تقف المهنة التعليمية في السعودية حائرة بين تحقيق آمال الدولة في حل مشكلة البطالة التي تحتل مرتبة متقدمة في دولة غنية، وبين تحقيق جودة عالية في التعليم يفتقدها بعض المعلمين السعوديين بحسب نتائج اختبارات هيئة تقويم التعليم والتدريب السعودية.
وفي هذا الصدد، أصدرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية قراراً وزارياً بتوطين الوظائف التعليمية في منشآت التعليم العام الأهلية والمدارس العالمية للبنين والبنات المرحلة الأولى، وفق عدد من التخصصات وعلى عدة مراحل تُطبق بنسب محددة على ثلاث سنوات.
ويستهدف القرار زيادة نسب التوطين في المدارس الأهلية بجميع التخصصات بما فيها الرياضيات والفيزياء والأحياء والعلوم والحاسب الآلي، وزيادة نسب التوطين في تخصصات اللغة العربية والهوية الوطنية والدراسات الإسلامية والاجتماعيات والتربية الفنية والتربية البدنية كمرحلة أولى في المدارس العالمية، ولدعم القرار حددت الوزارة حداً أدنى لأجور المعلمين هو 5 آلاف ريال (1340 دولار).
المستثمرون في القطاع
وفيما وجد القرار استبشاراً من المواطنين الباحثين عن العمل، لاقى امتعاض المستثمرين في القطاع، فهم أكثر المتضررين منه، لا سيما أنهم ما زالوا يتجرعون ألم ما خلفته أزمة كورونا على القطاع، بما يشكله من عبء إضافي عليهم، فالمحافظة على جودة التعليم والكفاءات التعليمية ذات الخبرات ستسهم في قدرة القطاع على المنافسة ورفع نسبة الالتحاق بالتعليم الأهلي الذي من مستهدفات رؤية السعودية 2030 التوسع فيه، ليرتفع حجمه من 15 إلى 25 في المئة، لكن الإشكال يأتي في التوقيت الحرج، وفق المهتمين.
ويرى عبدالعزيز الفهد رئيس اللجنة الوطنية للتدريب والتعليم الأهلي أن القرار يحتاج إلى وقت أطول لتطبيقه وضمان نجاحه، "فمن المهم التخطيط السليم وبناء قدرات القوى العاملة في التعليم، وهو اتجاه جرى بحثة منذ سنوات، ولم يتخذ قرار فيه، نظراً لحداثة منظومة أدوات تحديد كفاءة المعلمين، ففي ظل عدم اكتمال منظومة السياسات الداعمة للتوطين من برامج تأهيل المعلمين وتفعيل المعايير المهنية للمعلم، لأن منظومة التعليم تمر بمرحلة تحول، وهذا يتطلب وقتاً".
وأشار ثنيان النويعم المستثمر في قطاع التعليم الأهلي إلى أن "التوطين خيار استراتيجي، لكن هذا القرار وضع المنشآت في حرج، لا سيما أنها ملتزمة قرارات الوزارة الأخرى التي تتعارض مع الجديد، ويكبد المستثمرين الخسائر".
واعتبر أن منصة "مدد" التي أطلقتها وزارة الموارد البشرية لضمان حقوق جميع الأطراف ضمن عقد موحد، "بادرت المدارس بتوقيع العقود عبرها، ولأن نظام العمل السعودي يعاقب المنشأة التي تخالف العقد أو تنهيه بعد توقيعه وتوثيقه، فإننا سنواجه هنا مشكلة تتطلب من وزارة الموارد البشرية النظر فيها قانونياً لحماية المدارس".
ضعف المعلم
وقد استحدثت السعودية اختبارات للمعلمين والمعلمات بهدف التأكد من مدى تحقيق الحد الأدنى من المعايير التي ينبغي توفرها في المتقدمين لمهنة التعليم من أجل تجويدها، إلا أن نتائج تلك الاختبارات أعطت انطباعاً سلبياً لدى المستثمرين، إذ كشفت عن ضعف في أداء بعض المعلمين في السعودية، إذ كانت نسب الاجتياز في اختبار كفايات المعلمين والمعلمات ما بين 50-60 في المئة.
وجاءت نسبة اجتياز اختبارات الرياضيات والفيزياء أقل بكثير، وهي التي طالبت الوزارة بتوطينها في المدارس الأهلية بنسبة 100 في المئة، فكان الاجتياز يتراوح ما بين 30-40 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلق النويعم بأن المتقدمين للوظائف يحتاجون تأهيلاً وتدريباً على رأس العمل ليتمكنوا من تجاوز اختبار الكفايات، أما إقحام المتقدم في العملية التعليمية مباشرة دون توفر الكفايات لديه، فيحدث إضراراً بالطالب وولي الأمر والمدارس الأهلية على حد سواء".
وكانت هيئة تقويم التعليم أعلنت أخيراً تسجيل 366 ألف معلم في منصة الرخص المهنية، إلا أن 20 ألف معلم فقط بينهم مُنحوا الترخيص.
ردود فعل المعلمين
تعلق الوزارة آمالها على المعلم حديث التخرج لإحداث التغيير في العملية التعليمية لتصل بنظامها التعليمي إلى ما يليق بها، لكن يفتقد الخريج ثقة المستثمرين فيه حيث يرونه أقل جودة وأعلى أجراً.
لكن للمعلمين وجهة نظر أخرى في اختيار التعليم مهنة لهم، بخاصة في المدارس الأهلية، فالراتب القليل يقع عائقاً أمامهم. ويقول المعلم عبدالمنعم السهو "إن المعلم السعودي قادر على العطاء، وهذا ما نراه في مدارسنا الحكومية، أما عن القصور من قبل بعض المعلمين فهو لا يخص المعلم السعودي كجنسية، ولا يخص التعليم كوظيفة بل هو موجود في كل مكان وكل بلد".
أما عن أسباب فشل التوطين في المدارس الأهلية، بخاصة في قسم البنين، فذكر السهو أنه يعود إلى أن "أصحاب المدارس هدفهم الربح الأكبر مع قلة التكلفة، فلا رواتب مجزية للمعلم ولا تأميناً طبياً ولا حوافز، مع كثرة المهام، لهذا لا يفضلون استمرار العمل فيها، ويلتحقون بها فقط من أجل الحصول على الخبرة".
ولفت السهو إلى أن المعلم غير السعودي القادم، ليس منافساً للشاب السعودي "بل يثري البيئة التعليمية السعودية"، وشبه ذلك باللاعب الأجنبي في الملاعب السعودية، فهو ينهض بالمباراة، ويستفيد من خبرته اللاعبون السعوديون الذين يحتكون به. وينفي المستثمرون السعوديون تلك التهم، لكنهم يرون الربح ضرورياً لاستمرار عمل المنشآت التي يقودون.
وتحدث المعلم عبدالرحمن الزهراني عن رفع الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص، واعتبر "الرواتب لاتزال ضعيفة مع ما يقدمه المعلم من إنجاز في العملية التعليمية، فلا يوجد ما يحفزهم في بيئة التعليم الأهلي، أما المعلم الأجنبي فهو يحصل على تأمين طبي وبعض الحوافز، بينما المعلم السعودي يعتبر المدارس الأهلية محطة عبور لوظيفة حكومية أفضل".
وحاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع المتحدثة الرسمية باسم التعليم ومسؤولين آخرين في الوزارة، لنقل وجهة نظر الوزارة حول ردود الفعل التي أعقبت خطتها لرفع جودة أداء المعلم السعودي، لكن لم نحصل على أي رد منهم.