Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا سلمت حكومة الدبيبة مواطنها لواشنطن في قضية لوكربي؟

بعد مثوله أمام قاضية فيدرالية... القضاء الأميركي يؤكد أن أبوعجيلة محمد مسعود لا يواجه عقوبة الإعدام

أكدت الولايات المتحدة الأميركية رسمياً الإشاعات التي راجت في ليبيا منذ أسابيع عن تسلمها المتهم الليبي الأخير في قضية لوكربي أبوعجيلة محمد مسعود، من حكومة الوحدة في طرابلس، بعد اختفائه بشكل غامض إثر اقتحام مجموعة مسلحة بيته في العاصمة، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ومع ظهور الحقيقة شنت أطراف ليبية كثيرة هجوماً لاذعاً على حكومة عبدالحميد الدبيبة، بعد سماحها بفتح هذا الملف من جديد، وهو الذي أقفل باتفاق رسمي بين واشنطن وطرابلس عام 2008، عقب دفع نظام معمر القذافي وقتها تعويضات ضخمة بعشرات المليارات من الدولارات للولايات المتحدة الأميركية.

لا يواجه الإعدام

وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها الإثنين 12 ديسمبر (كانون الأول) أن القضاء الأميركي أكد أن الليبي المتهم بصنع القنبلة التي استخدمت لتفجير طائرة بانام الأميركية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية في 1988، في هجوم أوقع 270 قتيلاً، لا يواجه عقوبة الإعدام.

ولدى مثول أبوعجيلة محمد مسعود (71 سنة) أمام قاضية فيدرالية في محكمة بواشنطن في جلسة استماع مقتضبة، أبلغ الليبي بالتهم الموجهة إليه ومن بينها خصوصاً "تدمير طائرة أوقع قتلى". لكن على رغم خطورة هذه التهم فإن مسعود المولود في تونس، لا يواجه خطر الإعدام، لأن هذه العقوبة لم تكن مطبقة على الصعيد الفيدرالي في الولايات المتحدة في 1998 في ما يتعلق بالتهم الموجهة إليه.

وخلال الجلسة التي تواصل فيها مسعود مع المحكمة بواسطة مترجم، أبلغ المتهم بأنه سيظل موقوفاً حتى موعد الجلسة الثانية في 27 ديسمبر الحالي والتي يمكن خلالها لوكلاء الدفاع عنه أن يقدموا طلباً لإطلاق سراحه. وأكدت النيابة العامة مسبقاً أنها ستعترض على أي طلب لمنح المتهم إطلاق سراح مشروطاً.

ورحب وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند بنقل المتهم إلى الولايات المتحدة لمحاكمته على أراضيها. وقال غارلاند في بيان إن "هذه خطوة مهمة في تحقيق العدالة للضحايا وأحبائهم".

وكان القضاء الأميركي وجه الاتهام إلى مسعود غيابياً في 21 ديسمبر 2020 حين كان الأخير موقوفاً في بلده. ويومها قالت واشنطن إنها "متفائلة" بإمكانية تسلمه من طرابلس.

والأحد، أعلن مدعون عامون اسكتلنديون أن مسعود بات محتجزاً لدى السلطات الأميركية، لكن من دون أن يوضحوا كيف نقل من ليبيا إلى الولايات المتحدة. وفي بيان مقتضب اكتفى البيت الأبيض بالقول إن الولايات المتحدة أوقفت المتهم "بشكل قانوني".

وبعيد وصوله إلى الولايات المتحدة، نقل مسعود إلى منشأة تابعة لوزارة العدل في ألكسندريا بولاية فيرجينيا لإتمام المراحل الأولى من معالجة ملفه.

وأدين شخص واحد حتى الآن على خلفية تفجير رحلة "بان أميركان 103" في 21 ديسمبر 1988، في اعتداء هو الأكثر دموية الذي تشهده الأراضي البريطانية.

وانفجرت الطائرة التي كانت متوجهة إلى نيويورك بعد 38 دقيقة من إقلاعها من لندن، مما أدى إلى سقوط هيكلها في بلدة لوكربي بينما تناثر الحطام على مساحة شاسعة. وأسفر التفجير عن مقتل 259 شخصاً، بينهم 190 أميركياً، كانوا على متن الرحلة، إضافة إلى 11 شخصاً كانوا على الأرض.

وأمضى ضابط المخابرات الليبي السابق عبدالباسط المقرحي سبع سنوات في سجن اسكتلندي بعد إدانته في هذه القضية عام 2001، وتوفي في ليبيا عام 2012. ولطالما دفع المقرحي ببراءته.

وأبوعجيلة محمد مسعود هو مسؤول استخبارات ليبي سابق وجهت إليه تهم في الولايات المتحدة بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب، ويزعم المسؤولون الأميركيون أنه ساعد في صنع القنبلة التي أسقطت الطائرة فوق بلدة لوكربي.

وفي نوفمبر الماضي أصدرت عائلة أبوعجيلة مسعود، بياناً طالبت فيه المسؤولين في ليبيا بـ"محاسبة حكومة الوحدة الليبية بتهمة اختطافه وسجنه غير المشروع وإطلاق سراحه فوراً".

وقالت العائلة إنه "عند الساعة الواحدة والنصف تقريباً بعد منتصف الليل يوم 16 نوفمبر داهم أشخاص مسلحون يرتدون ملابس مدنية، منزلهم الكائن بمنطقة أبوسليم في طرابلس باستخدام القوة، واختطفوا المواطن الليبي أبوعجيلة واقتادوه إلى جهة غير معلومة". وقالت مصادر ليبية وقتها إن الميليشيات سلمته بمعرفة حكومة الدبيبة إلى السلطات الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تساؤلات بالجملة

وانتقد رئيس المحكمة العليا الأسبق والخبير القانوني المستشار عبدالرحمن أبو توتة تسليم المواطن الليبي المختطف أبوعجيلة محمد مسعود إلى الولايات المتحدة الأميركية، وطرح مجموعة من التساؤلات عن عملية التسليم، "وفقاً لأي إجراءات تم التسليم ومتى طلب المدعي العام الأميركي تسليم هذا الرجل؟ ولماذا لم يطلب تسليمه من قبل أسوة بالراحل عبدالباسط المقرحي والأمين فحيمة؟ وهل ظهرت أدلة جديدة بعد تسوية ملف قضية لوكربي في عام 2008؟ وأخيراً ما الغاية من تسليم هذا الرجل بعد مضي هذه السنين الطوال على حدوث الواقعة؟".

وأضاف "إذا افترضنا جدلاً أن هناك دليلاً ضد الرجل فهل سيقدم للمحاكمة، وما موقف المحكمة من اتفاق التسوية بين الدولتين الذي ينص على إسقاط جميع القضايا في شأن هذه الواقعة، وعدم قبول أي دعاوى جديدة في شأنها أمام المحاكم الأميركية، سواء ضد الدولة الليبية أو مؤسساتها أو رعاياها من الأشخاص الطبيعيين؟".

ورأى أبوتوتة أنه "ينبغي على الدولة الليبية رفع دعوى ضد الولايات المتحدة الأميركية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، لتفسير نص معاهدة التسوية التي تمنع ملاحقة أشخاص آخرين في قضية لوكربي، لا سيما أن هذا الاتفاق تم التصديق عليه من الكونغرس الأميركي والرئيس بوش الابن، وجرى إيداع نسخة منه لدى الأمم المتحدة".

موقف يندى له الجبين

أما عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي فاعتبر أن تسليم المواطن أبوعجيلة مسعود المريمي إلى أميركا، بدعوى تورطه في قضية لوكربي، "موقف يندى له الجبين". ووصف الدرسي هذه الخطوة بأنها "علامة سوداء فارقة في تاريخ السياسة الداخلية والخارجية الليبية".

وأشار إلى أن "هذه القضية أقفلت، بعد أن دفع فيها الشعب الليبي ثمناً باهظاً بعد وساطة وشهادة دول كبرى وعظمى في المنطقة وعلى المستوى الدولي، ودفعت فيها مليارات الدولارات من ليبيا لطي صفحتها".

وتساءل النائب البرلماني "ما المصلحة في أن يعاد فتح القضية؟ وما الصفقة التي عقدت بين حكومة الدبيبة وواشنطن، خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة للسفير الأميركي وحكومة بلاده التي تثني على حكومة الدبيبة وتغير موقفها منها 180 درجة في الآونة الأخيرة؟".

فتح تحقيق فوري

من جهته، طالب عضو مجلس النواب علي العيسوي النائب العام بفتح تحقيق فوري في احتجاز الولايات المتحدة الأميركية المواطن أبوعجيلة محمد مسعود.

وقال العيسوي "لا نقبل بهذا التصرف غير المسؤول أبداً، ونذكر أن موضوع قضية لوكربي أقفل باتفاق ثنائي بين ليبيا والولايات المتحدة بعد دفع ليبيا التعويضات المقررة".

وزير الداخلية الليبي السابق إبراهيم بوشناف، علق على عملية تسليم المتهم الليبي مسعود إلى واشنطن، قائلاً "أعلن اليوم وبشكل مفاجئ وخلافاً لكل التوقعات أن المواطن الليبي أبوعجيلة مسعود المريمي أضحى أسيراً لدى الولايات المتحدة الأميركية، وليس لنا في هذا المقام إلا تذكير المسؤولين الأميركيين بتعهداتهم وتشريعاتهم الصادرة بالخصوص".

وتابع بوشناف في سلسلة تدوينات على مواقع التواصل "نص الاتفاق الموقع بين ليبيا وأميركا عام 2008 في المادة 3 على (قبول الطرفين للتسوية المادية في مقابل تلك القضايا وتعتبر هذه الأموال المدفوعة تسوية كاملة ونهائية تماماً، ولا يجوز بعدها فتح أية مطالبات جديدة عن أي أفعال ارتكبت من الطرفين بحق الآخر قبل تاريخ 30 يونيو 2006)".

وأشار إلى أنه "وفي المادة (ب - 3) الملحق تم تأكيد التزام الولايات المتحدة بتوفير الحصانة السيادية والدبلوماسية لليبيا، وبألا يتسلم أهالي الضحايا أي تعويضات من الصندوق المشترك المخصص للغرض إلا بعد توفير هذه الحصانة وهو ما تم بالفعل عبر مراسيم رئاسية وتشريعية أميركية".

وأضاف "أصدر الكونغرس الأميركي القانون رقم 110-301 الصادر في أغسطس (آب) 2008، الذي نص على أن تكون الممتلكات الليبية والأفراد الليبيون المعنيون في مأمن من الحجز أو أي إجراء قضائي آخر، عن طريق النائب بالكونغرس وقتها جو بايدن، الذي تقدم بهذا التشريع".

وبين أنه "وفي 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2008 وقع الرئيس الأميركي جورج بوش، مرسوماً رئاسياً ينص على التزام الولايات المتحدة بتسوية الالتزامات المطلوبة منها التي ارتكبها مواطنوها، على أن تلتزم ليبيا بالمبدأ نفسه مع الإنهاء التام لأية مطالبات مستقبلية، وإقفال أية قضايا مفتوحة من قبل عائلات الضحايا سواء أمام المحاكم المحلية والأجنبية، وذلك بعد قيام بعض العائلات برفع قضايا ضد ليبيا بشكل منفرد وحصولها على أحكام بتعويضات مالية ضخمة إلا أنها أصبحت هي والعدم سواء بعد هذا الاتفاق".

دفاع عن عملية التسليم

في المقابل، واصلت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس التزام الصمت وعدم التعليق على إعلان واشنطن تسلمها أبوعجيلة محمد مسعود منها، بينما دافع المحلل السياسي الأميركي ذو الأصول الليبية محمد بويصير عن العملية، معتبراً أن "المواطن الليبي أبوعجيلة مسعود سيحاكم بعدالة أميركية لا يعرفها في بلده".

وقال بويصير إن "أبوعجيلة المريمي، الذي يبدو أنه جلب في عملية خاصة، والمولود في تونس ويحمل الجنسية الليبية، سيمثل أمام القاضي يوم الإثنين في العاصمة واشنطن، وسيتمتع بعدالة لا يعرفها في بلده، وسيكون على الادعاء إثبات اتهاماته أمام المحلفين وفي وجود هيئة للدفاع، ولكن إذا دين فهو الإعدام".

المزيد من تقارير