ككافة القطاعات الأخرى يواجه نشاط صيد السمك تحديات كبيرة في لبنان، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة. وهو من القطاعات المهمشة أصلاً، إذ يفتقد أدنى المقومات والتقنيات المطلوبة لتطويره، في حين يعاني الصيادون من ضغوط كثيرة في الموانئ المنتشرة على طول الشاطئ اللبناني.
المشكلات في هذا القطاع عديدة وعلى رأسها غياب الدعم للصيادين، وإهمال الضوابط للحد من الصيد العشوائي الذي يهدد الثروة السمكية، إضافة إلى التغير المناخي الذي كانت له تداعيات لا يمكن الاستهانة بها على نشاط الصيد.
انعكاسات الأزمة
حتى اليوم لا يزال صيد السمك يعتمد على الأساليب التقليدية من دون أي تطور. وفي ظل الأزمة التي تعصف بالبلاد يطرح السؤال نفسه حول ما إذا كانت الأزمة قد انعكست أيضاً على الصيادين ومعدلات بيع الأسماك في البلاد من عدمه.
وفق ما أكده نقيب صيادي الأسماك في شمال لبنان مصطفى أنوس، لم تؤثر الأزمة المعيشية في معدلات بيع وشراء السمك في البلاد. فالناس لم تتخفف من شراء السمك البلدي الذي بقي مفضلاً لها على رغم الظروف الصعبة أو على الأقل هذا ما يبدو واضحاً في المرحلة الحالية.
في المقابل، طالت تداعيات الأزمة حال الصيادين من جوانب أخرى، إذ ارتفعت أسعار معدات الصيد، فعلى سبيل المثال يصل سعر شبكة الصيد الواحدة إلى 14 دولاراً، إضافة إلى غلاء المازوت، الأمر الذي يجعل الصياد عاجزاً عن الصمود أمام هذه الضغوط. وبدلاً من تمضية ساعات طويلة في صيد السمك الذي يعتبر غالباً مصدر رزقه الوحيد يكتفي بالصيد لمدة أربع ساعات ولو على حساب رزقه وكمية الأسماك التي يصطادها، بهدف الحد من النفقات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يتفاوت المحصول اليومي من الأسماك بحسب المواسم والطقس، وفق ما يقول أنوس، فقد تصل الكمية إلى 50 طناً وقد لا تتخطى الـ10 أطنان، ويبيع الصيادون محصولهم اليومي إما مباشرة أو للمسامك. علماً أن ثمة تغيراً واضحاً في المناخ، حيث تأخرت مواسم معينة واختلفت ظروف الصيد كافة، لكن يبقى الصيد مفتوحاً وممكناً طوال أيام السنة.
على رغم الظروف الصعبة يبقى الدعم معدوماً، يقول أنوس "يمكن على الأقل دعم المازوت جزئياً، أو دعم الصياد بالمعدات التي يحتاج إليها، بما أن الصيد مصدر الرزق الوحيد له ولعائلته. ويضاف إلى ذلك المشكلات التي يواجهها الصيادون، مع الإشارة إلى أن عدد المنتسبين إلى النقابة وصل 3500 عضو، قبل غلق باب الانتساب منذ أربع سنوات، وعدد الصيادين في ميناء طرابلس وحدها بالآلاف".
يشكو الصيادون من وجود سمكة "النفيخة" Puffer Fish في المياه اللبنانية. وهي سمكة سامة تأكل الشباك وتسبب الأذى للأسماك الأخرى ويمنع بيعها. وقد تكاثرت بمعدلات كبيرة في السنوات الأخيرة، بحيث يطالب الصيادون بإيجاد حلول لها بدلاً من الاكتفاء بمنع بيعها، كما يعتبر وضع ضوابط للصيد من المطالب الأساسية للصيادين في مختلف الموانئ. فمنع الصيد العشوائي ومواجهة الفلتان الحاصل وغطاسي الليل من الخطوات المهمة كي لا يترك القطاع من دون حسيب ولا رقيب.
حاجات السوق
تزيد معدلات الصيد بشكل خاص في منطقة الشمال على الحدود اللبنانية السورية باعتبارها منطقة شبه محمية، لكن على رغم غنى الثروة السمكية في لبنان وتنوعها في مختلف المواسم، فإنها لا تكفي حاجات السوق اللبنانية، لذلك يبقى الاستيراد ضرورياً بنسبة كبيرة من تركيا ومصر وقبرص وليبيا وغيرها من الدول التي تعتبر مصادر أساسية للأسماك المستوردة في البلاد.
ووفقاً للصياد ألبير حنوش من منطقة البترون في شمال لبنان، فإن "نسبة 20 في المئة من الأسماك التي نتناولها من المياه اللبنانية والباقي مستورد"، مشيراً إلى أن "الصيد الجائر كانت له انعكاسات كبرى على الثروة السمكية أيضاً، حيث أسهم في تراجع معدلات الصيد. ومن المشكلات الأساسية التي يواجهها الصيادون الصيد بشباك صغيرة الفتحات، وأيضاً الصيد في أوقات وضع الأسماك بيضها، علماً أن السمكة تضع ما لا يقل عن 300 ألف بيضة، بالتالي يشكل غياب الخطط عبئاً ثقيلاً على الصيادين وعلى الثروة السمكية، مع وجود الصيادين غير الشرعيين والصيد بالبندقية وغيره من الوسائل الممنوعة، لكن بما أنه لا شيء مدروساً فثمة فوضى واضحة في القطاع".
من جهة أخرى، يشكو صيادون من العمولة المرتفعة المتوجبة من بيع الأسماك التي يصطادونها إلى المسامك، ما يقلل أكثر بعد من أرباحهم ويزيد من الأعباء المفروضة عليهم في مثل هذه الظروف. وهذه العمولة تختلف بحسب المناطق، ففي حين تمت المحافظة على العمولة التي كانت مفروضة سابقاً في الشمال وهي 7.5 في المئة من المبيع، ارتفعت في بيروت إلى 12 في المئة، وفي صيدا إلى 15 في المئة، ما زاد المصاعب على الصياد أكثر.
في جبيل، يشير الصياد وتاجر الأسماك داني إغناطيوس إلى أن معدلات الصيد بالمنطقة قد تكون أقل مقارنة مع بعض المناطق الأخرى، فمن الممكن أن تتراوح كميات الأسماك بين 20 و30 طناً، وتتعدد أنواعها بحسب المواسم.
أما في صيدا، فتبدو مشكلات الصيادين نفسها. وبحسب تاجر الأسماك محمد الناقوزي فقد تراجعت معدلات الصيد في الفترة الأخيرة أيضاً بسبب ارتفاع أسعار المازوت والمعدات، إضافة إلى الصيد العشوائي من قبل من لا يتمتعون بالخبرة اللازمة، ومن يسعون إلى تحقيق أرباح إضافية بأي وسيلة كانت، ما يعتبر مشكلة أيضاً، كما أن التغيير المناخي كان له أثر سلبي على الصيد.
في الوقت نفسه يشيد الناقوزي بتنوع الثروة السمكية في المياه اللبنانية مع وجود أكثر من 350 نوعاً من الأسماك المتنوعة، وإن كانت لا تلبي حاجات السوق، كما يشير إلى الكميات الهائلة من الأسماك التي يصطادونها في بحر صيدا، التي يمكن أن تتخطى 500 طن في اليوم، تباع كلها لأن الكل يشهد بجودة أسماك المنطقة، في حين يبقى الاستيراد ضرورياً لتلبية حاجات السوق المتزايدة.
يبدو أن التخطيط يمكن أن يكون الحل لجميع مشكلات العاملين في هذا القطاع، فثمة حاجة ماسة إلى وضع استراتيجيات بعيدة المدى والحرص على تطبيقها مع رقابة جدية لضبط الفلتان الحاصل والحفاظ على الثروة السمكية وعلى مصدر رزق آلاف العائلات في لبنان.