Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وفود قضائية أوروبية في لبنان لمحاولة فك شيفرة الفساد

تدقق في ملفات تبييض أموال وتتابع تحقيقات "مرفأ بيروت" وتستمع إلى شخصيات مثلوا سابقاً كشهود ليس من بينهم حاكم المصرف المركزي

تخشى مصادر سياسية لبنانية من تداعيات اطلاع الوفود القضائية الأوروبية على تحقيقات مرفأ بيروت (أ ف ب)

تسبب الإعلان عن مجيء وفود قضائية أوروبية إلى لبنان للتحقيق في قضايا فساد بسجال سياسي بين قوى ترى في مهمة الوفود تعدياً على السيادة القضائية اللبنانية، وأخرى تجد فيها ترجمة لعجز القضاء اللبناني عن التحرر من السطوة السياسية.

وتبدأ ثلاثة وفود قضائية من ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ تحقيقاتها في بيروت، الإثنين المقبل، تحت إشراف قضاة لبنانيين بقضايا فساد مرتبطة بتهريب وتبييض أموال عبر المصارف إلى أوروبا والإثراء غير المشروع، ومن المفترض أن تنجز مهامها حتى 20 يناير (كانون الثاني) الحالي، في قصر العدل الذي وضع اللمسات الأخيرة على التحضيرات اللوجيستية والتقنية لمواكبة عملهم.

وعشية بدء المهمة تؤكد مصادر قضائية أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ليس بين 15 شخصاً مطلوب الاستماع إليهم من الوفد بصفة شهود، منهم مقربون من سلامة، إضافة إلى سبعة رؤساء مجالس إدارات مصارف، وعدد من المدققين الماليين في حسابات مصرف لبنان، وهم تابعون لشركات تدقيق عالمية خاصة.

وتشير المعلومات إلى تضمن اللائحة اسماً لرجل أعمال سوري الجنسية مقيم في لبنان واستحصل على الجنسية اللبنانية من خلال مرسوم صدر عام 2018 وضم 411 شخصاً. وعلى رغم أن مهمة الوفود الأوروبية الثلاثة تنحصر خلال خمسة أيام فقط، فإنها قابلة للتمديد أو التحضير لزيارة أخرى خلال الأشهر الثلاثة المقبلة إذا ما اقتضى الأمر، وذلك بالاتفاق مع النيابة العامة اللبنانية واحترام أصول المحاكمات المحلية.

وتؤكد مصادر أن بين الأسماء التي طلب الاستماع إليها مشتبهاً فيه واحداً، وأن الاستجوابات ستجرى بإشراف القاضيين غسان خوري وإيميلي كلاس، المكلفين من القضاء اللبناني، مشددة على أنه في حال طلب تكليف خبراء للحصول على مستندات، سيكون ذلك ضمن الأطر الرسمية التي تحفظ سيادة القوانين اللبنانية.

مشتبه فيه

وأوضح النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، أن "مهمة الوفد القضائي الأوروبي هي استجواب أشخاص مثلوا سابقاً لدى القضاء اللبناني بصفة شهود باستثناء شخص واحد سيتم استجوابه بصفة مشتبه فيه"، مشيراً إلى أن مهمة الوفد تندرج في إطار المعاهدة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2003، ودخلت حيز التنفيذ 2005، وانضم إليها لبنان 2008 بموجب القانون الرقم 33 الذي صدقه مجلس النواب 2008.

ولفت إلى أن الإجراءات بين وفود الدول الثلاث توحدت لعدم تبليغ الأشخاص المعنيين ثلاث مرات، وسيكون هناك وفد موحد، تم تقسيم العمل بين أعضائه وتحديد جدول زمني وخطة عمل واضحة، مشدداً على أن الملفات التي سيحقق بها الوفد القضائي تندرج تحت باب الفساد، وهو الملف ذاته الموجود في النيابة العامة الاستئنافية.

ونوه عويدات إلى أن تعاون القضاء اللبناني مع دول أخرى هو عمل روتيني، مذكراً بما خضع له سابقاً المدير العام التنفيذي السابق لتحالف رينو- نيسان، كارلوس غصن، الذي حقق معه القضاء الفرنسي بواسطة القضاء اللبناني في قصر العدل ببيروت.

تبرئة سلامة

وانتقدت أوساط سياسية معارضة لحاكم مصرف لبنان إمكانية استثناء رياض سلامة من التحقيق، معتبرة أن الأمر يطرح تساؤلات حول تسوية معينة قد تكون أجريت أو إمكانية أن يكون السبب في ذلك رفض القضاء اللبناني شموله بلائحة المطلوب الاستماع إليهم، مشددة على أن استثناءه يفرغ دور تلك الوفود من مضمونها.

إلا أن مقربين من سلامة يرون في استثنائه دليلاً على أن الاتهامات الموجهة إليه ليست سوى حملات إعلامية تقودها ضده جهات سياسية، مؤكدة أنه لا يمكن إجراء تسويات أو مساومات مع قضاء تابع لدول غربية، ولا سيما أن الوفود الحالية تابعة لثلاث دول.

وفي هذا السياق يرى الصحافي المتخصص بالشؤون القضائية يوسف دياب، أن مهمة الوفود الأوروبية أقرب لعملية تجميع ما ينقصها من مستندات ووثائق وشهادات لاستكمال ملفات قضائية أعدوها في دولهم، مشيراً إلى أن الوفود اجتمعت مع القاضي غسان عويدات لتحديد آلية التحقيق، وأسماء القضاة المشاركين، وكيفية طرح الأسئلة على المدعى عليهم، وآلية حصول الوفود الأوروبية على محاضر التحقيق الرسمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهته، يرحب الأكاديمي المتخصص في القانون الدولي أنطوان سعد، بأهمية حضور تلك الوفود القضائية على رغم الإرباك السياسي والقضائي، على اعتبار أن ذلك ما تنص عليه الاتفاقية الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد، لافتاً إلى أنه لو امتنع لبنان عن التجاوب مع الوفد الأوروبي، فإنه سيكرس نظام الإفلات من العقاب، لكنه توقع أن تواجه استكمال عمله لاحقاً عقبات من قوى سياسية نافذة إذا مست مصالحها.

بدوره يؤكد المدعي العام السابق للتمييز القاضي حاتم ماضي أن مهام الوفد لا تنتقص من السيادة القضائية اللبنانية لجهة مكافحة الفساد المالي بوصفه جريمة عابرة للحدود وليست محلية، موضحاً أنها تستطيع فقط إصدار أحكام قضائية بحق مشتبه فيهم على أراضيها، ويمكن أن تصدر مذكرة ملاحقة عبر الشرطة الدولية، في حين أن لبنان لا يسلم أحداً من رعاياه اللبنانيين المقيمين، بل يحاكمهم وفقاً للقوانين اللبنانية.

تدويل قضية المرفأ

وفي وقت ينشغل فيه الرأي العام اللبناني في الجانب المتعلق بقضايا الفساد المرتبط بمهمة الوفود الأوروبية، برزت معلومات تتعلق باهتمام الوفد الفرنسي بقضية تفجير مرفأ بيروت، الذي يتضمن محقق عدلي مهمته الاطلاع على خفايا الملف والعرقلة التي يشهدها، حيث يتوقع أن يلتقي كلاً من المحقق العدلي القاضي طارق البيطار ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، إضافة إلى قضاة آخرين للاطلاع على ما توصلت إليه التحقيقات والأسباب التي أدت إلى توقف التحقيقات بالقضية.

ووفق المعلومات فإن الوفد القضائي الفرنسي سيلتقي المحامي العام التمييزي صبوح سليمان في 23 من الشهر الحالي، لمتابعة مصير الطلبات الموجهة من القضاء الفرنسي إلى نظيره اللبناني في موضوع مقتل فرنسيين في انفجار مرفأ بيروت.

وفي هذا السياق تشير أوساط سياسية إلى دخول أميركي على خط الجمود الحاصل في تحقيقات مرفأ بيروت، إذ تؤكد المعلومات عقد اجتماع للسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، مع رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، والمدعي العام الاستئنافي غسان عويدات والمدير العام للأمن عباس إبراهيم، شددت فيه على تحريك الملف والإسراع في النظر إلى وضع الموقوفين، ومن بينهم مسؤول أمن المرفأ محمد زياد العوف الذي يحمل جنسية أميركية، حيث مارست عائلته ضغوطاً على أعضاء في الكونغرس الأميركي للتدخل لإطلاق سراحه.

فرصة تاريخية

ومع تزامن وصول الوفود الأوروبية إلى لبنان، برزت عودة التحركات لأهالي ضحايا مرفأ بيروت، إذ يقول أحد مصادرهم إنهم يرون إمكانية تدويل القضية من خلال تلك الوفود القضائية، لا سيما أن من بين الضحايا أجانب من دولهم.

وكشف مصدر عن محاولة لترتيب لقاء بين زوجة لقمان سليم والوفد الألماني، للمطالبة بتحريك ملف اغتيال زوجها منذ عامين، في ظل تقاعس السلطات اللبنانية عن إجراء تحقيقات جدية في القضية نتيجة ضغوط سياسية.

المزيد من تقارير