Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصير الأفلام ثلاثية الأبعاد سيحسم مع الجزء الثاني من أفاتار

أسكت الفيلم الأول أصوات الانتقاد للمخرج جيمس كاميرون ثم عادت لتعلو بعد 13 سنة من الصمت

المخرج جيمس كاميرون مع نظارات الرؤية بالأبعاد الثلاثية عقب إطلاق الفيلم الأصلي من أفاتار (ميدياكريتك.نت)

ثمة آمال كبيرة معلقة على فيلم "أفاتار: طريقة المياه" Avatar: The Way of Water. قد يبدو سخيفاً افتراض أن الجزء المتمم للفيلم [أفاتار] الذي حقق أعلى أرباح في تاريخ السينما، يشكل نوعاً من المقامرة، لكن الأمر كذلك. لقد مرت 13 عاماً منذ وصل "أفاتار" إلى دور السينما للمرة الأولى. وخلال هذه الفترة الفاصلة، تلقت مشهدية السينما ككل ضربات موجعة، إذ شهدت تراجعاً في عدد الجمهور، ومنافسة محمومة من قبل شركات خدمات تقديم الأشرطة المرئية - المسموعة بتقنية البث التدفقي، إلى جانب التضاؤل المطرد في الاستثمار بالأفكار الأصيلة. أبقى المخرج جيمس كاميرون موازنة فيلم "طريقة المياه" طي الكتمان، على رغم إقراره بأنه "عمل مكلف بشكل لا يصدق". لكن بحسب ذلك الصانع المخضرم للأفلام، يجب أن يكون "ثالث أو رابع" أكثر فيلم مربح على الإطلاق كي يغطي مجرد موازنته الضخمة. في الأحوال كلها، ربما هناك أمر آخر على المحك وراء واجهة الموازنات غير المضمونة والحماقة الرأسمالية هذه، هو مستقبل الأفلام الثلاثية الأبعاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من المستحيل تقريباً الحديث عن الأفلام الثلاثية الأبعاد من دون ذكر فيلم "أفاتار" الذي لا يختلف اثنان على أهميته المعادلة لقيمة فيلم "المواطن كين" Citizen Kane لكنه جاء مع تقنية تطلب من المشاهدين ارتداء نظارات خاصة كي يدركوا قيمته. استطراداً، لم يجسد "أفاتار" المحاولة الأولى لاستثمار الإمكانات الحقيقية للتقنيات الثلاثية الأبعاد. في الواقع، جرب صانعو الأفلام هذه التقنية منذ بدايات السينما، مما أدى إلى تحقيق ازدهار قصير المدى في خمسينيات القرن الماضي. (كان هناك اعتقاد سائد بأن هذه البدعة وصلت ذروتها مع فيلم الإثارة الرائع "أطلب إم للقتل" Dial M for Murder للمخرج ألفريد هيتشكوك الصادر عام 1954). ثم ظهرت عوائق، خصوصاً الكلفة (تطلبت الرسومات ضعفي كلفة الفيلم واحتاجت غالباً جهازي عرض) إلى جانب شيوع حالات الدوار لدى المشاهدين. بدأ تجاوز هذه العقبات مع حلول ثمانينيات القرن الماضي، وحدثت طفرة جديدة ترافقت مع ظهور تقنية الشاشات الضخمة "آي ماكس" [تعرض الأشرطة بتقنية الصور العالية الدقة]. تضاعفت شعبية الأفلام الثلاثية الأبعاد في العقد الأخير من الألفية الماضية وبداية القرن الحالي. شهدنا عدداً من أفلام الأطفال والمغامرات في هذا النوع من بينها "رحلة إلى مركز الأرض" Journey to the Centre of the Earth و"عودة سوبرمان" Superman Returns. ولم تمر فترة طويلة حتى أضيفت لمسة ثلاثية الأبعاد على الأفلام الكلاسيكية المحبوبة الحديثة (وغير الحديثة جداً) على غرار "حرب النجوم" Star Wars و"تايتانيك" Titanic و"ليون كينغ" [الأسد الملك] The Lion King).

بطبيعة الحال، لم تمر تجربة الأفلام الثلاثية الأبعاد من دون انتقادات. إذ رأى المشككون أنها مجرد تحايل، وقد تكون كذلك، لكن ذلك التحايل حقق نجاحاً باهراً. بالتالي، جاء "أفاتار" كي يشكل الفيلم الأول الذي بدا كأنه أسكت جميع المشككين. إذ إنه فيلم ضخم ناجح اعتمد بشكل أساسي على هذه التقنية. وبكل أمانة، استطاع الشعور بأن الصورة تغمر مجال رؤية المشاهد كلها، وهو الأثر الذي تحفزه الصور ثلاثية الأبعاد، أن يوصل المشاهد الخلابة والحياة النباتية في "قمر باندورا" المتخيل (المكان الذي يشهد حوادث الفيلم). وحتى أولئك المنتقدون لنص الفيلم وحبكته، توجب عليهم الاعتراف بأن "أفاتار" عبقري من الناحية التقنية. حققت الأفلام ثلاثية الأبعاد النجاح أخيراً.

في مسار مقابل، تبين أن علاقة حب الجمهور مع الأفلام الثلاثية الأبعاد تشكل أمراً عابراً. إذ أنتجت قلة من الأفلام المميزة في هذا النوع، بما فيها "ذا هوبيت"The Hobbit  للمخرج بيتر جاكسون و"جاذبية" Gravity للمخرج ألفونسو كوارون، إذ يعتبر الأخير نقطة تحول مهمة في عالم الأفلام الثلاثية الأبعاد. لكن ما إن بدأ فيلم "أفاتار" بمغادرة صالات السينما حتى فتر الحماس تجاه الأفلام الثلاثية الأبعاد، على رغم إمكانية الزعم بأن هذه الأفلام باتت أكثر انتشاراً من أي وقت مضى. ووفق ما أشار إليه كاميرون في مقابلة أجراها أخيراً مع موقع محرك البحث الشهير "ياهوو"، فقد ارتفع عدد شاشات السينما التي تدعم التقنية الثلاثية الأبعاد بشكل ملحوظ حول العالم خلال السنوات الـ12 الأخيرة، من ستة آلاف إلى 120 ألفاً. وبحسب كاميرون، فإن "سبب هذا الارتفاع مرده إلى خيار المستهلك. إذا أحب الناس، بإمكانهم مشاهدة الأفلام بتقنية الأبعاد الثلاثية، أو بإمكانهم مشاهدتها ببعدين إذا لم يحبوا ذلك".

كيفما دار الحال، لقد مرت سنوات منذ أثار إصدار فيلم ثلاثي الأبعاد النقاشات. نادراً ما تعرض الأفلام الرائجة باستخدام هذه التقنية أمام النقاد، وحتى في حال الأعمال التي حصدت أرباحاً بمليارات الدولارات، لم تكن مسألة توفرها بتقنية ثلاثية الأبعاد مهماً، إذ يبدو أن هذا الأمر لا يزيد من جاذبية الفيلم الفنية بعد الآن. باتت هذه التقنية جزءاً من عملية الإنتاج برمتها لا أكثر، مجرد "إضافة" اختيارية، تماماً كأن تحدد إن كنت تفضل الفشار مالحاً أو حلواً أو تختار حجم عبوة المشروب الغازي الذي تريده. لا أعتقد شخصياً أنه يجب استخدام عبارة "خيار المستهلك" في الفن حقاً، وبالنظر إلى الوقت والمال والبراعة الفنية الموظفين في "طريقة المياه"، لا أظن أن كاميرون يؤيد استعمالها أيضاً.

بالطبع ليس في صالح الأفلام ثلاثية الأبعاد أن تصور معظم الإنتاجات الضخمة من دون أخذ مسألة البعد الثالث في الحسبان. وفي غالب الأحيان، يأتي تحويل الأفلام إلى ثلاثية الأبعاد بعد تصويرها أوفر وأكثر جدوى بالنسبة إلى الشركات المنتجة [بالمقارنة مع كلفة تصويرها أصلاً بالتقنيات الثلاثية الأبعاد]. كذلك تتفاوت جودة عمليات التحويل هذه بشدة. وقد تعرضت النتيجة النهائية للأعمال الرديئة للسخرية، على غرار ما حصل مع فيلم "صراع الجبابرة"  Clash of the Titan الذي رفض مخرجه لوي ليترييه نسب نسخته الثلاثية الأبعاد المروعة إلى نفسه. وقد اتهم بعض النقاد العمل بأنه "أخرج ثورة الأفلام ثلاثية الأبعاد عن مسارها". كذلك تزايد بروز بعض السلبيات. إذ تباع تذاكر هذا النوع من الأفلام بسعر أعلى بينما تكون جودة الصورة أقل غالباً، إلى جانب تلك النظارات التي يتوجب على المشاهدين ارتداؤها.

في المقابل لم تفقد التقنية الثلاثية الأبعاد فرصها تماماً. فبعيداً من ضجيج هوليوود، تمكن بعض المخرجين من ابتكار أفكار إبداعية باستخدام تلك التقنية. في سنة 2014 مثلاً، وظف المخرج الفرنسي الأسطوري جان لوك غودار التقنية الثلاثية الأبعاد في فيلمه "وداعاً للغة"Goodbye to Language حينما استخدم في تصويره كاميرات مصممة خصيصاً لهذا الغرض، فكسر أعرافاً كثيرة سادت لزمن طويل في صناعة الأفلام الثلاثية الأبعاد. وفي عام 2018، أصدر المخرج الصيني بي غان فيلمه "رحلة يوم طويل إلى الليل" A Long Day’s Journey Into Night، وهو عمل فريد مصاغ كأنه حلم تنتقل حوادثه في منتصف الطريق إلى عالم ثلاثي الأبعاد من خلال مشهد تعقب مذهل طوله ساعة كاملة مصور كلقطة مستمرة.

في المسار عينه، ثمة أمر يجب عدم التقليل من أهميته هو قيمة الأفلام الثلاثية الأبعاد كعلامة فارقة بالنسبة إلى صناعة السينما. فمع التهديد المتزايد الذي تشكله خدمات البث التدفقي الشبكي للأشرطة المصورة، بالنسبة إلى ما يعرف بالتجربة المسرحية، يغدو مستطاعاً أن يؤدي عرض عمل ثلاثي الأبعاد كـ"أفاتار: طريقة المياه" إلى توفير تجربة للمشاهدين لا يمكنهم الحصول عليها في المنزل. كانت هناك سوق متواضعة لأجهزة التلفاز الثلاثية الأبعاد خلال فترة وجيزة من العقد الماضي، لكن الطلب عليها سرعان ما تلاشى. (تخلت مؤسستا "بي بي سي" و"سكاي" عن إنتاج البرامج الثلاثية الأبعاد بسرعة كبيرة، وتوقف تصنيع أجهزة التلفاز الثلاثية الأبعاد كلياً منذ ذلك الحين).

كخلاصة، علينا الانتظار كي نرى مدى قدرة فيلم "أفاتار: طريقة المياه" على إنقاذ صناعة الأفلام الثلاثية الأبعاد من الانقراض. ومن دون شك، قد يرى بعضهم أن هذه الصناعة لا تحتاج إلى إنقاذ حتى. في المقابل، ثمة مخاوف تتجاوز مسألة مبيعات التذاكر. فحينما نرى مشاهد "أفاتار" الفاتنة تغمرنا من كل جانب، قد نتذكر نحن وصناع الأفلام الآخرون، لماذا قد يكترث أي شخص أصلاً بالتقنية الثلاثية الأبعاد. ليس هذا نضالاً من أجل الأرباح القصيرة المدى لهذه الأفلام، بل من أجل جوهرها. وإذا أرادت هوليوود حقاً أن يرى الناس هذه الأفلام بوصفها تمثل أكثر من تحايل سخيف مكلف، سيتطلب الأمر ما هو أكثر من مجرد استخدام نظارات خاصة.

 

بدأ عرض فيلم ’أفاتار: طريقة المياه‘ في دور السينما في 16 ديسمبر (كانون الأول).

© The Independent

المزيد من سينما