Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة القرن الـ19: فلتان في اختراق الخرائط

الإمبريالات واحدة وإن تنوعت شعاراتها والأهداف

الهجوم الروسي على أوكرانيا سبقته غزوات واجتياحات واحتلالات (أ ف ب)

العالم الذي انتقل من القرن الـ20 إلى القرن الـ21، عاد عملياً إلى القرن الـ19 وسياساته التوسعية والإمبريالية، والهجوم الروسي على أوكرانيا سبقته غزوات واجتياحات واحتلالات، لكن روسيا تميزت، مثل إسرائيل، بالغزو وضم الأراضي معاً. الآخرون الذين اخترقوا الخرائط لم يلغوا الحدود ضمن الحفاظ الشكلي على نظام "وستفاليا" عام 1648 أقله منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. أميركا اجتاحت أفغانستان والعراق وأسقطت النظام في كل منهما من دون تغيير الحدود، ثم انسحبت وأعادت حركة "طالبان" إلى كابول وقدمت العراق لإيران. تركيا غزت شمال سوريا بحجة حماية الأمن القومي من "خطر" الأكراد، مدعية أنهم مرتبطون بحزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان المسجون في إحدى جزرها، ومصرة على إبقاء "قوات سوريا الديمقراطية" مسافة 30 كيلومتراً عن حدودها وخلق "منطقة آمنة". وهي رعت وسلحت ومولت ميليشيات ضد النظام السوري، وليس واضحاً إن كانت ستنسحب في النهاية أم لا.

سوريا دخلت لبنان عسكرياً عام 1976 خلال الحرب بدعوة محلية وتفاهم مع أميركا وضمناً مع إسرائيل التي حددت "الخطوط الحمر". وهي تحكمت بالبلد طويلاً، لكنها انسحبت في النهاية عام 2005. ويروي عبدالحليم خدام النائب السابق لرئيس النظام الراحل حافظ الأسد في مذكراته "إن أكثر ما كان يقلق الأسد هو الخوف على النظام". ورأى أن لبنان "يمكن أن يكون ساحة يستخدمها النظام ضد أعدائه ومن أجل تعزيز النظام وسياساته". و"لم يكن في ذهن الأسد ضم لبنان إلى سوريا أو عدم الاعتراف بشرعية الدولة اللبنانية، وإنما كان الأمر يتعلق بالإمساك بلبنان وتوجيه سياسته الخارجية وإغلاق النوافذ أمام إسرائيل وخصوم سوريا لاستخدام لبنان". وحين "أرسلت طهران عام 1982 لواء من الحرس الثوري إلى دمشق بالاتفاق معها، توجه قسم كبير منه إلى بعلبك وقام بتشكيل (حزب الله)، لم يكن الأسد قلقاً من النفوذ الإيراني، ولا كان في ذهنه أن إيران تبني قاعدة عسكرية وسياسية في لبنان لخدمة استراتيجيتها وطموحها في التوسع الإقليمي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إيران رعت وسلحت ومولت وشكلت ميليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن تابعة للحرس الثوري. ومدت نفوذها الإقليمي، لكنها لم تبدل الأنظمة ولا الحدود الجغرافية بل حرصت أن تكون لها ولميليشياتها اليد العليا في الأنظمة. أكثر من ذلك، فإنها تعمل على ما هو أخطر: تغيير النسيج الاجتماعي. العراق أيام الرئيس الراحل صدام حسين اجتاح الكويت وجعله محافظة عراقية قبل أن يجبره الرئيس جورج بوش الأب على الانسحاب تحت قصف القوة الأميركية والقوى الحليفة معها. وكان لدى صدام أسباب بينها ما أبلغه لرفاقه بالقول: هناك نظام عالمي جديد يتشكل وأريد أن آخذ حصتي ودوري بدلاً من أن أنتظر ما يمكن أن يعطوني إياه. وهذه قمة الحسابات الخاطئة.

إسرائيل غزت الضفة الغربية التي كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، والجولان السوري وسيناء المصرية، فانسحبت من سيناء بموجب معاهدة "كامب ديفيد"، ومن أراض أردنية باتفاق "وادي عربة"، ومن بعض الضفة الغربية لقيام سلطة وطنية فلسطينية ضمن "اتفاق أوسلو". وهي ضمت الجولان والقدس وتستعد لضم أجزاء من الضفة الغربية وربما كلها. روسيا غزت جورجيا عام 2008 وسلخت عنها إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وغزت شبه جزيرة القرم سنة 2014 بعد أن فصلت إقليمي لوغانسك ودونيتسك عن أوكرانيا، ثم غزت أوكرانيا كلها سنة 2022، هي تعمد إلى إلغاء الحدود الجغرافية وتغيير النظام في مواجهة مع الغرب الأميركي والأوروبي لا أحد يعرف كيف وبماذا تنتهي.

ولا شيء يمنع اليوم أي بلد قوي من غزو جاره الضعيف بدعوى رد الخطر على الأمن القومي، ولو كان الخطر وهمياً. فالسياسة الدولية، كما يقول إليوت كوهين العميد السابق لمدرسة الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة "جونز هوبكنز" "دخلت بوضوح حقبة جديدة، وعادت الأشكال القديمة لسلوك الدول الضاري السلاب، وأثبتت الهيمنة الكونية المفترضة أنها غير قادرة على وقفه". ومجلس الأمن الدولي يصبح مشلولاً في مواجهة أي خرق للحدود تقوم به قوة كبرى تملك حق الفيتو. ولا حدود بعد اليوم للفلتان في اختراق الخرائط، فالنموذج الأميركي - الدولي لإخراج القوات العراقية من الكويت لم يعد تكراره وارداً. والإمبريالات واحدة، وإن تنوعت شعاراتها والأهداف.

المزيد من تحلیل