Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا ستستغرق بريطانيا وقتا أطول للتعافي الاقتصادي؟

تشهد أسوأ وأعمق ركود بين نظرائها بسبب فشل السياسات و"بريكست" وغياب الرؤية

بريطانيا معرضة أكثر من غيرها لتأثيرات ارتفاع أسعار الطاقة وأسعار الفائدة عالمياً (أ ف ب)

تشهد بريطانيا أسوأ ركود اقتصادي بين دول مجموعة السبع مع توقعات بأن يكون التعافي فيها الأضعف بين نظرائها العام المقبل، وأن تتحمل أسر المملكة المتحدة التبعات الأكبر لفشل السياسات الاقتصادية للحكومة.

تلك هي الخلاصة من المسح السنوي، الذي تجريه صحيفة "الفاينانشيال تايمز" وتستطلع فيه آراء كبار الاقتصاديين، فمن بين 101 من كبار الاقتصاديين البريطانيين توقعت الأغلبية أن تستمر الصدمة التضخمية الناجمة عن أزمة وباء كورونا وحرب أوكرانيا لفترة أطول في البلاد عنها بدول أخرى.

وسيجبر ذلك بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) على إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة مع استمرار الحكومة في سياسة التقشف المالي.

وقدر أكثر من 80 في المئة من الاقتصاديين المستطلعة آراؤهم أن تتخلف بريطانيا عن نظرائها في التعافي من الركود في ظل انكماش الناتج المحلي الإجمالي بالفعل واستمراره في الانكماش هذا عام 2023.

يواجه ثلث اقتصاد العالم ونصف دول الاتحاد الأوروبي احتمال الركود هذا العام، كما صرحت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا هذا الأسبوع، لكن الاقتصاد البريطاني في ركود بالفعل، ويتوقع أن يكون أطول وأعمق من بقية الدول التي أشارت إليها رئيسة الصندوق.

وتوضح التوقعات التي جمعتها وحللتها شركة "كونسينسس إيكونوميكس" انكماش الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة واحد في المئة خلال 2023، مقارنة مع انكماش بنسبة 0.1 في المئة بالمتوسط لدول منطقة اليورو، ونمو ضعيف بنسبة 0.25 في المئة بالولايات المتحدة.

تدهور المعيشة

من المتوقع أن يؤدي هذا الركود الأطول والأعمق إلى مزيد من الضغط على دخول الأسر البريطانية، تفاقمها زيادة كلفة الاقتراض، إضافة إلى استمرار ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.

ووصف كثير من الاقتصاديين الوضع بالنسبة إلى المستهلكين، خصوصاً أصحاب الدخول المتدنية ومن يدفعون أقساط رهن عقاري على بيوتهم، بأوصاف من قبيل "صعب" و"كئيب" و"قاس" و"مأسوي" و"مرعب".

يرى الاقتصادي المستقل جون فيلبوت "سيكون تأثير الركود في 2023 أكثر وطأة وأسوأ من تأثير وباء كورونا"، أما كبير الاقتصاديين في بنك "برينبيرغ" كالوم بيكرينغ فقال "سيكون تضافر انهيار القيمة الحقيقية للأجور وتشديد الوضع المالي (التقشف) والتصحيح في السوق العقارية من أسوأ ما يمكن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يخلص تحليل الصحيفة للمسح السنوي إلى أن بريطانيا معرضة أكثر من غيرها لتأثيرات ارتفاع أسعار الطاقة وأسعار الفائدة عالمياً، بسبب احتياجاتها من الغاز الطبيعي التي لا تتناسب مع سعة طاقة التخزين لديها وزيادة نسبة الفائدة المتغيرة على قروض الرهن العقاري.

وأشار كبير الاقتصاديين السابق في بنك إنجلترا تشارلي بين إلى أن معدلات التضخم المرتفعة ستبقى في بريطانيا أطول من أي مكان آخر بسبب النقص في سوق العمل "غير المسبوق حتى من دون تأثير الحرب في أوكرانيا".

بينما تلفت نائبة كبير الاقتصاديين في اتحاد الصناعات البريطانية آنا ليش إلى أن وضع سوق العمل "سيظل يفرمل آفاق النمو للشركات، ويؤدي إلى مزيد من الاضطرابات العمالية ويدفع معدلات التضخم للأعلى بشكل عام".

ويكرر أغلب الاقتصاديين المشاركين في المسح أن العوامل الذاتية في بريطانيا ربما كانت أكثر تأثيراً من العوامل الخارجية التي تؤثر في الاقتصاد العالمي ككل، ولهذا يستنتجون أن الركود الاقتصادي سيكون أسوأ تأثيراً وأكثر ضرراً في بريطانيا عن بقية الدول المماثلة لها.

عوامل ذاتية بريطانية

لا تقتصر العوامل الذاتية، التي تجعل الركود في بريطانيا أسوأ من بقية العالم المتأثر مثلها بأضرار أزمة وباء كورونا وحرب أوكرانيا على ضغط سوق العمل.

البروفيسور في كلية لندن للاقتصاد ريكاردو ريس قال "تعاني بريطاني صدمة طاقة مثل تلك التي تعرضت لها أوروبا، ومن مشكلة ارتفاع معدلات التضخم مثل تلك في الولايات المتحدة، لكنها تتفرد في مشكلة نقص العمالة بسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وأزمة النظام الصحي".

وحتى عندما يبدأ بقية العالم في التعافي من الركود الاقتصادي، ربما بنهاية هذا العام أو العام المقبل 2024، ستظل بريطانية متخلفة عن ركب التعافي كما يرى أغلب الاقتصاديين الذين شملهم مسح "الفاينانشيال تايمز"، وذلك بسبب مشكلات أساسية فاقمتها السياسات البريطانية، مثل ضعف الإنتاجية في الاقتصاد، وضعف الاستثمار في الأعمال، وتجاهل الحكومة للخدمات العامة بالبلاد، والضرر الهائل للتجارة البريطانية نتيجة بريكست.

ووصفت أستاذة الاقتصاد في جامعة كمبريدج دايان كويل الوضع بأن "بريطانيا في حال تدهور بنيوي وليس تباطؤ اقتصادي ضمن دورة اقتصادية".

وقالت كويل إنها لا ترى فرصة لتحسن الأحوال المعيشية في بريطانيا "ما لم نتحل ببعض العقلانية في علاقتنا التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وما لم تصبح هناك حكومة لديها استراتيجية اقتصادية طويلة الأمد يمكنها تمريرها من خلال البرلمان".

وذكر عدد من الاقتصاديين أن بريطانيا تعاني عدم كفاءة وعقم الوزراء بشكل واضح، وقارن كثيرون بين الوضع الحالي والسياسات الخاطئة للتعامل مع مشكلات العمل في سبعينيات القرن الماضي، لذا يرون أن التعافي حين يحدث سيكون ضعيفاً جداً "بسبب البريكست" وغياب أية خطة لدعم النمو على المدى الطويل.

أما المحافظ السابق للبنك المركزي القبرصي بانيكوس ديمترياديس فيصف وضع بريطانيا الآن بأنها "الرجل المريض في مجموعة الدول السبع"، وقال إن "الاقتصاد في مشكلات عميقة جداً أسوأ مما لو كان يدار بشكل جيد".

وأشار كبير المستشارين الاقتصاديين لبنك "أتش أس بي سي" ستيفن كينغ إلى "الحاجة المرة إلى استعادة الصدقية للوضع المالي بعد فوضى تراس – كوارتينغ".

وعلى رغم الصورة القاتمة والحديث عن الأسباب الداخلية البريطانية، فإن الاقتصاديين لا يتفقون على السياسة التي يتعين على الحكومة اتباعها للخروج من ذلك الوضع.