Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المفاوضات الروسية - الأوكرانية بين الواقع والمأمول

ضرورة الحوار الروسي - الأميركي ووقف ما يطرحه الجانبان من شروط مع كل يوم جديد

زيلينسكي وبوتين يحضران اجتماعاً حول أوكرانيا مع الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية في قصر الإليزيه 9 ديسمبر 2019 (أ ف ب)

عادت فكرة المفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني إلى ما هو أشبه بالطريق المسدود، فبينما عاد الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، مدعوماً باستقبال "أسطوري" في البيت الأبيض والكونغرس الأميركي، إلى المغالاة في شروطه، بإضافة شرط العودة إلى خطوط 1991 (تاريخ انهيار الاتحاد السوفياتي)، ودفع التعويضات وتقديم الضمانات اللازمة لحماية أمن واستقلال وسيادة أوكرانيا، أعلن نظيره الروسي فلاديمير بوتين عن استعداد موسكو للجلوس إلى مائدة المباحثات من دون قيد أو شرط، لكن بوتين أشار في الوقت نفسه إلى ضرورة مراعاة الواقع الراهن على الأرض، بما يعني الانطلاق من واقع ما استولت عليه موسكو من أراضٍ، سواء قبل 24 فبراير (شباط)، موعد بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أو ما قبل هذا التاريخ، في إشارة إلى ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا في 2014.

مساحات الخلاف بين الجانبين لا تزال عميقة، ومن دلالاتها ما يقول باستحالة التوصل إلى الهدف الذي ينشده كل من الجانبين، فضلاً عما يضيفانه من شروط، مع كل يوم جديد، لكن هناك من مفردات الواقع الراهن، وما يتراءى بين ثنايا التطورات الجارية، ما يشير أيضاً إلى أن هناك ما يمكن الانطلاق منه صوب "إجلاس" الأطراف المتحاربة إلى مائدة المباحثات.

فالرئيس بوتين أعلن صراحة عن استعداد بلاده إلى الجلوس إلى مائدة المفاوضات، والرئيس زيلينسكي سبق ووافق على ما توصل إليه وفده الأوكراني في إسطنبول من نتائج في المباحثات التي جرت مارس (آذار) الماضي مع نظيره الروسي تحت رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

يذكر المراقبون أن تلك المباحثات توصلت آنذاك إلى موافقة الجانب الأوكراني على التخلي عن فكرة الانضمام إلى "الناتو"، ونشر الأسلحة الاستراتيجية في أراضي أوكرانيا، وحتى فاجأ زيلينسكي المنطقة والعالم بالتراجع عن هذا الاتفاق، معلناً عن شروطه "التعجيزية" حول ضرورة العودة ليس فقط إلى حدود ما قبل 24 فبراير الماضي، بل وإلى حدود عام 1991 تاريخ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.

وكانت نتائج إسطنبول يمكن أن تحول من دون ما جرى لاحقاً من تطورات، منها ضم روسيا للمناطق الأوكرانية الأربع، فضلاً عن تفادي كل ما لحق بالجانبين من دمار وخراب وضحايا بشرية هائلة.

تباين الرؤى والمواقف

الواقع الراهن يقول بتباين الرؤى والمواقف تجاه مدى استمرارية الحرب، والقدرة على تنفيذ كل من الطرفين لما يرومه من أهداف، وها هو زيلينسكي يعود من واشنطن منتشياً بما جرى من استقبال "أسطوري"، نجح هو شخصياً وبحكم نشاطه السابق كفنان ومنتج مسرحي، في وضع ما يريده من لمسات فنية، لإضفاء أكبر قدر من لمحات الإثارة والإبهار، ليزيد من تشدده وإصراره على التمسك بمواصلة القتال.

ومن هذه اللمحات مشهد تقديمه للعلم الأوكراني ممهوراً بتوقيعات عدد من المقاتلين على جبهة القتال الروسية - الأوكرانية، في أعقاب كلمته التي ألقاها بالكونغرس الأميركي، إلى جانب ما حرص على اختياره من مفردات، على غرار "أن ما تقدمه الولايات المتحدة لأوكرانيا من دعم مالي وعسكري ليس صدقة، بل هو استثمار في مجال دعم الديمقراطية والأمن العالمي".

وكان زيلينسكي، وتعليقاً على ما قاله جو بايدن حول أن الرئيس الأوكراني "منفتح على تحقيق السلام" في أوكرانيا، تعمد الإعلان عن موقفه من المباحثات مع موسكو بتأكيد "عدم رغبته في تقديم تنازلات لتحقيق "سلام عادل". وقال "إن العالم عادل بشكل مختلف بالنسبة لنا جميعاً، بالنسبة إلي كرئيس السلام العادل ليس حلاً وسطاً على أرضنا وسلامة أراضينا وسيادتنا، وهذا هو أهم شيء". أضاف، "أنه ولتحقيق السلام يريد أيضاً تعويضاً عن الخسائر التي لحقت بأوكرانيا".

أما عن ردود الأفعال في موسكو، فثمة من يقول إن ذلك كله، بما فيه ما قررت الإدارة الأميركية إرساله إلى أوكرانيا من أسلحة حديثة ومنظومات "باتريوت" التي قال الرئيس بوتين إنها "منظومات قديمة تعرف روسيا كيفية التعامل معها"، لن يحول دون ضرورة الجلوس إلى المباحثات، سعياً وراء التوصل إلى الأهداف المنشودة.

وبقدر يتسم بكثير من الاستخفاف، استقبلت موسكو الرسمية ما قاله زيلينسكي حول "أن انسحاب القوات الروسية إلى حدود عام 1991 هو السبيل الوحيد لوقف الحرب، وأن الفرق الوحيد الذي يتحدث عنه هو ما إذا كنا سنطردهم، أم أنهم سينسحبون من تلقاء أنفسهم، إذا تراجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الآن إلى حدود عام 1991، فسيبدأ مسار الدبلوماسية المحتمل".

القول الفصل

وكانت موسكو قد كشفت غير مرة عن أن "القول الفصل" في شأن الموقف من استمرار القتال يتوقف بالدرجة الأولى على قرار الإدارة الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولتأكيد ذلك أعادت المصادر الروسية إلى الأذهان ما كشف عنه كثير من موفدي واشنطن إلى كييف من مواقف، بما في ذلك في معرض الاتصالات الثنائية، السرية منها والمعلنة مع الجانب الروسي، ومنها ما جرى في أنقرة بين جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي وسيرغي ناريشكين رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

كما أكد مراقبون كثيرون في موسكو وغيرها من العواصم العالمية أن المباحثات الروسية - الأوكرانية، لا بد أن تكون مسبوقة بحوار روسي - أميركي يحدد الموقف من المباحثات التي يجب أن تبدأ من دون أية شروط مسبقة.

وبغض النظر عن تباين مواقف وتصريحات الجانبين من هذه المباحثات، إلا أن هناك في موسكو من يبدو على يقين من حتمية هذه المباحثات التي قال بوتين إنها مآل أية صراعات أو مواجهات عسكرية.

رؤية معقولة للواقع

كما نقلت وكالة أنباء "تاس" عن غريغوري كاراسين رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد، ما قاله حول "أن المسؤولين الأوروبيين والأميركيين، ممن لديهم رؤية معقولة للواقع، ويراودهم القلق في شأن صراع شامل محتمل مع روسيا، سيجبرون زيلينسكي على التفاوض مع روسيا، إن عاجلاً أو عاجلاً".

وفسر كاراسين ما خلص إليه أمس (23 ديسمبر)، بقوله "إن هؤلاء السياسيين الأميركيين القلائل قلقون من احتمال حدوث صدام كبير مع روسيا".

وفي تلميح يرقي حد التصريح، قال كاراسين إنه "على يقين من وجود مخاوف خاصة واضحة لدى الدول الأوروبية التي في الطليعة، وقد تكون معرضة بشكل مباشر للأعمال العدائية، إنهم يفهمون هذا جيداً، لأن استراتيجيي كييف الحاليين ليس لديهم رأس"، على حد تعبيره. وذلك ما قد يفسر ما أصدره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من بيان قال فيه "إن انضمام أوكرانيا إلى الناتو سيكون خطوة صوب المواجهة ضد روسيا".

وكان ماكرون أكثر وضوحاً لدى تفسير موقف بلاده من الأوضاع الراهنة، بما قاله في معرض حديثه إلى صحيفة "لوموند" الفرنسية، حول "أن روسيا تنظر إلى انضمام أوكرانيا إلى (الناتو) بوصفه (أمراً تصادمياً)، على رغم أنه هو نفسه لا يعتبر سيناريو قبول كييف في الحلف أكثر احتمالاً".

كما أعاد الرئيس الفرنسي تأكيده على ضرورة أن تشمل استراتيجية الأمن والاستقرار في أوروبا ضمانات أمنية لروسيا وأوكرانيا وبقية جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.

إطالة أمد الحرب

ومن الواضح في هذا الصدد، بل ومن المؤكد أن هناك من يظل صاحب مصلحة مباشرة في إطالة أمد الحرب والمواجهة التي تلقي بإسدالها على مختلف جوانب العلاقات الإقليمية والدولية، وذلك ما تبدو شواهده في تذبذب وارتباك حركة الاتصالات واللقاءات التي تتوالى منذ ما قبل اندلاع "العملية العسكرية الروسية الخاصة" التي كشفت موسكو الرسمية عن أنها استبقت بموعدها في 24 فبراير الماضي، ما كان ينتوي الجانب الأوكراني بدعم مباشر من جانب بلدان (الناتو)، شنه من عمليات عسكرية في الثامن من مارس (آذار) من العام الحالي.

ومن هنا يجرى تفسير المواقف المتضاربة من "المباحثات الروسية - الأوكرانية" التي لا يتوقف الحديث عنها منذ بدايات المواجهة العسكرية بين الجانبين.

وثمة ما يشير إلى أن المستفيدين من إطالة أمد الصراع والمواجهة المسلحة يبدون أكثر الأطراف حرصاً على التصريح بالشيء ونقيضه، وذلك يبدو واضحاً فيما يصدر من تصريحات تدعو إلى المباحثات وتبحث ظروف إجرائها، وكل ما يتعلق بموضوعاتها، في الوقت نفسه الذي يعود فيه أصحابها إلى ما ينثرونه من عراقيل على طريق بدء هذه المباحثات، من خلال ما يقدمونه من دعم مالي وعسكري، وما يقومون به من تدريبات للأوكرانيين والمتطوعين، تمهيداً للدفع بهم إلى أتون العمليات القتالية، فضلاً عن توالي الإدلاء بالتصريحات التي تتضمن مع كل يوم جديد مزيداً من الشروط التي تفرغ مجمل أهداف المباحثات من محتواها.

فما أن تحول الرئيس الأوكراني إلى طرح مزيد من شروطه، ومنها العودة إلى حدود 1991 بدلاً من 23 فبراير (شباط) 2022، حتى تحول الجانب الروسي أيضاً إلى إعلانه عن أنه "لن يتم إجراء مفاوضات جادة في شأن الضمانات الأمنية طالما بقي مدربون ومرتزقة (الناتو) في أوكرانيا، وحتى يتم التعرف على الحقائق التي تحددها روسيا على الأرض".

وقف الأسلحة والأموال

ونقلت وكالة "تاس" عن مدير إدارة أميركا الشمالية ألكسندر دارشيف ما أشار إليه حول أنه من السابق لأوانه بدء أي مفاوضات جادة في شأن الضمانات الأمنية المرتبطة بأوكرانيا وأوروبا الأطلسية قبل "وقف ضخ الأسلحة والأموال لنظام زيلينسكي، وسحب الأفراد العسكريين من المرتزقة والمدربين الأميركيين وحلف شمال الأطلسي، والاعتراف بالحقائق التي حددناها على أرض الواقع".

وفي حديثه إلى وكالة "تاس" أعاد المسؤول الدبلوماسي الروسي إلى الأذهان ما سبق وقدمته موسكو من وثائق إلى الإدارة الأميركية و"الناتو" منذ ما يقرب من العام، في شأن ما تطلبه من ضمانات أمنية، فضلاً عما أشار إليه أيضاً حول تعمد الأوساط الغربية خداع الجانب الروسي من خلال المماطلة وعدم تنفيذ "اتفاقيات مينسك"، إلى حين إعداد القوات المسلحة الأوكرانية وتدريبها على ما قدمته بلدان "الناتو" من أسلحة ومعدات حديثة، استعداداً لما يشهده العالم اليوم من مواجهات عسكرية في المنطقة.

وقال دارشيف إن ذلك يدعو موسكو إلى طرح شروطها حول "ضرورة وقف إمدادات الأسلحة وتحويل الأموال إلى كييف".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير