Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مرايا الأسلاف... هل أيقظ الإرهاب وثنية غرب أفريقيا؟

ستكون المعركة المقبلة بين التنظيمات المتطرفة وأتباع المعتقدات الأرواحية حول السيطرة على نمط الحياة

في ظل عجز الدول عن توفير الأمن لمواطنيها نشطت شرائح عدة بحثاً عن قوة عليا للحماية (اندبندنت عربية- حسن حامد)

تشهد منطقة غرب أفريقيا تغيرات عميقة مست القيم الاجتماعية والثقافية، وتغيرت تبعاً لها طبيعة التهديدات الأمنية المرتبطة بعدم الاستقرار السياسي. وعندما ظهرت فواعل جديدة مؤثرة على المفهوم التقليدي للأمن كانت منطقة غرب أفريقيا هي مسرحها، فانتشر نشاط التنظيمات الإرهابية كـ"القاعدة" و"داعش" جنباً إلى جنب مع الجريمة المنظمة مثل الاتجار بالبشر والتهريب خلال العقدين الماضيين، مما أثر على الاستقرار الداخلي للمجتمعات.

وفي ظل عجز الدولة عن القيام بوظائفها الأساسية بما فيها توفير الأمن والاستقرار الداخلي لمواطنيها، وكرد فعل نشطت شرائح مجتمعية عدة في البحث عن قوة عليا تبث الأمان والحماية وتساعدها على مواجهة الأخطار المحيطة بها من جهتين، الأولى الممارسات الاستبدادية للنظم المحلية، والثانية التنظيمات الإرهابية المسلحة التي مثلت دولة داخل الدولة بجيوشها وهياكلها ومؤسساتها، خصوصاً أنه مع التطرف الديني ظهر مبدأ التكفير الذي استهدف عنفه الجميع من دون استثناء.

شهدت مجتمعات المنطقة العودة إلى المعتقدات الأرواحية القديمة التي تميزها الطقوس المتبوعة بالتعاويذ الشفهية الغريبة ولبس التمائم و"الأحجبة" والإيمان بعدد من الآلهة والاعتقاد في الأرواح بأنها محاطة بقوة عليا ولها قدرات فوق الطبيعة تساعد على شفاء الأمراض بالتقرب إليها.

وعلى الرغم من مرور المنطقة بمرحلة ازدهار للديانتين المسيحية والإسلامية، واتباع سكان الممالك القديمة ثم دول المنطقة عدداً من الديانات التي تحظر التعامل بالسحر، فإن السحرة في غرب أفريقيا لهم وضعهم الخاص الذي يبدأ من التبجيل والتقديس إلى الحصول على وظائف مرموقة كمستشارين للسياسيين والحكومات ونجوم الفن وكرة القدم وأصحاب المال والأعمال.

عودة الأرواحية

 قال أستاذ علم الأجناس والأنثروبولوجي بجامعة الخرطوم عبدالباسط سعيد "لدى بعض المجموعات في غرب أفريقيا معتقدات خاصة في موسم الحصاد لمباركة المحصول الجديد. كان هذا في السابق قبل دخول الديانات السماوية، لكن لم تمح هذه المعتقدات من الثقافات وظلت تظهر في فترات زمنية مختلفة، آخرها ما حدث خلال هذا القرن بعد النزاع العقائدي بين المجموعات الدينية المختلفة ثم بروز التنظيمات الإرهابية".

وتابع سعيد "تتنوع القرابين بين صلوات مرفوعة إلى القوى الأرواحية التي قد تكون أرواح ملوك أو أسلافاً مثل ما تعتقد قبيلة الأكانا في غانا وقبيلة اليوروبا في نيجيريا أو قرابين مذبوحة من حيوانات أو طقوس سحرية وتعاويذ".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "مع أن هذا النوع من المعتقدات الأرواحية في بقاع مختلفة من العالم يعود بجذوره إلى إثنيات ومجتمعات قديمة، فإننا نجد في منطقة غرب أفريقيا أن عودتها الأخيرة ارتبطت بإحدى الديانات السماوية، وفي الأصل تكون هذه المجتمعات قد قاومت دخول المسيحية أو الإسلام إلى المنطقة، وعندما انضمت لإحدى الديانتين ظلت محتفظة بتقاليدها الأرواحية القديمة".

وعن الاشتباكات الإثنية العنيفة التي نشبت في مدينة ماسنتا جنوب جمهورية غينيا، التي أودت بحياة 10 أشخاص نتيجة صراعات عقائدية بين طائفة "توما مانيا" ذات الأغلبية المسلمة وإثنية "توما" التي يعتنق أغلبيتها العقيدة الأرواحية "الإحيائية" خلال العامين الماضيين، أبان سعيد أن "العقيدة الإحيائية أحد المعتقدات الأرواحية، ويشتهر أتباعها بممارسة السحر ويعتقدون أن كل مكونات الوجود من نباتات وجبال وبحار أو الظواهر الطبيعية مثل البرق والرعد والمد والجزر والرياح، لديها أرواح. ويعتمدون على هذه العناصر الطبيعية في ممارسة طقوسهم الأرواحية، ولديهم فلسفات خاصة لتفسير سر الحياة والموت والقدر وغيرها".

وأشار إلى أن "الإحيائية لا تقتصر على أفريقيا وحدها، فقد ذكرها الأنثروبولوجي الإنجليزي إدوارد تايلور في ثلاثينيات القرن الـ19، ولكن نسبة إلى كثافة وجودها في المجتمعات البدائية، فقد عادت من جديد في أفريقيا بعد أن انحسرت في مناطق أخرى من العالم".

تداخل مع الصوفية

بعض الدراسات قدرت "نسبة المنتمين للأديان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والمكونة من 43 دولة، بنحو 70 إلى 100 مليون نسمة، بينما تعد أكبر نسبة لأتباع الأديان في أفريقيا للمسيحية ثم الإسلام، وذلك بنسبة تتراوح بين 40 و45 في المائة".

 في هذا الخصوص أوضح أستاذ الأنثروبولوجي أن هناك ديانات أرواحية مثل السيريرية في منطقة غرب أفريقيا خصوصاً السنغال، ويؤمن أتباعها بآلهة عدة يعتقدون أن أكبرهم الإله "روغ" الذي يتواصل مع الأسلاف، ويعتمد عليه في عودة بقية الأرواح التي لا تفنى بسبب الفساد أو غيره إلى الحياة، أما الآلهة الأقل مكانة فهي تحت رعاية الإله الكبير "روغ"، ولكل منها مهمة خاصة من تقديم القرابين وتجهيز الأشجار المقدسة والأضرحة وغيرها.

 

وأفاد سعيد بأن "هناك تداخلاً واضحاً بين الصوفية والسيريرية، إذ ظل ارتباط الناس الوجداني بشيوخ الطرق الصوفية كبيراً، وزاد بالتوسل إليهم لتقديم الحماية لهم من بطش الحكام واللجوء إليهم للشفاء من الأمراض، وتستحضر أرواح شيوخ هذه الطرق وتتم زيارة أضرحتها لتلبية أي احتياجات من الزواج إلى الإنجاب إلى الثراء وغيرها. والآن تقف معتقدات السيريرية عند النقطة ذاتها، وأسهم في تصاعد بريقها النفور من التنظيمات الإرهابية، كما أن جماعات كـ(القاعدة) و(داعش) منذ بدايات دعواتهم التكفيرية ظلوا يلاحقون أتباع الطرق الصوفية والسيريرية معاً من دون استثناء، باعتبار أن ممارسات الأولى بدعة ليست من الإسلام، والثانية كفر ووثنية".

وتابع "من أوجه التشابه بين السيريرية والصوفية أيضاً التسامح الكبير في المعتقدات، إذ إن الشخص لا يرغم أو ينبذ إذا لم يتبع المذهب، ولكن سيحرم من هالة القدسية إذا اتبع الحياة المادية".

المركزية الإثنية

أما الباحث التاريخي الشريف محمود، فقال إن "مجتمعات غرب أفريقيا ومثلها في منطقة جبال النوبة بالسودان، تعاني مما يسمى المركزية الإثنية، وتتفشى فيها الصراعات بسبب أن كل إثنية تعتقد أنها الأصل والأفضل ومركز الوجود الاجتماعي وتدعي النقاء. وهؤلاء لا يتنازلون عن وراثة أرواح الأسلاف، ولكي يحدث هذا لا بد أن يعيش الشخص حياة خالصة لا تتلوث بمعتقدات الإثنيات الأخرى".

وأوضح "تندفع هذه المجتمعات نحو التوجس والشك من الآخرين المختلفين باعتبارهم غرباء مما يؤدي إلى الصدامات الإثنية".

وأردف "في المقابل هناك معتقدات تتجسد فيها اللامركزية الإثنية، وتعكسها معتقدات (الفودو) التي تمارس في دول غرب أفريقيا خصوصاً نيجيريا وغانا وبنين وتوغو. ويتصورون أن الكون كله عبارة عن كيان واحد، يحكمه إله غيبي يسمى أولورون خلق إلهاً أصغر في شكل أفعى ضخمة تسمى "أوباتالا" ولكنها تمردت فخلق أولورون آلهة عدة تنتشر أرواحها في الفضاء لتساعد الناس وتحاسبهم بالثواب أو العقاب الفوري".

صراع السيطرة

في دولة مالي حيث تنشط الجماعات الإرهابية في مجتمع ينتمي نحو 95 في المئة منهم إلى الإسلام حشدت مجموعات منهم مسيرات في العاصمة باماكو، بسبب إهانة أحد أفراد ديانة أرواحية تسمى "الكيميتية" المقدسات الإسلامية. وهكذا عادت الديانة الأرواحية إلى الوجود لتدعو هذه المرة إلى التخلي عن الديانات الإبراهيمية بوصفها ديانات دخيلة على أفريقيا وهي السبب في دخول تنظيمي "القاعدة" و"داعش" إلى المنطقة.

وبخصوص ذلك قال الباحث التاريخي "الكيميتية تحولت من معتقد أرواحي إلى حركة سياسية تنادي بنقاء الأصل الزنجي، وتعتقد أن القارة السمراء هي مركز التاريخ والحضارة الإنسانية، وتنادي بعدم خلط الأصل الزنجي بالعنصر العربي أو الديانات من خارج القارة وعلى الخصوص الثقافة الإسلامية. وتنادي بفكرة الوحدة الأفريقية لشعوب أفريقيا جنوب الصحراء على ألا تشمل شمال القارة".

وأضاف أن "هذا العداء والتعصب الفكري قد يقف مقابلاً للتعصب والتطرف الديني الذي تمثله الجماعات الإرهابية مما يفاقم حال عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وينتهج الفكران حدوداً فاصلة مبنية على وسائل إقصائية تحدد وتضع الحواجز بين المجموعات الإثنية بناء على معتقدها".

وعليه يمكن القول، إنه إذا كان العامل المشترك بين الجماعات الإرهابية وأتباع بعض المعتقدات الأرواحية في قارة أفريقيا هو اعتقاد كل منها بأن من حقها السيطرة على نمط حياة بقية المجتمع بإعادة صياغته دينياً وسياسياً واجتماعاً، فإن المعركة المقبلة ستكون حول من يملك هذه الأحقية، خصوصاً في ظل فشل الحكومات في استتباب الأمن بمكافحة الإرهاب وإزالة عوامل بقائه.

المزيد من تقارير