حذر علماء من أن نهراً جليدياً ضخماً بحجم ولاية فلوريدا الأميركية وصل إلى حافة الذوبان السريع، وقد يتسبب في ارتفاع كارثي في مستوى سطح البحر.
على الرغم من أن أزمة المناخ شهدت ارتفاعاً في درجات الحرارة وانخفاضاً في مستويات الجليد في القارة القطبية الشمالية، يعتقد العلماء حاضراً بأن الصفائح الجليدية الأكبر حجماً التي تحتوي على كميات ضخمة من المياه في القارة القطبية الجنوبية، معرضة لخطر الانهيار فعلاً، مع أنها كانت تعتبر مستقرة سابقاً.
في القارة القطبية الجنوبية، يعتبر نهر "ثويتس" Thwaites الجليدي واحداً من خمسة أنهار جليدية غير مستقرة تضاعف معدل خسارة الجليد فيها خلال السنوات الست الماضية.
في هذا الصدد، أشارت دراسة جديدة تناولت استقرار الغطاء الجليدي في القارة القطبية الجنوبية إلى أن ذلك النهر الذي يغطي 70 ألف ميل مربع (حوالى 126 ألف كيلومتر) من المنطقة، سيسرع تدفقه إلى المحيط على الأرجح.
ووفق بحاثة في "معهد جورجيا للتكنولوجيا" و"مختبر الدفع النفّاث في باسادينا" (تابع لوكالة "ناسا") وجامعة واشنطن، عندما يصل عدم الاستقرار في تلك الكتلة الجليدية إلى نقطة تحوّل، سيغدو من غير الممكن وقف عملية انهيارها وتدفق مياهها صوب المحيط، ما سيرفع مستويات البحار بمعدل يفوق ما توقّعه العلماء حتى الآن.
وأضافوا أن نماذج الكمبيوتر كلها أشارت إلى أن ذلك النهر الجليدي في طريقه إلى نقطة التحوّل التي لا رجوع عنها، وسيتبعها انهيار جليدي.
في أسوأ السيناريوهات، يمكن للجليد المتأتي من نهر "ثويتس" الجليدي أن يرفع مستوى سطح البحار عالمياً حوالى نصف متر في أقل من 150 عاماً، بحسب العلماء.
كذلك حذّر الفريق من أن بمجرد عبور النهر نقطة التحوّل، سنعجز عن وقف تدفق النهر الجليدي إلى البحر، حتى لو خُفِّضت درجات الحرارة العالمية.
ذكر قائد الدراسة أليكس روبيل، وهو أستاذ مساعد في كلية علوم الأرض والغلاف الجوي في "معهد جورجيا للتكنولوجيا"، إنه "بعد الوصول إلى تلك المرحلة من حالة اللااستقرار، سيواصل الغطاء الجليدي انهياره حتى إن لم يترافق ذلك مع مزيد من الارتفاع في درجات الحرارة... سيتابع التحوّل تطوّره من تلقاء نفسه، وذلك مصدر للقلق... في المقابل، ستبقى التغيرات المناخية مهمة بعد نقطة التحول تلك لأنها ستحدد مدى سرعة تحرك الجليد"، على ما ذكر روبيل.
كذلك أضافت هيلين سيروسي التي تعمل في وكالة "ناسا"، إنه "بعد بلوغ النهر الجليدي نقطة التحول، قد يفقد الجليد كله في غضون 150 عاماً، ما سيؤدي إلى ارتفاع مستويات مياه البحار حوالى نصف متر".
وبالمقارنة، ارتفع مستوى سطح البحر 20 سنتيمتراً حاضراً عمّا كان عليه قبل الاحتباس الحراري، وتُعزى زيادة فيضانات الساحل إلى ذلك.
وعبر حوالى ألفي عام، وصولاً إلى أواخر القرن التاسع عشر، بقيت مستويات سطوح البحار ثابتة تقريباً ولم تتخللها سوى تقلبات صغيرة فحسب، لكنها بدأت في الارتفاع لاحقاً، وفقاً لمؤسّسة "سميثسونيان" الأميركية.
أخذ المعدل السنوي لارتفاع مستوى سطح البحر في التضاعف منذ عام 1990 تقريباً.
ليست دراسة الزعزعة التي تعانيها الطبقة الجليدية في القارة القطبية الجنوبية مسألة سهلة، لكن نماذج الكمبيوتر التي تتوقع انهيار تلك الطبقة في المستقبل تزوِّد المراقبين وفرق النمذجة المناخية، بصورة عن المشاكل التي قد تتولّد عن تلك الظاهرة، إضافة إلى تقديمها مجموعة واسعة من السيناريوهات المحتملة.
كذلك تؤدي معرفة تلك السيناريوهات دوراً مهماً من الناحية العلمية، خصوصاً مع سعي علم الهندسة إلى لجم مخاطر الفيضانات.
أضاف د. روبيل أنّ العلماء "يرغبون في هندسة البنية التحتية المهمة كي تصير قادرة على مقاومة الحد الأعلى لسيناريوهات ارتفاع مستوى سطح البحر المحتملة بعد مئة عام من الآن... قد يُترجم ذلك في خطوات مثل بناء محطات معالجة المياه والمفاعلات النووية لمواجهة أسوأ سيناريو على الإطلاق الذي يتمثّل في ارتفاع مستوى سطح البحار بقرابة المتر جراء انهيار "ثوايتس"، ما يعني أن مستوى سطح البحار عموماً سيشهد ارتفاعاً هائلاً بالمقارنة مع مستواه حاضراً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحتوي القارة القطبية الجنوبية كميات هائلة من الجليد تقدر بقرابة 90 في المئة من إجمالي الجليد عالمياً. وعلى عكس القارة القطبية الشمالية، فإن معظم الجليد الذي تحتضنه موجود على اليابسة، ويبلغ متوسط سماكته 2.7 كليومتراً. كما يصل العمق الأقصى للغطاء الجليدي فيه إلى قرابة 4.8 كيلومتراً.
ونتيجةً لذلك، فإن انهيار طبقات الجليد في القارة القطبية الجنوبية يرسم سيناريوهات مستقبلية فائقة الخطورة، بشأن ارتفاع مستوى سطح البحر، بينما في القارة القطبية الشمالية نجد أن 90 في المئة من كتلة الجبل الجليدي غارقة في المياه فعلاً. من ثم، عندما يذوب الجليد فيها، يتقلّص حجمها مؤدياً إلى تغيّر طفيف في مستوى سطح البحار عالمياً.
ويعتقد العلماء أن عدم الاستقرار في بواطن "ثويتس" الجليدي، يرتبط بالتضاريس المميزة لتلك المنطقة التي تلتقي فيها الطبقة الجليدية بمياه البحار.
يمكن أن يتراجع "خط التلاقي بين قعر الطبقة الجليدية وقاع البحر"، تحت الأنهار الجليدية بسبب ارتفاع حرارة مياه المحيط التي تجرف الجليد.
في المناطق العميقة، يمكن للجليد الموجود فوق قاع البحر أن يتحرك بشكل أسرع بسبب المياه التي تؤمن له سرعة زائدة، ويمكن أن تسرِّع تلك العملية تحرّك الجليد.
يبيّن د. روبيل أنه "ما إن يتجاوز الجليد "خط التلاقي" ويصبح فوق مستوى الماء بقليل، حتى يبدأ في المساهمة في ارتفاع مستوى سطح البحر. ومع زيادة طفوه فوق المياه التي يتزايد تراكمها تحته، تتدفق كتل الجليد العائمة أو تنفصل أجزاء منها لتكون على هيئة جبال جليدية... وبالنتيجة، تستمر عملية ذوبان الجبل الجليدي في التقدّم من تلقاء نفسها"، ختمت د. سيروسي.
(نُشرت الدراسة في مجلة "وقائع الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم").
© The Independent