Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تسعى موسكو إلى "قطع يد" واشنطن في سوريا؟

محاولات التوفيق بين أنقرة ودمشق تقضي على الإدارة الذاتية الكردية الحاضنة للوجود العسكري الأميركي

ترغب روسيا في إخراج الولايات المتحدة من المعادلة السورية (أ ف ب)

بخطوات متسارعة تعمل روسيا على إنجاز مصالحة بين سوريا وتركيا بعد 12 عاماً من الخلافات المحتدمة، وسط إصرار على إتمام ذلك الملف الذي لاقى "تمنعاً" من دمشق في البداية، إلى أن لاحت بوادر الحل باجتماع وزراء دفاع الدول الثلاث في موسكو الشهر الماضي.

الجهود الحثيثة من جانب موسكو أرجعها متخصصون إلى رغبتها في إخراج الولايات المتحدة من المعادلة السورية، حيث توجد سياسياً وعسكرياً بدعم القوات الكردية في الشمال والشرق السوري، وكذلك بقوات عسكرية أميركية محدودة.

التحركات الروسية أبرزتها تقارير إعلامية خرجت الشهر الماضي، تتحدث عن اقتراح روسي خلال اجتماع تشاوري في إسطنبول بأن تنسحب قوات سوريا الديمقراطية "قسد" (التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردي العمود الفقري لها) من مناطق منبج وعين العرب شمال سوريا، وتحل محلها قوات النظام السوري، بما يحقق رغبة تركيا في إقامة حزام أمني بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، ويضعف القوات الكردية التي تصنفها أنقرة إرهابية، وفي الوقت نفسه يرضي دمشق باعتباره انتصاراً لفرض سيادتها على جانب من الأراضي السورية، تحكمه إدارة ذاتية من جانب "قسد" منذ أعوام، وعلى الجانب الروسي ستستفيد من فقدان حليف مهم لواشنطن السيطرة على مساحات من الأراضي.

مهمة صعبة

وبرأي المحلل السياسي الروسي دميتري بريجع، فإن رؤية موسكو للملف السوري هي أن كل الأطراف التي تدخلت من دون دعوة رسمية من دمشق يجب أن تخرج من الأراضي السورية، لأنها تعتبر ذلك انتهاكاً للسيادة السورية، وبذلك يمكن القول إن على الولايات المتحدة الأميركية أن تخرج إذا جرى التوافق بين روسيا وتركيا ودمشق.

واستبعد نجاح موسكو في أن تدفع الولايات المتحدة للخروج من سوريا، موضحاً لـ"اندبندنت عربية" أن واشنطن تستفيد من الثروات الباطنية السورية، ومن الوضع الحالي في سوريا، مضيفاً أن الصراع في أوكرانيا والدعم الغربي لكييف يصعب من أن تترك واشنطن مناطق شمال شرقي سوريا فارغة، ما يفتح المجال لبسط السيطرة الروسية وهو ما لا تريده واشنطن.

ويتفق معه المحلل السياسي المقيم في روسيا مسلم شعيتو بأن نجاح موسكو مستبعد، مضيفاً لـ"اندبندنت عربية" أن واشنطن لديها أوراق ضغط على عدد كبير من دول الإقليم، وقواتها تحتل قسماً مهماً جداً من سوريا من الناحية السياسية والاقتصادية، مؤكداً أن التحالف الأميركي - التركي يصعب من إمكان تحقيق وحدة سوريا وسيادتها، لما للبلدين من مصلحة مشتركة في استمرار الأزمة السورية، حسب قوله.

روسيا قادرة

في المقابل، يجد الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية، إيهاب عباس، في روسيا قدرة على الضغط لإنهاء الوجود الأميركي في سوريا، لكنه أكد أن موسكو لن تدخل في صراع مباشر لتحقيق ذلك، إنما تعمل على إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى طبيعتها في ظل التوجه التركي لذلك منذ فترة، بالنظر إلى رغبة إدارة أنقرة في محاولة التنسيق مع نظام الرئيس بشار الأسد وإعادة قسم من اللاجئين السوريين إلى وطنهم بغية تخفيف الضغط عن الاقتصاد التركي.

وقال عباس لـ"اندبندنت عربية" إن هدف روسيا الدائم هو إخراج النفوذ الأميركي أو الأوروبي من مناطق نفوذها، ومن ثم فكلما كانت روسيا قادرة على الحد من الوجود العسكري الأميركي على الأراضي السورية ستفعل ذلك، لكنه حذر من أن الدعم العسكري الأميركي للأكراد كان بالأساس هدفه محاربة "داعش"، والتخلي عنهم يعني عودة التنظيم، بخاصة مع الهجمات التي شنها أخيراً.

وأشار إلى أن المصلحة المشتركة لأميركا وروسيا وجميع دول العالم في عدم إعادة شبح "داعش" قد تدفعهم إلى التفكير ملياً قبل إنهاء أي طرف لدور الآخر، ومنوهاً بأن موسكو قادرة على أن تجعل القوات الأميركية في سوريا تعيش أياماً صعبة من خلال هجمات ميليشيات مدعومة من النظام السوري وروسيا و"حزب الله"، بخاصة أن وجود القوات الأميركية محدودة، وأضاف أن دور واشنطن تراجع منذ انسحاب القوات الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، بينما لم تبد إدارة الرئيس جو بايدن اهتماماً بالملف السوري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبدأ الوجود العسكري الأميركي البري في سوريا في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عام 2015، واستهدف قوات "داعش" بعد الاجتياح السريع من التنظيم الإرهابي لمساحات شاسعة من سوريا والعراق، ووصل عدد القوات الأميركية إلى ألفي جندي يتمركزون في شرق وشمال شرقي سوريا، وهي مناطق تضم عديداً من حقول النفط، إلى أن قرر الرئيس الأميركي السابق ترمب في ديسمبر (كانون الأول) 2018 سحب القوات.

وحالياً، يوجد نحو 900 جندي أميركي ضمن قوات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، وأعلن الجيش الأميركي تعرض قاعدة عسكرية أميركية في شرق سوريا لهجوم صاروخي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي دون خسائر.

على الجانب السوري، قال المتخصص العسكري السوري العميد علي مقصود، إن روسيا وجدت الطريق ممهداً لمفاوضات عسكرية ودبلوماسية وأمنية بين سوريا وتركيا، تنتهي بلقاء قمة بين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد، بعد حل الخلافات بين البلدين "طالما أن الرئيس التركي ملتزم سيادة سوريا ووحدة أراضيها"، معتبراً أن ذلك سيريح سوريا "التي تواجه حصاراً وعقوبات أميركية"، مؤكداً أن نجاح الحوار بين دمشق وأنقرة يقطع الطريق على واشنطن، التي نجحت في "توظيف ذلك الخلاف على مدار سنوات".

تخريب المصالحة

وتوقع مقصود أن تعمل واشنطن على "تخريب" مسار المصالحة التركية السورية، مضيفاً لـ"اندبندنت عربية" أن "الدعم الأميركي لـ(قسد) يغطي على استثمار واشنطن لتنظيم (داعش)، كما أن الوجود العسكري الأميركي غير شرعي، ويعد قوة احتلال يستدعي المقاومة الشعبية"، وأشار إلى أن "القيادة السورية ستواصل الحوار مع تركيا طالما كان ذلك يضمن سيادة سوريا وقرارها المستقل".

وكانت الخارجية الأميركية قد دعت دول العالم، الأسبوع الماضي، إلى عدم تطبيع علاقاتها مع حكومة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وذلك تعليقاً على اللقاء الذي جمع وزيري الدفاع السوري والتركي في موسكو، وقال متحدث الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين "نحن لا ندعم الدول التي تعزز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشار الأسد".

ويؤشر ذلك التصريح إلى احتمالية توتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة في حال إتمامها المصالحة مع نظام بشار الأسد، وهو ما يذكر بالخلاف الذي حدث بين البلدين في عهد ترمب، وأدى لعقوبات أميركية أثرت بقوة في الاقتصاد التركي وأجبرت نظام أردوغان على التراجع والإفراج عن قس أميركي محتجز، وفق إيهاب عباس المحلل المقيم في واشنطن، الذي أكد أن أي توتر لن يكون في صالح البلدين الحليفين في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وكذلك سيضر بجهود الحرب على "داعش".

 

كذلك، قال المحلل السياسي التركي طه عودة لـ"اندبندنت عربية" إن الخطوات الروسية للتقارب التركي السوري تخدم موسكو بالدرجة الأولى، بخاصة في ما يتعلق بسحب البساط من تحت أقدام أميركا، مؤكداً أن العلاقات الأميركية التركية تمر بالأساس بمرحلة من التوترات الواضحة بسبب سوريا، واتضح ذلك من خلال التهديدات التي وجهتها أنقرة للأكراد على الجانب السوري بشن عدد من العمليات العسكرية وسط رفض ومعارضة واشنطن، لتأتي التحركات الروسية لتؤجج الخلاف.

وأوضح عودة أن موسكو تمكنت من احتواء أنقرة وجذبها للعدول عن العملية العسكرية في سوريا، من خلال إبعاد القوات الكردية من حدودها، بجانب فتح قنوات اتصال بين تركيا والنظام في سوريا، مشدداً على أن كل هذه التحركات للتقارب التركي السوري تصب في مصلحة الجانب الروسي، بجانب تضييق الخناق على الوحدات الكردية في الشمال السوري، وهو ما تريده أنقرة بالدرجة الأولى.

وأشار عودة إلى أن العلاقات التركية الأميركية ستشهد توتراً أكبر في الفترة المقبلة، بسبب انزعاج واشنطن من تقارب أنقرة وموسكو وتفاهمهما في أغلب الملفات، بخاصة الحرب الروسية - الأوكرانية، وهي جميعها أمور انعكست بشكل كبير على علاقات تركيا مع أميركا وظهرت آثارها في الدعم الأميركي لليونان وهو ما أزعج أنقرة.

القضاء على الحكم الذاتي

بدوره، أكد مؤسس منظمة "كرد بلا حدود" المدافعة عن حقوق الأكراد، كادار بيري، أن هناك حالياً تنسيقاً تاماً بين دمشق وأنقرة، وانتقلت الصلات من مرحلة التوفيق برعاية روسية إلى التفاهم بمناطق النزاع في الداخل السوري، بخاصة مع انتقال اللقاءات إلى مرحلة العلانية.

وقال بيري لـ"اندبندنت عربية" إن روسيا تمكنت من جذب تركيا إلى صفها في الملف السوري، مشيراً إلى أن الاتفاق والتفاهم التركي الروسي السوري هدفه القضاء على الحكم الذاتي لشمال وشرق سوريا بقيادة قوات سوريا الديمقراطية، ذراع أميركا وسلاحها الأساسي الذي شكلته ودعمته منذ 2014 لمحاربة تنظيم "داعش".

 

وأوضح أن الأطراف الثلاثة تركيا، وروسيا، وسوريا، لكل منهم أهدافه في الاتفاق ضد الأكراد، موضحاً أن النظام السوري يرغب في القضاء على الكيان الذي أنشأه الأكراد، وكذلك يريد السيطرة على منابع النفط ويعيش أسوأ حالاته الاقتصادية، فيما تتمنى روسيا تحقيق انتصار "ولو وهمي" على أميركا من خلال القضاء على الحاضنة الكردية التي قبلت بوجود أميركي على أماكن سيطرتها في سوريا، مؤكداً أنه باختفاء الإدارة الذاتية الكردية لن يتبقى لواشنطن وجود في سوريا.

تباطؤ الدعم

وأوضح بيري أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لم تسلم قرارها لأية جهة، سواء من دول الجوار أو التحالف الدولي، فقرارها دائماً كان ذاتياً وبحسب المصلحة، لافتاً إلى أن "الإدارة تعمل على عدة أصعدة سياسياً، فهي على علاقة جيدة مع أميركا وفي الوقت نفسه لم تقطع علاقتها مع موسكو وتدرك خطورة الوضع وأهمية الطرفين".

وحتى قبل اللقاءات العلنية بين الحكومتين السورية والتركية، كانت قيادة "قسد" قد حذرت من التقارب، حيث صرح قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في أكتوبر 2022 بأن "التطبيع الشامل بين أنقرة ودمشق" يعكس مصالح الحكومة التركية ويحمل أخطاراً كبيرة على مستقبل السوريين. وقوبلت أنباء اللقاءات الرسمية بتظاهرات شارك فيها المئات في مناطق سيطرة "قسد" شمال شرقي سوريا، ما دفع وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو إلى عقد اجتماع مع قادة المعارضة السورية، أكد خلاله الالتزام بدعم المعارضة.

كان الرئيس التركي قد توقع أن يجتمع مع الأسد، خلال تصريحات الأسبوع الماضي، كاشفاً عن أنه من المقرر عقد اجتماع ثلاثي يضم وزراء خارجية كل من تركيا وروسيا وسوريا، من أجل مزيد من تعزيز التواصل بعد محادثات بين وزراء دفاع الدول الثلاث في 28 ديسمبر الماضي، الذي تضمن التطرق إلى سبل حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين والجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة، وفق بيان روسي، نقل إشادة الدول الثلاث بإيجابية الأجواء خلال اللقاء وضرورة مواصلة الحوار لإرساء الاستقرار في سوريا.

وبرزت مؤشرات تقارب بين سوريا وتركيا منذ لقاء غير رسمي أجري على هامش قمة إقليمية عام 2021، جمع بين وزيري خارجية البلدين في أغسطس (آب) الماضي، وقال أردوغان في نوفمبر، إن احتمال لقائه الأسد "ممكن".

وتدعم تركيا المعارضة السورية التي تستضيف أبرز مكوناتها في إسطنبول، كما تدعم الفصائل المعارضة المسلحة، ورغم أن تركيا شنت منذ 2016 ثلاث هجمات ضد المقاتلين الأكراد، مكنتها من السيطرة على أراض سورية حدودية واسعة، إلا أنها لم تدخل في مواجهة مباشرة مع دمشق سوى بشكل محدود عام 2020، سرعان ما انتهت بوساطة روسية.

المزيد من تقارير