على رغم تسميتها "مقابلة شخصية" إلا أن مضمون اللقاء الذي يسبق الترشيح على الوظيفة تعدى في بعض الحالات التعرف على شخصية المتقدمة ومهاراتها المهنية إلى التدخل في خصوصيتها بالسؤال "أنت حامل؟"، أو "هل لديك الرغبة بالحمل"، إلى "هل فكرة الزواج موجودة؟"، وغيرها من الأسئلة التي تواجه عديداً من النساء السعوديات الراغبات في الجمع بين الحقوق الوظيفية والفطرية.
وما يحدث في كواليس المقابلات الشخصية للسيدات إلى جانب الأسئلة المدرجة بشكل غير موثق، تطلب بعض جهات التوظيف أوراقاً كإحضار تحليل مخبري يثبت عدم وجود حمل، إضافة إلى التلويح لاضطرارهم لإنهاء خدماتها في حال حدوث ذلك.
وأبدت عدد من السيدات اللواتي تعرضن لمثل هذه المواقف استياءهن، قائلات إنهن تلقين أسئلة يشوبها التمييز بين الجنسين والتدخل بخصوصياتهن، فكانت مطالبة جهة العمل بعدم الإنجاب أو السؤال عن فكرة الحمل أو الزواج أمراً مزعجاً، بخاصة أن بعضهن بحاجة ماسة إلى تحسين مستوياتهن المعيشية.
المعلمات وإجازة الأمومة
وأوضحت شروف علي، وهي شابة عشرينية رشحت لوظيفة في إحدى مدارس التعليم الأهلي في مدينة الرياض، أنها تلقت طلباً من المدرسة الخاصة التي قبلتها مبدئياً بإدراج ورقة كشف طبي تقليدي كالذي يسبق أي وظيفة إلا أنه تضمن تحليلاً مخبرياً يثبت عدم حملها، متسائلة "هل وجود الحمل للسيدة يمنعها من العمل إذا كانت بصحة جيدة؟".
سيدة أخرى طلبت عدم ذكر اسمها لأسباب قانونية، قالت إنها التحقت بإحدى المدارس الأهلية الكبرى في الرياض بعد نشرها إعلاناً عن وظيفة شاغرة تناسب تخصصها "معلمة لغة إنجليزية"، إلا أنها تفاجأت بأنها "بعد أن أرسلت جميع الأوراق المطلوبة عبر البريد الإلكتروني إلى هذه الجهة طلبت لإجراء المقابلة الشخصية، وبعد الاتفاق على الوظيفة طلب مني عمل اختبار حمل قبل بداية العام الدراسي بشهر للتأكد من عدم حملي لأنه سيؤثر في سير العمل".
وفسرت ذلك الطلب أنه انطلاقاً من خشية جهة العمل من خسارة الموظفة في إجازة أمومة طويلة، أو تعثرت حالتها الصحية المتكررة.
التمييز ضد المتزوجات
ولم تتمكن "اندبندنت عربية" من الحصول على تعليق من الجهتين المذكورتين أعلاه، لذلك سألت أخصائيي موارد بشرية لتقديم تفسير عن أسبابه.
إحداهن كانت فاطمة السلامي، أخصائية موارد بشرية ومواهب سعودية، قالت إن معيار نجاح التوظيف لدى أغلب المنظمات أن يكون المتقدم لائقاً صحياً سواء كان رجلاً أو امرأه من دون أي تمييز، مضيفةً "اندماج الذين يتم تعيينهم حديثاً من أهم معايير نجاح عملية التوظيف التي تستغرق بالعادة من ثلاثة إلى ستة أشهر، والتي تضم عوامل رئيسة عدة، منها تقييم الموظف الجديد والتأكد من استقراره الوظيفي وكفاءته، ولهذا يتم الأخذ بالاعتبار مدى ملاءمة المرشح صحياً للوظيفة الشاغرة".
وأوضحت أن السيدة الحامل تمر بمراحل تؤثر في موضوع تعيينها خصوصاً في الستة الأشهر الأولى كونها مرحلة اندماج للموظفة في الشركة للتعرف على المهمات والأنظمة.
وأضافت "برأيي ليس هناك إشكالية في تعيين المتزوجة وقرار حملها أمر خاص، وبعض الشركات التي تسأل عن ذلك ترغب في التأكد من مدى كفاءتها والاستقرار الوظيفي للطرفين".
وبينت عهود بالزهير، وهي مديرة الموارد البشرية في إحدى الشركات، أن "أغلب الشركات تستبعد توظيف المتزوجات بسبب فكرة الإنجاب وأعذار المرأة التي لديها أطفال، إضافة إلى الإجازات التي تطلبها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزادت "المرأة الحامل تحتاج إلى إجازات مرضية كثيرة وإجازة وضع وحضانة ما يدفع الشركة في كثير من الأحيان إلى البحث عن بديل ودفع راتب لكلتا الموظفتين".
وبينت أنه في حال تعادلت الكفاءة بين كل من المتقدمة المتزوجة وغير المتزوجة فإن غالبية الشركات ترشح غير المتزوجة.
سؤال غير قانوني
وحول امتلاك جهات العمل الحق القانوني في اشتراط عدم حمل الموظفة أو الاستفسار عن نية الإنجاب، أوضح المستشار القانوني عمر الخولي أن هذه الأسئلة تعد من النوع الذي يقع في إطار الأسئلة الشخصية التي لا ينبغي توجيهها إلى طالبات التعيين، وذلك باعتبار أنها أسئلة تنتهك الخصوصية.
وأضاف "سنت كثير من الدول قوانين تحظر على أصحاب العمل توجيه مثل هذه الأسئلة إلى طالبات الوظائف، وإلا كانوا تحت طائلة العقاب، وتمنح الحق لطالبة الوظيفة أن تمتنع صراحة عن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة التي تصنف بالشخصية، لأنها تقع في إطار القيد على الحريات الشخصية"، فضلاً عن المواد التي تحظر على أصحاب العمل وضع تعهد أو التزام على طالبة الوظيفة ألا تتزوج أو تنجب ولو لمدة زمنية معينة.
وأشار الخولي إلى "ننصح أي فتاة تتعرض لمثل هذه الأسئلة أن تتوجه فوراً إلى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وتقدم شكوى بذلك، على أن تكون مؤيدة بما يثبتها".
وأكد القانوني أن "نظام العمل السعودي تطرق إلى كثير من الجوانب الإيجابية في شأن عمل المرأة، إلا أنه لم يتطرق صراحة إلى التعامل مع هذا الاحتمال" ولم يتضمنه النظام صراحةً.
من جهته، أكد المستشار القانوني عبدالعزيز الزامل أن العمل حق من الحقوق الأساسية التي قررها النظام الأساسي للحكم الذي يعد بمثابة الدستور، كما ورد في المادة الثامنة والعشرين، أن المواطنين متساوون في حق العمل دون أي تمييز لا على أساس الجنس ولا السن ولا الإعاقة أو أي شكل من أشكال التمييز الأخرى سواء عند التوظيف أو عند الإعلان عنه، فضلاً على أن "نظام العمل السعودي كفل حق المساواة وحظر أشكال التمييز كافة في العمل سواء عند التوظيف أو بعد التوظيف"، وفقاً لما نصت عليه المادة الثالثة من نظام العمل.
كما أن نظام العمل "احترم حرية العامل سواء كان رجلاً أو إمرأة فقرر أنه لا يجوز لصاحب العمل إساءة استعمال أحكام نظام العمل ولا الضغط على حرية العامل نهائياً، وذلك وفقاً لما قررته المادة العشرون منه".
وأكد أن اشتراط صاحب العمل على المرأة المتقدمة عدم الحمل أو قيامه بالتوظيف على هذا الأساس هو شكل من أشكال التمييز التي منعها نظام العمل السعودي، كما أن اشتراط ذلك في عقد العمل يعد شرطاً مخالفاً للنظام ولا يعتد به، حتى وإن وافقت المتقدمة على ذلك لأنه "لا يجوز الاتفاق على مخالفة النظام كما نصت على ذلك المادة الثامنة من نظام العمل".
وأفاد الزامل بأن سؤال العاملة عن حملها هو "اعتداء على خصوصيتها وتدخل في حريتها وهذا ممنوع بنص المادة العشرين من نظام العمل، كما أن نظام العمل حفظ حقوق المرأة العاملة أثناء الحمل والولادة، ومن ذلك أنه لا يجوز لصاحب العمل فصل العاملة أو إنذارها بالفصل أثناء حملها أو تمتعها بإجازة الوضع وفقاً للمادة (155) من نظام العمل، لذا ففصل العاملة إذا ثبت حملها يعد فصلاً تعسفياً وإنهاء غير مشروع يوجب للعاملة التعويض العادل الجابر للضرر، حتى وإن اشترط صاحب العمل عليها في عقد العمل عدم الحمل، ولا يعتد بموافقتها الواردة في العقد إن وجدت لأن شرط عدم الحمل شرط تمييزي غير صحيح".