني الروسي" بإيلاء "اهتمام وثيق" لكلام قائد "فاغنر".

وفي سياق متصل، يشير تواتر إقالة كبار الضباط الروس خلال غزو أوكرانيا إلى أن الرئيس بوتين لا يزال غير راض عن الطريقة التي تدار بها الأمور. وشكل سيرغي سوروفيكين آخر الذين أقيلوا، إذ عزل من منصب قائد القوات الروسية في أوكرانيا، بالتالي خسر سوروفيكين دوره على رأس ما تطلق عليه موسكو اسم "العملية العسكرية الخاصة"، ثم حل مكانه رئيس الأركان العامة فاليري جيراسيموف، ولم يكن قد مضى سوى ثلاثة أشهر على تبوؤ سوروفيكين منصبه.

وحظي سوروفيكين الذي شغل سابقاً منصب قائد القوات الجوية الروسية، بالإشادة من قبل وسائل الإعلام الموالية للكرملين التي وصفته "بالجنرال أرماغدون" (جنرال نهاية العالم)، في إشارة إلى استراتيجيته العنيفة في سوريا بما في ذلك القصف المدمر على حلب. وقد أطلق سوروفيكين حملة قصف البنى التحتية المدنية في أوكرانيا. ولكن، سرعان ما تضاءل التأثير المؤذي لتلك الحملة مع اعتراض أعداد متزايدة من الصواريخ والطائرات من دون طيار (المسيرات) قبل أن تصل إلى أهدافها.

واتصالاً بذلك، أشار وزير الدفاع الروسي إلى أن تعيين الجنرال جيراسيموف يهدف إلى ضمان "اتصال وثيق بين مختلف فروع القوات المسلحة وتعزيز جودة وفاعلية إدارة القوات".

في المقابل، ظهرت تقارير تشير إلى نشوب خلافات بين سوروفيكين وجيراسيموف، إضافة إلى وزير الدفاع سيرغي شويغو. وفي هذا الصراع الداخلي على السلطة، قدم بريغوزين الدعم لسوروفيكين وانتقد شويغو.

في مسار مواز، لدى قائد "فاغنر" أعداء كثر في موسكو ويعتقد أنهم كانوا وراء الروايات السلبية التي ظهرت أخيراً. وقد تحدث أبرز تلك القصص عن الوقت الذي أمضاه بريغوزين في السجن حينما قضى عقوبة 13 عاماً بتهمتي السطو والسرقة.

 

 

وفي أحد مقاطع الفيديو، زعم رجل مغطى بالأوشام يطلق على نفسه اسم ساشا كورارا، إن بريغوزين كان "الشخص الذي يلهو معه" هو وكثيرين من رؤساء العصابات الآخرين أثناء وجودهم في السجن. وأورد زعيم العصابة المزعوم بأن بريغوزين "يعرف موقعه ويوافق على ذلك الموقع".

وقد سعى حلفاء بريغوزين إلى تجاهل تلك الادعاءات، إذ اعتبروها تشويهاً لسمعته في دلالة على مدى قلق أولئك الذين يعارضونه من قوته المتنامية.

وفي تطور آخر، من غير الواضح ما هو تأثير الانقسامات والخلافات في التسلسل الهرمي العسكري الروسي على الأرض.

ومن شأن السيطرة على "سوليدار" أن تتيح الوصول إلى 120 ميلاً من الأنفاق التي يمكن استخدامها في نقل القوات والأسلحة. وسبق لبريغوزين أن شدد على مزايا الممرات تحت الأرض. وبحسب كلماته، "بوسعها أن تضم مجموعة كبيرة من الأشخاص على عمق يتراوح بين 80 و100 متر، إضافة إلى الدبابات ومركبات القتال الخاصة بالمشاة. يمكن تخزينها هناك، وكذلك يمكن نقلها عبر تلك الأنفاق".

واستطراداً، فمن شأن السيطرة على "سوليدار" أن توفر نقاط مراقبة لدعم مزيد من القصف المدفعي على "باخموت". ولن يكون الاستيلاء على "باخموت" انتصاراً رمزياً وحسب، بل بوسعه تمهيد الطريق لشن هجوم على مدينتي "دونباس" الرئيستين، سلوفيانسك وكراماتورسك.

وبهدف استكمال مهمتها في أوكرانيا، ضمنت "فاغنر" الحصول على مجموعة من الأسلحة بما فيها طائرات "سوخوي 25" ودبابات "تي 90" وأنظمة صواريخ "أس-300" وقاذفات صواريخ حرارية محمولة على مركبات "توس-1أي" TOS-1A. وفي الشهر الماضي، ذكر البيت الأبيض أن المجموعة أنفقت 100 مليون دولار شهرياً في أوكرانيا. وأعلن جون كيربي المتحدث باسم "مجلس الأمن القومي" الأميركي بأن المجموعة حصلت على أسلحة من خلال شحنة وصلت عبر كوريا الشمالية. كذلك أنشأت المجموعة مراكز تدريب وتجنيد موازية لوزارة الدفاع الروسية، في مدينتي "بيلغورود" و"كورسك" الروسيتين.

ليس هنالك من جيش خاص آخر في العالم يمتلك مثل هذه الترسانة من الأسلحة. ومن المتوقع أن تلعب فاغنر دوراً رئيساً في موسم الحملات الجديد الذي سيبدأ بعد توقف الشتاء، إذ يخطط الجانيان لشن هجمات. 

وتشكل الأسلحة موضوعاً قيد البحث بين حلفاء أوكرانيا. وأسهمت قاذفات الصواريخ من نوع "هيمارس" وقاذفات "أم إل آر أس" المتعددة الصواريخ في قلب التقدم لمصلحة أوكرانيا في "دونباس" والجنوب خلال الصيف. ويتوقع إرسال مزيد من هذه الأنظمة.

واستكمالاً، يتوقع وصول مركبات قتال مدرعة كـ"برادلي" الأميركية و"مارديرز" Marders الألمانية و"أي أم أكس" AMX الفرنسية. وكذلك أعلنت المملكة المتحدة عن عزمها تزويد أوكرانيا بعدد صغير من دبابات القتال "تشالنجر 2" Challenger 2. وتواجه برلين ضغوطاً من حلفائها بغية السماح بنقل دبابات "ليوبارد 2" Leopard 2 الألمانية الصنع التي تستخدمها الجيوش الأوروبية، إلى كييف.

وسيكون لوصول المدرعات، خصوصاً الدبابات والمدفعيات، أثر كبير خلال الأشهر المقبلة، إذ إنها ستؤدي دوراً ملحوظاً في حسم مآلات حرب فلاديمير بوتين في قلب أوروبا. وإضافة إلى ذلك، ستحسم تلك الأسلحة مصائر أمثال يفغيني بريغوزين، ممن يسعون إلى تركيز السلطة بين أيديهم في خضم المذبحة.

© The Independent

المزيد من تقارير