Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأمير هاري والسبب النفسي وراء تعاطيه المخدرات

لا غرابة في تعاطيه مواد كالكوكايين في تلك المرحلة من حياته ما يثبت أن دوق ساسكس إنسان عادي بالكامل

صديقان يلتقطان صورة أمام نافذة مكتبة لندنية. بعد أسابيع من التسريبات والشائعات، يتاح للجمهور العالمي فرصة للحكم بنفسه على كتاب الأمير هاري، بتاريخ الثلاثاء 10 يناير 2023 (أسوشيتدبرس)

جاء اعتراف الأمير هاري بتعاطي مخدرات غير شرعية بين جملة الأمور التي كشف عنها في كتابه الجديد، "سبير"  Spare [يشير عنوان الكتاب إلى عبارة قيل إن الملك تشارلز استخدمها للإشارة إلى هاري، ابنه الثاني، على أنه "احتياطي" أو وريث احتياطي، لأنه كان قد أمّن بالفعل وريثاً يتمثل في وليام، الشقيق الأكبر لهاري]. وشملت قائمة تلك المخدرات القنب الهندي [حشيشة الكيف] والكوكايين والفطر السحري، لكن ليس واضحاً إذا كان قد انخرط تعاطي تلك الأنواع كلها في وقت واحد، أو في مناسبات منفصلة.

يبدو الأمير مستاء بعض الشيء من التأثير الذي تركه الكوكايين فيه. فيما يصف كيف أنه بعث على شعور بسعادة كبيرة لدى أصدقائه، خلافاً لما حدث معه. وجعله ذلك يشعر بأنه مختلف، وذلك أمر أقر بأنه كان يسعى إليه. بالتالي، يظهر سؤال بشأن ما هو المختلف الذي سعى إليه آنذاك. وهل كان حزيناً، أو يشعر بكرب على فقدان والدته، أو غير متأكد من مستقبله ومكانه؟ تلك الاحتمالات كلها واردة، لأنه أفصح عن هذه الأفكار علانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعتبر الكوكايين، إسوة بأنواع المخدرات الأخرى التي تؤثر في المزاج والوعي والسلوك، وسيلة فاعلة في تغيير شعورنا أو تفكيرنا. لذلك إذا كان يعتريك إحساس بالضعف، في مقدور الكوكايين أن يقلب نمط التفكير السلبي ذلك رأساً على عقب. وخلافاً للاستشارة الطبية أو خدمات الصحة العقلية والنفسية، ليس لتلك المخدرات قائمة انتظار طويلة من المرضى، ولا تترافق مع طرح أسئلة تنتهك الخصوصية. إن الحصول على المخدرات سهل، وهي تؤتي مفعولها سريعاً. بهذا المعنى، يبدو جلياً كيف أن في وسعها أن تجذب شخصاً على شاكلة الأمير الشاب هاري.

وفي المقابل، ليس من غير المألوف أن يتعاطى الأمير هاري مخدرات كالكوكايين في تلك المرحلة من حياته. ففي أوقات سابقة، شكّل الشباب غالبية من يتعاطون المخدرات بغرض الترويح عن النفس.

بطريقة ما، زادت نسبة الشباب الذين لا يلجأون إلى المخدرات في السنوات الأخيرة. إذ ترفض هذه المجموعة كل أنواع المخدرات، كذلك الكحول. نجهل السبب وراء ذلك، لذا لا يسعنا سوى أن نتكهن بأنها ربما تكون قد تأتت من شواغلهم بشأن صفحاتهم الشخصية على الإنترنت ووصمة العار المرتبطة بالظهور في حال من السكر وفقدان السيطرة على النفس.

والمثير للاهتمام، أن الأمير هاري يورد إن هذا تحديداً ما أراد أن يشعر به عند تعاطيه الكوكايين، وقد استخدمه في أكثر من مناسبة. في أواخر سني مراهقته، نُظر إلى الأمير هاري بوصفه متمرداً على العائلة الملكية. إذ رصدته الكاميرات في مناسبات عدة يلهو في الحفلات ويغادر الملاهي الليلية في الصباح الباكر.

استكمالاً، يساعد الكوكايين من يستخدمه على البقاء يقظاً خلال الحفلات الطويلة، إذ يعطي شعوراً بالحيوية والنشاط والحماسة. ولكنه، على غرار الحال مع المخدرات كافة، ينطوي على جانب سلبي. وتشمل تأثيرات الكوكايين المضرة، تراجع التحكم في الانفعالات وارتفاع مستويات الغضب. ليس واضحاً مدى إسهام ذلك في الانفعالات الموثقة التي عاناها الأمير هاري في تلك المرحلة من حياته، إبّان تصرفه الحاد تجاه مصوري الصحافة. وفي الأقل، يضعف الكوكايين القدرة على ضبط النفس ويثبط أي وازع يحول دون ارتكاب سلوكيات معينة.

من المفارقات أن جزءاً من جاذبية المخدرات غير المشروعة يكمن في كونها محظورة، والأمير هاري يقر بذلك. في الواقع، يعترف شباب كثر بهذا الإغراء حينما يُسألون عن سبب تعاطيهم المخدرات. ربما يكون الإغراء الكامن في نَهيكَ عن أمر ما أقوى من قدرتك على مقاومته، لا سيما حين توجيهك بقوة وبإصرار للتصرف بطريقة معينة، على غرار الحال مع الأعضاء الأصغر سناً في العائلة المالكة. مرة أخرى، يبدو سهلاً أن نتصور الإغراء الذي تفرضه أنواع المخدرات مثل الكوكايين على الأمير الشاب لأنها توفر هروباً موقتاً ومباشراً من نمط حياة شديد التنظيم وعادات محكومة ومراقبة تماماً.

من المستبعد أن تطرح التجربة القصيرة من تعاطي المخدرات تأثيراً دائماً على الأمير هاري. وعلى غرار الحال مع معظم الشباب ممن جربوا المخدرات، ينزع هؤلاء إلى الانصراف عنها بمجرد أن يشرعوا في العمل أو يحاولوا تطوير حياتهم المهنية، والالتزام بعلاقة مع شريك. ليست حملات التوعية وتحذيرات الصحة العامة بفاعلة في صرف الشباب عن هذا السلوك، بل ببساطة يأتي ذلك من النضوج والتقدم في العمر.

في الحقيقة، إن الإدانة الجنائية بتعاطي المخدرات ووضع الحواجز أمام فرص العمل، وكذلك السفر إلى أماكن كأميركا حيث يعيش هاري الآن، هي ما يلحق ضرراً دائماً بكثير من الشباب. ليس على الأمير هاري، مثل آخرين ممن يتمتعون بامتيازات، أن يقلقوا لأنهم أقل عرضة لإلقاء القبض عليهم وإدانتهم بتهمة تعاطي المخدرات.

واستطراداً، فعلى غرار كثيرين ممن يشغلون مناصب سياسية رفيعة واعترفوا بتعاطي المخدرات في الماضي، علماً أنهم لن يُلاحقوا قضائياً أو يُدانوا، ربما يعتقدون أنه، بطريقة ما، سيشكل إضافة إلى ما تختزنه ذاكرة الشعب عنهم. إنهم لا يواجهون وصمة العار والتمييز التي يكابدها من لا يملكون حيلة. بالتالي، تسلط تلك الأمور كلها الضوء على التباين بين من يتربعون في قمة المجتمع، وبين غير الميسورين أو ليس لديهم معارف مهمين.

في حين أنه ليس من المستغرب أن الأمير هاري تعاطى المخدرات، يبدو أنه ما زال يصارع مشاعره، لا سيما مع فقدان والدته ديانا. يمكن أن توفر المخدرات فترة محدودة يزيح خلالها المرء الحزن عنه، ولكنها لا توفر العلاج اللازم لتقبل الأمور. لا طرق مختصرة تنتشلنا من الحزن والأسى، بحسب ما يوضح هاري، بل ربما تطول هذه الحال سنوات عدة. لا يسعنا إلا أن نأمل في أن يجد الأمير السلام الذي ينشده وأن يصل إلى الدعم الذي سيمكنه من تحقيقه.

ليست المخدرات بالحل الطويل الأمد حينما يتهدد الصحة العقلية والنفسية خطر ما، ولا توفر الملكية، على رغم كل امتيازاتها، أي حماية من هذه المعاناة العادية كلياً والمشتركة أيضاً على نطاق واسع.

* إيان هاميلتون، محاضر أول في الإدمان والصحة العقلية والنفسية في "جامعة يورك"

© The Independent

المزيد من متابعات