Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عملية خطف الباخرة "أكيلي لاورو" بدأت في البحر وانتهت في الجو

حملة تعقب أميركية لمحمد عباس ورفاقه بدأت مصر ووصلت إلى إيطاليا ويوغوسلافيا واختتمت في بغداد

سفينة "أكيلي لاورو" في ميناء الإسكندرية (أ ف ب)

أعاد اختفاء الضابط السابق في الاستخبارات الليبية أيام عهد العقيد معمر القذافي في ليبيا أبو عجيلة محمد مسعود رفع الستار عن عملية تفجير طائرة لوكربي في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1988، خصوصاً بعد أن كانت الولايات المتحدة طالبت بتسليمه إليها، وبعد أن ظهر أنه أصبح فيها موقوفاً من دون الكشف عن طريقة نقله إليها، ومع إعلان وزارة العدل الأميركية عن أنه سيخضع للمحاكمة. وقد سبق لواشنطن أن خطفت أو حاولت خطف متهمين بخطف الطائرات وبالإرهاب لمحاكمتهم، وكان محمد عباس (أبوالعباس) وأربعة رفاق له من بينهم، بعد أن شاركوا في خطف الباخرة السياحية "أكيلي لاورو".

في 23 أبريل (نيسان) 1996، اعتبر زعيم جبهة التحرير الفلسطينية محمد عباس (أبوالعباس) الذي وصل إلى قطاع غزة قبل يوم واحد للمشاركة في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني أن عملية خطف الباخرة الإيطالية "أكيلي لاورو" في عام 1985 باتت من الماضي بعد توقيع اتفاقات السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وقال "نحن في وضع جديد وكل ما حدث قبل اتفاق السلام يجب أن نأخذه في الاعتبار، ولكن يجب ألا يحاسب بعضنا بعضاً على أمور سبقت عملية السلام لأنها من الماضي. كان خطف السفينة أكيلي لاورو خطأ والقتل (قتل راكب أميركي) خطأ ولكن الخطأ من الطرفين. الخاطفون أخطأوا في الخطف والقتل والأميركيون أخطأوا عندما خطفوني".

ولكن تلك لم تكن خاتمة هذه القضية التي هزت العالم عندما خطف أبوالعباس وعناصر تابعة له باخرة الركاب السياحية الإيطالية قبل 11 عاماً من عودته إلى غزة. وإذا كان تم السماح له بالعودة على رغم هذه التهمة التي ظلت تتعقبه، فتلك العودة لم تكن نهاية الطريق، والعفو لم يكن أميركياً.

في أواخر التسعينيات انتقل أبوالعباس للعيش في العراق الذي كان تحت سلطة الرئيس صدام حسين. وفي أبريل 2003 بعد احتلال القوات الأميركية بغداد وسقوط صدام، حاول أبوالعباس الهرب إلى سوريا ولكنه لم يستطع، وتمكنت القوات الأميركية من القبض عليه وأودعته السجن بعد أن فشلت في خطفه بعد خطف الباخرة، لتعلن وفاته في الثامن من مارس (آذار) 2004 بسبب سكتة قلبية. ورفضت إسرائيل السماح بدفنه في الأراضي الفلسطينية فتم دفنه في دمشق ليسدل الستار على قصته بينما بقيت قصة خطف الباخرة حية في كتاب الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية والذين تتهمهم بالاعتداء على مصالحها حول العالم ولا تزال تلاحقهم كما فعلت مع الليبي أبوعجيلة مسعود.

رحلة غير سياحية

في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 1985 أبحرت الباخرة السياحية الإيطالية "أكيلي لاورو" من مرفأ الإسكندرية وعلى متنها 454 راكباً بمن فيهم الطاقم. وعندما أصبحت في عرض البحر خرج أربعة مسلحين من حجرتهم إلى ظهر الباخرة وكان الركاب منصرفين إلى تمضية أوقاتهم التي أرادوها ترفيهية، وفجأة لعلع الرصاص وعلا الصراخ قبل أن يأمر المسلحون الركاب بالتجمع في مكان واحد على متن السفينة معلنين أنها مخطوفة وأنهم يسيطرون عليها.

كانت السفينة أبحرت قبل ثلاثة أيام من ميناء جنوى الإيطالي وعلى متنها 700 راكب، وبعد أن رست في الإسكندرية اختار عدد من الركاب القيام بجولة سياحية في مصر، ونجوا من عملية الخطف. وفي اتصال مع ميناء الإسكندرية طالب الخاطفون بإطلاق 50 معتقلاً فلسطينياً من السجون الإسرائيلية وأعلنوا أنهم من جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة محمد عباس (أبوالعباس) وقد أعطى ممثل عنها في القاهرة لائحة بأسماء هؤلاء المعتقلين. أمر الخاطفون ربان السفينة بالتوجه إلى ميناء طرطوس في سوريا وكان في نيتهم أن تتولى دمشق الوساطة في شأن تنفيذ مطالبهم، كما حصل عند خطف طائرة الركاب الأميركية "تي دبليو أي" قبل أربعة أشهر، ولكن السلطات السورية رفضت هذا الأمر فعادت السفينة إلى الإسكندرية.

وبعد أن حشر الخاطفون الركاب في مكان صغير اقتادوا أميركياً يهودياً يدعى ليون كلينغ هوفر، كان مشلولاً ويستعمل كرسياً بعجلات، إلى حافة السفينة وأطلق أحدهم طلقة واحدة على رأسه فقتل وتم رمي جثته في البحر. لم يسمع الركاب صوت الرصاص ولم يعلموا ما حل بالرجل الذي كانت زوجته أيضاً على متن السفينة. سألت عن مصير زوجها وأين أخذوه وماذا حل به ولكنهم لم يقولوا لها. بعدها أعلم الخاطفون سلطات ميناء الإسكندرية أنهم قتلوا راكباً أميركياً وطلبوا تنفيذ مطالبهم، ولكن من دون أن يتم التأكد من قتل الراكب ومن دون التزام أي جهة بتنفيذ هذه المطالب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في التاسع من أكتوبر، وبعد أن أيقن الخاطفون أن العملية لن تحقق أهدافها وأن هناك ضغطاً كبيراً لإنهائها، وافقوا على تسليم أنفسهم لممثل عن منظمة التحرير الفلسطينية حضر إلى الميناء. رست السفينة في الميناء وصعد إليها عدد من رجال الأمن المصريين واقتادوا المسلحين بعد أن سلموا أسلحتهم، وعلى الأرض كان ينتظرهم ممثل عن منظمة التحرير تسلمهم ووضعوا في سيارة نقلتهم إلى جهة غير محددة.

وزير خارجية مصر وقتها عصمت عبدالمجيد قال إن الخاطفين سيغادرون مصر إلى الخارج بناءً على الاتفاق الذي حصل مع منظمة التحرير ولكن لم يكن قد تأكد بعد خبر قتل الراكب الأميركي. وبعد أن صار الخبر مؤكداً بعد الإفراج عن الركاب، أبدت واشنطن استياءها من الخطوة المصرية بينما كان الرئيس المصري حسني مبارك يعلن أن "الخاطفين غادروا مصر قبل أن نعلم بقتل الأميركي ولو علمنا بذلك لغيرنا موقفنا. أعتقد أنهم باتوا لدى منظمة التحرير الفلسطينية وقد قبلنا أن نتسلمهم ونرسلهم إلى الخارج وهم قبلوا ذلك".

الغضب الأميركي

شعرت واشنطن بالغضب وطلبت محاكمة الخاطفين في دولة ذات سيادة وكانت كل الأجهزة مستنفرة لرد انتقامي، وقد أعلن الرئيس الأميركي رونالد ريغان أن "الخاطفين يستحقون الإعدام".

من خلال مصادر معلوماتهم ووسائل التجسس الإلكترونية المتطورة تأكد الأميركيون أن الخاطفين كانوا لا يزالون في مصر وتأكدوا من تحديد الطريقة التي سيتم خروجهم منها بواسطتها وحددوا اسم الطائرة التي ستنقلهم ورقم الرحلة.

في 11 أكتوبر أقلعت من مطار القاهرة طائرة "بوينغ-737" تقل الخاطفين ومعهم محمد عباس (أبوالعباس) رئيس جبهة التحرير الفلسطينية وأحد معاونيه أبوالعز. في الوقت نفسه أقلعت من على متن حاملة الطائرات الأميركية "ساراتوغا" في البحر المتوسط أربع مقاتلات حربية "أف-14". توجهت "البوينغ" نحو تونس ولكن السلطات التونسية منعتها من الهبوط وكذلك رفض اليونان هبوطها، وفي بحثها عن مكان تحط فيه وصلت إلى أجواء جزيرة كريت بينما كانت الطائرات الحربية الأميركية تقترب منها وتأمرها بتغيير مسارها. ونتيجة التشويش الإلكتروني لم تستطع "البوينغ" الاتصال بمطار القاهرة أو أي مطار آخر، ورضخت للأوامر الأميركية وهبطت في قاعدة عسكرية تابعة لحلف شمال الأطلسي في جزيرة صقلية، وانتشر الخبر في العالم كله وعلق عليه الرئيس ريغان بالقول للخاطفين "تستطيعون أن تهربوا ولكنكم لا تستطيعون أن تختبئوا".

ولكن على رغم نجاح العملية كان القانون الدولي يحول دون تمكن واشنطن من القبض على الخاطفين واقتيادهم لمحاكمتهم على أراضيها، فقد أعلنت إيطاليا أن الجريمة حصلت على أراضيها باعتبار أن السفينة "أكيلي لاورو" من ضمن هذه الأراضي التي تخضع للسيادة الإيطالية. ولذلك قررت أن تتم محاكمة الخاطفين على أراضيها ورفضت تسليمهم إلى واشنطن. ولذلك تم تحويل الطائرة من مطار صقلية إلى قاعدة "سيغونيلا" العسكرية في إيطاليا وعلى متنها الخاطفون وأبوالعباس وأبوالعز والطاقم ورجال أمن مصريون.

وتسلمت السلطات الإيطالية الخاطفين الأربعة وأبوالعباس وأبوالعز وبقي الطاقم مع رجال الأمن المصريين على متن الطائرة. كان يمكن أن تحدث العملية أزمة دولية، إذ إن هناك عملية خطف رسمية أميركية لطائرة مصرية دخلت دولة ثالثة طرفاً فيها، لكن مصر لم تكبر الموضوع وكانت على تواصل مع واشنطن وروما.

السجن والمحاكمة

في 12 أكتوبر أودعت إيطاليا الخاطفين في سجن "سيراكوزا" بينما نقلت الطائرة المصرية مع الطاقم ورجال الأمن وأبوالعباس وأبوالعز إلى مطار "تشامبينو" العسكري قرب روما. ومن هناك نقل أبوالعباس وأبوالعز إلى مطار "ليوناردو دا فنشي" حيث كانت تنتظرهم طائرة مصرية لتنقلهم إلى دولة ثالثة. صعدا إلى الطائرة ولكن بعد قليل تم تغيير الخطة فانتقلا إلى طائرة يوغوسلافية أقلعت بهما واتجهت نحو بلغراد. وربما كان هذا التغيير يعود إلى استحالة اعتراض الطائرات الأميركية طائرة يوغوسلافية لأن مثل هذا الأمر يخلق مشكلة مع الاتحاد السوفياتي وحلف "وارسو". اكتفت واشنطن بالاحتجاج لدى إيطاليا وأصدرت وزارة العدل الأميركية مذكرة توقيف غيابية بحق أبوالعباس، وأكد الناطق باسم البيت الأبيض أننا "سنعثر عليه".

في 13 أكتوبر عادت الطائرة المصرية إلى مصر مع طاقمها ورجال الأمن بينما اختفى أبوالعباس. وقالت واشنطن إنها ستستمر في ملاحقته كأي إرهابي آخر، وبعد ثلاثة أيام تم العثور على جثة الأميركي المقتول مقابل شاطئ طرطوس في سوريا. تم نقل عدد من الركاب إلى إيطاليا حيث تعرفوا إلى الخاطفين الذين تم اتهامهم بعملية الخطف قبل أن تبدأ محاكمتهم.

قرار الاتهام أخرج سوريا من العملية واعتبر أن دمشق لم تكن تنسق مع الخاطفين واتهم أبوالعباس بأنه دبر عملية الخطف ودرب ومول الخاطفين، وأنه لم يكن هناك أساس لتوقيفه عندما نقل مع الخاطفين إلى إيطاليا لأنه لم يكن مشتبهاً فيه، وأن الخاطفين تلقوا تدريبات في الجزائر وانتقلوا إلى تونس ثم إلى إيطاليا حيث استقلوا السفينة في ميناء جنوى.

في 18 يونيو (حزيران) 1986 بدأت محاكمة ثلاثة خاطفين في مدينة جنوى هم ماجد الملقي وإبراهيم عبداللطيف وأحمد الأسدي، لأن الرابع بسام الأشقر كان قاصراً عند حصول العملية وتمت إحالته إلى محكمة الأحداث، وحوكم مع الثلاثة أيضاً محمد عيسى عباس، ابن عم أبوالعباس، وسعيد غندورة بتهمة التواطؤ، كما اتهم تسعة آخرون لم يتم توقيفهم ومن بينهم أبوالعباس. وفي 10 يوليو (تموز) صدرت الأحكام وقضت بالسجن غيابياً مدى الحياة على محمد عباس واثنين من معاونيه هما عز الدين بدرخان وزياد العمر، وسجن ماجد الملقي قائد العملية 30 سنة، وإبراهيم عبداللطيف 24 سنة، وأحمد الأسدي 15 سنة، ومحمد عباس ستة أشهر، وسعيد غندورة ثمانية أشهر. ولم تكن واشنطن راضية عن هذه الأحكام، وقالت إنها ستتابع مسألة تسليمهم إليها بينما كان الرئيس رونالد ريغان يشكل مجموعة خاصة لمكافحة الإرهاب، وخصصت وزارة العدل الأميركية مكافأة مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات عن أبوالعباس.

في عام 1991 نجح أحمد الأسدي في الفرار من السجن وكذلك فعل المتهم القاصر بسام الأشقر، الأمر الذي خلق تساؤلات عما إذا كان هذا الأمر حصل نتيجة تسهيلات لقاء تعاونهما مع التحقيق. وفي 26 فبراير (شباط) 1996 تمكن المتهم الرئيس ماجد الملقي من الفرار بالطريقة نفسها عندما سمح له بالخروج من السجن لمدة 12 يوماً، ولكن بعد 24 ساعة من هربه قبضت عليه الشرطة الإسبانية في إستيبونا جنوب غربي إسبانيا في عملية مشتركة نفذها تحريون إيطاليون وإسبان.

المزيد من تقارير