Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل حول احتمالات المفاوضات السلمية بين روسيا وأوكرانيا

الضربات ضد المطارات والأضرار التي لحقت بالقاذفات الاستراتيجية لا يمكن ألا تكون لها عواقب 

رجال الإطفاء يحاولون إخماد النيران في بناية تعرضت للصواريخ الروسية في كييف (رويترز)

عاد الجدل ليحتدم حول احتمالات المفاوضات السلمية بين روسيا وأوكرانيا، في توقيت مواكب لتصعيد من الجانب الأوكراني، وصل إلى المقاتلات الاستراتيجية في الداخل الروسي، من دون اعتراف بهوية من قام بهذا العمل، الذي ثمة من يقول في موسكو إنه كان يستهدف استفزاز موسكو إلى الحد الذي كان من الممكن معه "التورط" في رد "نووي". 

ولعله من الغريب في هذا الصدد أن تظل هذه "الحادثة"، يكتنفها غموض شديد لأسباب كثيرة، منها ما سارعت المصادر الأوكرانية إلى محاولات "طمس" صلتها به، في الوقت الذي أعلنت صابرينا سينغ المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية أن "البنتاغون لم يكن على علم مسبق باستهداف أوكرانيا لأراض روسية، وأن واشنطن لا تنسق مع كييف في كل شيء"، على رغم اعتراف مصادر روسية بوصول المسيرات الأوكرانية إلى ريازان على مسافة 200 كلم فقط من العاصمة موسكو. 
وكتب معلق موقع قناة "روسيا اليوم" الحكومية ألكسندر نازاروف أن "الحادثة" ضربة ناجحة "عديمة الجدوى"، لكنه سارع ليقول إن "الضربات ضد المطارات والأضرار التي لحقت بالقاذفات الاستراتيجية لا يمكن ألا تكون لها عواقب". 
التصعيد العمدي
وإذ اعتبر نازاروف هذه الحادثة شكلاً من أشكال التصعيد العمدي، ومحاولة تستهدف جر روسيا إلى "معركة حاسمة"، قال إنها من "الممكن أن تكون سبباً تستند إليه روسيا لاستخدام الأسلحة النووية بموجب عقيدة الدفاع الروسية، التي تنص على أن ’توجيه ضربة ضد حاملات الأسلحة النووية يمكن الاستناد إليه كأساس لضربة نووية انتقامية‘". 
وفي محاولة لمزيد من تفسير عدم الالتفات إلى مثل هذه الحادثة بالقدر الواجب، ظهر من يقول بخطأ الاعتقاد في أن مثل هذه الضربات انتقال إلى مستوى جديد من المواجهة. 
بينما قال آخرون إن "الضربات على المطارات من وجهة النظر النفسية وبالنسبة إلى سكان روسيا، ليست أكثر أهمية من الهجوم على الطراد ’موسكو‘ خلال الأشهر الأولى للعملية العسكرية الروسية الخاصة، أو تدمير خط أنابيب الغاز ’السيل الشمالي‘، وحتى أقل أهمية من الهجوم الإرهابي على جسر القرم، والانسحاب من منطقة خاركيف".
ولم يكن الرئيس فلاديمير بوتين ليقف صامتاً إزاء مثل هذه التفسيرات، ويقول في اجتماع أخير مع عدد من ممثلي الأوساط المعنية بتطوير المجتمع المدني وحقوق الإنسان "إننا لم نصب بالجنون، نحن ندرك ماهية الأسلحة النووية"، مشيراً إلى أن روسيا ليست هي التي تحدثت عن إمكانية استخدام هذا النوع من الأسلحة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما تندر بوتين بما سبق وقالته ليز تراس الرئيسة السابقة للحكومة البريطانية، حول استعدادها للقيام بذلك، في الوقت الذي ينتفض فيه العالم، في حال ما إذا صدرت مثل هذه التصريحات عن أي مصادر روسية، مؤكداً في الوقت نفسه على أن روسيا لا تمتلك أسلحة نووية فحسب، بل "وفي شكل أكثر تقدماً وحداثة من أية دولة نووية أخرى". وخلص الرئيس الروسي إلى القول إن الأسلحة النووية عنصر ردع، معرباً عن تمنياته بأن يفهم الجميع ذلك، وهو ما اعتبره مراقبون كثر بمثابة التلميح الذي يرقى إلى حد التصريح!

مواقف القيادات الغربية
من هنا يمكن التوصل إلى استنتاج مفاده، بأن هناك من يسعى نحو التصعيد، "لحاجة في نفس يعقوب"، على حد القول العربي المأثور. وفي هذا الصدد وتفسيراً للجدل الذي يحتدم حول التردد الذي يعتري مواقف القيادات الغربية، ومنها الأوكرانية تجاه ضرورة سرعة "المفاوضات السياسية"، كشفت مصادر روسية عن أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يظل المستفيد الأول من استمرار "الحرب" الأوكرانية - الروسية، في الوقت الذي عادت فيه السلطات الأميركية إلى مواقفها التي تتسم بكثير من التأرجح تجاه هذه القضية. وإذا كان زيلينسكي أفصح عن أكثر من موقف تجاه هذه المباحثات، التي طرح لقبولها كثيراً من الشروط التي يعلم الجميع سلفاً باستحالة قبول الجانب الروسي لأي منها، فإنه عاد ليقول إن الحرب ستضع أوزارها في عام 2023، من دون أن يكشف عما يستند إليه في مثل هذه التوقعات. 
من جهتها قالت مصادر روسية إن انتهاء الحرب لا بد وأن تعقبه ضرورة الحساب والمراجعة ليس فقط عن المسؤول عن التورط فيها، بل وأيضاً مراجعة لكل ما جرى إنفاقه، وبحثاً عن أسباب ما تكبدته أوكرانيا من خسائر مادية وضحايا بشرية. وكانت مصادر أميركية كشفت عن إمداد السلطات الأوكرانية بما يزيد على 100 مليار دولار، إلى جانب ما يتم سداده بموجب برنامج "ليند ليز" الذي صادق عليه الكونغرس في أبريل (نيسان) من العام الحالي، فضلاً عما تدفق على أوكرانيا من معونات مالية وتبرعات متباينة الأشكال، من جانب بلدان الاتحاد الأوروبي، وغيرها من البلدان الحليفة للولايات المتحدة.
محاولات تملص أميركية
من الملاحظ أن الجانب الأميركي يحرص في الآونة الأخيرة على استمرار محاولات التملص من مسؤولية كثير من تصرفات القيادة الأوكرانية، على ضوء ما يستعر من خلافات داخلية بين أعضاء الفريق الواحد. وقد سارعت واشنطن لتعرب عن قلقها للمنحى التصعيدي في الخطاب الأوكراني على الصعيدين الداخلي والخارجي، في الوقت الذي أعلن فيه جون كيربي المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأميركية عدم مسؤولية الجانب الأميركي عن قرارات كييف بشأن ضرب العمق الروسي، ومنها ما يتعلق بالهجوم على المطارين العسكريين الروسيين "دياغيليفو" في ريازان، و"إنغيلس" في ساراتوف، إلى جانب تأكيد إن أوكرانيا قامت بذلك من دون الرجوع إلى الولايات المتحدة والناتو، أو التشاور معهما.
وثمة من يقول في هذا الصدد إن تأكيد المصادر الأميركية على عدم مسؤوليتها عن حادثة المسيرات التي استهدفت أحد أهم مطارت المقاتلات الاستراتيجية الروسية، يبدو اعترافاً ضمنياً بما يتردد حول أن المخابرات البريطانية هي التي أمدت أوكرانيا بها، في الوقت الذي أعلن فيه آخرون أن "هاتين العمليتين جرى تنفيذهما بتوجيه من الأقمار الاصطناعية في الوقت الفعلي". وأشارت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" الروسية، إلى أن ذلك "وبحسب الخبراء جعل من الممكن توجيه الضربة أثناء تزويد الطائرات بالوقود والذخيرة الكاملة، مراهنين على تفجيرها"، وهو ما أكده أوليغ تساريف النائب السابق في البرلمان الأوكراني، بقوله "من بين جميع الاحتمالات، هذا هو الاحتمال الأكثر منطقية". 
ومن اللافت أن موسكو اعترفت بوقوع الحادثتين، وبما قامت به الدفاعات الأرضية من رد أسفر عن إسقاط هذه المسيرات الأوكرانية، وما نجم عن ذلك من "مصرع 3 جنود وإصابة 4، وإلحاق أضرار طفيفة بطائرتين". 
لكنها وفي الوقت الذي تعترف فيه على مضض بوقوع مثل الهجمات "المثيرة للجدل"، تبدو مضطرة إلى الكشف عما قد يشفي "غليل" الأوساط السياسية والاجتماعية الروسية، بتصريحات على غرار ما  أعلنته وزارة الدفاع الروسية من توجيه ضربات صاروخية دمرت 17 موقعاً قيادياً، ومخازن أسلحة وخزانات وقود لقوات كييف، في مناطق متفرقة بأوكرانيا.
تصريحات 
جاءت هذه التصريحات لتكون حلقة في سلسلة ما تكشف عنه موسكو من تفسيرات وردود أفعال على ما يجرى توجيهه إليها من اتهامات بقصف البنية التحتية وكبريات المدن الأوكرانية، وتحميلها مسؤولية ما ينجم عن ذلك من تدمير لشبكات الطاقة والمياه والمواقع الحيوية. 
وثمة من يرى في هذه التصريحات أيضاً، ما تحاول السلطات الروسية تقديمه من تفسيرات لتبرير ما تنشره عبر نشرات الأخبار اليومية والبرامج الحوارية من مشاهد مروعة، نتيجة استخدام القوات الأوكرانية للصواريخ الأميركية HIMARS”"، التي يصل مداها إلى الأراضي الروسية، بما ينجم عنه من دمار هائل وضحايا بشرية كثيرة بمناطق الجوار القريب، سواء في المناطق الأوكرانية السابقة التي أعلنت روسيا ضمها بموجب الاستفتاءات الشعبية في سبتمبر (أيلول) الماضي، أو في مقاطعتي بيلجورود وكورسك الروسيتين المتاخمتين لشمال الحدود الأوكرانية. 
اقرأ المزيد

المزيد من تقارير